[دخول الذرية الطاهرة في مسمى أهل البيت(ع)]
وأولاد الحسن والحسين داخلون([23]) تحت هذا الحكم لثلاثة أوجه:
أحدها: أن أحداً من الأمة لم يفرق بينهم، فلا يجوز إحداث الفرق لأنه يكون إتباعاً لغير سبيلهم، وقد تقدم الكلام في مسألة الإجماع عليه بما فيه كفاية.
________________
([23]) ـ قال الإمام الشهيد الناصر لدين الله عبدالله بن الحسن بن أحمد بن العباس القائم سنة إثنتين وخمسين ومائتين وألف والمتوفي شهيداً في وادي ضهر من همدان سنة ست وخمسين ومائتين وألف المقبور بقرية القابل من همدان صنعاء، وله من العمر ثلاثون عاماً: في الأنموذج الخطير فيما يرد من الإشكال على آية التطهير:
فإن قلت: يعلم مما ذكرت أن أهل البيت هم الأربعة فقط فلا يكون ذريتهم من أهل البيت كما ذكرت أنه يقتضيه البيان.
قلت وبالله التوفيق: إنما أراد بقصر الحكم على الأربعة، وإخراج من عداهم من الموجودين في زمنه -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- من الزوجات والأقارب ولو وجد في ذلك الوقت أحد من ذريتهم لأدخلهم، لكن لم يوجد إلا الأربعة، وأيضاً أهل البيت يتناول الآتين من بعده -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- كما يتناول الموجودين في زمنه -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- مثل ما أن لفظ الأمة يتناول الآتين من بعده -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- كما يتناول الموجودين في زمنه -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، ولنا على إدخال ذريتهم في جملة أهل البيت إيضاحاً لما تقدم أدلة:
الدليل الأول: قوله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-: ((المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة)) أخرجه ابن أبي شيبة وأحمد، وابن ماجه عن علي، وأخرجه أبو داود، وأيضاً عن علي، وقد نظر إلى الحسن ابنه، وقال: (إن ابني هذا سيد كما سماه النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم يشبهه في الخُلق ولا يشبهه في الخَلق يملأ الأرض عدلاً).
وأخرج الترمذي وصححه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-: ((لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يلي رجل من أهل بيتي يواطي اسمه اسمي))، وأخرج أبو داود، والحاكم، وابن ماجه، والطبراني عن أم سلمة قالت: قال رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-: ((المهدي من عترتي من ولد فاطمة))، فدلت هذه الأخبار على أن اللاحقين يكونون من أهل البيت كالسابقين، والأحاديث في المهدي وكونه من أهل البيت متواترة.
قلت: وقد استكمل تخريج أحاديث المهدي ومن رواها الإمام الحجة مجد الدين بن محمد المؤيدي حفظه الله في لوامع الأنوار الجزء الأول (ط2) من(91) إلى(100) فارجع إليه لطول البحث وفائدته.
قال الإمام الناصر: الدليل الثاني: قول النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-: ((النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي من الأرض ذهب أهل الأرض))، أخرجه أحمد بن حنبل عن علي -عَلَيْه السَّلام-، وعمار، وأخرج معناه الطبراني والحاكم، وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
فلو كان أهل البيت هم الأربعة فقط لكان قد ذهب أهل الأرض.
قلت: وقد خرجه الإمام الحافظ مجد الدين المؤيدي في اللوامع الجزء الأول (ط2) من(100) إلى(101).
قال الإمام الناصر: الدليل الثالث: قول النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-: ((إني تارك فيكم...الحديث...إلى قوله: لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض))، وهذا الحديث متواتر كما سيأتي فلو كانوا هم الأربعة فقط لكانوا بموتهم قد فارقوا الكتاب قطعاً يعني في الدنيا وقد أخبرنا بأن مدة اجتماع الكتاب وأهل بيته في دار التكليف إلى آخر الدهر.
الدليل الرابع: قول النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-: ((كل ولد أم فإن عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وعصبتهم))، أخرجه الطبراني والدارقطني، وأبو نعيم في معرفة الصحابة، وابن السمان، وأبو صالح المؤذن في أربعينيته كلهم عن عمر بن الخطاب من طرق إليه، وأخرجه أيضاً الطبراني، وأبو يعلى، والخطيب عن فاطمة الزهراء رضي الله عنها.
قال السمهودي في بعض طرقه: ورجاله موثوقون إلا شريك، وشريك استشهد به البخاري، وروى له مسلم في المتابعات.
وأخرجه ابن عساكر عن جابر أن النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- قال: ((إن لكل بني أب عصبة ينتمون إليها إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وعصبتهم وهم عترتي)).
قلت: فبين فيه عترته بقوله: ((وهم عترتي))، وإذا كانوا أولاده وهو أبوهم وعصبتهم فهم عترته وأهل بيته ، انتهى ما أردنا نقله من الأنموذج الخطير، والبحث فيه طويل لعظم خطره، وقد طبع هذا الكتاب أخيراً والحمد لله في كتيب صغير الحجم عظيم النفع، فانظر بقية البحث فيه، فقد جمع فيه الإمام وحلّ إشكالات عظيمة الموقع جليلة الخطر، وقد جعله الإمام على صيغة سؤال وجواب ليكون أقرب للتناول، وأسهل في القراءة والفهم.

والثاني: إجماع العترة الطاهرة -عَلَيْهم السَّلام- على أنهم داخلون تحته.
والثالث: أن إخراجهم من هذا الظاهر يودي القائل به إلى الكفر والإلحاد ولا يبعد الله إلاَّ من كفر. بيان ذلك: أنَّا نقول: لأي معنى أخرجتهم؟.
فإن قال: لأن النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- خصَّ أولئك بالذكر فلا أدخل معهم من لم يذكره -عليه وآله السلام-.
قلنا له: ما ترى في رجل يتزوج بنت بنته، أو بنت أخته، أو بنت أخيه، ما يكون حكمه؟.
فإن قال كافرٌ؛ صَدَق؛ لأن الحكم الوارد من الله -تعالى- ومن رسوله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- يجب طرده([24])، ولا يجوز قصره على سببه على الإطلاق، وإن قال مؤمناً مصيباً في فعله لأن الله -تعالى- خصَّ البنت والأخت بالذكر وطرد القول في ذلك حراسة لمذهبه الفاسد، كفر بإجماع الأمة ونقل معه الحديث إلى إثبات الصَّانع إن رغب وإلا أجري عليه الحكم الإلهي، فلا تأس على القوم الكافرين، وإن قال لا مثل لهم في الناس سلم من هذه الأخطار، وتنكب مسالك الأشرار، وسلك مناهج الأخيار، وأرضى الواحد الجبَّار، والنبي المختار -صلى الله عليه وعلى آله الأبرار-.
ويؤكد هذا الخبر([25]) الخبر الذي روينا عن النبيء -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- رفعه إلى جبريل -عَلَيْه السَّلام- أنه أخبره أن بني هاشم أفضل أهل المشارق والمغارب ، والأرض على التحقيق مشرق ومغرب، وقد نطق بذلك القرآن، وأولاد الحسن والحسين -عَلَيْهم السَّلام- أفضل بني هاشم، فهم أفضل الأفضل، وخيار الخيار، وسادات السَّادة، وشرف الأشراف، ومفزع أهل الإختلاف.
و (الحسب) في أصل اللغة: هو الشرف في الأصل وغيره.
و (المهذب): المنزه.
_____________________
([24])ـ أي إطراده ، أي كل ما وجد ما يشابه تلك القضية أُلحق حكمه بها. تمت.
([25])- يشير إلى الخبر الذي أخرجه أبو العباس الحسني في المصابيح والمرشد بالله وابن عساكر والذهبي وأحمد بن حنبل، والطبراني في الأوسط وغيرهم ، وهو قوله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- : عن جبريل أنه قال : ((يا محمد قلبت مشارق الأرض ومغاربها ؛ فلم أجد بني أب أفضل من بني هاشم)).

و (الضرب): معروف لهم في المواطن التي تشخص فيها الأبصار، وتبلغ القلوب الحناجر، ويعتكر الغبار.
وقوله: (الأشهب): لأن الشهبة تجمع لونين من سواد وبياض، وكذلك عجاج الخيل عند هياجها وتلاطم أمواجها، وقد شاهدناه على تلك الصفة فشبهنا عن معرفة.
[ذكر صفة المبغض لأهل البيت(ع)]
وقوله: (عن دينهم كل ردي المنصبِ): يريد؛ خبيث الأصل، ولاينكر فضل أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام- ويتعلق ببغضهم إلا من خبث أصله، وقبح فعله، وقولنا لا يقع في موقع السَّب لأنَّا قلناه لآثار نبوية، فخرج عن نتائج العصبيَّة، وعادة الألسن البذيَّة، لأنَّا روينا بالإسناد إلى الإمام المرشد بالله بإسناد له رفعه إلى رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أنه قال: ((لا ينكر حق العرب وحق أهل بيتي إلاَّ من كان لغير رشده([26]))) ، وفي الخبر زيادة سقطت عن حفظي وغابت عني في هذه الحال نسخة سماعي.
___________________
([26])- أخرج الإمام المرشد بالله -عَلَيْه السَّلام- في الأمالي الخميسية (1/157) بسنده عن أبي رافع، عن علي -عَلَيْه السَّلام- ، قال : سمعت رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- يقول : ((من لم يعرف حقّ عترتي والأنصار والعرب فهو لإحدى ثلاث : إما منافق ، وإما لزنية ، وإما امرؤ حملت به أمه في غير طهر)).
وأخرج ابن عدي والبيهقي في شعب الإيمان عن علي -عَلَيْه السَّلام- ، قال : قال رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- : ((من لم يعرف حق عترتي والأنصار ، فهو لأحد ثلاث : إما منافق ، وإما لزانية ، وإما لغير طهر ـ يعني حملته أمه على غير طهر ـ))، أخرجه السيوطي في إحياء الميت .
ومن هذا النوع من الحديث قوله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- : ((لا يبغض أهل بيتي من الناس إلا ثلاثة : رجل وضع على فراش لغير أبيه ، ورجل جاءت به أمه وهي حائض ، ورجل منافق))، رواه محمد بن سليمان الكوفي بإسناده عن الباقر ، عن آبائه.

وقد روينا عن النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- ما هو أبعد من هذا تناولاً، وأقرب في حال الإحتجاج في فضل أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام- مأخذاً، وهو ما رويناه بالإسناد عن سلمان أن النبيء -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- قال له ذات يوم: ((يا سلمان لا تبغضني فتكفر)) ، فقال سلمان: يا رسول الله؛ وكيف أبغضك وبك هدانا الله من الضَّلال!؟، فقال -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-: ((تبغض العرب فتبغضني)) ، فكيف ترى يكون الحال في أهل بيته؟.
وروينا عن النبيء -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أنه قال لعلي: ((يا علي من أحبنا فهو العربي، ومن أبغضنا فهو العِلْج([27]))) ، والعلج في عرف العرب: هو المختص بالإحمرار والبياض من العجم كالترك، والروم، ومن شابههم وقاربهم من الأجناس.
وأقول في معنى هذا الخبر: إن النبيء -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أراد بالعلج: الخلط؛ لأن ذلك معناه في أصل اللغة لا فرق بين العلج والخلط والغث، ولها أشباه لا وجه لذكرها ها هنا، فكأنه -عَلَيْه السَّلام- قال: من أبغضنا فهو مختلف الأصل نسبته إلى واحد، وماؤه الذي خلق منه من واحد آخر، وهذا هو العلج الظاهر، وقلنا ذلك لأن المعلوم أن من العرب من يبغضهم، وقد أخبر -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- خبراً مطلقاً أنه علج، وهو -عَلَيْه السَّلام- لا يخبر إلاَّ بالحق.
وقوله: ((من أحبنا فهو العربي)) ، يريد؛ في الشرف؛ لأن من العجم مَنْ محبته للنبيء -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- شديدة.
_________________
([27]) ـ أمالي الإمام أبي طالب (74)، والحاكم الجشمي في تنبيه الغافلين (140) عن الأمالي.

وقد جاء الأثر بأن "من أحب قوماً فهو منهم([28])" لقول النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-: ((سلمان منَّا))، ((ومولى القوم منهم)) ، إلى غير ذلك، فلا وجه للخبر عندنا إلاَّ هذا وذلك يؤدي إلى الجمع بين الأخبار ما أمكن، فقد رأيت أنَّا لم نقل (ردي المنصبِ) إلاَّ إتباعاً للنبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- الذي يجب إتباعه ويحرم خلافه، وقد صح لك أن من أنكر فضل أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام- هذا النصاب الشريف أن أصله يكون من نسب غير خالص.
[ذكر وقعة نورود للإمام الحسن بن علي الأطروش(ع)]
[28]
لا أنسَ في نَورُودَ فِعْلَ النَّاصرِ .... الحسنِ الفذِّ الإمامِ الطّاهرِ
بكلِّ رِجْسٍ ذي عِنَادٍ فاجرِ .... خَبٍّ لئيمٍ داعرٍ مُكابرِ
[ذكر طرف من أمر الإمام الناصر الأطروش (ع)]
الناصر المذكور ها هنا هو أبو محمد الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب -عَلَيْهم السَّلام-، وأمه -عَلَيْها السَّلام- أم ولد، وسُمي بالأطروش لطرش كان في أذنيه، وأمره أشهر من أن يخفى، ونور مجده لا يطفئ، جمع الخصال التي يجب إعتبارها في الأئمة وزيادة، وتصانيفه مشهورة، وكتبه موجودة؛ وأخباره ظاهرة.
______________________
([28]) ـ رويت الأخبار المحبة بألفاظ مختلفة في اللفظ متحدة في المعنى ؛ فمن ألفاظه :
قوله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم - : ((المرء مع من أحب)) أخرجه البخاري في فضائل الصحابة (7/51) رقم (3688) ومسلم في كتاب البر والصلة (4/232) حديث (2639) والطبراني في الأوسط (6/216) رقم (8556) عن أنس بن مالك .
وأخرجه أيضاً البخاري في صحيحه في كتاب الأدب (10/573) رقم (6171) والطبراني في الأوسط (6/460) رقم (9403) عن أنس أيضاً ، وأخرجه البخاري في كتاب الأدب أيضاً (10/573) رقم (6170) والطبراني في الأوسط (4/252) رقم (5893) ومسلم في البر والصلة (4/234) رقم (2641) عن أبي موسى الأشعري، وأخرجه أحمد في مسنده (4/293) رقم (18115) والترمذي في الزهد (4/596) رقم 2387) وقال: حديث حسن صحيح ، والطبراني (2/368) رقم (3563) عن صفوان بن عسال ، وأخرجه أيضاً في الكبير رقم (8518) والصغير رقم (5111) عن صفوان بن قدامة .
وأخرجه أيضاً : مالك ، وابن أبي شيبة ، وأبو نعيم ، والضياء عن أبي ذر ، وعبد بن حميد ، وأبو عوانة عن جابر، وابن عساكر ، والشيرازي عن عروة بن مضرس ، والطيالسي ، وابن حبان .
ومن ألفاظه : قوله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم - : ((من أحب قوماً كان معهم)) رواه ابن أبي الحديد في شرح النهج (16/215) عن أبي الحسن المدائني .
وقوله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم - : ((أنت مع من أحببت)) رواه في الأمالي (284) عن عروة بن مضرس، وأخرجه البخاري في الأدب (10/573) رقم (6171) ومسلم في البر والصلة (4/232) رقم (162/2639) وأحمد في المسند (3/128) رقم (12019) والترمذي في الزهد (4/595) رقم (2385) والطبراني في الأوسط (1/43ـ 129ـ 417) رقم (107ـ 410ـ 1527) ورواه أيضاً (6/387) رقم (9154) جميعهم عن أنس بن مالك .
ورواه أيضاً البيهقي في شعب الإيمان (6/489) رقم (9011) والطبراني في الأوسط (2/194) رقم (2994) بزيادة : (ولك ما احتسبت)) .

[بعض خواص وفضائل الإمام الناصر الأطروش]
ويكفيك في معرفة كماله جملةً متابعة الداعي إلى الحق الحسن بن القاسم([29]) -صلوات الله عليه- له وانتظامه في سلك متابعته وجهاده بين يديه.
كان يِرِدُ بين الصفين متقلداً مصحفه وسيفه ويقول: قال أبي رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- : ((إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي)) ، فهذا كتاب الله وأنا عترة رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- فمن أجاب إلى هذا وإلاَّ فهذا.
ومن خواصه: إيمانُ كثيرٍ من أهل الشرك على يديه وترشيحه لهم حتى صار بعضهم من علماء الإسلام وجميعهم من أهل المعرفة بالله -تعالى-، فإن فيما روينا بالإسناد الموثوق به أن المؤمن على يديه من عَبدَة الشجر والحجر زهاء مائتي ألف([30]) مكلف.
________________
([29]) ـ الإمام الداعي إلى الله أبو محمد الحسن بن القاسم بن الحسن بن علي بن عبد الرحمن الشجري ابن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب -عَلَيْهم السَّلام-، كان من أركان الناصر للحق -عَلَيْه السَّلام- وصاحب جيشه والمستولي على الأمر عالماً فاضلاً ورعاَ شهماً ذا دين وطريقة سديدة بويع بالإمامة بعد وفاة الناصر -عَلَيْه السَّلام- في اليوم الثاني من وفاته يوم الأربعاء الرابع عشر من شهر رمضان سنة أربع وثلاثمائة فأظهر من حسن السيرة في الأمور كلها من بسط العدل والإحسان إلى الناس عموماً ولخاصته من الأشراف وأهل العلم على طبقاتهم، والتشدد على أهل العبث والفساد حتى ضرب المثل بعدله فكان يقال عدل الداعي، وكانت له حروب مشهورة ووقائعه معروفة مع الجنود العباسية الخراسانية، وخطب له في نيسابور ونواحيها والري ونواحيها، وفي الجيل والديلم واستشهد -عَلَيْه السَّلام- سنة ست عشرة وثلاثمائة وله إثنان وخمسون سنة.
([30]) ـ ذكر الإمام المنصور بالله -عَلَيْه السَّلام- في الشافي 1/ 309 حاكياً لكلام الناصر -عَلَيْه السَّلام-: فآمن على يدي منهم زهاء مائتي ألف مقاتل سوى النساء والصبيان، وذكر مصنف سيرته أن الذين أسلموا على يديه بلغوا ألف ألف نسمة، وقال إبراهيم بن محمد الوزير في بسامته:
وكان إسلام جستان على يده .... في ألف ألف من العباد للشجر
وقال الزحيف في شرح البسامة: وروي أنه أسلم على يديه في يوم واحد أربعة عشر ألف نسمة.
وقال المسعودي في مروج الذهب (4/327): وقد كان أقام في الديلم سنين ، وهم كفار على دين المجوسية ومنهم جاهلية ، وكذلك الجيل ، فدعاهم إلى الله عز وجل فاستجابوا وأسلموا.

[ذكر بعض شعره(ع)]
ومن ذلك جمعه مع علوم القرآن، والفقه، والحديث، علمَ الأدب وبلوغ الغاية فيه، والأخبار،و اللغة، والفصاحة في الأشعار، والخطب، ومقامات الوعظ، وإستقصاء ذلك يطول شرحه، فمن جيد شعره -عَلَيْه السَّلام- قصيدة قال فيها:
لَهَفانُ جَم وساوس الفكرِ .... بين الغياض فساحلُ البحرِ
يدعو العباد لرشدهم وكأنْ .... ضُربوا على الآذان بالوقرِ
مترادف الأحزان ذو جَزَعٍ .... مُرٌّ مذاقتهن كالصَّبِرِ
متنفس كالكير ألهَبَهُ .... نَفْخُ القُيونِ([31]) وواقد الجَمْرِ
أضحى العدو عليه مجتهداً .... ووليُّه متخاذلَ النصر
متبرم بحياته قلق .... قد ملَّ صحبةَ أهلِ ذا الدَهر
وممَّا قال فيما يتعلق بمقامات القتال قوله -عَلَيْه السَّلام-:
شيخ شرى مهجته بالجنَّهْ .... واستن ما كان أبوه سنّهْ
ولم يزل علم الكتاب فنّهْ .... يجاهد الكفار والأظنّهْ
بالمشرفيات وبالأسنّهْ
__________________
([31]) ـ القيون : جمع قين وهو الحداد . تمت قاموس.

ومما قال فيما يتعلق بالوعظ قوله:
واها لنفسي من حيارى واهاً .... كلفتها الصبر على بلواها
وسوغ مر الحق مذ صباها .... ولا أرى إعطاءها هواها
أريد تبليغاً بها علياها .... في هذه الدنيا وفي أخراها
بكل ما أعلم يرضي الله
وكذلك حاله -صلوات الله عليه- فإنه نشأ على العلم، والورع، والزهد، والعبادة.
ومن خواصه: إحاطته بكثير من علم المخالفين، من شيوخ العراقيين وغيرهم، واتساع بسطته في ذلك، إلى غير ذلك ممَّا يخرجنا عمَّا نحن بصدده من الإختصار، فلنرجع إلى معنى القافية:

[ذكر يوم نورود]
ذكر النَّاصر -عَلَيْه السَّلام- وهو من ذكرنا، وذكر (نورود): وهو يوم أدال الله فيه الحق على الباطل، وانتصف للإيمان من الفسق والضلال، وهو يوم للناصر -عَلَيْه السَّلام- على أحمد بن إسماعيل([32]) صاحب خراسان من قبل بني العباس وكان المتولي لقتاله -عَلَيْه السَّلام- في ذلك المكان من قبل أحمد بن إسماعيل هذا محمدَ بن علي المعروف بصعلوك في شياطين الخراسانية وقواد الدولة هناك، فلقيهم -عَلَيْه السَّلام- في عدة صابرة غير وافرة([33])، فقاتلهم قتالاً شديداً،منحه الله بآخِرِهِ([34]) أكتافهم، وشتت شملهم، فبلغ عدة القتلى في ذلك اليوم خمسة وعشرين ألفاً.
_____________
([32]) ـ أحمد بن إسماعيل بن أحمد بن نصر الساماني ، أبو نصر ، من أمراء بني سامان ، وكانوا حكام ما وراء النهر وعاصمتهم بخارى ، يتوارثون الإمارة بعهد من خلفاء بني العباس ، تولى سنة (295هـ) بعد وفاة أبيه وجاءه عهد المكتفي العباسي بالإمارة ، ثم تولى الإمارة في عهد المقتدر العباسي .
ذبحه بعض غلمانه وهو على سريره غيلة ، في شعبان سنة (301هـ) الطبري (9/109)، الأعلام (1/96).
([33]) ـ ذكر الإمام المنصور بالله -عَلَيْه السَّلام- في الشافي 1/ 310 هذه الوقعة، فقال:
ولما انتظم أمر الجيل والديلم، وانقطع النزاع وجبيت له الأموال، وأظهر فيها معالم الدين، وعلمهم شرائعه واحتفل -عَلَيْه السَّلام- لفتح (آمل)، واتصل بأحمد بن إسماعيل خبره في قوته وظهوره واجتماع الجيل والديلم على طاعته، وأنه يريد قصد طبرستان وجه إلى (آمل) عساكر، وكتب إلى محمد بن علي المعروف بصعلوك بورود (آمل) و(الري) ومحاربته فوردوا، وبلغ عدد الجماعة أكثر من ثلاثين ألفاً وانضم إليهم من أهل آمل وحشوهم وطغامهم عدد كثير، وكل يوم يركبون في المراكب على طريقة الغزاة ويستفزون الناس إلى حربه (ع) وقضاتهم يفتونهم بذلك، وخرجوا بأجمعهم إلى (شالوس) وأقبل الناصر (ع) بعساكره من الجيل والديلم، ولم يكن لهم من آلات الحرب ما كان للخراسانية، فالتقوا في موضع بين (وارق) و(شالوس) يعرف بـ(نورود) على ساحل البحر، ووقع القتل هنالك فأوقع رضي الله عنه في الخراسانية، ومنحه الله أكتافهم ونصره الله عليهم، فانهزموا أقبح هزيمة ، وقتلوا شر قتلة ، فبلغ عدد المقتولين في المعركة عشرين ألفاً بين مقتول بالسلاح وغريق في البحر كانوا إذا ثبتوا أخذهم السلاح، فإذا انهزموا غرقوا في البحر، وتحصن منهم نحو خمسة آلاف رجل في قلعة شالوس مع أميرهم يعرف بأبي الوفاء وسألوا الناصر -عَلَيْه السَّلام- فأمنهم فمضى لوجهه بعسكره لاحقاً للمنهزمين متوجهاً إلى (آمل) وكان الداعي إلى الله الحسن بن القاسم -عَلَيْه السَّلام- غاب في تلك الحال متتبعاً لفلول المنهزمين من القلعة فسألهم عن شأنهم، فقال بعض الناس آمنهم الناصر، فقال: لم أسمع ولا صح عندي ثم وضع الرايات فيهم فقتلهم من عند آخرهم لم يفلت منهم نافخ ضرمة، ولما دنا من آمل ـ أي الناصر -عَلَيْه السَّلام- ـ تلقاه فقهاؤها وقراؤها وصلحاء أهلها على وجل فاعتذروا إليه فقبل عذرهم، وتوفر عليهم وحفظهم ولما دخل البلد امتد إلى جامعها فصعد المنبر وخطب خطبة بليغة، انتهى.
([34]) ـ يعني بآخر ذلك اليوم الذي هو يوم نورود. تمت.

وجِده -عَلَيْه السَّلام- وإجتهاده في إقامة الحق ودمغ الباطل لم ينقطع إلا بموته -عَلَيْه السَّلام-، ذكر أنه -عَلَيْه السَّلام- قال في بعض خطبه بعد يوم نورود وفتح آمل: (آه آه في الصدر حرارات لم يشفها قتلى نورود، فقيل: يا ابن رسول الله فما تبغي؟ وعلى مَنْ تبكي؟ فقال : أبكي لقوم هلكوا في الحبُوس ، ولقوم فرق بين أجسادهم والرؤوس، ولقوم مزقوا تحت أديم السماء ـ) يوميء -عَلَيْه السَّلام- إلى أنه لا يشفي قلبه إلاَّ ما يصيب بني العباس في أنفسهم خاصة دون أجنادهم، وأعوانهم على فسادهم.
وإنما ذكر هذا اليوم وما يجانسه مما يتعلق بذكر أدلة المحقين على المبطلين مثل المتوقع لمثل ذلك من الله -سبحانه وتعالى- في أهل عصرنا، الجاحدين لحقنا، المنكرين لفضلنا، وكيف لا يقع ذلك والله- عز من قائل- يقول وهو أصدق القائلين: {وَلَوْ قَاتَلَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوْا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا(22)سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا(23) }[الفتح] ، وسنة الله لا تبديل لها، وحكمه لا معقب له، فلا بدّ أن يديل الله الحق على الباطل في مدتنا هذه([35]) فقد طال ما تغطمطت([36]) أمواجه، واشتد لجاجه، وسلكت فجاجه، وتكاثرت أفواجه، فنسأل الله -تعالى- الفرج وقرب المخرج.
___________________
([35])ـ هكذا في الأصل : (فقال)، وأظنه فقد والله أعلم.
([36]) - الغطمطة : اضطراب موج البحر . تمت ق.

46 / 63
ع
En
A+
A-