ومات لوقته -لا رحمه الله تعالى- فلقد ارتكب جسيماً ، وأتى عظيماً، وحَسَنٌ هذا الذي ذكره هو أخو الإمام الحسين بن علي هذا وقتل في ذلك اليوم فأبلوا بلاءً عظيماً، وأعذروا في القتال عن نفوسهم وأديانهم حتى إستشهدوا جميعاً ما انحرف منهم واحد، ولا ولى العدو ظهره إلاَّ متحرفاً لقتال كما أمر الله - تعالى- وما بقي منهم إلاَّ من كانت جراحته خفيفة فعبر بين القتلى إلى الليل ثم لحق بجهته وهو الأقل ، فلما قتل قطعوا رأسه وأمروا به إلى هاديهم إلى النار موسى بن محمد، ودفن بدنه هنالك، وله قيل: إحدى وأربعون سنة، ولم يخالطه الشيب.
[كرمه وفضله(ع)]
وكان كاملاً في جميع الخصال، واختص من الكرم بما لم يعرف في أحد من العرب والعجم مثله، فعُوتب على كثرة الإنفاق وتفريق الأموال، فقال: (والله ما أحسب لي عليه أجراً ؛ لأن الله تعالى يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}[آل عمران:92] ، والله ما هو عندي وهذه الحصاة إلاَّ في منزلة واحدة ـ يعني المال ـ).
وجاء فيه([52]) من الحديث أن النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- بلغ ذلك المكان الذي قتل فيه -عَلَيْه السَّلام- فصلى بالناس ركعتين، فلما صلى ركعة بكى فبكى المسلمون من حوله مكانه ، فقيل : ممَّ بكيت يا رسول الله؟، قال: ((أخبرني جبريل -عَلَيْه السَّلام- أن رجلاً من ذريتي يقتل هاهنا، يكون لكل شهيد معه أجر شهيدين))([53]).
________________________
([52]) ـ رواه أبو الفرج الأصصفهاني في المقاتل (ص366) بسنده عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر.
([53]) - رواه في مقاتل الطالبيين (366، 367) بسنده إلى أبي جعفر محمد بن علي.
[51]
جاء إليهِ أربعونَ ألفاً .... مثل الجبالِ يزحفونَ زحْفَاً
وَهُمْ ثلاثمائةٍ لا خلفاً .... فَحَكَّمُوا البِيْضَ وصفوا صفاً
[ذكر العقوبة العاجلة لمن شهد قتل الإمام الفخي(ع)]
وجه ذكر عدتهم ما أخبرني به جدي سليمان بن القاسم من لفظه وأنا أسمع، ومن تمام حديثه رحمه الله تعالى: (أن جميع ذلك الجند الظالم الذين شهدوا قتل الحسين بن علي -عَلَيْه السَّلام- إسودت وجوههم حتى صارت مثل طحاحيل الإبل فكانوا يعرفون بذلك بين الناس، ومن الجائز أن يكون النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أخبر بذلك فكان من جملة معجزاته).
وقد شبه أؤلئك الأعداء (بالجبال) لعظم كراديسهم([54]) .
(بالعارض([55])) وهو السحاب المتراكم الدابي، والتشبيه للعسكر به جائز، وهو موجود ـ أيضاً ـ في كلامهم وأشعارهم بحيث لا يفتقر إلى ذكرها هنا، وشبهه -عَلَيْه السَّلام- في القافية الأولى (بالبدر)، والبدر دونه في الشرف والإضاءة بنور الهدى، وأصحابه (بالنجوم) وكذلك كانوا، فجزاهم الله عن النبيء -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- والإسلام خير الجزاء، وجعل الآخرة خيراً لهم مرداً ومنقلباً.
________________________
([54]) ـ الكردوسة بالضم قطعة عظيمة من الخيل، وكل عظمين التقيا في مفصل، وكل عظم عظمت نحضته، انتهى من القاموس.
([55]) ـ شرح لقوله -عَلَيْه السَّلام- في البيتين المتقدمين وهو قوله:
إذ هو كالبدر وهم كالأنجم قد عمروا بعارض محرجم..
وسمَّاه (بالإمام المحرم) ؛ لأنه -صلوات الله عليه- قتل محرماً في اليوم الذي ذكرنا أولاً، وليس في القافية غريب إلاَّ قوله: (لا خلفاً): والخَلْف في أصل اللغة: ردي الكلام وكذبه - بإسكان اللام وفتح الخاء - والخُلف - بضم الخاء - نقيض الوفاء في الوعد، والخَلَف - بفتح الخاء وتحريك اللام بالفتح - نقيض السَّلَف وهم الأولاد، والسَّلَف الآباء، وأكثر ما يستعمل بالتحريك والفتح في الأعقاب الصالحة، وربما إستعمل شاذاً في الأعقاب الرديَّة كما قال الراجز:
إنَّا وجدنا خَلَفاً بئس الخَلَف .... أغلق عنَّا بابه ثم حلفْ
لا يدخل البواب إلاَّ من عرف
ولكن لا يقاس على مثل هذا لقلته وقد يجعل الخَلْف بالإسكان لردي الأعقاب والذراري، وأصله ما ذكرنا فافهم ذلك موفقاً.
قوله: (فحكَّموا البيض وصفوا صفاً): حكاية لصفة حالهم التي لقوا العدو عليها رضوان الله عليهم.
[حكاية صفة بسالة أصحاب الإمام الحسين الفخي(ع)]
[52]
وأَعمَلُوا في الروعِ أطرافَ الأسلْ .... ولم يَشُبْهُم جَزَعٌ ولا فشَلْ
بلْ صارَ صابُ الموتِ فيهمْ كالعسلْ .... فجاوروا خالقَهم عزّ وجلْ
هذا عائد إلى أصحاب الإمام المقدم ذكره -عَلَيْه السَّلام-، فجزاهم الله عن محمد -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- خيراً وعن عترته الطاهرين خير الجزاء. ولعمري إنهم صاروا في الرفيق الأعلى مع محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين -على محمد وعليهم أفضل الصلاة والسلام-.
وقد روينا في قطعنا على ذلك عن النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أنه قال: ((ذخرت شفاعتي لثلاثة من أمتي: لرجل أحب أهل بيتي بقلبه ولسانه، ورجل قضى حوائجهم لما احتاجوا إليه، ورجل ضارب بين أيديهم بسيفه)) ، وقد جمعوا هذه الموجبات كلها للشفاعة -رحمة الله عليهم- فلذلك قطعنا على مصيرهم في جوار الحكيم -سبحانه- في جنَّة لا يظعن مقيمها، ولا ينفد نعيمها، ولا يهرم شبابها، ولا ييأس أربابها، ولا يكدر شرابها، ولا تهجم قبابها، فهم فيها ناعمون ، ومن جميع المنغصات سالمون، فَأَهْوِن بصبر ساعة أورث ما هذا حاله، فنسأل الله -تعالى- الخلود في جنانه، والمصير إلى رضوانه.
(الروع): هو القتال والصياح، وسمي روعاً لإرتياع القلوب فيه وهو ميلانها، أخذ من راع يريع إذا مال.
و(الأسل) والأسلات: الرماح.
و(الفشل): نقيض الثبات، وهو الإختلاط عن الحرب.
و(الجزع): هو شدة الحزن، وهو نقيض السرور، ومنه يتولد الغم، وهو ثمرة الجبن المناقض للشجاعة -نعوذ بالله منه- فهو من المناقص الكبار ـ أعني الجبن ـ...
و(صاب الموت): يريد مرارته، والعرب تستعير المُرَّ لما تكره، والحلو لما تحب، وإن لم يقع فيه حقيقة المرارة والحلاوة، ورأيت في كتب اللغة (الصاب) الحنظل، ووجدتهم في أشعارهم فرقوا بينهم ؛ بل رأيت ما يدل على أنهم جعلوه إسماً للصبر أو الصوب([56])، فهو على الجملة شجرة من كريهة المطعم، شَبَّه الموت بها لمرارته إلاَّ عند من علم بما في مقابلته من الثواب الجسيم، والنفع العظيم؛ فإنه يستحليه ويستعذبه ويهون عليه مشربه.
و(العسل) معروف وهو نوعان.
_______________________
([56]) ـ وفي نسخة (ن): الصبر أو الصاب، وفي (نخ) : للصبر أو الضرب...
[إيضاح أن أحباب العترة الطاهرة شيعة أمير المؤمنين (ع) لا ينقطعون في عصر من الأعصار]
[53]
وكمْ لنا مِنْ ناصرٍ في الشيعهْ .... قد جَعَلَ الحُبَّ لنا ذريعهْ
إلى منالِ الدُّرُجِ الرفيعهْ .... يرى الفنا في حُبِّنا صنيعهْ
أراد في هذا البيت إيضاح أن أحباب العترة الطاهرة من شيعة أمير المؤمنين -عَلَيْه السَّلام- لا ينقطعون في عصر من الأعصار ؛ لأن الناس لو تمالوا على عداوتهم -عَلَيْهم السَّلام- وإنكار فضلهم لعاجلهم الله -تعالى- بالعقاب وصبَّ عليه سوط عذاب، ولكن الله -سبحانه- من كرمه يرحم بالرجل الصالح أمَّة من الأمم، ويرفع عنهم واجبات النقم، وذلك لما روينا عن النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أنه قال: ((إن العبد المؤمن ليبكي من خشية الله -سبحانه وتعالى- في أمَّة من الأمم فيرحم الله تلك الأمَّة لبكاء ذلك الباكي فيها([57]))) ، وقد شهد بذلك قول الله -سبحانه وتعالى-: {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا(25)}[الفتح] ، وبقوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ}[الأنفال:33] ، فدل ذلك على أن الطالح تترك معاجلته بالعقوبة لأجل الصالح.
و(الذريعة): هي ما يتوصل به إلى إدراك الغرض.
و(الدرج): هو المنازل عند الله -تعالى- في عرف الشريعة.
قوله: (يرى الفنا في حبِّنا صنيعة): يريد بالفناء الموت هاهنا، وهو عند أهل اللغة يسمى فناءً دون أهل الكلام فإن لهم فيه قولاً آخر.
و(الصنيعة) والمنَّة: معناهما متقارب، فيقول: يرى الموت بين أيدي العترة نعمة من النعم، وقسمة جزيلة من القسم.
_____________________
([57]) ـ رواه الإمام أبو طالب في الأمالي (ص422) ...
[بيان صفة ومرجع ومصير محب آل محمد (ع) المعترف بفضلهم]
[54]
فذاكَ مِنَّا كائناً مَنْ كانَا .... غداً ينالُ الفوزَ والجنانا
ويردُ الحوضَ بما وَالَانَا .... حوضاً يُوافي عندهُ أبانَا
معنى هذا البيت عائد إلى معنى البيت الأول، وهو في صفة محب آل محمد -عَلَيْهم السَّلام-، والمعترف بفضلهم المقر بحقهم، ومصيره ومرجعه، وأن محبهم منهم (كائناً من كان)، ونصب كائناً لوقوعه موقع المصدر وأجرى عليه حكمه.
والدليل على أن محب أهل البيت من جملتهم: ما روينا([58]) عن النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-: أن الله - تعالى- قال له ليلة الإسراء: ((من خلفت على أمتك؟، قال: أنت يا ربّ أعلم، قال: خلفت عليهم الصديق الأكبر، الطاهر المطهر، زوج ابنتك وأبا سبطيك، يا محمد أنت شجرة ، وعلي أغصانها، وفاطمة ورقها، والحسن والحسين ثمارها، خلقتكم من طينة عليين، وخلقت شيعتكم منكم، إنهم لو ضربُوا على أعناقهم بالسيوف لم يزدادوا لكم إلاَّ حُبًّا)) . فما ظنكم بمن أنكر فضلَ ثمرةٍ رسولُ الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أصلها، وزعم مع ذلك أنه شيعي لها، ما تنفع الدعوى بغير شهود.
وقال -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-: ((المرء مع من أحبّ، وله ما اكتسب)) .
______________________
([58]) ـ مجموع الإمام زيد - عليه السلام - (ص406).
وورود الحوض لا يكون إلاَّ لأتباع آل محمد -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- فهم أشياعهم، ولا يكون ذلك إلاَّ بالإعتراف بفضلهم ومطابقتهم في قولهم وعملهم واعتقادهم، ولا يرد الحوض إلاَّ من خلصت مودته لهم، ولا يخلص مودتهم من أنكر فضلهم ، وجحد حقهم ، وساوى بينهم وبين غيرهم ، ومثلهم بأغتام العُلُوج ، وطماطم الزنوج، ومثل هذا لا يغبى على منصف.
ووجه قوله: (يرد الحوض): ما روينا عن النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أنه قال: ((إذا كان يوم القيامة قمت أنا وأنت يا علي على الحوض، والحسن والحسين يوردان شيعتنا، ويطردان أعداءنا([59]))) . فلم نقل شيئاً في أمرنا إلاَّ لأمر ثابت عن صادق الخبر جدنا، فتأملوا -رحمكم الله- ما فوت على نفسه السالكُ غيرَ سبيلنا، المستغني بزعمه بنفسه عنا، فنسأل الله -تعالى- الثبات في الأمر كله.
__________________________
([59]) ـ سيأتي تخريجه في قول الإمام - عليه السلام - : هذا أخذناه بإسناد قوي .
[صفة حوض الرسول(ص)]
[55]
خصَّ بهِ اللهُ أبانَا المنتجَبْ .... وفيه للناظرِ أنواعُ العجبْ
حصباؤه الدُّرّ ومجراه الذهبْ .... وطعمُه أعذبُ من طعمِ الضَّرَبْ
الحوض ـ ما تقدم ذكره ـ، وقد تواتر عن النبيء -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- نقله، واختلفت الرواة في تقريره، فقيل: هو مثل ما بين مكة والمدينة -حرسهما الله تعالى- جعله الله -تعالى- في عرصة القيامة، وموقف العرض والحساب ليعظِّم به سرور المؤمنين، وتشتد له حسرة الفاسقين والكافرين، من البغضة لعترة خاتم النبيئين -صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين- المنكرين لفضلهم على العالمين ، وما خصهم الله به من ولادة سيد المرسلين، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، أشد بياضاً من اللبن، وأشد حلاوة من الشهد.
(حصباؤه الدُّرّ) والياقوت واللؤلؤ، (ومجراه الذهب) الخالص واللجين على ماشاء الله -تعالى- أن يكون أبلغ في باب الحسن تشريفاً وتعظيماً لنبي الرحمة وسيد الأمة -عليه وآله السلام-، ولم ينكره أحد من أهل الشهادة، إلاَّ أن الباطنية فرقة تظهر الشهادة وهي خارجة عن فرق الإسلام لتأولهم الشريعة، ومخالفتهم لما علم من دين النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- ضرورة، يزعمون أن الحوض إشارة إلى القائم المغربي، وأن شرابه الطيب ـ الذي حكى ـ إشارة إلى علم ذلك القائم، وفي ذلك العلم الحلاوة لأنه رفع عنهم به التكاليف الشاقة من الصلاة والصيام، وحج بيت الله الحرام، إلى سائر خرافاتهم التي خرجوا بها من دائرة الإسلام ، وأباحت سفك دمائهم للإمام ، ونحن لا نتكلم معهم في هذا وإنما نتكلم معهم في إثبات الصَّانع، تعالى وصفاته، وما يجوزعليه، وما لا يجوز، وأفعاله، وأحكام أفعاله، وما يحسن منها، وما لا يحسن. ثم نتكلم بعد ذلك في النبوءة، وأن النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- لا يجوز أن يكون مُلبساً ولا مُغلطاً ولا يكتم شيئاً ممَّا أمر الله به عباده ؛ لأن ذلك ينقض الغرض ببعثته، فعند ذلك ينقطع كلامهم ، وينتقض إبرامهم، وجملة أنهم يستهزؤن بالشرع والشارع، وينكرون الصَّانع، يعرف ذلك من شاهد أحوالهم، واطلع على أسرارهم القبيحة التي ستروها بالكتمان، فشهرها ونعاها عليهم أعيانُ الله على عباده ، وأمناؤه في بلاده ، تراجمة الدين ، وحماة سرح المؤمنين ، من العترة الطاهرة المكرمة، لا العترة الغامضة المكتمة، فميز بعقلك الأمور تكتب في ديوان الفائزين.
[ذكر من يكون عند الحوض يوم القيامة]
[56]
وعندهُ الحيدرةُ الضرغامَهْ .... وولداهُ صاحبا الإمامهْ
وكلّهم في كفِّهِ صدَّامهْ .... تَنفِي عَنِ الفاسقِ عَظْمَ الهامهْ
(الحيدرةُ): هو علي -عليه أفضل الصلاة والتسليم-.
و(الضرغامَةْ): هو الأسد، نعته بذلك لما جرى من التمثيل السابق على ألسنة العرب وإلاَّ فهو -صلوات الله عليه- أشد بأساً من اللُّيوث العادية، والقروم السامية، أين المثل من الممثول، ولكن في تشبيه الله -تعالى- لنوره بمصباح المشكاة أسوة حسنة.
(وولداه): الحسن والحسين -عَلَيْهما السَّلام-، وقد أوضح ذلك بقوله: (صاحبا الإمامة) لأنه لا إمام من ولده -عَلَيْهم السَّلام- إلا هما، ولا نص على سواهما ـ كما قدمنا في باب الإمامة ـ.
قوله: (وكلهم في كفّه صدّامة): يريد بلفظ الجمع بكل: الحسن والحسين -عَلَيْهما السَّلام-، وذلك شائع في اللغة، ولأن أصل الجمع التثنية وإن كان العرف قد نقل عنه، وقال الله تعالى: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم:4] ، معنى {صَغَتْ} [التحريم:4]: مالت عن الحق لإظهار سر النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-.
وقال الراجز:
ومهمهين قَذَفَين مرْتين .... ظهراهما مثل ظهور التُرْسَين([60])
.... [جبتهما بالنعت لا بالنعتين([61])] ....
وشواهد هذا الجنس كثيرة.
و(الصدّامة) ها هنا: هي العصا، وسميت صدّامة لأنها تصدم من وجهت إليه، وأصل المصادمة: المدافعة الشديدة، وبذلك سُمي يوم الحرب يوم الصدَام، وتصادَم الفرسان إذا تلاقيا كلٌ يدفع صاحبه إلى نقيض مراده.
قوله: (تنفي عن الفاسق عَظم الهامة): يريد ؛ تكشف عظم رأسه عن أم دماغه ؛ لأن الطرد لا يكون إلاَّ بذلك، وهو أهل لما وصل إليه من الإهانة والعذاب لبغضته ورثة الكتاب.
________________________
([60]) - هذه لخطام المجاشعي ، وقيل لهميان بن قحافة . والمهمة : المفازة ، والقذف -بالتحريك- : الذي يقذف سالكه فلا يمكث فيه أحد ؛ وقيل : البعيد . والمرت -بالسكون-: القفر لا ماء فيه ولا نبات . والترس : حيوان ناتي الظهر .
وثنى (ظهراهما) على الأصل وجمع فيما بعد لأمن اللبس ، ولأنه ربما كره اجتماع تثنيتين لا سيما عند تتابع التثنية كما هنا ، وقال النحاة : كل مثنى في المعنى مضاف إلى متضمنه يختار في لفظه الجمع لتعدد معناه وكراهية اجتماع تثنيتين في اللفظ ، ويجوز مجيئه على الأصل كما هنا ويجوز إفراده كقوله : حمامة بطن الوادييني ترنمي .
والجوب : القطع ، والنعت : الوصف ، ويروى : بالسمت لا بالسمتين. والسمت : الهيئة والقصد والجهة والطريق . والمراد أنهما وصفا أو ذكرت هيأتهما له مرة واحدة . يقول : رب موضعين قفرين لا أنيس فيهما له ظهران مرتفعان كظهري الترسين قطعتهما بالسير بنعت واحد لا بوصفهما لي مرتين أو ثلاثة كغيري ، ويجوز أن المعنى بذكر نعت واحد من نعوتها لا بذكر نعتين بالنعت بمعنى الصفة القائمة بالشيء وفي الكلام دلالة على شجاعته وحذقه . تمت من حاشية على الكشاف.
([61]) - هذه الزيادة غير موجودة في النسخة ولكن زيادة فائدة وتوضيح ، تمت.