وفضائله كثيرة، وسيأتي ذكر بعضها فيما بعد، إذ هذا الكتاب لو جرد لذلك لم يحط بالجميع، فأما أمر الإصبع والخمار فمن الجائز أن يكون النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- قد أخبر بذلك قبل وقوعه فأتى وقوعه معجزة له -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أظهرها الله في ولده الصالح تكرمة له -عَلَيْه السَّلام-.
وذكر أمر زيد بن علي -عَلَيْه السَّلام- لأن منكر فضل أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام- يشارك قتلة زيد بن علي -عَلَيْه السَّلام- وأصحابه -رضي الله عنهم- في سفك دمائهم، ووزر قتالهم؛ لأن علَّة قتالهم لزيد إنكار فضله وفضل أهل بيته -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، وما أوجب على الكافة من توقيرهم والرجوع إليهم، وأخذ العلم عنهم، والجهاد بين أيديهم، وكل مذهب أدَّى إلى هذا فبطلانه ظاهر، ومعتقده خاسر.
[24]
وكَمْ لأجدادِيَ مِنْ يَوْمٍ أغَرْ .... فيهِ النِّطاحُ بالجِبَاهِ والغُرَرْ
لا يَرْفَعُ الصوتَ بِهِ إلاَّ الذَّكَرْ .... يَضَلُّ يَرْمِيْ بِالرُؤسِ والقِصَرْ
أجداده هم الأئمة -عَلَيْهم السَّلام-، فقال: " إن ذكر أيامهم -صلوات الله عليهم- ووقائعهم يطول شرحها "، فأورد لفظ الإستفهام وهو يريد التقرير والإلزام.
ولآبائنا -عَلَيْهم السَّلام- أيام غر محجَّلة بحميد أفعالهم، وجميل صبرهم، وحسن بلائهم في قتالهم ونزالهم، ووعظهم، وجدالهم، عرف منهم في ذلك ما لم يعرف من غيرهم، فكم لهم من يوم خلص فيه صبرهم، ووجب أجرهم، تصادمت فيه الخيل (بالغرر) - كما قال في القافية -: والفرسان (بالجباه) خرست فيه الألسن، ونطقت السيوف.
وحديد السيوف يسمى (ذكراً)، وذلك ظاهر في اللغة.
و (الرؤس) معروفة، و (القِصَر): بفتح الصَّاد: الأعناق، وما كان أصل تلك الأيام إلاَّ إنكار فضلهم على ما يأتي ذكره في البيت الذي يلي هذا.

[25]
وأصلُهُ الإنكارُ لِلتفضِيلِ .... والقَوْلُ بالتّرجيم والتعليلِ
ونَفي حُكْمِ الوَاحِدِ الجَلِيْلِ .... في كلِّ ما حيٍّ وكلِّ جيلِ
يقول : إن أصل ما تقدم ذكره أو تأخر مما لحق أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام- وأشياعهم -رحمهم الله تعالى- ما هو إلاَّ إنكار تفضيل الله -سبحانه وتعالى- لهم إبتداءً؛ لأن أعدائهم يقولون على هذا المذهب الفاسد: (نحن نصلي وهم يصلون، ونصوم وهم يصومون، ونفعل من أجناس الطاعة ما يفعلون ونزيد في التعمق ما لا يفعلون)، كترك النكاح الذي حض على فعله النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- الأمي بقوله: ((تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة([12]))) ، وبقوله: ((رهبانيَّة أمتي الجهاد([13]))) .
وروينا عن النبيء -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- من طريق أحمد بن عيسى -عَلَيْه السَّلام- أنه قال: ((من كان له ما يتزوج به فلم يتزوج فليس منَّا([14]))) .
____________________
([12]) ـ رواه في كتاب بدائع الأنوار في محاسن الآثار أمالي الإمام أحمد بن عيسى بن زيد بن علي -عَلَيْهم السَّلام- ، ورواه الإمام أبو طالب في الأمالي (363) عن أبي أمامة الباهلي ، ورواه في الاعتصام وقال عقبة : أخرجه البيهقي في السنن عن أبي أمامة ..إلى قوله: وفيه -أي في شرح الأحكام- وأخبرنا السيد أبو العباس الحسني رحمه الله ، قال : أخبرنا عبدالعزيز بن إسحاق ، قال : حدثنا علي بن محمد النخعي ، قال : حدثنا سليمان بن إبراهيم المحاربي ، قال : حدثنا نصر بن مزاحم ، قال : حدثنا إبراهيم بن الزبرقان ، قال : حدثني أبو خالد ، قال : قال زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب -عَلَيْهم السَّلام- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ((تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم))، والطبراني في الأوسط (4/210) رقم (5746)، والهيثمي في مجمع الزوائد (3/13).
([13]) ـ أخرجه بألفاظ متقاربة في مسند أحمد (3/266) رقم (13834) ، مسند أبي يعلى (7/210) رقم (4204) ، وفي كتاب الجهاد لعبدالله بن المبارك (35) رقم (16).
([14]) ـ رواه في رأب الصدع (أمالي أحمد بن عيسى - عليه السلام -) (2/859) رقم (1398) بسنده عن أبي نجيح السلمي، ورواه في الشفاء.

وبإسناده -عَلَيْه السَّلام- عن شداد بن أويس أنه قال لأهله: ((زوجوني فإن رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أوصاني أن لا ألقى الله أعزب([15]))) .
ولم يعهده أحد من الأئمة الراشدين ـ أعني ترك النكاح ـ ولا أحد من النبيئين -صلوات الله عليهم- إلاَّ من حصره عنه ربُّ العالمين لمصلحة يعلمها له دون غيره في الدين.
ويختص بالنسك والتعمق ومخالفة العترة الطاهرة -عَلَيْهم السَّلام- الخوارج ومن طابقهم، فإذا كان ذلك كذلك قالوا لا فضل لهم علينا؛ بل نحن أفضل منهم؛ لأنَّا قد اختصصنا من التعمق وترك المباحات والمندوبات بما لم يختصوا به.
وقد رأينا وسمعنا ممن أنكر فضل أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام- قريباً ممَّا صوَّرنا وزيادة، فمن هناك خرج الخارجون على العترة الطاهرة -عَلَيْهم السَّلام- واجتروا على قتالهم، وسفك دمائهم، ومنابذتهم، فانظروا -رحمكم الله تعالى- كيف ساق إنكار فضلهم إلى هذه الأمور الشنيعة العظيمة المهلكة، وأين يكون موقع صاحب هذه المقالة من عذاب الله؟ وإن شاب رأسه ، وتعاظمت عند ذكر المواعظ أنفاسه، لأن للدين قواعد لا يستقيم إلاَّ عليها، وغايات لا ينتهي إلاَّ إليها ، تفضيل أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام- قواعده، والإقتداء بهم غاياته، فمن بنى على [غير([16])] قاعدة إنهار بنيانه، وتهافتت أركانه، ومن جاوز الغاية ضل سعيه ، وكانت النار سيقته([17]) وخصله([18])، فنعوذ بالله من عمى الأفكار ، وزيغ القلوب والأنظار.
________________________
([15]) ـ رواه في رأب الصدع (أمالي أحمد بن عيسى - عليه السلام -) (2/860) رقم (1399) بسنده عن شداد بن أويس، ورواه في الشفاء.
([16]) - في النسخ الموجودة بدون (غير) ولعل الصحيح ما أثبتناه ويمكن أن تكون سقطت على الناسخ ، والله أعلم.
([17]) ـ في نخ (م): سبقته.
([18]) - الخصلة : الخلة والفضيلة والرذيلة . تمت ق.

وقد وجدنا لبعض آبائنا -عَلَيْهم السَّلام- وهو الناصر للحق الإمام أبو الفتح([19]) بن الحسين الديلمي -صلوات الله عليهم - أنه قال في تفسير قوله تعالى : {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ }[الرعد:25] ، قال: (هم الذين لا يوجبون محبَّة آل محمد -صلوات الله عليهم- وينكرون فضلهم([20]))، وهذا معنى قوي عندنا وبه نقول، والله أعلم.
______________________
([19]) ـ الإمام أبو الفتح الديلمي الناصر بن الحسين بن محمد بن عيسى بن محمد بن عبدالله بن أحمد بن عبدالله بن علي بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب -عَلَيْهم السَّلام- كان من أعلام الأئمة وقادة الأمة، وكان من أهل الفضل والمعرفة التي لم تكن لأحد من أهل عصره دعا إلى الله تعالى في الديلم سنة ثلاثين وأربعمائة ثم خرج إلى اليمن فاستولى على أكثر بلاد مذحج وهمدان وخولان، وانقادت له العرب وحارب الجنود الظالمة من المتمردة والقرامطة، وله التصانيف الواسعة والعلوم الرائعة منها: كتاب البرهان في تفسير القرآن، وله الرسالة المبهجة في الرد على الفرقة الضالة المتلجلجة، في الرد على المطرفية، ولم يزل -عَلَيْه السَّلام- قائماً بأمر الله سبحانه وتعالى حتى أتاه اليقين، وقد فاز بفضل الأئمة السابقين توفي شهيداً في الوقعة التي بينه وبين علي بن محمد الصليحي في نجد الجاح من بلد رداع بعنس مذحج، وقد عجل الله انتقام الصليحي آخر تلك السنة، وكان استشهاده سنة نيف وأربعين أو خمسين وأربعمائة وقبره في رداع مشهور مزور، في منطقة تسمى (الميفعة) تبعد من مدينة ذمار حوالي 17كم.
([20]) ـ قال الإمام الناصر ، أبو الفتح بن الحسين الديلمي - عليه السلام - في البرهان في تفسير القرآن ـ مخطوط ـ في تفسير سورة الرعد الجزء الأول ص200، في تفسير قوله تعالى : {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ(21)} ، قال - عليه السلام - : الذي أمر الله بوصله النبي صلى الله عليه ، والأئمة من ولده ؛ لأن قطيعتهم كفر وضلال، انتهى.

[بيان أن المساواة في التفضل لا تجب عقلاً وإنما تجب في المستَحَق]
قوله: (والقول بالتَّرجيم والتعليل)، الترجيم: هو قول القائل: (ما أظن لهم فضلاً على غيرهم، ومن أين يجوز من الله -تعالى- تفضيلهم على غيرهم والمساواة عليه واجبة؟) وهذا كما ترى، بناء الفساد على الفساد؛ لأن أدلة العقل قد دلّت على أن الله -تعالى- متفضل وأنه منعم، وأن للمتفضِّل أن يفاضل بين من تفضَّل عليهم إذْ المساواة لا تجب عقلاً إلاَّ في المسْتَحَق فمن قال بعد ذلك يجب عليه نقض كونه متفضلاً ؛ لأن حد المتفضل عند جميع أهل العلم : هو الذي له أن يفعل ولم يكن له أن لا يفعل. وهذا قول جميع أهل العدل العارفين بالحقائق ، ولأن الدلالة العقلية قد دلت على أنه تعالى لا يخل بواجب، فلو وجب عليه المساواة لفعل ذلك، وقد علمت المخالفة منه تعالى بين خلقه عِند من أقر بأن للعالم صانعاً وذلك ظاهر في أمور كثيرة.
منها: تفضيله سبحانه للرجال على النساء، وقد نطق بذلك كتابه العزيز في قوله: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}[النساء:34] .
وفضل الأحرار على المماليك، وقد نطق بذلك كتابه في قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(75)} [النحل] ، وصدق الله العظيم، ونحن على صدقه من الشاهدين ، وله من الحامدين العابدين ، إذ المملوك لا يساوي الحر في شيءٍ ولا يتمكن من الإنفاق في السر والعلانية على الوجه المحمود مما حوت يده إلا بإذن سيده، والحر محمود على الإنفاق في جميع أحواله، ومثل ذلك لا يغبى إلاَّ على من عميت بصيرته.

وتفضيل الله للمالك على المملوك ظاهر لا يفتقر إلى برهان ، ولا ينكره قبل حدوث هذه المقالة من أهل الملك إنسان، وقد ألجأت الضرورة إلى تبيان البيِّن، وإيضاح الواضح، وترداد الأدلة، وتكرار أكثر الحجج، فنسأل الله التوفيق.
فلو كانت المساواة على الله -تعالى- واجبة لما أخل بها؛ لأنه لا يخل بالواجب ولا يفعل القبيح، ولا يجوز السهو والغفلة عليه، ولا يغلب على مراده من فعله على كل حال، ولا من فعل غيره إذا أراد الإجبار ورفع التخيير، ومثل هذا لا يغبى على المميزين من العقلاء، فضلاً عن المستبصرين من العلماء، فقد وقع صاحب هذه المقالة في ورطة عظيمة؛ لأنه إن حرس مذهبه بالمكابرة وقال إن الله ساوى بين الذكر والأنثى إرتكب الرد لقوله تعالى: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى}[آل عمران:36] ، ومن رد قوله تعالى كفر، فلا مخلص له إلاَّ بالرجوع إلى الحق وترك التمادي في الباطل.

[ذكر أن فعل الفاعل لا يعلل]
قوله: (والتعليلِ): مثل أن يقول: ما العلَّة في جعل الله -تعالى- لهم أفضل من غيرهم ؟ وقد ثبت بين أهل العدل والحقائق من علم الكلام أن فعل الفاعل لا يعلل، وبذلك سقط كثير من شبه الفلاسفة والملحدة، فنسلك في إنكار حقهم مسلك التعليل الذي لا يجوز سلوكه في أفعاله تعالى، أو نسلك مسلك القياس الفاسد لغير علة رابطة ولا رجوع إلى أصل معين ".
فنقول: هم ناس ونحن ناس، أو هم متعبدون ونحن متعبدون، وقد تقدم الكلام على مثل هذا التهوس([21]) الذي لا يغبى عواره.
فالجواب في ذلك جملة أن يقال: لأن الله -تعالى- جعلهم للمسلمين سادة، وجعل محبتهم عنوان السعادة ، فمن أحبهم حُشر إلى الرحمن وفداً ، ومن أبغضهم سيق إلى جهنمَ وِرْداً، ولا إعتراض عليه في ذلك لأنه حكيم،و الإعتراض على الحكيم قبيح شاهداً وغائباً، وقد قال تعالى : {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ(23)}[الأنبياء] ، فورد ذلك لما سبق مؤكداً.
_____________________
([21]) ـ الهَوَس بالتحريك : طرف من الجنون. تمت قاموس.

[بيان أن المماثلة في الجسمية لاتقتضي المماثلة في التفضيل]
[26]
يا قومِ لَيسَ الدُّرُ قَدْرَاً كَالبَعَرْ .... ولا النِّظَارُ الأبْرَزِيُّ كالحَجَرْ
كلا ولا الجوهَرُ مِثْلاً للمَدَرْ .... فحاذِرُوا في قولكمْ مَسَّ سَقَرْ
علَّة هذا وذكره: أنَّا سمعنا من منكري فضل أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام- من يعلل نفي فضل الواحد من أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام- بأن يقول: لي يدان وللشريف يدان، ولي رجلان وله رجلان، فأيَّ فضل له عليَّ.، وهذا وإن كان كلاماً سخيفاً لا يلتفت أهل المعرفة إلى مثله، فقد ألجأت الضرورة إلى ذكره لتظاهر القائلين به وكثرتهم في بلداننا هذه ونوافح أوامر من عنده.
فينبغي أن ينبَّه صاحب هذه المقالة بأن يقال له: إن المرأة لها يدان ورجلان، وقد ثبت تفضيل الله -تعالى- للرجل عليها؛ وكذلك المملوك، وجعل للمرأة مثل نصف نصيب الرجل وهما تؤمان من طريق الأبُّوة والأمومة بوجه واحد؛ وكذا المملوك متصرف فيه متعبد بطاعة مولاه وخدمته حتى إذا فرط فيه عصى ربَّه، وإن كان مولاه فاسقاً وهو مؤمن بلا اختلاف بين الأئمة -عَلَيْهم السَّلام- والعلماء في ذلك، ولأن الذي يقرون أنه أفضل منهم بعلمه له ـ أيضاً ـ آلة مثل آلتهم مع فضله عليهم في تلك الحال، وقد لا تستوي الآلة بأن يجعل الله تعالى بعضها أقوى من بعض وأجمل من بعض، وأصح وأحد إلى غير ذلك ، والحال فيه ظاهر وإن إتفقت التسمية، ولأن المتَعبَّد أفضل ممن ليس بمتعبَّد، والآلة مستوية كما يعلم في الطفل والمجنون وربما كانت أيديهم وأرجلهم أقوى من آلة المتعبدين، فهذه فروق ظاهرة.
ثم نبه على بطلان تلك المقالة: بأن المشابهة في بعض الوجوه لا توجب المماثلة على الإطلاق بقوله: (يا قوم ليس الدر قدراً كالبعَرْ)؛ لأن البَعرَ وإن ماثل الدر في الجسمانية والحدوث، فهو مخالف له في الشرف وتعظيم الله -سبحانه وتعالى- لأحدهما في قلوب العباد دون الآخر.
(والدر) جوهر معروف.

(والبعر) رجيع معروف، ـ أيضاً ـ، والتفاضل بينهما معلوم لكل عاقل؛ وكذلك سائر ما ذكر في البيت إلى آخره.
و (النظار): هو الذهب.
و (الأبرزي): هو الخالص.
(والجوهر) في عرف اللغة: آنية مخصوصة نفيسة، وأصله نوعان: مبدوع، ومطبوع.
و (المدر): أراد به الفخار، وهي آلة مسترذلة دنيَّة، والله -تعالى- يفعل ما يشاء ويختار وليس إلى العباد من الأمر شيءٌ، فلا وجه إلا الرضاء الواجب والتسليم.
[الإشارة إلى فضل أهل البيت(ع)]
[27]
هَلْ في البرايا كَبَنِي بنت النبيِّ .... أهلِ الكِسَا والحَسَبِ المهذَّبِ
والضَّربِ في عَرْضِ العَجَاجِ الأشهَبِ .... عَنْ دِينِهمْ كلَّ رَدِيِّ المنْصِبِ؟
هذا سؤال يلزم عليه ما لا يجهل عاقل فساده ، ويوجب الرجوع إلى الحق لمن أراده؛ لأن المخالف لا بدَّ له على هذا السؤال من لا أو نعم، فإن قال: نعم؛ في الناس مثلهم، أكذبه قول النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- فيهم ولم تختلف الأمة في صحته حتى صرحّت به الأشعار ، وشحنت به الرسائل ، وفاض فيض الصباح، وهو تجليله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- لهم بالكساء، وقد روي من طرق شتى بألفاظ لاتختلف في المعنى.

[بحث في خبر الكساء]
وقد روينا بالإسناد الموثوق به إلى أبي سعيد الخدري -رحمة الله عليه- عن أم سلمة رحمة الله عليها قال: حدثتني أم سلمة أن النبيء -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- قال لفاطمة -عَلَيْها السَّلام- ((ائتيني بزوجك وابنيك، قال: فجاءت بهم فألقى عليهم كساءً فدكياً ثم قال: اللَّهُمَّ إن هؤلاء آل محمد فاجعل شرائف صلواتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد كما جعلتها على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، قالت أم سلمة: فرفعت الكساء لأدخل فدفعني وقال: إنك على خير)) ، فهذه صيغة هذا الخبر، و قد روي من طرق مختلفة([22]) بصيغ متقاربة تؤول إلى معنى واحد.
___________________
([22]) ـ قال الإمام الحافظ الحجة مجد الدين المؤيدي أبقاه الله وحفظه في التحف شرح الزلف ص242/ط3:
وأما طريق روايتها فنذكر طرفاً نافعاً من الرواة المرجوع إليهم عند الأمة، منهم: الإمام الناصر للحق الحسن بن علي، والإمام أبو طالب، والإمام المرشد بالله، ومحمد بن منصور المرادي، ومحمد بن سليمان الكوفي، وصاحب المحيط بالإمامة علي بن الحسين، والحاكم الجشمي، والحاكم الحسكاني، وابن أبي شيبة، وابن عقدة، وابن المغازلي، وغيرهم بأسانيدهم، ومالك بن أنس، ووكيع، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والدارقطني، والثعلبي، والواحدي والحاكم، والطحاوي، وأبو يعلى، وأبو الشيخ، والطبراني، والبيهقي، وعبد بن حميد، ومطين، وابن أبي داود، وابن أبي حاتم، وابن جرير، وابن خزيمة، وابن عساكر، وابن مردويه، وابن المنذر، وابن منيع، وابن النجار، والشيخ محب الدين الطبري الشافعي صاحب ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى، والبغوي وغيرهم.
والمروي عنهم من الصحابة: أمير المؤمنين، والحسن السبط، وفاطمة الزهراء -عَلَيْهم السَّلام-، وعبدالله بن العباس، وعبدالله بن جعفر، وجابر بن عبدالله، وأم المؤمنين أم سلمة، وابنها عمر بن أبي سلمة، وعائشة، والبراء بن عازب، وواثلة بن الأسقع، وأبو الحمراء مولى رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وسعد بن أبي وقاص، بطرق تضيق عنها الأسفار، ولا تستوعبها إلا المؤلفات الكبار، وهي متطابقة على معنى واحد من جمع الأربعة: علي والزهراء والحسنين مع رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- وتجليلهم بالكساء قائلاً -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-: ((اللهم هؤلاء أهل بيتي)) وفي بعضها وعترتي، وفيه: وأهل بيتي، وفيه: أهل بيتي وخاصتي، ونحوها مما لايخرج عن هذا المعنى، انتهى.

45 / 63
ع
En
A+
A-