[ذكر كلام الإمام الحسين بن القاسم (ع) في الإمامة]
فمن ذلك قوله -عَلَيْه السَّلام- في أن الإمامة مقصورة في أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام- دون غيرهم، في كلام طويل قال فيه بعد أن فرغ بالإستدلال على أنها مقصورة عليهم من جهة العقل: (فمن ها هنا وجب أن تكون الإمامة في أهل بيت معروفين، وبالفضل والشرف مخصوصين، وأمَّا في الكتاب: فقوله فيه سبحانه: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا(33)}[الأحزاب] ، وقوله سبحانه لنبيئه -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}[الشورى:23] ، فافترض سبحانه مودة ذي القربى من رسوله -صلى الله عليه وعلى آله- فيا أيها الأمة الضالة عن سبيل رشدها، الجاهدة في هلاك أنفسها، أمرتم بمودة آل النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، أم فرض عليكم مودة تيم وعدي؟!، ومن الذين أذهب الله عنهم الرجس -أهل البيت- وطهرهم تطهيراً إلاَّ الذين أمرتم بمودتهم من ذوي القربى من آل نبيئكم، فهذه ؛ بحمد الله، حجج واضحة منيرة لا تطفأ، وشواهد مشهورة لا تخفى، إلاَّ على مكابرٍ عمٍ، أو شيطان غوي، قد كابر عقله، ورفض لبَّه.
وأمَّا السنة، فهي: ما أجمع عليه من إمامتهم، والباطل ما اختلف فيه من إمامة غيرهم).
هذا كلامه -عَلَيْه السَّلام-، وقد تقدم ما ذكرنا في ذلك من كلام الله -سبحانه وتعالى- وكلام رسوله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، وأقوال أولاده الأئمة السابقين -عَلَيْهم السَّلام- وتركنا من ذلك الأكثر لعلمنا أن في دون ما أردناه كفاية لمن نظر بعين البصيرة، وإنقاد لحكم الضرورة.

[الهوى يعمي ويصم]
[19]
وَكَمْ أعُدُّ مِنْ كلامِ الجبَّارْ .... آياً وَمِنْ قولِ النبي المُختارْ
وشَرْحِ أجدادي الحُمَاةِ الأبرَارْ .... مِنْ حُجَّةٍ لائحةٍ للأبصارْ
(كم) إسم غير متمكن، وقد يكون إستفهاماً، وقد يكون خبراً، ولهما أحكام ليس هذا موضع ذكرها، وهي تدل على التكثير في الخبر، والإستفهام جملة لا تفصيلاً، ولها شبه برُبَّ في بعض أحكامها، ولذلك تعمل في بعض الحالات عملها، ورُبَّ تقصر عنها ؛ لأنها حرف ولا يصلح إلاَّ للخبر، وهي نقيضتها في الدلالة ؛ لأنها تكشف عن التقليل، فقوله (كم): يريد ؛ كثيراً ما أعد من كلام الجبَّار.
(والجبَّار) هاهنا: هو الله -سبحانه- والجبَّار في أصل اللغة: هي النخلة التي لا تنالها الأيدي طولاً، فلما كان تعالى لا تناله الأيدي عظمة، ولإجلاله سمي جبَّاراً، وسمي بذلك لذلك.
و (آياً): جمع آية، والآية: هي الدلالة والعلامة، يقول قائل أهل اللغة: ما آية ذلك؟ أي ما دلالته، فلما كان كل فصل من كتاب الله -تعالى- دلالة باهرة سُمي كل فصل من كلامه تعالى آية.
و(أجداده): هم الأئمة -عَلَيْهم السَّلام-، وسماهم (حماة) لدفاعهم عن الدين، وجهادهم في سبيل ربِّ العالمين.
و (الأبرار): هم المطهَّرون من دنس الأوزار، المنقطعون في طاعة العزيز القهار، وكذلك حالهم -عَلَيْهم السَّلام- وشرحهم علومهم، وقد ذكر منه ما تقدم مما في بعضه كفاية لمن أبصر، وعبرة لمن إعتبر، وما يتذكر إلاَّ أولوا الألباب، ولا يمْنَحُ التوفيقُ إلاَّ من أناب.

[صفة المنكر للتفضيل بعد معرفته بما سبق من الأدلة]
[20]
لم يَعَمَ عَمَّا قُلْتُهُ إلاَّ عَمِي .... ذو منطقٍ حُلوٍ وقلبٍ مُظْلِمِ
يَحسِبُ أنَّ الدِّينَ بالتَّوهُمِ .... فصَارَ للشّقْوَةِ في جهنَّمِ
هذا إشارة إلى أن ما تقدم من الأدلة على تفضيل الله -سبحانه وتعالى- لعترة نبيئه -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- خاصَّة، ولمن شاء بعده ذلك من خلقه عامَّة، لا يعمى عنه ويجهله إلاَّ من أعمى الله -سبحانه وتعالى- قلبه، وأذهل لبَّه، لتظاهر عصيانه، ومتابعته لشيطانه، فلسانه حلو للسامعين، وفعله واعتقاده ينفر عنهما جميع المسلمين، فقد أخذ حطام الدنيا بالدين، ولبس للناس جلود الضأن من اللِّين، قد كور العمامة على الهامة، وأرصد الكف للنخامة، ولطف كلامه، وأظهر إعتمامه ، وأنشأ يطعن في فضل من أورثهم الله الإمامة ، وملكهم الزعامة ، إلى يوم القيامة، فهو فتنة لمن أبصره([36]) دون من خبره، قد أعمى العجب بعبادته بصره، وعفا من زمرة الصالحين أثره، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، فهل تعلمون أيها الإخوان أبخس تجارة، أو أبين خسارة ممن أورثته أفعاله وأقواله الندامة في موقف القيامة، فنسأل الله التوفيق لنا ولكم، والصلاة [والسلام] على النبيء -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
_________________
([36]) - نخ (ن) : أبصر.

[بيان أن منكر فضل أهل البيت(ع) يكون مشاركاً في دمائهم ودماء أشياعهم]
[21]
وكلُّ مَنْ أنكرَ فضلَ الصفوهْ .... شَارَكَ أربابَ الرَدَى والشّقْوَهْ
فيما أَتَوْهُ عَامِدِينَ ضحوهْ .... في أرضِ باخَمرى وصَحرَا أتْوَهْ
هذا إلزام لمن أنكر فضل أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام- ؛ لأنهم صفوة الله من خلقه كما ذكر سبحانه -وتعالى- في كتابه، فمن أنكر فضلهم كان مشاركاً في دمائهم ودماء أشياعهم الذين استشهدوا في محبتهم -رحمهم الله سبحانه وتعالى- وذلك واضح.
وكشفه ؛ أنَّا نقول: إن الأصل في خلاف من خالفهم إنكار فضلهم، بدلالة أنهم لو التزموا فضلهم واعترفوا بحقهم لما حاربوهم.

[بيان أن حال من اعتقد أنه لا فضل لأهل البيت (ع) يكون أسوأ من حال بعض من حاربهم]
بل من إعتقد أنه لا فضل لأهل البيت -عَلَيْهم السَّلام- يكون حاله أسوأ من حال بعض من حاربهم ؛ لأن أكثر من حاربهم كان يعتقد فضلهم، وإن لم يظهره إلاَّ لخاصته أو بطانته، ويُظْهِرُ أنه ما حاربهم إلاَّ على الدنيا خيفة أن يمنعوه من حطامها، وبين عوائده من أيامها.
(وقد روي أن بعض أولاد هارون، الملقب بالرشيد، غاب عنه يوماً فسأله هارون عن غيبته، فقال: كنت عند فلان، وسمَّى له عالماً، أسمع عليه شيئاً من فضائل أبي بكر وعمر، فقال: يا بني وأين أنت عن فضائل علي بن أبي طالب أمير المؤمنين -عَلَيْه السَّلام- ‍!؟
فقال له ولده: يا أبة وهل له من الفضائل شيءٌ؟
قال: يا بني وهل الفضائل إلا له ولأولاده.
قال: يا أبة، فلم حاربتهم؟

فقال: يابني حاربتهم وقتلتهم على البريد الأعقر وعلى هذا الخاتم - يعني الملك الذي من صار في يده توسع في حياته، وخلّف لعقبه بعد وفاته) ونسي عدوّ الله أن هذه الدنيا كما قال الله -تعالى- في كتابه الكريم: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) }[الحديد] ، وصدق الله، العظيم، وبلغ رسوله النبي الكريم، ونحن على ذلك من الشاهدين، وله من الحامدين العابدين، أن الدنيا لا تَعْدُو بجميع محاسن زينتها وأنواع زخرفها ما وصفها الله -سبحانه وتعالى- به في هذه الآية، وأن نضارتها وزخرفها وخضرتها تنقلب إلى الإصفرار، وطراوتها وبهجتها تؤول إلى الدبار، وأن طالبها وكاسبها يساق غداً إلى النار ، فيخلد في العذاب الشديد الطويل، ويهتف بالويل والعويل، ويقول كما قال الله تعالى: {هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ(44)}[الشورى] ، فما خير دنيا هذا آخرها، فأعداء أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام-، الذين كانوا ربما اعترفوا بفضلهم في بعض الحالات يكونون أهون جرماً ممن ظاهره الدين، وباطنه الإنتقاص لعترة محمد خاتم النبيئين -صلى الله عليه وعلى آله وسلم أجمعين-.
ألا ترى أن من ناصبهم من بني أميَّة وبني العبَّاس لم يمكنهم صرف بواطن الناس عن هذه العترة الطاهرة، ولا أنس الناس بهم في ذلك، وظاهرهم الحرب لهم والعداوة؛ فكلامهم فيهم غير مستمع ، ومنكر فضلهم ممن ظاهره التعفف والإسلام والعبادة قد غر الناس بعبادته ، وصرفهم عن عترة نبيئهم -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- بإعتقاده، فهو فتنة لمن اغترّ به، ضال عن رشده، فكيده حينئذٍ يكون أعظم من كيدهم، وجرمه عند الله تعالى أكبر من جرمهم.
وقد روي عن أمير المؤمنين -صلوات الله عليه- أنه قال: ((قطع ظهري اثنان عالم فاسق يصد الناس عن علمه بفسقه، وذو بدعة ناسك يدعو الناس إلى بدعته بنسكه)) .

[جزاء المبغض لأهل البيت(ع)]
وقد روينا عن أبينا رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أنه قال: ((حرمت الجنَّة على من أبغض أهل بيتي، وعلى من حاربهم، وعلى المعين عليهم ، أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ، ولا يكلمهم الله يوم القيامة ، ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم([37]))) ، ولا معونة عليهم، ولا بغضاً لهم، ولا تخذيل عنهم، أعظم من الإعتقاد الفاسد الذي قدَّمنا ذكره، ولا شك في أن إنكار فضلهم، وجحدان شرفهم، يكون إنسلاخاً عن الدين جملة ؛ لأن المعلوم من إجماعهم -صلوات الله عليهم- أنهم أفضل البشر بعد رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، ورسول الله عندهم أفضل النبيئين، وهم أفضل الناس بعده، وهذا معلوم لكل مسلم عرفهم من إجماعهم وإعتقادهم، وإجماعهم حجَّة، كما قدمنا، يحرم خلافها، ويجب إتباعها.
______________
([37]) - رواه الإمام علي بن موسى الرضا في صحيفته ص(463)، والإمام أبو طالب في الأمالي (121) بسنده عن علي بن موسى الرضا عن آبائه عن علي عليهم السلام ، والحاكم الجشمي في تنبيه الغافلين (157) ، والإمام يحيى بن حمزة في الانتصار . قال الإمام الحجة مجدالدين بن محمد المؤيدي -أيده الله تعالى- في لوامع الأنوار (ط2) (2/676) : وأخرجه ابن عساكر ، وابن النجار عن علي عليه السلام .

وقد قال النبيء -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، فيما روينا عنه بالإسناد الموثوق به، مخاطباً لأهل بيته وقد شكوا عليه خيفة ما قد كان من جفوة أمته، فقال -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-: ((لن يبلغوا الخير حتى يحبوكم لله ولقرابتي، أترجوا سهلب شفاعتي ويحرمها بنو عبدالمطلب([38])؟)) ، فقال: ترجوا سهلب على بعدها مني داراً ونسباً شفاعتي - وسهلب هؤلاء هم حي من أحياء مراد - ويحرمها أهلي ولحمي، فنفى بلوغ الخير عمن لم يحبهم لقرابته -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-.
ثم انظر -أيدك الله بفكر ثاقب- كيف يسوغ لمسلم إنكار فضلهم، قوم تبتدأ بذكرهم الخطب، وتختم بذكرهم الصلاة، حتى لا تتم صلوة مسلم إلا بذكرهم، وذكرهم مقرون بذكر الله -سبحانه- وذكر رسوله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، أين العقول السليمة، والأفكار الصافية من هذا؟.
______________
([38]) - هذا الحديث رواه الإمام المرشد بالله -عَلَيْه السَّلام- بهذا اللفظ عن ابن عباس (1/154) ، قال : جاء العباس إلى النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- فقال : إنك تركت فينا ضغائن قد صنعت الذي صنعت ، ثم ساق الخبر بلفظه ، وروي بألفاظ متقاربة وفي بعضها زيادة فهو مما اختلف لفظه واتحد معناه إذ معناها يدل على وجوب محبة أهل البيت - عليهم السلام - واتباعهم ، وفي بعضها دعاء من النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- لأهل البيت خصوصاً وبني عبد المطلب عموماً فمنها: ما رواه الطبراني في الأوسط (5/405) رقم (7761) عن عبدالله بن جعفر، قال: سمعت رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- يقول: ((يا بني هاشم إني قد سألت الله لكم أن يجعلكم نجداء رحماء، وسألته أن يهدي ضالكم ويؤمن خائفكم ويشبع جائعكم والذي نفسي بيده لايؤمن أحد حتى يحبكم بحبي أترجون أن تدخلوا الجنة بشفاعتي ولا يرجوها بنو عبد المطلب))، أخرجه السيوطي في إحياء الميت في فضائل أهل البيت ، والهيثمي في مجمع الزوائد (2/55- 56).
وروى نحوه الطبراني أيضاً والحاكم والذهبي عن ابن عباس بلفظ: ((يا بني عبد المطلب إني سألت الله لكم ثلاثاً: أن يثبت قائمكم وأن يهدي ضالكم، وأن يعلم جاهلكم، وسألت الله أن يجعلكم جوداً نجباء رحماء، فلو أن رجلاً صفن بين الركن والمقام فصلى وصام ثم لقي الله وهو مبغض لأهل بيت محمد -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- دخل النار))، وأخرجه السيوطي أيضاً.
وروى المرشد بالله -عَلَيْه السَّلام- بإسناده إلى عبد المطلب بن ربيعة ، قال : قال العباس : يا رسول الله، إن قريشاً يلقى بعضهم بعضاً بِبِشْرٍ، ويلقونا بوجوه ننكرها ، فغضب رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- ، وقال : ((والذي نفسي بيده لا يدخل قلب عبد الإيمان حتى يحبكم لله ورسوله))، ورواه الثعلبي بلفظ : ((والذي بعثني بالحق نبياً لا يؤمنوا حتى يحبوكم لي)).
قال في تخريج الشافي : أخرجه ابن ماجه والطبراني وأحمد والبيهقي والترمذي وابن أبي عاصم وابن منده وعمر الملا والموصلي والحاكم وأبو نعيم والبغوي والروياني ومحمد بن نصر وغيرهم.

[بيان أنه لا يمر وقت من الأوقات إلا وفي أهل البيت (ع) من يجب اتباعه]
وقد بلغنا عن بعض من ينفي فضل أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام- أن الحجَّة إذا لزمته في ذلك ذهب إلى القسم الثالث منهم: وهو الظالم لنفسه، وذكره وأراه العوام([39])، وقال: كيف يجب إتباع هذا؛ بل كيف يجوز؟ يُسقِط الحجَّة عنه وذلك بعيد ؛ لأنه لا يجوز مرور وقت من الأوقات، ولا عصر من الأعصار إلاَّ وفيهم -صلوات الله عليهم-([40]) من يجب إتباعه، ويحرم خلافه، من الصالحين الذين هم أعلام الدين، وقدوة المؤمنين، والقادة إلى علّيين، والذادة عن سرح الإسلام والمسلمين ، وبهم أقام الحجَّة على الفاسقين، ورد كيد أعداء الدين، وهم القائمون دون هذا الدين القويم حتى تقوم الساعة، ينفون عنه شبه الجاحدين، وإلحاد الملحدين.
وفي ذلك ما روينا عن النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أنه قال: ((أهل بيتي كالنجوم كلما أفل نجم طلع نجم([41]))) .
______________
([39])ـ في (ن) : العوالم .
([40]) - نخ (ن) : سلام الله عليهم.
([41]) - هذا الحديث رواه الإمام المنصور بالله في الشافي، وهو في نهج البلاغة، ورواه في أمالي أبي طالب، ورواه المرشد بالله (1/153)، عن علي -عَلَيْه السَّلام- ، والحاكم الجشمي في تنبيه الغافلين (195)، وغيرهم من أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام- وشيعتهم ، وغيرهم من علماء الإسلام.

فكما أنَّا نعلم أنه لا يجوز أفول نجم إلاَّ بطلوع آخر حتى تقوم الساعة ، نعلم أنه لا يمضي منهم -عَلَيْهم السَّلام- سلف صالح إلاَّ وعقبه خلف صالح.
وقال الله -سبحانه وتعالى- لنبيئه -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ(7)}[الرعد] ، فمعنى هذه الآية، والله أعلم، أن الله -جل ذكره- جعل في كل وقت من أهل بيته هادياً لقوم ذلك الوقت.
فإن قيل: وكيف ذلك والناس لم يهتدوا بهم، ولم يفزعوا إليهم؟.
قلنا: ليس ذلك يخرجهم عن كونهم هداة، كما لم يخرج النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- بكفر الكافرين، وعناد الجاحدين عن كونه منذراً.
وقد قال الله سبحانه وتعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}[فصلت:17] ، فلم يخرجه -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- تعاميهم وكفرهم عن كونه هادياً لهم.
فإن قيل: من أين يجوز لكم إطلاق القول بأنه يجب اتباع أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام- وفيهم الظالم لنفسه، إمَّا بمعصية ظاهرة، وإمَّا بضلال في الدين كما تقولون فيمن خالفكم؟.
قلنا: كما جاز إطلاقكم القول بوجوب اتباع القرآن مع أنه فيه المنسوخ والمتشابه، فهذا ما احتمله هذا المكان من الكلام في هذه المسألة.

42 / 63
ع
En
A+
A-