ومع الروافض([13]) وهم سبع فرق، ومن يُنْسب إليهم وهم الباطنية،
______________
([13]) - الروافض: لقب سمي به الذين رفضوا الجهاد مع الإمام زيد بن علي -عَلَيْه السَّلام-، فقال -عَلَيْه السَّلام-: رفضتموني فسمّوا رافضة، وقد أجمع على ذلك المحدثون وغيرهم، وذكره النووي في شرح مسلم، وذكره صاحب القاموس، وذكره ابن تيمية في منهاجه في الجزء الأول منه ص21، وذكره أيضاً صاحب تهذيب الكمال في علم الرجال، وعلى ذلك جرى إجماع أهل البيت صلوات الله عليهم في كتبهم ومؤلفاتهم كما رواه الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين صلوات الله عليه، وأبو العباس الحسني، والمنصور بالله عبدالله بن حمزة -عَلَيْهم السَّلام-، وصاحب المحيط بالإمامة وغيرهم -رضي الله عنهم-.
وقد روي عن رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أنه قال: ((سيكون من بعدي قوم يرفضون الجهاد مع الأخيار من ذريتي ويقولون ليس عليهم أمر بمعروف ولا نهي عن منكر يقلدون دينهم ويتبعون أهواءهم)).
وأما الفرق السبع التي ذكر الإمام -عَلَيْه السَّلام- أنها فرق الروافض فهم فرق الإمامية، وهم:
1- الباقرية والجعفرية الواقفة: يزعمون أنهم أتباع محمد الباقر وابنه جعفر الصادق، ويقولون بإمامتهما وإمامة أبيهما زين العابدين علي بن الحسين، ثم افترقوا فمنهم من توقّف على الباقر وقال برجعته ومنهم من توقف على جعفر الصادق، ومنهم من ساق الإمامة في أولادهما.
2- الناووسية: أتباع رجل يقال له ناووس، قالت إن الصادق حي ولن يموت حتى يظهر فيهم أمره وهو القائم المهدي.
3- الأفطحية: قالوا بإنتقال الإمامة من الصادق إلى ابنه عبدالله الأفطح وهو أكبر أولاد جعفر الصادق.
4- الشُّميطية: أتباع يحيى بن أبي شميط قالوا: إن الإمام بعد جعفر ابنه محمد.
5- الإسماعيلية الواقفة: قالوا إن الإمام بعد جعفر إسماعيل ثم اختلفوا فمنهم من قطع بموته، ومنهم من قال لم يمت.
6- الموسوية والمفضلية: هم فرقة واحدة قالوا بإمامة موسى بن جعفر الكاظم نصاً عليه بالإسم.
7- الإثنا عشرية: وهم الذين قالوا بإمامة اثني عشر إماماً بالنص أولهم علي -عَلَيْه السَّلام- وآخرهم المهدي -عَلَيْه السَّلام- وكلهم من ولد الحسين بعد الحسن بن علي وأخيه الحسين بن علي وبينهم اختلافات كثيرة ومنازعات، انظر الملل والنحل للشهرستاني الجزء الأول ص162 إلى ص173، وقد تكلم الإمام المنصور بالله عليه السلام في كتابه العقد الثمين في فرق الإمامية من ص(118) إلى ص(125) فليرجع إليه.

ومع النواصب([14]) على طبقاتهم، وأهل الجبر([15]) منهم ثمان فرق، والخوارج([16]) خمس فرق، ويجمعهم اسم النصب، ولا وجه لإفراد كل فرقة ممن قدمنا بالذكر ؛ لأن الكل قد أطبق على إنكار فضل آل محمد، ولهذا أخذوا الدين عن غيرهم، وفزعوا في المشكلات منه إلى سواهم.
[بيان الوجه في الابتداء بذكر من خالف في فضل أهل البيت من المطرفية]
وبدأنا بذكر من خالف في ذلك من المطرفية لوجهين:
أحدهما: أنهم يظهرون التشدد في متابعة أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام-، ويخطّون من خالفهم، وهذا دين الله إن لم ينقض.
والثاني: أنهم ينكرون على من لم يسمهم بإسم الزيدية، وقد صح لأهل المعرفة بالدين ضرورة أن الزيدية متميزة على سائر الفرق لاعترافها بتفضيل آل محمد -عليه وعليهم أفضل السلام- وأن الله -تعالى- فاضل بين عباده، ولذلك اعتبروا المنصب في الكفاءه.
ومن قال به من الفقهاء فإنما هو لهم تبع، وإنما نسبنا الخلاف إلى طائفة منهم لوجهين:
أحدهما: أنَّا لا نقله قولاً لجميعهم وقد قال [تعالى]: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء:36] .
والثاني: أنَّا استبعدنا أن يكون من له أدنى مسكة([17]) من علم يوجب متابعة أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام- ويخطيء من خالفهم وهو منكر لفضلهم.
_______________
([14]) - النواصب: هو لقب يسمى ويوصف به كل من أبغض علياً -عَلَيْه السَّلام- أو أهل بيته أو عاداهم أو خالفهم أو فضّل غيرهم عليهم، وهم كثير.
([15]) - تقدم ذكر فرقهم وتعريفهم في الجزء الأول من هذه الرسالة .
([16]) - تقدم ذكر فرقهم وتعريفهم في الجزء الأول من هذه الرسالة .
([17]) - المسكة بالضم ما يتمسك به...

واعلم أن الإستدلال على تفضيل([18]) أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام- بجميع الأقوال، فلا وجه لإفراد كل فرقة منها بالذكر، وقد بدأنا بتحميد الله الذي يجب الإبتداء به، والإنتهاء إليه، ومدار خير الدنيا والآخرة عليه.
(حمداً): هو مصدر حمدنا الله حمداً، وقد تقدم تفسيره في أول الرسالة، فلا معنى لتطويل الكلام به.
ومعنى (أيَّدنا): أعاننا، لا فرق بين التأييد والإعانة.
و (العصمة): هي ما يختار المكلف معه فعل الطاعة وتوجب تكثير دواعيه إليها، وعند كافة الزيدية ومن قال بقولهم من المعتزلة كأبي علي وأبي عبدالله أن العترة معصومة، ولذلك قضوا بأن إجماعهم حجَّة، فلذلك قال: (أيَّدنا بعصمته).
قوله: (واختصَّنا بفضله ورحمته): الإختصاص في أصل اللغة هو التمييز والإيثار، وقد آثرهم على الأسود والأحمر بما لا يمكن دفعه إلا بالمكابرة.
[ذكر أن العترة شرط في صحة إجماع الأمة]
ألا ترى أن العترة إذا أجمعت([19]) على حكم من الأحكام وخالفهم جميع الخلق لم يسع لهم خلافهم عند أهل البصائر، وردتهم الأدلة إليهم صاغرين.
ومتى أجمعت الأمة أسودها وأحمرها، وخالفهم واحد من أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام- على قول ساغ له خلافهم، ولم يصح إدعاء الإجماع في تلك المسألة على قول الكافة !!؟، وهذا غاية الإختصاص بالشرف الكبير، والتمييز بالفضل العظيم، وهذا لا ينكره أحد من أهل العلم ولا يجد سبيلاً إلى إنكاره.
[بيان أن المعصية تعظم بعظم النعمة وجلالة المنعم]
ولما علمنا إختصاصه لهم بفضله في ذلك ورحمته؛ إذ حيلتهم وقوتهم لا تؤدي إلى شيءٍ من ذلك؛ إذ الأمر للحكيم دون عباده، أوجبنا عليهم من الشكر ما لم نوجب على غيرهم لإيجاب الحكيم لذلك عليهم بقوله: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ}[الحج:78] ، والإجتباء هو الإختيار، وقد تقدم الكلام في هذه الآية مستوفىً فلا وجه لإعادة ذكره.
______________
([18]) - نخ (ن) : على فضل تفضيل.
([19])- في (ن) : اجتمعت.

وكانت المعصية منهم لذلك التفضيل والإختصاص أقبح وأشنع، والعقوبة على عاصيهم أشد؛ لأن المعصية تعظم بعظم النعمة، وجلالة المنعم، ولا أعظم منها نعمة، ولا أجل منَّةً، فله الحمد منعماً.
ألا ترى أن معصية الوالد أقبح من معصية غيره، وإن كان ذلك الغير منعماً لما كانت نعمة الوالد أكبر، وذلك ظاهر.
ولمّا نزل قوله تعالى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا(30)وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا(31)}[الأحزاب] ، أطبق الكافة من آل النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أنهم مرادون بهذه الآية وإن أفردت النساء فيها بالذكر؛ لتعظيم المحنة بالتكليف فيعظم الأجر، كما وردت النصوص على أمير المؤمنين -عليه السلام - بغير لفظ الإمامة ، وكان في المقدور إيراد أجلى منها، كأن يقول سبحانه: إمامكم دون كل أحد بعد نبيكم علي ابن أبي طالب -عليه السلام-، ويقول النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-: لا تبايعوا أحداً بعدي، ولا تعقدوا الإمامة إلا لعلي ابن أبي طالب -عليه السلام-، فلما ورد ذلك بأمر([20]) يفتقر إلى الإستدلال لما في ذلك من مصالح المكلفين كذلك هذا؛ لأنا إذا علمنا أن هذا الإختصاص صار لنسائه لمجرد النكاح والمباشرة، وعلمنا أن ذريته من لحمه ودمه ، علمنا أنهم بذلك أولى، ومثل ذلك لا يخفى على من له أدنى تأمل.
______________
([20])- في (ن) : بأمور.

وقد علمنا أن المعصية تعظم بشرف المكان والزمان، ولهذا يعلم أن العاصي في شهر رمضان أكثر جرماً وأعظم إثماً ممن عصى في سائر الأزمان، وبذلك ورد الأثر عن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب -عَلَيْه السَّلام- أنه جلد النجاشي الحارثي([21]) لما شرب الخمر في رمضان، جلداً كاملاً، وزاده عشرين جلدةً، وحبسه فقال: (الحد لشرب الخمر، والزيادة والحبس لحرمة الشهر).
ومن ذلك أنَّا نعلم أن من أتى الفاحشة في المسجد يكون أعظم جرماً ممن أتاها في خانة الحمار، وبيت النار، ومعلوم أن بيت النبوة - شرف الله ذكره ما بقي الدهر - أعظم حرمة من المكان الذي هو المسجد والزمان الذي هو الشهر، وبمثل ذلك يضاعف لهم الأجر ؛ لأن ثواب الطاعة في ذلك الشهر الشريف الذي هو رمضان - مثلاً - وذلك المكان الشريف الذي هو المسجد يكون أعظم بالإجماع، ولا ينكر ذلك من يعرف جمل الشرائع فضلاً عن مفرداتها، وبيت النبوة لا شك أولى بالشرف، فلذلك يضاعف لعاملهم الأجر.
_____________
([21]) - النجاشي: هو شاعر علي -عَلَيْه السَّلام- وهو من بني الحارث بن كعب، وكان شاعر أهل العراق بصفين فلما ضربه علي -عَلَيْه السَّلام- الحد لحق معاوية وانحرف عن علي -عَلَيْه السَّلام-، وقد روى قصته في أمالي الإمام أحمد بن عيسى، والشفاء للأمير الحسين، قال في الأمالي: حدثنا محمد، قال: حدثنا عمرو بن عبدالله، عن وكيع، عن سفيان، عن عطاء بن أبي مروان، عن أبيه، عن علي علي -عَلَيْه السَّلام- أنه أتي بالنجاشي سكران من الخمر في رمضان فتركه حتى أضحى ثم ضربه ثمانين، ثم أمر به إلى السجن، ثم أخرجه من الغد فضربه عشرين، قال: ثمانين للخمر وعشرين لجرأتك على الله في رمضان، رأب الصدع (3/1398)، ورواه أيضاً في الشفاء (3/333)، وقد روى قصته ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (4/299)...

[بيان أن فسق الفاسق لايسقط وجوب الرجوع إلى المهتدي]
فإن قيل: قد أكثرتم في أمرهم، ونحن نعاين من أكثرهم المعاصي، ومنهم عندكم من هو ضال في الدين، فكيف يسوغ لكم تضيفون إليه أسباب الهدى ووراثة الكتاب !!؟.
قلنا: هذا سؤال من استوضح سلسال فرات الدين من مد بصره ثم قام هنالك، ولم يزاحم على شرائعه بمنكبيه، لأن ما ذكر لا يخرجهم من ذلك، وكيف يخرجهم والله عز من قائل، يقول: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ(26)}[الحديد] ، ففسق الفاسق - كما ترى - لم يسقط وجوب الرجوع إلى المهتدي.
وقال عز من قائل: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ}[فاطر:32] ، فصرح عز وجل باصطفائه لهم مع أن فيهم الظالم لنفسه؛ لأنه علام الغيوب، وقد ذكره للبيان لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فقد رأيت تهدُّم هذا السؤال من كل جانب بكلام الصادق الذي لا يجوز عليه الكذب ولا شيءٌ من القبيح كما قدمنا.
ومن حيث فضلوا وجب عليهم من الإجتهاد في الطاعة أكثر مما وجب على غيرهم، وضوعف لهم الأجر، كما قدمنا، على الطاعة، وضوعف العقاب على المعصية، ولا يعلم بين أحد من علماء آل الرسول -عَلَيْهم السَّلام-، فيما قلنا، من مضاعفة الثواب لمطيعهم، والعقاب لعاصيهم إختلافاً.
..

وفي ذلك ما روينا عن الناصر([22]) للحق الحسن بن علي الملقب بالأطروش -صلوات الله عليه- في بعض مواعظه، في كلام فيه بعض الطول إنتهى فيه إلى أن قال: (وإن طريق الجنَّة خشن، وبالإجتهاد يبلغ إليها، إني لا أُمَنِّي([23]) نفسي ولا أخدعها بالأماني، ولا أطمع أن أنال الجنَّة بغير عمل، ولا أشك في أن من أساء وظلم منَّا ضوعف له العذاب، وأنا ولد الرجل الذي دل على الهدى، وأشار إلى أبواب الخير، وشرع هذه الشرائع، وسن هذه السنن([24])، فنحن أولى الناس باتباعه، واقتفاء أثره، واحتذاء مثاله، والإقتداء به) هذا كلامه -صلوات الله عليه- فصرح بما ذكرنا من مضاعفة العقاب، وليس إلا لما ذكرنا من الإختصاص الذي يجب شكره ، ولا يسع كفره، ولهذا قلنا إن واحدهم -عَلَيْهم السَّلام- متَعَبَّدٌ بما لم يتعبَّد به واحد غيرهم من منابذة الظالمين، ومقاتلة الفاسقين، وتجييش الجيوش، وأخذ الأموال ممن وجبت عليه طوعاً وكرهاً، وتعليم الناس معالم الدين، إلى غير ذلك من أعمال الإمامة التي قدمنا ذكرها، وواحد غيرهم إذا انتهى في الفضل تعبد بتعليم ما بينهم دون غيره.
قوله: (وصيَّر الأمر لنا برّمته): معناه ظاهر؛ لأن مراده بالأمر: هو التصرف على الكافة المقتضي لمعنى الإمامة، وقد تقدم الكلام في أن الله -تعالى- خصهم بذلك دون غيرهم في مسألة قصر الإمامة عليهم، بما فيه كفاية لمن اكتفى، ومقنع لمن أنصف.
______________
([22]) - ستأتي ترجمته قريباً إن شاء الله تعالى، وقد روى هذا الكلام عنه الإمام أبوطالب في الأمالي ص(201) .
([23]) - في الأمالي : إني لا أغُرُّ نفسي.
([24]) - في الأمالي زيادة : الأحكام.

[2]
صِرْنَا بِحُكْمِ الواحِدِ المنَّانِ .... نَمْلِكُ أَعْنَاقَ ذَوِي الإيِمَانِ
وَمَنْ عَصَانَا كَانَ في النِّيْرَانِ .... بَيْنَ يَدَيْ فِرْعَوْنَ أَوْ هَامَانِ
المعنى في هذا البيت أن الله -تعالى- حكم للأئمة الذين هم أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام- دون غيرهم، -كما قدمنا الإستدلال عليه في باب الإمامة- بملك التصرف على المؤمنين وغيرهم من جميع العالمين، وإنما خصَّ المؤمنين بالذكر أنهم أعلى الناس بعد عترة خاتم المرسلين -سلام الله عليه، وعليهم أجمعين- ذلك لهم يكشف عن ملكهم لمن دونهم بطريقة الأولى.
وأهل الإيمان الحقيقي ينجحون بالتعبد لآل محمد -عليه وعليهم السلام- وأن يكونوا منهم بمنزلة المملوك لما في عاقبة ذلك من الملك العظيم، والخير الجسيم، فجزاهم الله عن عترة نبيهم خير الجزاء.
[بيان حال من يدعي الإيمان وينكر فضل العترة]
ومن كان يدعي الإيمان وينكر فضلهم لم يكن بد له من أحد أمرين:
إمَّا أن يرجع إلى الحق في إعتقاد تفضيل الله -تعالى- لهم، ووجوب طاعتهم، والإنقياد لأمرهم، ولا شك في أن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.
وإمَّا الخروج من هذه الدعوى الشريفة التي هي الإيمان؛ لأن من خالفهم خرج من زمرة المؤمنين، ولحق بأعداء الله الفاسقين؛ لأن المعلوم من إجماعهم أنهم أفضل الخلق.

وذكر تفضيل الله لهم مما يلزم علماءهم إظهاره، ولا يلحق كتمان ما اختصهم الله به من الفضل بالتواضع؛ لأن محمداً -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- كان أشد الخلق تواضعاً، ومن أنكر ذلك كفر، فلم يكن يذكر شيئاً ينبي عن اتضاع منزلته، ولا يكتم شيئاً مما اختصه الله به؛ بل قال: ((أنا أفضل ولد آدم ولا فخر([25]))) فحدث بنعمة ربِّه، ونفى فَخْر الجاهلية بالمعاصي، فهذا قول نبيئنا -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، وقد حكى الله عن عمينا داود وسليمان -عَلَيْهما السَّلام- مثل ذلك، وهو ظاهر في قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ(15)}[النمل] ، فحمدا الله على تفضيله لهما على المؤمنين، واستثنى بدلالة اللفظ لأهل المعرفة من هو أعلى درجة منهما من النبيئين -سلام الله عليهم أجمعين- ولأن إظهار نعم الله -تعالى- واجب ، وكتمانها كفر([26])؛ لأن الشكر لا يكون إلا التعظيم للمشكور مع ذكر النعمة، فإذا تعرى من ذكر النعمة كان حمداً ولم يكن شكراً، ومثاله أنك إذا قلت فلان رفيع المكان، عظيم الشأن، كنت حامداً له ولم تكن شاكراً عند أهل المعرفة، وإذا قلت فعل لي فلان كذا وكذا من الإحسان، وهو رفيع المكان، عظيم الشأن قيل فلان شكر فلاناً وكان عند أهل العلم شاكراً، فلذلك ذكرنا ما خصّنا الله به من التفضيل على كافة عباده؛ إلا من خصه الدليل من النبيئين -عَلَيْهم السَّلام- وأثنينا عليه بما هو أهله.
قوله: (ومن عصانا كان في النيران): المعصية: هي المخالفة لأمر من تجب طاعته ها هنا، وهم أهل بيت النبوءة -عَلَيْهم السَّلام- ومِنْ أمرهم للكافة إعتقاد فضلهم، والرجوع إلى طاعتهم.
_________________
([25]) - أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث طويل (4/25) رقم (5082) والهيثمي في مجمع الزوائد (10/378)، والإمام المرشد بالله في الأمالي (1/151) .
([26])- كفرها (نخ).

(وفرعون وهامان) مذكوران في كتاب الله -تعالى- بالذَّم، وهما منكران فضل موسى -صلوات الله عليه- ولا شك أن محمداً -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أفضل من موسى ، ومن أنكر فضل آله فقد ظلم محمداً أجره؛ لأن الله -تعالى- أمره فقال: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}[الشورى:23] ، ومن أنكر فضل آله فقد أنكر فضله ، وجحد حقه، وساءت له -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- مكافاته، فيا لها من فتنة ما أطمها، ومصيبة ما أعمها؛ إلا لمن نفذت بصيرته ، واستوت في اعتقاد فضل آل النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- علانيته وسريرته، وحسنت في إتباعهم سيرته، فلذلك قلنا يكون منكر فضلهم (بين يدي فرعون أو هامان) وأو ها هنا بمعنى الواو كما قال تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ(147)}[الصافات] ، معناه: ويزيدون؛ لأن الشك لا يجوز على الله -تعالى- وجاز إبدال أو من الواو لأنهما جميعاً من حروف النسق، ولولا ادعاء فرعون الربوبية ومظاهرة هامان -لعنهما الله- له على ذلك لكان لقولنا إن منكر فضل آل محمد -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أشد منهما ومن أتباعهما عذاباً مساغ في الإستدلال، فكيف يجوز لمسلم الإقدام على مثل هؤلاء الأهوال.
ثم أيّد ماتقدم بقوله:
[3]
لَوْ أَنَّهُ صَامَ وَصَلَّى وَاجْتَهَدْ ....وَوَحَّدَ اللهَ تَعَالَى، وَعَبَدْ
وَصَيَّرَ الثَّوْبَ نَظِيْفاً والجَسَدْ .... وَقَامَ لِلطَّاعَةِ بِالعَزْمِ الأَشَدْ
أراد بهذا البيت تأكيد ما قبله وإلزام ما بعده بما لا سبيل إلى رفعه، وذلك قوله:

34 / 63
ع
En
A+
A-