وقول النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-: ((لن تجتمع أمتي على ضلالة))([24]) ، وهذا الخبر مما نقل عن النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- نقلاً متواتراً يوصل إلى العلم الضروري، وهو دليل على أن إجماعهم حجَّة يجب إتباعها، كما قدمنا في الإستدلال بالآية، وقد أجمعوا، كما بينا، على جواز الإمامة في ولد الحسن والحسين -عليهم السلام-، واختلفوا فيمن سواهم، فوجب القضاء بأن الإمامة مقصورة فيهم؛ لتظاهر الأدلة على ذلك ونفي جوازها في سائر الناس من قريش وغيرهم؛ لفقد الدلالة على جوازها؛ بل قيام الدلالة على خروجهم عنها.
ومما يؤيد ذلك: أن من قال بقول في الأصول التي يجب المصير فيها إلى العلم بغير دليل كان مُقْدِماً على أمر لا يأمن من مواقعة القبيح،و الإقدام على مثل ذلك قبيح، والقبيح لا يكون ديناً، فهذا هو الكلام على أن الإمامة مقصورة عليهم .
_______________
([24]) - رواه الحاكم الجشمي في كتاب تحكيم العقول بلفظ : ((لا تجتمع أمتي على ضلالة)) والحاكم في المستدرك (1/200) رقم (394) ، والترمذي في السنن (4/466) رقم (2167) .

[ذكر الشروط التي معها تثبت الإمامة لمن قام من العترة الطاهرة]
فلنذكر الشرائط التي معها تثبت الإمامة لمن قام من العترة الطاهرة وهو جامع لها ودعا إلى طاعته والدخول في بيعته.
قلنا: فيجب أن يكون الإمام ذكراً، حراً، بالغاً، وهذه الجملة معلومة بالإجماع، و على كل واحدة منها أدلة سواه - أيضاً -.
أمَّا إعتبار الذكورة: فلأن النبيء -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- قال: ((لا يفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة))([25]) .
ولا شك في أن الإمام قائد المؤمنين، و قد قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ(1)}[المؤمنون] ، ولأن شهادتها ترد في (كثير من([26])) الأحكام، وأقل أحوال الإمام أن يكون على حال يوجب قبول شهادته.
وأما إشتراط الحريَّة([27]): فلأن الإمام يملك التصرف العام في الكافة، فكيف يجعل الله -سبحانه وتعالى- ذلك في([28]) من لا يملك التصرف الخاص في أمر نفسه.
وإعتبار البلوغ: لأن الطفل لا تقبل شهادته عند الجميع؛ ولا الصلاة خلفه عندنا.
_________________
([25]) - أخرجه في مسند أحمد (5/38) رقم (120418) ، والجامع الصحيح المختصر (6/2600) رقم (6686)، والمجتبى من السنن (8/227) رقم (5388) ، والمستدرك (3/128) رقم (4608) ، وصحيح ابن حبان (10/375) رقم (4516) ، والسنن الكبرى (3/465) رقم (5937) ، ومسند الشهاب (2/51) رقم (864) .
([26]) - نخ (ن) : في أكثر الأحكام.
([27]) - وتاسعها: سأل أيّده الله عن شرطنا الحرية في الإمام .
قال أيده الله : ولا يصح ملك أحد من أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام- ؟
الجواب عن ذلك : أن هذا العلم مضبوط الأصول ، محقق الأركان والفصول ، وتقدير الرق يصح على أهل البيت -عليهم السلام- على أن رجلاً منهم لو خشي العنت ولم يجد طولاً لنكاح الحرة وتزوج مملوكة لغيره لكان الولد له وهو من أهل البيت -عليهم السلام- بحكم الله وهو مملوك لمالك الأَمة .
فلو صحّ وجمع خصال الإمامة لم تصح إمامته لعدم الحرية فتفهم ذلك موفقاً تجده كما قلنا إن شاء الله تعالى .
([28])ـ في (ن) : إلى.

والعدالة معتبرة في الشاهد والقاضي، فالإمام بذلك أولى.
ولا بد من كونه عالماً، لما يأتي بيانه، ولم تجر العادة بحصول العلم لأحد دون البلوغ، ولأن العقل لا يحصل في عرف الشريعة، وإجراء العادة من الحكيم -سبحانه- بأن العقل لا يكمل لأحد دون البلوغ.
وبالعقل تحصل السياسة وتدبير الأمور التي يجب أن تكون حاصلة للإمام على ما يأتي فيما بعد.
قلنا: ويجب أن يكون عالماً؛ لأنه مراد لحل المشكلات، وفصل الخصومات، وتنفيذ الأحكام الشرعية التي تتعرى عن الأمور الملتبسة، ولا يحصل له العلم ولا الظن بجواز الإقدام على أكثرها فضلاً عن وجوب مظانها إلا بالعلم.
ومن ذلك الفضل، وإنما اعتبرنا كونه فاضلاً؛ لأن الصحابة أجمعوا على طلب الأفضل للإمامة، مع إختلافهم في عينه حتى أن أبا عبيدة نهر عمر لما طلب مبايعته وقال: (تطلب هذا مني بحضرة أبي بكر)؛ لإعتقاده أن أبا بكر أفضل منه، بمحضر الكافة، فلم ينكر عليه أحد توجيه فرض الإمامة إلى الأفضل.
وكان أمير المؤمنين -صلوات الله عليه- يذكر فضائله في مقامات المجادلة منبهاً لهم على أنه أولى بالإمامة لمكان الفضل، فثبت أنه مما يجب اعتباره.
واعتبرنا الورع: لأن معناه الكف عن المحرمات، والقيام بالواجبات، والإمام مراد لجمع الأموال، وإقامة الحدود، وإنفاذ أحكام الله -تعالى- في عباده وبلاده.
فإن لم يكن فيه ورع يحجزه عن ارتكاب المحظورات، وترك الواجبات، لم يأمن أن يرتكب المحظورات، ويخل بالواجبات، لغرض من الأغراض فيعود على المراد منه بالنقض.
واعتبرنا السخاء: لأنه ما لم يكن سخياً لم يأمن من أن يمنعه البخل من صرف أموال الله -سبحانه وتعالى- في مستحقها.
ومنع الحقوق محظور، والإقدام على ذلك ينقض الورعَ، الذي قضينا بوجوب إعتباره، والفضلَ الذي حكينا الإجماع على مراعاته.

واعتبرنا الشجاعة: لأن مدار الإمامة مبني عليها، فاعتبارها أولى، إذ الحقوق لا تستوفى، والحدود لا تقام، والواجبات لا تفعل، والمحظورات لا تترك في الأغلب من الأوقات من الأكثر من الناس إلا بالجد والشدة والقتل والقتال ، فما([29]) لم يكن شجاعاً لم يأمن أن يمنعه الجبن؛ الذي هو الخوف، من القيام بأكثر ذلك، ويحمله - أيضاً - على إقرار أكثر الناس عليه ولايثبت في المقامات التي تحفظ بها بيضة الإسلام فينتقض الغرض كما قدمنا.
وأما القوة على تدبير الأمر: فإنما اعتبرنا لأن الإمامة رئاسة عامة على أجناس مختلفة وأهل طبائع متنافرة، فما([30]) لم يكن معه من جودة الرأي، وحسن التدبير ما يتمكن به من رم([31]) أمورهم، ومعاشرة جمهورهم، وترتيبهم في ثغورهم، وإقامة حروبهم على وجه الصواب في الأغلب، وحسن التصرف في الحروب، انتقض الغرض في نصبه.
قلنا: ولا بد أن يكون سليماً من الآفات والعلل؛ لأنها تنقسم إلى قسمين:
قسم تنفر عنه النفوس: والإمام نظام الأمة، فكيف يكون الإمام على حال لكونه عليها تنفر الأمة من([32]) قربه، ويعافون عشرته.
_______________
([29]) ـ (ما): إسم موصول بمعنى الذي، تمت.
([30]) ـ (ما): إسم موصول بمعنى الذي.
([31])ـ رم الشيء يرمه -بضم الراء وكسرها-: أصلحه.
([32]) - نخ (ن) : عن.

وقسم يمنع الإمام من التصرف في الأمة وتفقد أحوالها كالعمى والزمانة وما شاكل ذلك، وهو مراد لذلك دون غيره !!؟، فإذا حصل على حال يمنعه من ذلك انتقض الغرض بقيامه ومتابعته.
وقد ذكر أباؤنا -عليهم السلام- وعلماء شيعتنا -رضي الله عنهم- الفضل، وجعلوه شرطاً مفرداً، ونحن نرى أن من اجتمع له ما ذكرنا من العلم، والورع، والسخاء، والشجاعة، والقوة على تدبير الأمر لا بد من أن يكون فاضلاً بدليل أنك لا تقول: فلان عالم ورع سخي شجاع قوي على تدبير الأمور، وسياسة الكافة، وليس بفاضل بل يعد من قال ذلك مناقضاً، فذكرناه تبركاً بهم، واستسعاداً باقتفاء آثارهم.
ولأنهم قد ذكروا أن المراد أن يكون له من السبق إلى الخيرات، والمواظبة على الطاعات، ما يعد لأجله سابقاً أو داخلاً في جملة السابقين، معدوداً من أهل الحظوظ منهم، والورع عندنا يأتي على ذلك كله ؛ لأن الوَرِع يخاف مواقعة المحظور ، والإخلال بالواجب، فيكون منه من المبادرة ما تقدم ذكره.
فهذا هو الكلام في وجوب إعتبار هذه الشرائط.
[الكلام في القدر الذي يحتاج إليه الإمام من العلم]
ولا بد من الكلام في القدر الذي يحتاج إليه في هذا الباب منها؛ لأن ما به قدر في شيءٍ، مما قدمنا ذكره، إلا وفوقه أعلى منه، وللزيادة فيه مدخل، فلنبدأ بذكر ما يحتاج إليه من العلم: فالواجب فيه أن يكون الإمام عارفاً بأصول الدين من علم الكلام المشتمل على المعرفة بالله -تعالى- وصفاته، وما يجوز عليه من ذلك، وما لا يجوز، والمعرفة بأفعاله وأحكام أفعاله، وما يجوز عليه في ذلك، وما لا يجوز، وهذا يَعُم جميع أبواب العدل، والكلام في المكلفين وأفعالهم وأحكام أفعالهم ، وهذا مشتمل على أبواب الوعد والوعيد، وما يتعلق بها من النبوءة، والإمامة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والولاء، والبراء.

ولا بد من كونه عارفاً بأصول الفقه المشتملة على خطاب الله -تعالى- وخطاب رسوله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، وما يجوز من ذلك، وما لا يجوز، وخطاب الأمة مجتمعة، والعترة مجتمعة، وأحكام أفعال النبيء -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- وتقريراته، وكذلك الأمة والعترة، عارفاً بحقيقة الإجتهاد وحدِّه، وحقيقة القياس وحدِّه، ووجوه الإجتهادات والمقاييس، عارفاً بما يجب الرجوع إليه في هذا الباب، ومن يجب الرجوع إليه، وحكم ما لم يدخل تحت الجملة المتقدمة المشتملة على معرفة الحقائق والمجاز في خطاب الله -سبحانه- وخطاب الرسول([33]) -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، والأوامر والنواهي، والخصوص والعموم، والمجمل والمبين، والناسخ والمنسوخ، والأخبار التي يحصل العلم بها، والأخبار التي يجب الرجوع إليها، والأخبار التي يجب القطع على نفيها عن النبيء -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، والأخبار التي لا يجب الرجوع إليها وإن لم يقطع على نفيها.
وكذلك تفصيل أحكام ما يبلغنا من الأفعال، مع معرفة المحكم والمتشابه بالحقيقة والحكم والصورة والعين من كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله المعلومة.
وأن يكون عارفاً من اللغة بطرف يتمكن معه من فهم غريب الكتاب العزيز والسنة الشريفة ليعرف معانيهما؛ لأن معرفة المعنى فرع على معرفة اللفظ.
_________________
([33]) - نخ (ن) : رسول الله.
..

وأن يكون عارفاً بالإعراب؛ لأن الحركات إذا تغيرت أخرجت الألفاظ عن معانيها، وما لم يعرف طرفاً من الإعراب لم يتمكن من معرفة أكثر المعاني من الخطاب الوارد من الله -سبحانه- ورسوله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- وهو مراد لذلك، إلا أن يكون مطبوعاً على الإعراب، ناشئاً على استقامة اللسان، لم يخالط أهل اللغات المختلفة، متمكناً من معرفة الخطأ من الصواب في الحركات بعادته العربية لم يحتج إلى معرفة ترجمة علماء العربية ولا مقدماتهم([34])؛ لأنهم ما طولبوا بذلك([35]) التطويل إلا لتحصيل المعرفة بذلك، فإذا حصلت بدونه فلا وجه لإيجاب المعرفة له، إذ كل علم من العلوم لا يراد لنفسه وإنما يراد لما يؤدي إليه ، لولا ذلك لحسن من أحدنا أن يتخذ ميزاناً ثم يتتبع الأحجار يزنها به ليعرف كم وزن كل واحدة منها، فإنه وإن حصل له العلم بذلك، ففعله هذا عند جميع العقلاء قبيح لما تعرى ذلك عن التأدية إلى غرض مفيد، ولهذا لم نوجب النظر في معرفة الله -تعالى- على أهل الآخرة لما كانت المعرفة تحصل لهم بدون النظر؛ فافهم ذلك.
_______________
([34]) ـ كالإمام الهادي إلى الحق عليه السلام، والناصر الأطروش عليه السلام، ومن قبلهما من الأئمة صلوات الله عليهم كما قال الهادي إلى الحق عليه السلام:
وما أنا إلا قاسمي ممجدٌ .... أتطهر بالماء الزلال وأشرب
ولست بنَحْوي يلوك لسانه .... ولكن سليقي أقول فأعرب
([35])ـ في (ن) : ما طولوا ذلك.

ومما يجب أن يلحق بما قدمنا أن يكون عالماً بمواضع الإجماع من فروع الشريعة؛ لأن الإجماع قد أخرجها عن باب القياس والإجتهاد وألحقها بالأصول التي يجب الرجوع إليها، وقد تقدم وجوب معرفته بالأصول، فما لم يعرف ذلك لم يأمن من أن ينزل به حادثة قد وقع الإجماع على الحكم فيها فيجتهد في أمرها فيخالف أمراً لا يجوز له خلافه ويجتهد في أمر قد سقط عنه فرض الإجتهاد فيه، وذلك لا يتأتى إلا بأن يعرف جملة من الفروع.
ونريد بقولنا عالماً بمواضع الإجماع: العلم في عرف الشرع دون الكلام كما نقول: القاضي عالم بحكم الحادثة ولا يقضي إلا بما يعلم، وأكثرها لا دليل عليه يوصل النظر فيه إلى العلم وإنما عليه أمارات شرعية؛ فكذلك علمه الذي قلنا بالإجماع، فهو يلحق هذا الباب فيعرف ما يوجب عليه الرجوع إلى الإجماع وترك النظر في الحادثة من خبر آحاد أو تواتر على ما ذلك مقرر في مواضعه من أصول الفقه.
ويلحق بذلك أن يعلم جملة من أخبار النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، وقد تقدم الكلام في معرفته بأحكامها في أصول الفقه ؛ لأنا أوجبنا أن يكون عارفاً بها ، فمتى صار عالماً بما ذكرنا، أو بمهمه كان معه من العلم القدر الذي تثبت به إمامته، ويجب على الكافة طاعته، إذا انضمت إليه الشرائط الأخرى التي قدمنا ذكرها.
وإن لم يكن عالماً بالطب، والهندسة، والنجوم، والفلسفة، فلا يقدح ذلك في شيءٍ من أمره لوجهين، أحدهما: أن أكثر ذلك لا يجوز الإعتماد عليه.

الثاني: أن ذلك لا يتعلق بباب الآخرة، وأكثر من يعتمد عليه من أنكر الصانع والمعاد، وحرص على الحياة التي لا سبيل في بقائها في دار الزوال والنفاد.
[لا يجب أن يكون الإمام أعلم الناس]
ولا يجب مع ذلك كونه أعلم الناس لوجوه:
منها: أن المعرفة بذلك لا تتأتى مع كثرة البلدان وانتشار هذا الدين الشريف في أكثر أقطار الدنيا، فلو كان من فرضنا وفرض الإمام اعتبار كونه أعلم الناس، وقد علمنا استحالة التمكن من ذلك، وكل قول أدَّى إلى أن الباري تعبَّد عباده بالمستحيل يجب القضاء بفساده، وقد أدى إليه القول بأن الإمام يجب أن يكون أعلم الناس، فوجب أن يكون باطلاً.
ومنها: أن الله -تعالى- يقول: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ(76)}[يوسف] ، ولا بد أن يكون الإمام عالماًً بعلم لاستحالة كونه عالماً لذاته، والله -تعالى- لا يخبر إلا بالحق، كما قدمنا في باب الوعد الوعيد، وذلك يتضمن أنه يجوز أن يكون في الأرض من هو أعلم منه وإن لم نقطع على ذلك، فلو اعتبرنا ذلك لاستد باب الإمامة، وكل قول أدى إلى ذلك يجب القضاء بفساده.

ومنها: أن يعلم أن النبوءة أعلى طبقة من الإمامة، وقد علمنا تفاضل الأنبياء -عَلَيْهم السَّلام- في العلم وإن كانت أعصارهم واحدة كداود، وسليمان([36])، وإبراهيم، ولوط([37])، وموسى، وهارون([38])، فكما لا تبطل نبوءة من كان في عصره من هو أعلم منه لما كان معه من العلم جل ما يحتاج إليه، كذلك لا تبطل إمامة الإمام وإن كان في عصره من يجوز (أن يكون([39])) أعلم منه، وهذا ثابت بطريقة الأولى.
ولأن الله -تعالى- حكى قصة موسى مع الخضر فتأملها فإن فيها عجباً، مع أن الله -تعالى- قد آتى موسى -عَلَيْه السَّلام- التوراة فيها تبيان كل شيءٍ يحتاج إليه، ثم أمره باتباع عبد من عباده وهو الخضر -عَلَيْه السَّلام- عِلْمُ موسى في جنب علمه كالمجَّة في جنب البحر اللُّجي، فما قَصُرَ ذلك بموسى عن درجة النبوءة، وبلوغ ختم الغاية، والنبوءة أعلى درجة من الإمامة، وإنما وقع هذا إلى جهال الشيعة من دسيس الملحدة -لعنهم الله- ومكائدهم لدين الله يريدون إطفاء نور الله وتغيير حكمه والله متم نوره ولو كره الكافرون.
ولعمري لقد نفذ سحرهم في أولياء الشيطان، ونجى الذين سبقت لهم من الله الحسنى، ولولا خشية التطويل لبسطنا القول في هذا الباب، ولكنا خشينا أن يخرجنا ذلك من غرضنا بهذا المختصر.
واعلم أن الكلام في باقي الشرائط على نحو الكلام في العلم فلا وجه لإعادة التعليل بذلك في كل واحدة منها.
__________________
([36])- كما قال تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ(78)فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء]، وهذه الآية تدل على اتحاد عصر داود وسليمان -عَلَيْهما السَّلام- دليلاً واضحاً.
([37])- كما قال تعالى: قوله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ(74)} [هود]، وقوله تعالى : {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} [العنكبوت:26].
([38])- كما قال تعالى: {وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ(34)} [القصص].
([39]) - نخ (ن): كونه.

30 / 63
ع
En
A+
A-