وفاطمة بنت الحسين أم أبيه عبدالله بن الحسن، كانت أشبه النساء بفاطمة بنت رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، ولم يكن لأحد من أهل بيت النبوءة -عَلَيْهم السَّلام- شرف عبدالله بن الحسن، ولا كان أحد من أكابر أهل زمانه يعدل به من آل النبي أحداً، ولقد أراد أبو جعفر إدهاشه لما وصل به إليه من المدينة أسيراً وبكافة من قدروا عليه من بني حسن النجباء الطاهرين كعلي ابن الحسن([34]) تالي القرآن، صريح الإيمان ؛ لأن في الرواية أنه ما نام -عليه السلام- من وقت دخوله السجن إلى أن ماتوا رضوان الله عليهم لأنهم حبسوا في محبس مظلم لا يعرفون ليلاً من نهار، ولا وقت صلاة إلاَّ بقراءته -عليه السلام-، وسليمان([35]) بن داود بن الحسن وجعفر بن الحسن وأشباههم -رضوان الله عليهم- فقال أبو جعفر لما دخلوا إليه لعبدالله بن الحسن: (أدن إليَّ يا ابن اللخناء ، فأقبل إليه عبدالله بوجهه غير مكترث من قوله وقال: أي الفواطم تعني؟)، فصار المُخَجِّل خجلاً، والمنْتَقِص ناقصاً، وعجب الحاضرون من سرعة جواب عبدالله وعلموا صدقه،
________________________
([34]) ـ علي العابد بن الحسن المثنى بن الحسن الرضا بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب -عَلَيْهم السَّلام-، والد الإمام الحسين بن علي الفخي كان من عيون العترة وفضلائها وعبادها، كان يقال له علي الخير وعلي الأغر وعلي العابد وكان يقال له ولزوجته زينب بنت عبدالله بن الحسن الزوج الصالح لكثرة عبادتهما حبسه أبو جعفر المنصور الدوانيقي في محبس الهاشمية، وكانوا لايعرفون أوقات الصلاة إلا بتلاوته لأجزاء القرآن الكريم، وتوفي -عَلَيْه السَّلام- وهو ساجد في الحبس وهو ابن خمس وأربعين سنة لسبع بقين من المحرم سنة ست وأربعين ومائة.
([35]) ـ في جميع النسخ: سليمان بن داود بن الحسن بن جعفر بن الحسن، والصحيح ما أثبتناه ولعل المذكور غلط من النساخ الذين لا عناية لهم بالتاريخ، فإنه لم يذكر في من حبسه أبو جعفر المنصور من هو بهذا الإسم من أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام-، بل الصحيح أنهما إسمان الأول هو سليمان بن داود بن الحسن، قال في الجداول : سليمان بن داود بن الحسين بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، حبسه الدوانيقي مع عمه عبدالله ، انتهى. والثاني جعفر بن الحسن بن الحسن أطلقهما أبو جعفر المنصور بعد مقتل محمد وإبراهيم ابنا عبدالله بن الحسن مع جماعة من أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام- ذكر ذلك في مقاتل الطالبيين (ص174).
وكانت قصة خطابهم([36]) طويلة، وعجائب جلستهم([37])، وقد ذكر ذلك أبو فراس([38]) -نفعه الله بصالح عمله- في شعره، وذلك ظاهر في قوله في قصيدته المشهورة الميميَّة:
هلا كففتم عن الديباج ألسنكم .... وعن بنات رسول الله شتمكم
يعرض بأبي جعفر:
هلا صفحتم عن الأسرى بلا سبب .... للصافحين ببدر عن أسيركم
بئس الجزاء جزيتم في بني حسن .... أباهم العلم الهادي وأمهم
والقصيدة طولية مشهورة، فمن هناك قال فيه -عَلَيْه السَّلام- (صريح الجد).
__________________________
([36]) ـ القصة رواها الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة -عَلَيْه السَّلام- في كتاب الشافي ج1 ص195، وأيضاً رواه أبو الفرج في مقاتل الطالبيين ص191، وأيضاً رواه اليعقوبي في تاريخه ج2 ص307.
قال المنصور بالله -عَلَيْه السَّلام-: فلما وصل بهم إلى أبي جعفر كان بينهم وبينه ما يطول شرحه من جملته قوله لعبدالله بن الحسن ادن إلى هنا يا ابن اللخناء، فقال له عبدالله -عَلَيْه السَّلام- أي الفواطم تعني، وفي بعض الأيام كلمه، فأعضه، فقال عبدالله بن الحسن: بأيتهن أعض أبفاطمة بنت الحسين أم بفاطمة بنت رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أم بفاطمة بنت أسد، فقال: لابأيتهن ولكن بالجرباء، والجرباء هذه امرأة من طيء جدة لبعض جداته فمال إليها لشناعة إسمها تلبيساً على السامعين والأصل في ذلك أنها سميت الجرباء لجمال رائع كان فيها فما جلست إلى جنب امرأة إلا قامت عنها فراراً من جمالها، فما وجد شيئاً يميل إليه إلا هذا، انتهى.
([37])ـ في (ن) : حبسهم.
([38]) ـ أبو فراس، هو: الحارث بن سعيد بن حمدان الحمداني كان فريد دهره وشمس عصره أدباً وفضلاً وكرماً ونبلاً ومجداً وبلاغة وبراعة وفروسية وشجاعة، شعره مشهور بالحسن والجودة وجزالة الألفاظ وسهولة المعاني، من شعراء الشيعة بل أمير شعراء الشيعة، وله القصائد البديعة في مدح أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام- والتظلم لهم من أعدائهم التي تدل على صدق ولائه لأهل البيت -عَلَيْهم السَّلام-، وقتل في وقعة سنة سبع وخمسين وثلاثمائة، وله ديوان شعر مطبوع.
(والصريح) الخالص من كل شائب، وأصله في اللبن إذا لم يخلط به غيره سُمي صريحاً، فاستعير بعد ذلك لكل خالص، قال الشاعر:
ما سجسج الشوق مثل جاحمة([39]) .... ولا صريح الهوى كموتشبه([40])
قوله: (والظالمون كالكلاب العاوية): مثلهم بالكلاب لنجاستها وخساستها. ولعمري إن الكلاب أمثل حالاً من قتلة أولاد الأنبياء، ومهلكي عترة الأوصياء.
وفي الحديث المروي أن النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- ذكر محمد بن عبدالله -صلوات الله عليه- بإسمه وصفته، وقال: ((اسمه كإسمي، واسم أبيه كإسم أبي، يقتل فيسيل دمه إلى أحجار الزيت، لقاتله ثلث عذاب أهل جهنم))([41]) . ووصله أعداؤه في خلق عظيم، فلذلك وصفهم بالإقبال من كل ناحية.
_________________________
([39])- السجسج : يقال : يوم سجسج : لا حر ولا قر .
الجاحم : الجمر الشديد الإشتعال . تمت قاموس.
([40])- الموتشب ، هو : المختلط .
([41]) - رواه الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام في كتاب معرفة الله.
[ذكر صفة أصحاب الإمام النفس الزكية(ع) وحسن ثباتهم]
[49]
فلم تَرُعْهُم كثرةُ الأعادي .... بل ثَبَتُوا للطعنِ والجلادِ
يؤملونَ الفوز في المعادي .... في جنَّةٍ عاليةِ العمادِ
تضمن هذا البيت صفة حال أصحاب محمد -عَلَيْه السَّلام- وحسن ثباتهم -رحمة الله عليهم- وكانت حالهم -رحمة الله عليهم- مشهورة بذلك فإنهم قتلوا مقبلين غير مدبرين، وفي الطاعة لله -عز وجل- غير مقصرين.
[50]
ومَنْ كأصحابِ الإمامِ المُحْرمِ .... ذي الفضلِ والعفَّةِ والتكرمِ
إذْ هو كالبدرِ وهُمْ كالأنجمِ .... قد عَمَرُوا بعارضٍ مُحْرْجمِ
[ذكر طرف من أمر الإمام الحسين بن علي الفخي(ع)]
المذكور ها هنا هو أبو عبدالله الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب -عَلَيْهم السَّلام-، وأمه زينب بنت عبدالله بن الحسن أخت محمد بن عبدالله النفس الزكيَّة لأبيه وأمه ؛ لأن أمهما معاً هند بنت أبي عبيدة، وكان أبوه وأمه يعرفان بالزوج الصالح لإتفاقهماعلى الصلاح والإنقطاع في طاعة الله -تعالى-.
[ظهور أمره وبيعته(ع) وخروجه]
ظهر -عَلَيْه السَّلام- ليلة السَّبت لأحد عشرة بقيت من ذي القعدة سنة تسع وستين ومائة، وبايعه جماعة أهل بيته وكثير من الشيعة من أهل المدينة، وممن ورد للحج من سائر البلدان، وممن بايعه من فضلاء أهله يحيى وسليمان([42]) وإدريس([43]) بنو عبدالله بن الحسن، وكانوا نجوماً يهتدى بها، وعبدالله وعمير ابنا الحسين بن علي بن الحسين، وتأخر عنه بإذنه الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن([44])، وموسى بن جعفر([45]) جاءه فانكب عليه وقال: "إجعلني في حلّ من تخلّفي عنك"، فأطرق ساعة ثم رفع رأسه إليه فقال: "أنت في سعة([46])".
_________________________
([42]) ـ سليمان بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب -عَلَيْهم السَّلام- كان من وجوه العترة وفضلائهم جليلاً نبيلاً فاضلاً كاملاً بايع الحسين بن علي الفخي -عَلَيْه السَّلام- وجاهد معه حتى استشهد معه في الوقعة سنة تسع وستين ومائة وهو ابن ثلاث وخمسين سنة.
([43]) ـ الإمام إدريس بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - ، أحد أئمة أهل البيت - عليهم السلام - وهو مؤسس الدولة الزيدية في المغرب ، خرج مع الحسين بن علي الفخي على موسى الملقب بالهادي ، ونجى من القتل ، ثم توجه بعد معركة فخ وقتل الحسين بن علي إلى مصر ، ثم إلى المغرب سنة (172هـ) فاستجابت له البربر ، واجتمعوا على بيعته وطاعته ، وتمت له البيعة ؛ فخرج غازياً حتى شارف مدينة فاس ، ففتح معاقلها، واستولى على طنجة واستجاب له أهلها ، ثم توجه إلى تلمسان وغزاها واستولى عليها وبايع له ملكها ، وامتدت نفوذه ، وتوسعت بسطته ، وعظم أمره ، وكان ذلك في أيام هارون الرشيد ، فخافه خوفاً شديداً ، ثم أرسل إليه رجلاً فسمه سنة (177هـ) في طُلَيْطُلة من بلاد الأندلس.
([44]) - الحسن بن جعفر بن الحسن بن الحسن بن علي ، أبو عبدالله ، قال في المقاتل : إنه حبس مع عبدالله بن الحسن وأخوته . انظر الجداول.
([45]) ـ موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين السبط ابن علي أمير المؤمنين - عليهم السلام - ، من فضلاء أهل البيت وعلمائهم وعبادهم .
ولد - عليه السلام - سنة ثمان وعشرين ومائة (128هـ) بالأبواء ، ويكنى أبا الحسن وأبا إبراهيم، أقدمه المهدي العباسي بغداد ثم رده ، ثم قبض عليه موسى الهادي العباسي فحبسه ثم أطلقه ، ولما تولى هارون الرشيد أكرمه وعظمه ثم قبض عليه وحبسه عند الفضل بن يحيى البرمكي ، ثم أخرجه من عنده فسلمه إلى السندي بن شاهك ، ومضى الرشيد إلى الشام فأمر السندي بن شاهك بقتله ، فقيل : إنه سمه ، وقيل : إنه لف في بساط حتى مات.
وكان - عليه السلام - أسود اللون ، عظيم الفضل ، رابط الجأش، واسع العطاء ، ولقب بالكاظم لكظمه الغيظ وحلمه ، وكانت وفاته سنة ثلاث وثمانين ومائة وعمره خمس وخمسون سنة.
([46]) ـ انظر مقاتل الطالبيين (ص375، 376) .
[ذكر بداية ظهور مذهب الإمامية]
ولم يعلم بين هذه العترة الطاهرة إختلاف في ثبوت الإمامة لمن قام من أحد السبطين الطاهرين الحسن والحسين -عَلَيْهما السَّلام-، وهو جامع لخصال الإمامة، إلى أيَّام المأمون وتصنع في عمل مذهب الإمامية، يريد بذلك فرق الشيعة والعترة، وأطلق الأموال الخطيرة لمن يعلم منه الإلحاد ، وشدة كيد الإسلام ، فصنفوا في ذلك كتباً ظاهرة السقوط والبطلان، وصفوا فيها الإمام بصفات لا توجد ولا تصح إلاَّ للباري- تعالى- من علم الغيوب وقلة الإحساس، إلى غير ذلك من الجهالات كظهور المعجزات على يديه، وجواز التقية والإنكتام، إلى غير ذلك، فنفذ سحره، وتم كيده، إلاَّ على من عصم الله -تعالى-.
[عودة إلى ذكر ظهور الإمام الفخي(ع) وخطبته]
فظهر في الليلة التي ذكرنا، ودخل المسجد عند أذان الصبح ومعه أصحابه، وصعد المنبر وجلس إلى أن أُذن للصبح فصاح يحيى بن عبدالله بالمؤذن وقال : "أذّن بحي على خير العمل"، فلما لاح للمؤذن السيف أذن به، وكان والي المدينة يقال له عبدالعزيز بن عبدالله العمري من أولاد عمر بن الخطاب، وكان فيه قسىً وأساء معاملة الأشراف من آل النبيء -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، وكان يُلزمُهم الحضور إليه في كل يوم، فإذا غاب واحد منهم لحاجة طالب به قرباءه، وكان الحسن بن محمد بن عبدالله بن الحسن غاب ، فطالب الحسين بن علي ويحيى بن عبدالله -عَلَيْهما السَّلام-، وجرى بينهما وبينه خطب طويل، فلمَّا قام الحسين بن علي -عَلَيْهما السَّلام- وقد حضر العمري المسجد للصلاة فعاين أمرهم وأحس بما كان يخشى، دهش وتلجلج لسانه من الفزع ولم يدرِ بأي شيءٍ يتكلم ، فصاح أغلقوا البغلة، وهو يريد الباب، وأطعموني جبتي، وخرج هارباً إلى دار عمر بن الخطاب، فلم يرتبط هناك، فخرج طائراً على وجهه في الزقاق المعروف بزقاق عاصم فلم يحتفل به أحد ونجى هائماً على رأسه بشر حال، والحمد لله تعالى.
وعُرِف بنوه وبنوهم ببني جبتي، وصارت تلك الكلمة نادرة عليهم إلى الآن، وصعد -عَلَيْه السَّلام- المنبر ثانياً بعد الصلاة، وخطب الناس خطبة بليغة قال فيها بعد حمد الله -تعالى- والثناء عليه والصلاة على النبيء -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-: (أنا ابن رسول الله، على منبر رسول الله، في حرم رسول الله، أدعوكم إلى كتاب الله وسنة رسول الله ، وإلى أن أستنقذكم مما تعلمون)، فبادر الناس إلى بيعته -عَلَيْه السَّلام-، وكان يقول عند المبايعة: (أبايعكم على كتاب الله وسنة رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، والعدل في الرعيَّة، والقسم بالسويَّة، وعلى أن تقيموا معنا، وتجاهدوا عدونا، فإن نحن وفينا لكم وفيتم لنا، وإن نحن لم نفِ لكم فلا بيعة لنا عليكم)، فلما استحكم أمر الدنيا تقدم -صلوات الله عليه- إلى مكَّة للحج، ونشر الدعوة منها، واستخلف على المدينة رياش الخزاعي، وكان صاحب بني العباس يوم ذاك موسى الملقب بالهادي([47]) بن محمد الملقب بالمهدي بن أبي جعفر الملقب بالمنصور بن محمد بن علي بن عبدالله بن العباس، فوجَّه هذا العباسي الجيوش الكثيفة لحربه -عَلَيْه السَّلام-.
___________________
([47]) ـ موسى الملقب بالهادي ولد بالري سنة 144هـ ولي بعد وفاة أبيه المهدي محمد بن أبي جعفر المنصور، وكان غائباً بجرجان فأخذ له البيعة أخوه هارون الملقب الرشيد سنة 169هـ في شهر المحرم وكان جباراً عنيداً فظاً غليظاً عنوداً حسوداً قل من يسلم من سطوته من جلسائه وكانت أمه الخيزران هي المستبدة بالأمر فأراد خلع أخيه هارون وتولية ابنه جعفر فلم تر أمه ذلك فأمرت جواريها فخنقنه سنة 170هـ.
[ذكر عدد أصحابه (ع) وعدد أعدائه]
أخبرني جدي سليمان بن القاسم -قدس الله روحه- أن عدتهم بلغت أربعين ألفاً، وكان عليهم من بني العباس العباس بن محمد([48])، وعيسى بن موسى، وجعفر ومحمد([49]) ابنا سليمان، ومن الجند مبارك التركي، وابن يقطين، فهؤلاء أمراء الأجناد، ولهم ـ أيضاً ـ من دونهم أمراء، وكان عدة أصحابه -عَلَيْه السَّلام- ثلاثمائة، وقيل يزيدون قليلاً هو بضعة عشر ونحو ذلك، على قول من قال عدتهم كانت عدة أهل بدر، فالتقوا نهار التروية، وقد رتّب كلٌ أصحابه ميمنة وميسرة وقلباً، فلقيهم -عَلَيْه السَّلام- على تعبئته غير ضيق بهم ذرعاً، ولا مستدخل من كثرتهم جزعاً، وهو -عَلَيْه السَّلام- يقول:
وإني لأنوي الخير سراً وجهرةً .... وأعرف معروفاً وأنكر منكرا
ويعجبني المرء الكريم نجاره .... ومن حين أدعوه إلى الخير شمرا
يعين على الأمر الجليل فإن يرى .... فواحش لا يصبر عليها وغيرا
________________________
([48]) ـ العباس بن محمد بن علي بن عبدالله بن العباس ، أبو الفضل الهاشمي : هو أخو السفاح وأبو جعفر المنصور، ولاه المنصور دمشق وبلاد الشام كلها ، وولي الجزيرة في أيام الرشيد ، أرسله أبو جعفر المنصور لغزو الروم في ستين ألفاً ، وكان مولده سنة (121هـ) وتوفي ببغداد سنة (186هـ) . الأعلام (3/264) .
([49]) ـ محمد بن سليمان بن علي بن عبدالله بن العباس العباسي ، أبو عبدالله أمير البصرة ، وليها في أيام المهدي سنة (160هـ) وعزل سنة (164هـ) وأعاده الرشيد ، وكان مولده (122هـ) وتوفي (173هـ) بالبصرة ، كانت نفسه تطمح إلى الخلافة ؛ فلم يتمكن من ذلك . الأعلام (6/148).
[بداية المعركة ومقتله ومبلغ عمره وموضع قبره(ع)]
ثم دعا رجلاً من أصحابه صليباً فأمره بالتقدم بين يديه داعياً لذلك الجند الظالم إلى طاعة الله تعالى، لإبلاغ الحُجَّة عليهم، فقاربهم ذلك الرجل وصاح بهم: (يا معشر المسودة، هذا حسين بن رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، يدعوكم إلى كتاب الله وسنة رسوله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- فهل أنتم سامعون؟)، فرموه بالنبل فلحق بالإمام - عليه السلام- وكانت وقعتهم في فخ، وهو مكان معروف، وفيه مشهده -عليه السلام - يحرم للعمرة من شقه، فاشتهر مكانه -عَلَيْه السَّلام- وأعلم للقتال، فلما عرفوه جعلوا يصيحون به: (يا حسين لك الأمان) وهو -عَلَيْه السَّلام- مصمم فيهم تصميم اللَّيث الغضبان على سائمة الأنعام، وهو يقول مجيباً لهم: (الأمان أريد، الأمان أريد ـ يعني -عَلَيْه السَّلام- من عذاب الله تعالى ـ) يفعل ما أمر به هو وأمثاله من الجهاد والصبر واشترى النفس لله -سبحانه وتعالى- فرماه حماد التركي بسهم فصرعه ، وقد كان طعنه رجل من بني الحارث بن كعب طعنة هائلة لم يرق دمها ، فقال له بعض أهله([50]): لو تركتنا نقاتل ووقفت بحال هذه الطعنة، فقال: إني سمعت عن رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أنه قال: ((إن الله -تعالى- يبغض العبد يستأسر إلاَّ من جراحة مثخنة )) ، فلم يرها -عَلَيْه السَّلام- مثخنة لشدة اليقين ما لم تكن قاتلةً من حينها، فقيل إن الحارثي([51]) لما حضرته الوفاة لقنه أهله الشهادة فلم يسمح بها لسانه وقال:
ألا لَيْتَ أمي لم تلدني ولم أكن .... لقيتُ حسيناً يوم فخّ ولا حسن
_______________________
([50]) ـ رواه الإمام أبو طالب في الأمالي (ص92)، عن القاسم بن إبراهيم - عليه السلام - عن أبيه إبرهيم بن إسماعيل .
([51]) ـ الذي رواه الإمام المنصور بالله في الشافي ج1 ص219، وصاحب مقاتل الطالبيين ص383 أن قائل هذا البيت هو محمد بن سليمان العباسي لارحمه الله.