[17]
ثُمَ أَبَانَ بعدُ في الكفاءهْ .... ما قَدْ رَأيْنَا والورى سَنَاءهْ
فَلَم نُفَارِقْ أَبَدَاً ضِيَاءَهْ .... إذ نَحْنُ لا نَبْغِي الهُدَى وَرَاءهْ
عقب كلامه -عَلَيْه السَّلام- في الفصل الأول بدلالة قوله -عَلَيْه السَّلام- في مسألة الكفاءة وهي مودعة كتبه في الشريعة، والعلماء بعده مطبقون على روايتها عنه، ومن أعجب العجائب أن المخالفين لنا في الفضل والمفاضلة يظهرون للعوامّ أنهم قافون لأثره -عَلَيْه السَّلام-، متبّعون لقوله، ولقد جاز ذلك على كثير من الناس، ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى.
ولقد جرى بيني مرّة وبين رجل ممن غرّوه من الشرف([26]) مراجعة في أمر الفضل، فأنكره، فاحتججت بقول الهادي إلى الحق -عَلَيْه السَّلام- وغيره في ذلك، ومن ذلك مسألة الكفاءة، فقال: أمَّا من قبل الإصل -وكسر الهمزة والصاد- فصدقت، فقلت في التفضيل بالإصل هو الذي أردت وكسرت الصاد مثله كما يحاكي لقوله، ومن قِبَلِ الجهل بأوزان الكلام ، تركت منهاج آبائك -عَلَيْهم السَّلام-، وقلّدت العوام، ولم يكن ذِكْر ذلك من غرضنا وإنما عرض في الخاطر، والكلام ذو شجون.
____________
([26]) - الشرف عزلة من بلاد حجور تشتمل على : الشرف الأعلى واسفل ، وحجور : بلد واسع من بلاد همدان في الشمال الغربي من صنعاء على مسافة خمس مراحل. مجموع بلدان اليمن وقبائلها (1/240).

واعلم أن من تأمل أدنى تأمل في أحد الأدلة، فضلاً عن مجموعها، إمَّا في دلالة العقل، أو في كتاب الله -سبحانه وتعالى- أو في سنة الرسول، أو في إجماع الأمة، أو العترة، أو تتبع أقوال الأئمة -عَلَيْهم السَّلام- علم صدق ما قلناه، ولكن وأين من يترك يصل إلى ذلك يمنعه من ذلك إيجاب الرجوع إلى قول الشيخ؛ لأن الشيخ يسند مذهبه إلى النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- عن جبريل عن الله -تعالى- وربما يلحق في الإسناد إسرافيل وميخائيل عن الله، وهذا المسكين المنقطع لا يعلم أن المذهب لا يُقْبَلُ إسناده جملةً إلى النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- ؛ لأن كل فرقة معترفة بنبوءته من جبري وعدلي تُسْنِدُ مذهبها جملة إليه، ولهذا تسمت المجبرة بالسُّنة والجماعة، وكذلك كل فرقة وإن أسندت مسائل كل مذهب مفصلة إذا روت ذلك لم يقبل منها في أصول الدين إلا ما يشترك في العلم به الكافة، لأن التعبد عام فيجب عموم أدلته؛ لأن التكليف بما لا يعلم جار في القبح مجرى (التكليف بما([27])) لا يطاق، وتكليف ما لا يطاق قبيح، والله -تعالى- لا يفعل القبيح، قد بينا ذلك في باب العدل في الرد على المجبرة، وبهذا رددنا قول الإمامية، وهم قد أسندوا قولهم في النص على إثني عشر من ولد الحسين -عَلَيْه السَّلام- إلى النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم - ولأن للأخبار أحكاماً وأقساماً، وللأسانيد شروطاً فيما يوجب العلم والعمل، وما يوجب غالب الظن، وما يوجب حصول العلم الضروري، وما يعمل به في الأصول، وما لا يجوز العمل به في الأصول، وما يعمل به في الفروع، وما لايجوز العمل به في الفروع، وقد أودعنا ذلك كتاب (صفوة الإختيار)، ولأن تركه في ذلك الموضع أليق.
______________
([27]) - نخ (ن) : تكليف ما لا يطاق.

ثم لنرجع إلى ذكر كلام الهادي -عَلَيْه السَّلام- في الكفؤ، فإنه -عَلَيْه السَّلام- إعتبر الكفاءة في النسب([28]) ، وأنه يجب إعتبار كونه شريفاً إن كانت شريفة، أو مماثل لها إن كانت دنيَّة ، وأن الولي لا يكون عاضلاً لها إذا لم يزوجها من غير كفؤها في النسب، وإن كان كفؤاً في الدين، وذلك مذهبه -عَلَيْه السَّلام-، ومذهب الأئمة من أولاده -عَلَيْهم السَّلام- إلى يومنا هذا ، وفيه دلالة واضحة لمن أنصف عقله؛ لأن الناس لو كانوا عنده -عليه السلام- على سواء لم يعتبر إلاَّ كفاءة الدين، وظهور فساد قول من يزعم أن الناس لا تفاضل بينهم، وأن الله تعالى لم يفاضل بين خلقه معلوم لكل من لم يتخذ إلهه هواه، وعرف الفرق بين بطون الأقدام والجباه.
[كلام الإمام القاسم بن علي العياني(ع)، وابنه الحسين(ع) في التفضيل]
[18]
وقالَ في ذاكَ الإمامُ القاسِمُ .... وَسِبْطُهُ الفَذُّ الحسينُ العالمُ
قَولاً كَدُرٍّ قَدْ جَلاهُ الناظمُ .... يَعْرِفُهُ الحبرُ اللبيبُ الفَاهِمُ
_______________
([28]) - قال الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام في الأحكام (1/366) : والكفؤ فهو الكفؤ في الدين والمنصب فقط ، والأولياء فهم الناظرون في أمورهم ، المتخيرون لحرماتهم ، وإن كرهوا أحداً لم يلزموا ما كرهوا ..إلى قوله عليه السلام : وحدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن الكفؤ ما هو ؟ فقال : (الكفؤ في الدين والنسب فيهما جميعاً).

[ذكر طرف من أمر الإمام القاسم بن علي العياني (ع)]
المراد بالقاسم ها هنا هو الإمام القاسم([29]) بن علي بن عبدالله بن محمد بن القاسم بن إبراهيم -صلوات الله عليهم- وذكره مشهورٌ، ومجده موفور، فزع إليه الكافة لفضله وعلمه، وكان حبراً مفزعاً -صلوات الله عليه- قام ودعا العباد إلى طاعته وعقدت له البيعة في أكثر النواحي، واستقر أمره في اليمن، ومَلِكَ أكثرها، وساس أحسن سياسة، وجرت له الأمور على أحسن سنن الإستقامة، وسلك منهاج الهادي إلى الحق -عَلَيْه السَّلام- في العدل في الرعيَّة، والقسم بالسويَّة، وبرز في خصال الكمال، ولم يتمار أحد في علمه وشدة وطأته، وله تصانيف كثيرة في الفروع والأصول، لا يتعرى شيءٌ منها من ذكر فضل آل محمد -عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام-.
_____________
([29]) - الإمام المنصور بالله القاسم بن علي بن عبدالله بن محمد بن القاسم بن إبراهيم صلوات الله عليهم، نشأ -عَلَيْه السَّلام- على العلم والعمل وعلى طريقة آبائه الصالحين، وكان مشهوراً بالبركة إستدعاه أهل اليمن من أرض الشام لما أكلت الجراد ثمارهم وزروعهم، فعند وصوله صرفها الله تعالى عنهم ببركته، وقام ببلاد خثعم، ثم أنفذ رسله إلى اليمن سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة، فأجابوه ثم أقام بصعدة، واستقرّت أوامره النبوية في كثير من الأقطار اليمنية ودخل صنعاء ثم نهض إلى نجران في عسكر ضخم بلغ عدد الخيل فيه ألف فارس سوى نيف وثلاثين فارساً، وعدد الرجالة ثلاثة آلاف راجل ومائتين وأربعين راجلاً، فلما استقر بها أسلسوا قياده وخضعوا له -عَلَيْه السَّلام-، وكانت وفاته -عَلَيْه السَّلام- يوم الأحد لسبع خلون من شهر رمضان من سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة ومشهده -عَلَيْه السَّلام- بعيان من بلاد سفيان مشهور مزور، انظر التحف 202، الحدائق الوردية - خ -، الزحيف - خ -، اللآلي المضيئة - خ -، الترجمان (خ).

[بيان حكمة الله في الآلام والأسقام]
وفي بعضها التصريح بأن الآلام والأسقام من جهة الله -تعالى- حكمة وإن كرهتها النفوس، فقال -عَلَيْه السَّلام- في (كتاب التوحيد ونفي التحديد) في باب الوعد والوعيد من هذا الكتاب الذي ذكرناه.
(مسألة: فإن قيل: فلم آلمهم وأمرضهم؟.
قيل له: ليزهدهم في الدنيا الفانية، ويشوقهم إلى الدار الباقية، ولو أهملهم عن حوادث المصائب، لكان ذلك أدعى لهم إلى المعاطب ، والطبيب يؤلم بالفصاد، والقطع من العقاقير، لما يرجو للعليل من الحياة والخير فلا يعنف في فعله ؛ بل يشكر على عمله).
هذا كلامه -صلوات الله عليه- مطابق، كما ترى، لما حكيناه من كلام آبائه -عَلَيْهم السَّلام-، وذلك لأن جميع علومهم خرجت من مشكاة واحدة، ومن نظر في هذه المسألة وفيما قبلها، مما حكينا من كلام آبائنا -عَلَيْهم السَّلام-، وفيما رتبنا من إعتقادنا في الآلام، علم أن وجه ذلك واحد ؛ لأنَّا بينَّا أن الآلام من قبل الله -تعالى- تحسن لوجهين: الإعتبار، والعوض.
وكذلك كلامهم يدل على ما قلنا، منه ما صرحوا به، ومنه ما يفهم بأدنى تأمل.

ألا ترى إلى كلام القاسم بن علي -عَلَيْه السَّلام- في هذا الفصل كيف جعل الألم بمنزلة الفصاد؛ لأنَّا قد علمنا أن الفصاد وشرب الدواء لا يكون عقوبة وإنما يكون لمصلحة، والإعتبار الذي ذكرنا هو المصلحة في الدين فكان بمنزلة الحياة؛ لأن حياة الدين أعلى من حياة الدنيا ، وقوله -عَلَيْه السَّلام-، (والخير) دلالة العوض ؛ لأن الخير هو النفع الحسن، وذلك حال العوض، ونحن نعلم بعقولنا حسن إيلام أولادنا لنفع يسير، وكذلك نعلم حسن إيلام ربّنا -تعالى- لنا، لنفع كثير ، وثواب كثير، ولا يجهل ذلك إلاَّ أعمى القلب، ذاهل اللب، أشبه خلق الله بالبهيمة التي تميل إلى شهوتها، وإن كان فيها هلاكها، وتنفر عن مكروهها وإن كان فيه نجاتها، وهذا فصل أوردناه في الإمتحان ، وكان الأليق به غير هذا المكان ، ولكن عرض في الخاطر، فأوردناه لنوضح أن كل واحد من آبائنا الأئمة -عَلَيْهم السَّلام- قد قال بمثل قولنا في الآلام، وأن خلاف من نفى الآلام عن الله -تعالى- خارج عن قول أهل الإسلام.
[ذكر رسالة الإمام القاسم بن علي (ع) إلى الطبريين في التفضيل]
ثم لنرجع إلى كلامه -عَلَيْه السَّلام- في الفضل، وهو أكثر من أن نأتي عليه ؛ إلاَّ أنَّا نذكر منه طرفاً كالدليل على ما عداه، قال -عليه السلام- في رسالته إلى أهل طبرستان فقال -عليه السلام- في عنوانها: (من الإمام القاسم بن علي إلى جماعة الشيعة الطبريين، العارفين لفضل آل محمد خاتم النبيئين)؛ فتأمل -رحمك الله تعالى- كيف يكون كتابنا إلى أهل هذا المذهب الحادث من شيعتنا ؛ كيف يكون على هذا الوجه من فلان بن رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- إلى جماعة المسلمين المنكرين لفضل آل محمد خاتم النبيئين، فهذا العنوان قد هتك لمن كان له عقل ستر هذه المقالة فضلاً عن الرسالة.

ثم قال -عَلَيْه السَّلام- بعد ذلك في الرسالة، وإنما نذكر منها زبداً كافية بحمد الله تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربَِّ العالمين، وصلواته على محمد خاتم النبيئين، وعلى آله الطاهرين ([30]) ، إلى جماعة من آمن واتقى، وصدق بالحسنى، ونهى النفس عن الهوى، وآثر الآخرة على الدنيا.
أمَّا بعد:- يا شيعتنا الأخيار، وخلف الأبرار، فإنكم تريدون محَلَّة، دونها مَهلكة مضلة، لا تجاز بغير دليل، ولا تعبر من الزاد بقليل، من سلكها بنفسه ضل، ومن ترك الزاد لها خذل ، آل نبيكم أدلاؤكم عليها ، وأعمالكم الصالحة زادكم إليها، فلا تفرطوا -رحمكم الله تعالى- في الزاد والدليل قبل سلوكها، فكم سلكها قبلكم من المفرطين فهلك، وكم رام الرجعة منها فمنع ذلك ، والتسويف والرجاء يوردان ولا يصدران، والخوف والعمل ينقذان ولا يبطلان).
ثم ذكر -صلوات الله عليه- شطراً من المواعظ والحكم النبوية، ثم قال: (أصل التأويل أول الخبال، والإختلاف في الأئمة أول الضلال، والإعتماد على غير الذرية أول الوبال، أصل العلم مع السؤال، وأصل الجهل مع الجدال، العالم في غير علمنا، كالجاهل لحقنا، الراغب في عدونا، كالزاهد فينا، المحسن إلى عدونا كالمسيء بنا، الشاكر لعدونا كالذام لنا، المتعرض لنحلتنا كالغازي علينا، معارضنا في التأويل كمعارض جدنا في التنزيل، الراعي لما لم يسترع كالمضيع لما استرعي، القائم بما لم يستأمن عليه كالمتعدي فيما استحفظ، الخاذل لنا كالمعين علينا، المتخلف عن داعينا كالمجيب لعدونا، معارضنا في الحكم كالحاكم بغير الحق علينا، المفرق بين الأئمة الهادين([31]) كالمفرق بين النبيئين، هنا أصل الفتنة يا جماعة الشيعة).
_______________
([30]) - نخ (ن) : الطيبين.
([31]) - نخ (ن) : العترة.

وأقول: صدق -صلوات الله عليه- إن أصل الفتنة التفريق بين العترة -عَلَيْهم السَّلام- كما حكيت لك عن بعض منكري فضل العترة، أنه قال: إنَّا نتبع من تقدم دون من تأخر فتاه في بحر الضلال، وسلك في مسالك الجهال، وكان بمنزلة المؤمنين ببعض الكتاب الكافرين ببعض، فلم يغن عنهم إيمانهم بالبعض شيئاً ولم يخرجهم من زمرة الكافرين، كذلك الكلام فيمن رفض بعض العترة وأنكر حقها، فما قولك فيمن أنكر حقها، ورفض فضلها !!؟، صفة هذا قد حاز الكفر بحذافيره، واحتمله من جميع جوانبه.
ثم ذكر -عَلَيْه السَّلام- صدراً في المواعظ والحكم، ثم قال: (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا ينتظمان بغير زمام، ولا يُؤدَّى فرضُهما بغير إمام، الإقرار بالنبوءة لا يصلح إلاَّ مع الإقرار بالذريَّة، الإقرار بالكتاب لا يصح بغير نصاب، مقلد الناس كالباني على غير أساس، طالب العلم من أهله كمشتري الدر بعد خبره، المؤتم بغير العترة كالأعمى يتبع الأعمى).
ثم ذكر -صلوات الله عليه- شطراً من الكلام والحكم والمواعظ، ثم قال: (أمَّا تعلمون -رحمكم الله وهداكم- أن أصل الهلكة منذ بعث الله -سبحانه وتعالى- آدم -عَلَيْه السَّلام- إلى هذه الغاية، لم تكن إلاَّ بالإحتقار بالأنبياء -صلوات الله عليهم- في أيامهم، وبالذريَّة من بعدهم إلى أن تقوم الساعة، أيها الشيعة إنكم أتيتم من أنفسكم، ولم تؤتوا من ذرية نبيئكم).
والرسالة أكبر من هذا، ولكنا اقتصرنا على هذا القدر ؛ لأن فيه كفاية لمن أنصف نفسه، ولم يركب في هوة الضُّلال ردعة، ولم ينكر فضل هداته، وسفن نجاته.
وذكر -عَلَيْه السَّلام- الكفاءة في كتابه في فروع الفقه الذي سماه (التفريع) وفيها دلالة ظاهرة لأهل العقول على إثبات الفضل، لا يعمى عنها إلاَّ أعمى البصيرة ،مدخول السريرة.

[ذكر طرف من أمر الإمام الحسين بن القاسم العياني(ع)]
قوله: (وسبطه الفذُّ الحسين العالمُ): يريد بذلك ولده الحسين بن القاسم([32]) -عَلَيْهما السَّلام- المهدي لدين الله -صلوات الله عليه- وكان -عَلَيْه السَّلام- طبقة زمانه علماً، وكرماً، وهدىً([33])، وخشونةً، وعبادةً، وشجاعةً، قام ودعا إلى نفسه فبايعه المُستبصرون من أهل زمانه، فسار في الرعيَّة أحسن سيرة، وأجاب كل سائل، وبسط العلوم،
____________
([32]) - الإمام المهدي لدين الله الحسين بن القاسم بن علي بن عبدالله بن محمد بن القاسم بن إبراهيم -عَلَيْهم السَّلام- ، مولده -عَلَيْه السَّلام- سنة 376 ست وسبعين وثلاثمائة ، دعا إلى الله تعالى بعد وفاة أبيه سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة ، قال الإمام الحافظ الحجة مجد الدين المؤيدي أبقاه الله في التحف شرح الزلف ص202:
كان من كبار علماء الآل ، وله آثار جمة ، وانتفع بعلومه الأئمة ، بلغ في العلوم مبلغاً تحتار منه الأفكار، وتبتهر فيه الأبصار على صغر سنه ، فلم يكن عمره يوم قيامه -عَلَيْه السَّلام- إلا سبع عشرة سنة ، ثم ساق حفظه الله وأبقاه كلاماً عظيماً وافياً في تنزيه الإمام الحسين بن القاسم عما نسب إليه من الأقوال ، وقد غلت فيه طائفة من الناس ، وقالوا: إنه لم يمت وإنه المهدي المنتظر ، وقد انقرضت هذه الفرقة المغالية - والحمد لله - وكان الحسين بن القاسم -عَلَيْه السَّلام- كثير الأعداء في حياته وبعد وفاته ، فقد جدت المطرفية المرتدة في الثلم لجانبه ولكن لا بد لكل ذي شأن من أعداء . فهم كما قال الشاعر :
حسدوا إذ لم ينالوا سعيه .... فالكل أعداء له وخصوم
وقتل -عَلَيْه السَّلام- بمنطقة يقال لها عَرار في نواحي ريدة سنة أربع وأربعمائة وله نيف وعشرون سنة، وقبره في خارج ريده مشهور مزور.
وقد أثنى عليه الأئمة -عَلَيْهم السَّلام- منهم : الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان -عَلَيْه السَّلام- في حقائق المعرفة، والإمام المنصور بالله -عَلَيْه السَّلام- في هذه الرسالة ، والسيد حميدان بن يحيى بن حميدان القاسمي ألف رسالة في تبرئة الحسين بن القاسم سماها (بيان الإشكال فيما حكي عن المهدي من الأقوال ) وأثنى عليه الهادي بن إبراهيم الوزير رحمه الله في هداية الراغبين، وكذلك الإمام الحجة مجد الدين المؤيدي في التحف شرح الزلف ، والإمام إبراهيم بن محمد المؤيدي الملقب بابن حورية، وغيرهم كثير.
([33])ـ في (ن) : زهداً.

وصنّف كتباً([34]) كثيرة في التوحيد والعدل، شهرتها تغني عن تعيينها بالذكر، وفسر القرآن تفسيراً جامعاً([35])، ونشر الكلام في فضل أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام- في أكثر هذه الكتب، وهو موجود فيها، وفي جواباته على مسائل من سأله فإنه يظهر في جميع ذلك تفضيل أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام- على غيرهم من الخلق، ويوجب الفزع إليهم وسؤالهم، وإعتقاد موالاتهم، وإنما نذكر من ذلك طرفاً يكون كالمنبه لمن أراد الرشاد على طلب هداه، ومعيناً للمستبصر عمَّا سواه.
_______________
([34])- ذكر الإمام الحجة مجد الدين المؤيدي أيده الله تعالى أن عدد مؤلفاته -عَلَيْه السَّلام- ثلاثة وسبعين مؤلفاً ، وذكر منها : كتاب مُهَج الحكمة ، وكتاب تفسير غرائب القرآن ، وكتاب مختصر الأحكام ، وكتاب الإمامة ، وكتاب الرد على أهل التقليد والنفاق ، وكتاب الرد على الدعي ، وكتاب الرحمة، وكتاب التوفيق والتسديد ، وكتاب شواهد الصنع ، وكتاب الدامغ ، وكتاب الأسرار، وكتاب الرد على الملحدين ، وكتاب نبأ الحكمة . وغيرها كثير وما زال أغلب هذه الكتب ولله الحمد موجودة بين أيدينا تدل على صحة عقيدة الحسين بن القاسم ، وتنزيهه عما نسب إليه .
([35]) - اسم كتاب التفسير (تفسير الغريب من كتاب الله) من أعظم كتب الإمام عليه السلام نقل عنه في (المصابيح الساطعة الأنوار) شيئاً كثيراً ، وعلماً غزيراً.

41 / 63
ع
En
A+
A-