ثانياً: بعض عقائدهم وأقوالهم
وقد اشتهرت عن المطرفية أقوال ضالة كانت سبب كفرهم وضلالهم فمنها على وجه التنبيه والإشارة لا على وجه التعميم:
1-قولهم بأن الله عز وجل لم يخلق سوى الأربعة الأصول وهي الماء والنار والهواء والتراب، ولا تأثير له أصلاً في غيرها، وبقية الأجسام والمخلوقات إنما وجدت بالإحالة والإستحالة.
2-إن الله لم يخلق الآفات والمضار والأمراض ولا أرادها.
3-قولهم إن النبوة فعل النبي وهي جزاء على الأعمال وليست باختيار من الله.
4-قولهم إن القرآن ليس كلام الله وإنما هو صفة لقلب الملك الأعلى حتى قال مطرف بن شهاب: (ما إلينا نزل، ولا بنا اتصل، ولكنه تُلي شيء وبطل).
5-قولهم إن الله لا يميت أحداً حتى يبلغ مائة وعشرين عاماً، وقبلها ليس الموت فعل الله بل بسبب تغير التغذية والأمزجة.
6-نفيهم لحشر البهائم والسباع يوم القيامة.
7-قولهم لا نعمة لله على كافر ولا فاجر.
8-نفيهم للرزق عن الله للعاصي.
9-وقولهم إن الله سوى بين الخلق في ستة أشياء وهي: الخلق والرزق والتكليف والحياة والموت والعطاء.
10-إنكارهم للفضل ابتداء إلا بالعمل، وبغضهم لأهل البيت -عليهم السلام-.
فهذه بعض أقوالهم وعقائدهم، وهي مصرحة بمخالفة القرآن الكريم. وأقوالهم هذه المحكية عنهم حقيقة وليست إلزاماً فقد حكاها عنهم أئمة أهل البيت -عليهم السلام- وعلماؤهم المعاصرون للمطرفية.
تصدي الأئمة المعاصرين للمطرفية لشبههم
وقد تصدى لرد شبه المطرفية وإبطال أقوالهم والتحذير منهم أئمة أهل البيت المعاصرون لهم فمنهم:
1-الإمام المنصور بالله القاسم بن علي العياني -عليه السلام- ردّ على كثير من أقوالهم في كتاب (التنبيه والدلائل).
..

2-ولده الإمام المهدي لدين الله الحسين بن القاسم بن علي العياني -عليهم السلام، وقد كفّرهم ورد عليهم في كثير من مؤلفاته.
3-الإمام الناصر أبو الفتح بن الحسين الديلمي -عليه السلام- رد عليهم وله رسالة سماها (المبهجة في الرد على الفرقة الضالة المتلجلجة).
4-الإمام النفس الزكية الحسن بن عبدالرحمن -عليه السلام-.
5-الأمير المحتسب حمزة بن أبي هاشم الحسن بن عبدالرحمن -عليهم السلام-.
6-الأمير علي بن القاسم بن علي العياني.
7-الأمير جعفر بن القاسم بن علي العياني.
8-الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان -عليه السلام- كفّرهم وردّ عليهم في كثير من المؤلفات، وحكم بخروجهم عن الإسلام، وحرّم مناكحتهم وذبائحهم، ولا تقبل شهادتهم، ولا يجوز دفع الزكاة إليهم، ولا دفنهم في مقابر المسلمين، ولا الصلاة على موتاهم، ويحكم في بلدانهم بحكم دار أهل الحرب.
ومن مؤلفاته:
أ.الهاشمة لأنف الضلال عن مذاهب المطرفية الجهال.
ب.العمدة في كفر المطرفية المرتدة.
ج.الواضحة في ارتداد المطرفية الزنادقة.
د.الرسالة العامة.
9- الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة -عليه السلام- وهو أشهر الأئمة، وعلى يديه كان هلاكهم.
10- الإمام الداعي إلى الله يحيى بن المحسن بن محفوظ -عليه السلام-، له أرجوزة في ذكر أقوالهم، وذكر أئمة أهل البيت الذين كفّروهم، وحكم المطرفية عنده، فقد حكم بكفرهم وجواز قتلهم عند قوتهم.
فهؤلاء بعض الأئمة الذين عثرنا على أقوالهم، أو على مصادر موثوقة تدل على ما حكيناه عنهم، ومن أراد الزيادة فليرجع إلى (القاضب لشبه المنزهين للمطرفية من النواصب).

موقف الأئمة المتأخرين عن المطرفية
وقد أقرّ الإمامَ المنصور بالله -عليه السلام- الأئمةُ المتأخرون فمنهم من صرّح وتعرض لذكرهم وتكفيرهم، ومنهم من لم ينقل عنه شيء في أمرهم، لانقراضهم وزوالهم؛ فممن حكم بكفرهم:
1-الإمام الهادي إلى الحق عزالدين بن الحسن -عليه السلام- في المعراج.
2-الإمام المتوكل على الله المحسن بن أحمد، وقد حكى إجماع العدلية على تكفير المطرفية ومن شابههم من ضلال الأمة.
ولا يُلْتَفَتُ إلى ما يثيره بعض المفترين من نسبة الخلاف إلى بعض الأئمة فهي دعوى عاطلة عن البرهان وقد بيّنتُها في (القاضب).
علماء أهل البيت(ع) مع المطرفية
وقد تصدى للمطرفية أيضاً علماء أهل البيت المعاصرين لهم وقاموا وقعدوا، وشمروا عن ساعد الجد، وحذروا منهم بكل طرق التحذير باللسان والقلم شعراً ونثراً، وجدالاً وخطابة وغيرها.
ولا سبيل إلى حصرهم جميعاً لكنا نذكر من تيسر منهم؛ فنقول: من العلماء الذين تصدوا للمطرفية من يلي:
1-الشريف العالم الكبير الحافظ لعلوم آل محمد عبدالله بن المختار بن الناصر بن الهادي -عليهم السلام-.
2-الشريف العالم الفاضل زيد بن علي بن الحسين الحسني.
3-الشريف العلامة عمادالدين الحسن بن محمد المهول.
4-العلامة الكبير محمد بن يوسف الأشل بن القاسم بن الإمام يوسف الداعي.
5-أمير مكة العلامة تاج المعالي شكر بن أبي الفتوح.
6-الأمير الكبير العلامة عُلَيُّ بن عيسى بن حمزة بن وهاس أمير مكة.
7-الأمير الكبير شيخ آل الرسول شمس الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن يحيى(ع).
8-صنوه بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى -عليهم السلام-.
9-الأمير الكبير الحافظ الحسين بن بدرالدين محمد بن أحمد(ع).
10-السيد العلامة حميدان بن يحيى بن حميدان القاسمي.

11-السيد العلامة صلاح بن الإمام إبراهيم بن تاج الدين.
وغيرهم كثير لا يسع المقام حصرهم.
علماء الشيعة رضي الله عنهم مع المطرفية
وتصدى لهم أيضاً علماء الشيعة، وناصروا أهل البيت دفاعاً عن الحق والدين؛ فمنهم:
1-العلامة المجاهد علي بن شهر.
2-القاضي العلامة تبع بن المسلم.
3-القاضي العلامة الحسين بن عبيدالله بن شبيرة.
4-القاضي العلامة الحسين بن عمار.
5-وكذلك العلامة سعيد بن بريَّة وله مؤلف موجود لدينا.
6-وكذلك إسماعيل بن علا وله أرجوزة مشهورة.
7-وكذلك يوسف بن أبي العشيرة.
8-وكذلك العلامة عبدالله بن أبي القاسم البشاري.
9-وكذلك العلامة زيد بن علي بن الحسن الخراساني البروقني.
10-القاضي العلامة جعفر بن أحمد بن عبدالسلام بن أبي يحيى رضي الله عنه، وله مقامات ومؤلفات عظيمة.
11-القاضي العلامة إسحاق بن عبدالباعث.
12-العلامة محمد بن حميد الزيدي.
13-القاضي العلامة عبدالله بن زيد العنسي.
14-الفقيه العلامة الشهيد حميد بن أحمد المحلي.
وغيرهم من العلماء المعاصرين للأئمة، ولم نذكر المؤلفات تخفيفاً، وإلا فقد ذكرناها في (القاضب)، والغرض هنا التنبيه.
أهمية الكتاب
شرح الرسالة الناصحة يَبحث في فن علم أصول الدين الذي يتناول معرفة الله عز وجلّ التي هي أوجب المعارف وأجل العلوم، فهو يبحث في التوحيد والعدل وصدق الوعد والوعيد وإثبات النبوة وتوابعها، وإثبات الإمامة وأدلتها وشروطها، ويبحث الكتاب أيضاً في فضل أهل البيت -عليهم السلام- والرد على من جحد أو أنكر فضلهم من الروافض والنواصب.
وهي عبارة عن شرح أرجوزتين:
الأولى: خماسية، وهي في أصول الدين، وشرحها الإمام -عليه السلام- بالجزء الأول.
الثانية: رباعية في فضل أهل البيت (ع) وشرحها الإمام -عليه السلام- بالجزء الثاني.

أرجوزة أصول الدين
فأما الأولى فهي عبارة عن (40) بيتاً مخمسة، في أبواب أصول الدين.
وقد حظيت بعناية فقد كانت مَدْرَساً للزيدية مع مشروحاتها، فقد شرحها الإمام نفسه، وشرحها القاضي أحمد بن عبدالله الجنداري (سمط الجمان شرح الرسالة الناصحة للإخوان)، وقد بيّن فيها الإمام (ع) أصول الزيدية وأسسها، مبيّناً ذلك بالأدلة.
أرجوزة التفضيل
وهذه الأرجوزة عبارة عن (105) أبيات مربعة أي أنها (210) أبيات،ضمّنها الإمام -عليه السلام- من إثبات التفضيل وفضل أهل البيت(ع) والرد على خصومهم ومنكري فضلهم، وذكر شيء من وقائعهم، ما يبهر الألباب، فإنه -عليه السلام- يعد أشعر الفاطميين مع ما منحه الله عز وجل من القدرة على سبك الألفاظ، والبلاغة والفصاحة التي لا تساويها فصاحة من فصاحات الشعراء والبلغاء.
وقد ذكرنا ذلك فيما مضى، فهذه الأرجوزة تعد من فرائد قصائده وأراجيزه، ونوابغ أقواله التي شحنها علماً وأدباً وفصاحة وقوة على الاحتجاج والاستدلال، وقدرة على المناظرة والجدال، وجعل ذلك مضمّناً في أبيات شعرية حسنة التعبير والسبك.
إثبات نسبة الكتاب إلى الإمام(ع)
نسبة الأرجوزة وشرحها إلى الإمام -عليه السلام-، كنسبة نور الشمس إلى الشمس، لا يتطرّق إليها الشك.
وقد عدّها في مؤلفاته مَنْ ألَّف في سيرته أو ترجم له من المعاصرين له -عليه السلام-، فقد ذكرها في تعداد مؤلفاته الإمام الحسن بن بدرالدين في أنوار اليقين، ونقل منها شذوراً في مواضع من كتابه.
وذكرها الفقيه حميد الشهيد في الحدائق الوردية ونقل منها.
وقد أكثر النقل منها والاعتماد عليها العلماء العاملون، منهم السيد حميدان بن يحيى بن حميدان في مجموعِه وهو من العلماء المعاصرين للإمام الحسن بن بدرالدين، والإمام الشهيد أحمد بن الحسين(ع).

ونحن نرويها وجميع مؤلفات الإمام –عليه السلام- بطريق الإجازة عن عدّة من العلماء بطرقهم نذكر أعلاها وأرفعها: عن الإمام الحجة مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى، عن أبيه السيد العلامة الزاهد محمد بن منصور، عن الإمام المهدي محمد بن القاسم الحوثي، عن الإمام محمد بن عبدالله الوزير، عن الحسين بن يوسف زبارة، عن أبيه يوسف بن الحسين زبارة عن أبيه الحسين بن أحمد زبارة، عن عامر بن عبدالله بن عامر الشهيد، عن محمد بن القاسم بن محمد بن علي، عن الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد، عن أمير الدين بن عبدالله بن نهشل، عن أحمد بن عبدالله الوزير، عن الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين، عن الإمام محمد بن علي السراجي، عن الإمام عزالدين بن الحسن، عن الإمام المطهر بن محمد بن سليمان الحمزي، عن الإمام أحمد بن يحيى المرتضى، عن أخيه الهادي بن يحيى، عن الفقيه قاسم بن أحمد المحلي، عن أبيه أحمد، عن أبيه الشهيد حميد بن أحمد المحلي، عن الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة –عليه السلام-.
النسخ المعتمدة
وقد اعتمدتُ في التحقيق على ثلاث نسخ:
الأولى: من مكتبة السيد العلامة يحيى بن عبدالله راوية -رحمه الله تعالى- وهي بخط جيد، بخط أحمد بن حسين سهيل، وهي الأصل، قال في آخرها: كان الفراغ من زبر هذا الكتاب وقت أذان العصر يوم الأربعاء 9/صفر/ 1355هـ.
الثانية: من مكتبة السيد العلامة عبدالرحمن بن حسين شايم، وهي بخط نسخي جيد، رمزت لها بـ(م).
الثالثة: من مكتبة القاضي العلامة يحيى محمد مرغم، وهي بخط جيد، ورمزت لها بـ(ن)، والناسخ هو والده القاضي العلامة محمد مرغم رحمه الله تعالى، قال في آخرها: كان الفراغ من نقل هذه الرسالة الناصحة الناطقة بالبراهين الواضحة، ضحى يوم الاثنين الموافق خامس عشر شهر ذي القعدة الحرام سنة تسعة وستين وثلاثمائة وألف بقلم مالكها محمد يحيى مرغم، وكتب في آخرها أبياتاً شعرية كالتقريض وهي هذه:

هذي رسالة نصح للأخلاء .... قد صاغ عسجدها خيرُ الأدلاء
وخير من قام للإسلام ينصره .... إذْ طهَّر الدين من رجس وإقذاء
مجدد حُلَلِ الإسلام إذ خَلقت .... حتى غدا مرحاً من دون إغماء
مولى البرية عبدالله عمدتنا الـ .... ـمنصور ركن الهدى من شر أعداء
فالزم دراستها في كل آونة .... تجد منار الهدى من غير إطفاء
فإنها روضة غنَّاء باكرها .... صوب الحياء بمنهل من الماء
فيها الفواكه والأشجار مونقة .... فقطفها الحلو أغنى أي إغناء
دلالة من كتاب الله واضحة .... وسنّة سلمت من كل أهواء
فاقطف جناها وجل في روضها فهماً .... تجلو عمى اللب من جهل وأدواء
واشرب فراتاً لذيذاً من مناهلها .... تروي الصدى من حرارات وأضماء
فإن قارئها لا يختشي أبداً .... في دينه الهلك في أولى وأخراءِ
صلى الإله على من صاغ عسجدها .... في قالب واضح من غير إخفاء
ثم الصلاة على طه وعترته .... ما انهلّ وَدْق من الأنواء بالماء
ملاحظة
ألحقنا بشرح الرسالة أسئلةً وردت على الإمام (ع) على بعض فقرات الشرح، فأجاب عنها الإمام -عليه السلام- وموردُها هو الشريف العلامة نورالدين الحسن بن يحيى بن عبدالله بن سليمان، من ولد الهادي إلى الحق -عليه السلام-. وهي ثلاث عشرة مسألة، ألحقنا كل مسألة في موضعها تتميماً للفائدة.
ونكون بهذا قد قضينا غرضنا من المقدمة، وفي الختام نسأل الله عز وجل أن يجعل الأعمال خالصة لوجهه الكريم، وأن يوفقنا لطاعته، ويثبتنا على الصراط المستقيم، ويجعلنا من أوليائه المتقين، ويرزقنا حب محمد وآله الطاهرين، إنه على كل شيء قدير. وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً.
إبراهيم يحيى عبدالله الدرسي وفقه الله
الخميس/ 28/ محرم/ 1423هـ. 11/ 4/ 2002م

الجزء الأول من شرح الرسالة الناصحة

بسم الله الرحمن الرحيم
[ديباجة الكتاب]
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى([21]).
الحمد لله الذي قهر سلطانَ الملوك سلطانُه، وعلى شأنَ الجبابرة شأنُه، فكل مالك([22]) سواه مملوك، وكل قاهر ما خلاه مقهور، ليس له شبيه في ملكه، ولا نظير في سلطانه، كل غني([23]) سواه فقير إلى ما صار به غنياً، وكل ملك غيره ينقلب عما قليل لا يملك من الأمر شيئاً، تمت كلمتُه، ونفذ أمرُه، وعظم شأنُه، وارتفع ذكرُه، عم الأحياء بنعمتِه، واختص ما شاء برحمتِه، فالكل من بريته كامن([24]) في ظل إحسانه، وراتع في روض إنعامه وامتنانه، فالشكر واجب على الجميع، والناس بين عاص ومطيع.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً مقرونة بالإخلاص، مؤدية بالخلاص.
______________
([21]) ـ في (م) لايوجد.
([22])ـ ملك (نخ).
([23]) ـ في (م، ن): كل شيء.
([24]) ـ في (م، ن): كانس، الكنس المغيب والاستتار، من كنس الوحش إذا دخل كناسه، وكامن مِنْ كمِنَ كموناً: استخفى واستتر. تمت.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، ابتعثه من أعز جرثومة([25])، وأطيب أرومة، وأشرف خؤولة وعمومه، إختصه بالنبوة من بين تلك الأعارب، وأوجب تصديقه وطاعته على أهل المشارق والمغارب، والأباعد من خلقه والأقارب، فصدع -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- بالرسالة، وأدى ما حمل من الأمانة([26])، والناس يومئذٍ مكبون([27]) على حجارة منحوتة، وعيدان منضودة، يعبدونها ويعكفون عليها، لا يعرفون ربًّا، ولا يدينون ديناً، ولا يطلبون دليلاً، ولا يهتدون سبيلاً، يأكل قويُّهم ضعيفَهم، ويهضم كثيرُهم قليلَهم، فأنقذهم الله سبحانه به -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- من الضلالة، وهداهم بنور علمه من ظلم الجهالة، فجزاه الله عنا وعنهم أفضل ما جزى نبياً عن عترته، ورسولاً عن أمته.
وأشهد أن الإمام بعده بلا فصل، أخوه وابنُ عمه، الفارجُ الكربِ عن وجهه، وأولُ من قال لاإله إلا الله معه علي بن أبي طالب -عليه سلام الله وصلواته-([28]).
وأشهد أن الإمامة بعده في ولديه النجيبين الطاهرين، الزكيين، العلمين، العالمين، العاملين، الشهيدين الحسن والحسين ابني رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، و سيدي شباب أهل الجنَّة، إلا ما جعل الله -سبحانه وتعالى- لابني الخالة([29]).
وأشهد أن أمهما الزكية الأمينة، والجوهرة المكنونة، فاطمة بنت رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم، وسلام الله عليها وبركاته- سيدة نساء أهل الجنَّة، إلا ما جعل الله -سبحانه- لمريم ابنة عمران -عَلَيْها السَّلام-.
وأشهد أن الإمامة بعدهما، فيمن طاب وزكا من ذريتهما، وسار بسيرتهما، وهدى بهديهما، وسلك منهاجهما، وحذا بحذوهما.
_____________
([25]) ـ الجرثومة هي: الأصل والأرومة بالضم الأصل، تمت قاموس.
جرثمة الشيء بالضم أصله، تمت قاموس.
([26]) ـ في (ن): الإبانة.
([27]) ـ في (ن): منكبون، أي ثابتون.
([28]) ـ نخ: عليه السلام.
([29]) - ومن هنا تبدأ مسائل الشريف العالم الفاضل نور الدين الحسن بن يحيى بن عبدالله بن سليمان بن محمد بن المطهر بن علي بن الإمام الناصر أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام على الرسالة الناصحة، وهي ثلاث عشرة مسألة من مواضع متفرقة، وهذا بداية الأسئلة والجواب عنها : قال الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة عليه السلام : الحمد لله الذي جعل الحمد تاج عبادته، وأجرى المقادير على مقتضى حكم إرادته، وسد بتصافي نعمه كل خلل وكل فاقة، وكلف عبيده دون الجهد والطاقة، وصلى الله على نبيه المختار، وآله الأخيار وسلم.
سأل أرشده الله تعالى الشريف الأمير نور الدين ولي أمير المؤمنين عن مسائل تضمنها شرح (الرسالة الناصحة).
أولها : عن ابني الخالة من هما، الذين جعلهما أفضل من سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين -عَلَيْهم السَّلام-.
الجواب : أنهما عيسى -عليه السلام- ويحيى بن زكريا -عَلَيْهما السَّلام.

وأشهد أن الله -تبارك وتعالى- اصطفاهم لذلك من بين البرية، واختصهم بالكون من تلك المغارس الزكية، فعليهم سلام الله ورضوانه من عترة طاهرة مرضية، ورحم أتباعهم وأشياعهم من جميع البرية، هذا موقع شهادتي، وغاية إرادتي، فمن شهد بما شهدت به كان شريكاً في أجر ذلك وفخره، ومن كاع([30]) عن هذه الشهادة كنت عنه نائباً، ولما أعد الله -سبحانه- لمن شهد بها وارثاً وطالباً، وكان مخصوصاً بعار ترك ذلك ووزره.
[ذكر الدافع له -صلوات الله عليه- إلى إنشاء الأرجوزة]
وبعد ذلك: فقد سألني بعض من يعزّ عندي مسألتة، وتلزم إجابته، أن أعمل أرجوزة وجيزة أضمنها أصولاً في الدين، ورداً على من أنكر فضل عترة محمد خاتم النبيئين -صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين أجمعين-، من الرفضة المعاندين، وإخوانهم الناصبين، فأجبته إلى ذلك رجاء لما يحصل له فيه من المنفعة، ويدخر لي من الأجر والمثوبة، وجعلتها تذكرة للمنتهي، ووسيلة للمبتديء، ومِنَ الله -سبحانه- أستمد المعونة، وأسأل التوفيق والهداية، وشرحت تلك الأرجوزة شرحاً وجيزاً إلا فيما لا بد من ذكره، من دليل يحتاج إلى تفصيل، وشرح طويل، فإن ذلك موضع الإقصاء([31])، إلا أني اختصرت الشواهد على غريب لغتها، والإتيان على جميع أدلتها، وقصدت بذلك تخفيف مؤنتها، وتعظيم معونتها، وهي هذه:
[مقدمة الأرجوزة وشرحها]
[1]
الحمدُ للمُهيمِنِ المنَّانِ .... جَمِّ النوالِ باسطِ الإحسانِ
ذي الطولِ والعزةِ والسُّلطانِ .... لكلِ ذي شِدْقٍ وذي لِسَانِ
مِنْ غَيرِ تقريظٍ ولا سُؤالِ
(الحمد): هو التعظيم لمن أضيف إليه هذا اللفظ، ولا يجوز إلا لمن استحق ذلك، و لا أحق به ممن ابتدأنا بأصول النعم([32])، ومن هو مختص بصفات الكمال وليس ذلك إلا الله -سبحانه-.
ومعنى الحمد: قريب من معنى الشكر، إلا أن بينهما فرقاً من حيث أن الشكر: هو التعظيم مع ذكر النعمة التي شكر عليها.
_________________
([30]) - كَعَّ يَكِعُّ ويَكُعُّ بالضم قليل، كُعُوعاً جبن وضعف فهو كَعٌّ وكاعٌّ وكُعْكُع بالضم، تمت قاموس.
([31]) ـ في (ن): الإتساع.
([32]) ـ وهي: خلق الحي، وخلق حياته، وخلق قدرته، وخلق شهوته، وتمكينه من المشتهيات، وإكمال عقله، تمت.

4 / 63
ع
En
A+
A-