[إنكار المطرفية لفضل أهل البيت(ع)]
ومنكر فضل أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام- هم فرقة من جهَّال([38]) الشيعة زعموا أن الله -تعالى- لم يفضّل عترة نبيئه -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- على غيرهم من الناس في الإبتداء؛ بل هم وغيرهم في ذلك سواء، وحملهم على هذا الإعتقاد الذي شهد بفساده كتاب الله -تعالى- عند من إعترف أنه موجود بين أظهرنا حجَّة لنا وعلينا، لا يفترق هو وعترة النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم وعليهم- إلى إنقطاع التكليف، ومن لم يعترف أنه موجود بيننا؛ بل لم يصح نزوله إلينا؛ فكل خطيئة في جنب هذه جلل؛ لأنه رد المعلوم من دين النبيء -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- ضرورة، وإجماع عترته خاصة، والمسلمين عامة، وشهد بصحته - أيضاً - سنة محمد -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- وأدلة العقول، وقد قدمنا من كل شيء دليلاً كافياً ، ولا بد في أثناء القوافي من تأكيد ما تقدم على قدر ما تمس إليه الحاجة، ولا نستمد التوفيق إلا من الله تعالى.
_______________
([38]) - هم فرقة المطرفية ، وهم المعنيون أينما أطلق الإمام هذا اللقب في هذا الكتاب...
[بيان الدليل العقلي على إثبات التفضيل]
إعلم؛ أن دلالة العقل قد قضت بأن الله -تعالى- متفضل على عباده بخلقهم، ورزقهم، وموتهم، وحياتهم، وأن ذلك غير واجب عليه، ولا يعلم بين المسلمين خلاف في ذلك، ويثبت بدلالة العقل أن المتفضل له الإختيار في الزيادة والنقصان، والمحو والإثبات.
ومثاله في الشاهد مانعلمه من أن رجلاً لو أعطى جماعة منَّا شيئاً من المال تفضلاً من غير أن يجب عليه لواحد منهم حق، فأعطى واحداً منهم خمسة، وأعطى آخرين أقل من ذلك وأكثر لوجب شكره على الجميع عند كل كافة الناس، وإن كان قد فضّل بعضهم على بعض، وكان من يذمُّه وينقد عليه مذموماً عند العقلاء.
وأما دلالة الكتاب والسنة: فأكثر من أن نأتي عليها في مثل هذا الكتاب، وقد تقدم من ذلك طرف، ولا بد إنشاء الله -تعالى- من ذكر زبد كافية، وأدلة وافية، في إثبات ما يكون تذكرة للمنتهين، ووسيلة للمبتدئين، وموقظاً للغافلين، وحجَّة على المتجاهلين والمعاندين من الجاهلين.
[بيان سبب قول المطرفية لا فضل إلا بعمل]
ولا أعلم لإنكار هذه الفرقة المنتسبة إلى أهل هذا البيت الشريف عند الله في الدنيا والآخرة وجهاً يصرف إليه إنكارهم لفضلهم - سيما مع إيهامهم للناس أنهم خواصهم وأتباعهم دون غيرهم ، حتى إذا نسب إليهم خلافهم لهم ضجُّوا من ذلك وأنكروه - إلا عجبهم بنفوسهم وإستكثارهم لأعمالهم، وقولهم من أطول منَّا عبادة، وأكثر منَّا علماً؟ أولم يعلموا أن العترة المطهرة - التي ملكها الله -تعالى- أزمّتهم ، وافترض عليهم الرجوع إليها في جميع الأوقات إلى آخر التعبد - أزكى منهم عبادة ، وأغزر علماً، وأرجح حلماً، وأرصن فهماً، وكيف لا يكونون كذلك وأهل ذلك؟ وهم عترة رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- وورثة علمه، وصفوته من خلقه، فنتج العجب الذي ذكرنا أنه لا فضل إلا بعمل، وهذا، كما ترى ، جهل، وقد قدمنَّا بيانه وانضاف إليه إعتقاد فاسد؛ وهو أنهم أعمل الناس فازدوجا وأنتجا أنهم أفضل الناس ، ففرحوا بهذه النتيجة وأعجبوا بها ، ولم يبلغ فهمهم إلى أن النتائج لا تصح إلا أن تكون مقدماتها صادقة ، وأن العجب يحمل صَّاحبه على دعوى مالم يجعل الله له، فمن هناك يجب على العاقل التثبت في أمره، وإعمال الفكر في طلب نجاته، وحفظ قوانين دينه، وحراسة أقواله من المناقضة في إعتقاده...
ألا ترى أنه من أوجب على نفسه وعلى الناس الرجوع إلى قوم مخصوصين، وأظهر أنهم عنده ولاة الأمر في الكافة، ثم قال بعد ذلك: إلا أنهم لا فضل لهم إلا بعمل، وفي العاملين كثرة كما علم الكافة ، كان لقائل أن يقول له : إنك ناقضت في كلامك؛ لأنك أوجبت علينا الرجوع إلى قوم لا لأمر يوجبه ولا برهان يدل عليه؛ لأن في كل فرقة عاملاً مجتهداً، وربما يكون أهل البدع أكثر إجتهاداً كما روي عن الخوارج ومن شابههم، فإنهم تعمقوا فمرقوا، وتحكموا فندموا، فلو كان بعض نظرهم فيما أوبقهم، واجتهادهم فيما لم يخلصهم كان في طرق الأدلة التي أوجبت عليهم الرجوع إلى هداتهم وسفن نجاتهم من عترة نبيئهم -صلى الله عليه وسلم وعليهم- نالوا بأقل عنايتهم دار الكرامة !!؟، فنعوذ بالله من إجتهاد يؤدي إلى الندامة.
[بيان أن المنكر لفضل أهل البيت (ع) رادٌّ لكثير من الآي والآثار]
قوله: (مقالة يغضب منها الجبار): لأن من لم يعرف أن أهل البيت -عليهم السلام- أفضل الخلق فقد أغضب الله -سبحانه- لأنه يكون راداً لقوله تعالى في كثير من الآي، ولقول رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- في كثير من الآثار، فمن الآي الآية التي استشهدهم فيها على عباده، وأمرهم بالجهاد فيه حق جهاده، وهي قوله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}[الحج:78] ، والإجتباء هو الإختيار، والإصطفاء وذلك الفضل المبين.
ألا ترى في الشاهد أن السلطان إذا قرب رجلاً، واصطفاه، واستشهده على الكافة وارتضاه ، فإن كل عاقل يفهم أنه قد فضله على من سواه، ومن أنكر ذلك أو أخبر بأنَّه لا يعلمه قضى العلماء بجهله أو تجاهله !!؟.
وأما الآثار المروية عن رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-: فلا يتسع لها هذا الكتاب لو أفردناه لشأنها، ولكنَّا نذكر من ذلك ما يكتفي به في الإستدلال كل عاقل، فلو لم يكن من ذلك إلا ما روينا بالإسناد([39]) الموثوق به إلى الحسين بن زيد([40]) - قدس الله روحه - يرفعه عن آبائه إلى أمير المؤمنين -عليه السلام- قال : قال رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-: ((من زار قبراً من قبور أهل البيت ثم مات من عامه الذي زار فيه وكل الله بقبره سبعين ملكاً يسبحون له إلى يوم القيامة)) ، وكفى بهذا دليلاً لمن كان له عقل وتوفيق؛ لأن ذلك إذا كان في زيارة قبور موتاهم فكيف يكون الثواب في زيارة ديار علمائهم !!؟، فكيف يكون الحال في إجابة دعائهم !!؟، إن هذا لهو الفضل المبين، والحظ الثمين، {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ(103)} [يوسف] .
_____________
([39]) - أمالي الإمام أبو طالب -عَلَيْه السَّلام- (ص111).
([40]) - الإمام الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب -عَلَيْهم السَّلام- ولد -عَلَيْه السَّلام- في حوالي سنة (110هـ) تقريباً ، يكنى أبا عبدالله ، ويلقب بذي الدمعة لكثرة بكائه .
قال أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين : حدثني علي بن العباس ، قال : حدثنا عباد بن يعقوب ، قال : كان الحسين بن زيد يلقب ذا الدمعة لكثرة بكائه.
حدثني علي بن أحمد بن حاتم ، قال : حدثنا الحسن بن عبدالواحد ، قال : حدثنا يحيى بن الحسين بن زيد ، قال : قالت أمي لأبي : ما أكثر بكاءك! فقال : وهل تلك السهمان والنار سروراً يمنعني من البكاء -يعني السهمين الذين قتل بهما أبوه زيد وأخوه يحيى-.
قتل أبوه الإمام زيد بن علي -عَلَيْه السَّلام- وهو صغير، فرباه الإمام جعفر الصادق -عَلَيْه السَّلام- وأخذ عنه علماً كثيراً ، وشهد وقعة الإمام محمد بن عبدالله النفس الزكية ، قال أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل الطالبيين : حدثني علي بن العباس ، قال : أنبأنا بكار بن أحمد ، قال : حدثنا الحسن بن الحسين ، عن الحسين بن زيد ، قال : شهد مع محمد بن عبدالله بن الحسن من ولد الحسين أربعة أنا وأخي عيسى وموسى وعبدالله ابنا جعفر بن محمد (ع)، وأخيه الإمام إبراهيم بن عبدالله -عَلَيْهم السَّلام- ثم استخفى دهراً طويلاً ، وكانت دعوته بعد قتل الإمام المهدي محمد بن عبدالله النفس الزكية ، وكان الحسين بن زيد عالماً محدثاً ناسكاً ، رجل بني هاشم لساناً وبياناً ونفساً وجمالاً ، توفي -عَلَيْه السَّلام- في حدود مائة وتسعين وله من العمر ست وسبعون سنة.
[حكاية من قول رفضة أهل بيت النبوة (ع) ومنكري فضلهم]
[8]
أَنْكَرَ فَضْلَ الفَاضِلِيْنَ بِالنَّسَبْ .... وَهْوَ إلى نَيْلِ العُلَى أقوى سَبَبْ
نَقُولُ هَذَا إِنْ شَكى وإن عَتَبْ .... لا يَسْتَوِيْ الرَأسُ لَدِيْنَا والذَّنَبْ
هذه حكاية من قول رفضة أهل بيت النبوة -عَلَيْهم السَّلام-، ومنكري فضلهم، وما ظنهم ببيت عمره التنزيل ، وخدمه جبريل، لولا تراكم الذنوب على الذنوب ، حتى اسودت القلوب ، فصارت لا تعرف معروفاً، ولا تنكر منكراً، تؤخر مقدماً، وتقدم مؤخراً، وذلك أنهم نفوا أن يكون لأقارب النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- فضل بقرابتهم إليه، وتباعدوا عن الإقرار بفضلهم، ونفروا وأصروا على عنادهم، واستكبروا.
قلنا: ويحكم؛ قد تظاهرت الأدلة بأنهم أفضل العرب، والعرب أفضل الخلق بمحمد -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، فأولاده أولى بهذا الشأن.
[بيان أن الفضل واقع بالنسب]
قالوا: لا تأثير للنسب، ولا فضل به على حال من الأحوال...
قلنا: فقد روينا عن النبيء -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أنه قال: ((العرب بعضها أكْفاء لبعض، قبيلة بقبيلة، وحي بحي، ورجل برجل، والموالي بعضها أكْفاء لبعض، قبيلة بقبيلة، وحي بحي، ورجل برجل([41]))) .
_______________
([41]) - روى هذا الخبر الإمام أحمد بن سليمان -عَلَيْه السَّلام- في أصول الأحكام - خ - عن عمر وعائشة.
وكذلك روينا عن النبيء -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أنه قال: ((إن الله اصطفى كنانة من بني إسماعيل، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم([42]))) ، وهذه آثار رويناها بالأسانيد عن آبائنا -عَلَيْهم السَّلام-، يرفعوها [ بالإسناد([43]) ] إلى أبينا رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، وإتباعه واجب، وخلافه قبيح، وهي دلالة على أن الفضل واقع بالنسب، ولم يختلف أحد من العترة الطاهرة -عَلَيْهم السَّلام- في ذلك ؛ بل قد وقع الإجماع عليه من الأمَّة، وذلك ثابت فيما رويناه بالإسناد الموثوق أن عمر قال بمحضر الصحابة: (لأمنعن ذوات الأحساب، لا يتزوجن إلا من الأكْفَاء)، فلم ينكر عليه أحد، فكان ذلك إجماعاً، فلولا أن الفضل واقع بالنسب لما تعلقت به هذه الأحكام الشرعية، ووردت به الآثار النبوية.
___________
([42]) - هذا الحديث أخرجه أبو العباس الحسني في المصابيح عن واثلة ص(91)، والإمام أحمد بن سليمان في أصول الأحكام عن واثلة أيضاً ، وصلاح بن إبراهيم في تتمة الشفاء بزيادة في آخره (فأنا صفوة الصفوة وخيرة الخيرة)، ورواه أيضاً القاضي عياض في الشفاء بتعريف حقوق المصطفى عن واثلة، وأخرجه مسلم في أول كتاب الفضائل باب فضل نسب النبي صلى الله عليه وآله وسلم (15/ 36) بشرح النووي، وأبو يعلى 13/ رقم (7485)، والترمذي (5/583) رقم (3612) وقال : هذا حديث حسن صحيح، وأحمد 4/ 107، والبيهقي في الدلائل 1/ 166، والخطيب في التاريخ 13/64، والسيوطي في الجامع الصغير برقم (1682- 1683) بلفظ: ((إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم))، انظر التحف شرح الزلف ص30.
([43])ـ غير موجود في النسخة.....
فإن قيل: إن إنكار الفضل بالنسب هو قول الشيخ([44])، وهو عابدٌ كما تعلمون.
قلنا: نوم النبيء -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- خير من عبادته، وقوله -عليه وآله السلام- أولى بالإتباع من قوله، وقد قال تعالى: {فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ}[النور:63] ، وخَوَّفنا من مخالفة النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، ومخالفة عترته، ولم يُخَوِّفنا من مخالفة الشيخ ولا غيره ممن تنكب منهاجهم، ولأن النبيء -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- كان لا يقول شيئاً من تلقاء نفسه، وإنما يقول ما أوحى إليه ربُّه، وقد قال تعالى: { وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى(3)إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4)}[النجم] ، والشيخ قال ما قال من تلقاء نفسه، ولم يجز لنا ترك ما جاء به رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- لشيءٍ من كلام بشر غيره ، فنعوذ بالله من الزيغ بعد الهدى، والزلل بعد الثبات، وإطراح العلوم للوهوم، وتنكب طرائق العترة الطاهرة المرضيَّة، والرجوع إلى غيرهم من البريَّة.
_____________
([44]) - الشيخ : لقب تطلقه المطرفية على كبارهم لأنهم يجعلون لهم في كل هجرة من هجرهم رجل يطلقون عليه اسم (الشيخ) ويعظمونه أشد من تعظيم أهل البيت ويشترطون فيه أن لا يكون من ذرية رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- ؛ لأنهم يزعمون أنه إذا كان من أهل البيت فستفسد الهجرة ، ولن تصلح أبداً بوجوده ، ويجعلون كلام ذلك الشيخ حجة واجبة الإتباع، كما حكى ذلك عنهم القاضي العلامة عبدالله بن زيد العنسي في كتابه (التمييز بين الإسلام ومذهب المطرفية الطغام).
[حكاية إجماع أهل البيت (ع) على فضلهم بالنسب النبوي]
وقد حكينا أن إجماع العترة المهديَّة منعقد على أنهم برجوع نسبتهم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم وعليهم- أفضل البشر، وذلك معلوم في مجادلاتهم، ومقاماتهم الشريفة، وكتبهم النفيسة، لا ينكر ذلك من له أدنى مسكة من المعرفة، ولو لم يكن من ذلك إلا ما روينا بالإسناد إلى أبي الجارود التميمي([45]) -رحمه الله تعالى- أنه قال: (دخلت المدينة فإذا أنا بعلي بن الحسين في جماعة أهل بيتة وهم جلوس في حلقة ، فأتيتهم فقلت: السلام عليكم يا أهل بيت الرحمة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، كيف أصبحتم رحمكم الله؟ فرفع رأسه إليَّ فقال: وما تدري كيف نمسي ونصبح، أصبحنا في قومنا بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون يذبحون الأبناء ويستحيون النساء، وأصبح خير الأمة يشتم على المنابر، وأصبح من يبغضنا يُعطَى الأموال على بغضنا، وأصبح من يحبنا منقوصاً حقه، أو قال حظه، أصبحت قريش تفتخر على العرب بأن محمداً -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- قرشي، وأصبحت العرب تفتخر على العجم بأن محمداً -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- كان عربياً، فهم يطلبون بحقنا ولا يعرفون لنا حقاً، إجلس يا أبا عمران؛ فهذا صباحنا من مسائنا([46])) وهذا كما ترى ، تصريح من علي بن الحسين - عليه السلام- في محضر جماعة أهل بيته -قدس الله أرواحهم- بأنهم أفضل الخلق بنسبتهم إلى رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- وذلك طريق معرفة الإجماع،
_______________
([45]) - أبو الجارود، هو: الحارث بن الجارود أبو عمران التميمي.
([46]) - رواه الإمام أبو طالب في الأمالي (ص136)، والإمام الموفق بالله الجرجاني في الاعتبار ص(637) عن المنهال بن عمرو، ورواه محمد بن سليمان الكوفي في مناقب أمير المؤمنين (2/108) رقم (598) ، ورواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (5/219) ، وابن عساكر في تاريخه في ترجمة زين العابدين عليه السلام عن المنهال بن عمرو ، ورواه المزني، وروى نحوه الحاكم الجشمي في تنبيه الغافلين (ط1/157) عن المنهال بن عمرو...
ولأن علي بن الحسين -عليه السلام- قدوة وإن انفرد وحده، ولأنه -عليه السلام- قد أكد ذلك بإجماع الكافة من العرب وقريش بادعاء الشرف والفخر بالقرب إلى رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، وأهل بيته أقرب من الكافة إليه -صلى الله وملائكته عليه وعليهم السلام- فكانوا أولى بشرف ذلك وفخره من غيرهم، فلا معنى لإنكار من أنكر فضل النسب وإن كبر سنه، وكثرة عبادته؛ لأن ذلك أبلغ في الحجَّة عليه؛ لأن الله، عز من قائل، يقول: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ } [فاطر:37] ،والنذير عندنا ها هنا رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، وقد قيل في بعض أقوال أهل العلم: هو الشيب، وقد جاء الشيخ الذي ذكرتم الإعتماد على قوله: {النَّذِيرُ}[فاطر:37]، الذي هو النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، والشيب على قول من قال ذلك فلا عذر له، والعبادة مع مخالفة النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- وأهل البيت -عَلَيْهم السَّلام- لا تغني عن صاحبها شيئاً من عذاب الله -تعالى- وقد سمعت كلام أبي الجارود فيهم ونعته لهم، وكذلك تكون الشيعة...