فتقدم الأمير شمس الدين فوعظ الناس وأخذهم باللطف وبيّن لهم الحق، وكان من كلامه: (أيها الناس لقد جهدنا في حطّ هذا الأمر عن رقابنا ورقابكم بكل ممكن فما وجدنا إلى ذلك سبيلاً، وقد علمتم أن ملوك اليمن قد عرضوا علينا أموالهم، وخيولهم وحصونهم وطاعتهم وحضونا على هذا المقام فلم نساعدهم إلى ذلك لوجود العذر بيننا وبين ربنا، ومع وجود هذا الإمام فلم نجد سبيلاً إلى التأخر، وإنما هو الإقدام أو النار) فبايع الناس أفواجاً([10]).
ألفاظ البيعة
وكانت بيعته -عليه السلام- أن يبسط يده الشريفة ثم يقول للرجل: (أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وموالاة ولينا، ومعاداة عدوّنا، والجهاد في سبيل الله بين أيدينا) فإذا قال الرجل: (نعم) قال الإمام -عليه السلام-: (عليك بذلك عهد الله وميثاقه وأشد ما أخذ على نبي من عهد وعقد) فيقول الرجل: (نعم)، فيقول الإمام: (الله على ما نقول وكيل)([11]).
الوفود إلى الإمام (ع) للبيعة
ولما ذاع واشتهر في الناس انعقاد البيعة للإمام المنصور بالله -عليه السلام- ومبايعة العلماء له، وتسليم الأمر إياه، أقبلت إليه الوفود من كل فجّ عميق من أقطار اليمن مسارعة في الفضيلة، ومسابقة للجهاد بين يديه، والانضواء تحت راية القائم من أهل البيت -عليهم السلام- ليدفع عن الناس ما يصيبهم من الفتن والمحن، وبعضهم وفد إليه رهبة وهيبة لما كان قد اشهر، فوفد إليه السلاطين آل حاتم، وجميع المشار إليهم من ميع مناطق اليمن.
ولاة الإمام (ع) وقواده
وبعد أن تمّ الأمر وعقدت البيعة، قام الإمام -عليه السلام- بتولية الولاة، ووضع القضاة في البلدان، وكان له -عليه السلام- من الولاة والأنصار الذين بذلوا أنفسهم ونفيسهم ومجهودهم في سبيل طاعة الله وطاعة الإمام -عليه السلام-، ونذكر بعضهم:
________________
([10])ـ التحفة العنبرية (خ)، اللآلئ المضيئة (خ).
([11])ـ الحدائق (خ)، التحفة (خ)، اللآلئ المضيئة (خ) عن السيرة

فمن خيار أنصاره وولاته: الأمير الكبير الداعي إلى الله شمس الدين يحيى بن أحمد بن يحيى بن بحيى عليهم السلام، فقد كان له من الاجتهاد والعناية ما يليق بمثله، على كبر سنه وضعفه فعمره إذ ذاك في عقد السبعين، فقد بذل نفسه في سبيل الدعاء إلى الله وإلى طاعة الإمام(ع) وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله حتى تورمت قدماه من السير في بعض ناوحي بلاد المغرب.
ومنهم: الأمير بدر الدين الداعي إلى الله محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى -عليهم السلام-، ولاه الإمام –عليه السلام-.
وكان الأميران عضدي الإمام –عليه السلام- وأمينيه، ودارت بينهما مراسلات ومكاتبات نثرية وشعرية، تقضي بأكيد المودة وعظيم الصلة بينهم، وكان الإمام يجلّهما ويعظمهما ويعرف لهما الحق الكبير.
ومن ولاته وقوّاده: الأمير الشهير مجد الدين يحيى بن الأمير بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى -عليهم السلام-.
ومنهم: صنوه الأمير الشهيد إبراهيم بن حمزة بن سليمان -عليهم السلام.
والأمير الشهيد علي بن المحسن بن يحيى بن يحيى -رضي الله عنه-.
والأمير صفي الدين محمد بن إبراهيم بن محمد بن الحسين بن حمزة بن أبي هاشم -رضي الله عنهم-.
والأمير علم الدين سليمان بن موسى بن داود الحمزي.
والأمير تاج الدين أحمد بن الأمير بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى.
وصنوه الأمير أسد الدين الحسن بن حمزة بن سليمان -عليهم السلام-.
ومنهم: القاضي العلامة ركن الدين يحيى بن جعفر بن أحمد بن عبدالسلام بن أبي يحيى البهلولي رضي الله عنه.
و القاضي العلامة سليمان بن ناصر الدين بن سعيد بن عبدالله بن سعيد بن أحمد بن كثير السحامي.
ومن ولاته على القضاء: القاضي العلامة محمد بن عبدالله بن حمزة بن أبي النجم.
وولده القاضي عبدالله بن محمد تولى قضاء صعدة بعد موت أبيه.
ومن ولاته على القضاء: القاضي العلامة عمرو بن علي العنسي –رحمة الله عليه-.

ومنهم: القاضي العلامة عبدالله بن معرف، ولي القضاء على وادعة.
ومنهم: القاضي أحمد بن مسعود الربعاني من أصحاب القاضي جعفر -رحمة الله عليه-.
ومنهم: السيد يوسف بن علي الحسني الشهيد.
ومنهم: القاضي عرفطة بن المبارك.
ولم تكن دعوة الإمام المنصور بالله -عليه السلام- مقتصرة على اليمن فحسب، بل بلغت دعوته الأصقاع، وبلغ صيت دولته في كل بلد وذاع، ولم تكن مقصورة على الوطن العربي أو الجزيرة العربية بل أجابتها غيرهم من دول العجم.
فلما بلغت مولك العالم إذ ذاك دعوته سارعوا في إجابتها، وإجراء الأوامر الإمامية المنصورية بها، واستقبلوا رسل الإمام وعمّاله وأكرموهم.
فمن المناطق التي وصلت إليها دعوته -عليه السلام-:
أولاً: مكة المشرفة، وكان أميرها الأمير الفاضل أبو عزيز قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبدالكريم بن عيسى بن الحسن بن سليمان بن علي بن محمد بن موسى بن عبدالله بن موسى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب -عليهم السلام-.
ثانياً: الجيل والديلم، وكان داعي الإمام -عليه السلام- إلى الجيل والديلم الفقيه العلامة محمد بن أسعد المرادي المذحجي.
ثالثاً: خوارزم، وكان ملكها علاء الدين شاه شاه [أي ملك الملوك] فكتب له دعوة يدعوه فيها إلى طاعة الله وإلى البيعة، واتصلت به على يد العالم الكبير شيخ الطوائف مجدالدين يحيى بن إسماعيل بن علي بن أحمد الجويني الحسيني رحمه الله تعالى.
رابعاً: دمشق (حلب)، وملكها غازي بن صلاح الدين يوسف بن أيوب، وردت كتبه إلى الإمام -عليه السلام- سنة إحدى وستمائة والوارد بها رجل من ولد النفس الزكية.
وعلى الجملة الأمر كما قال الفقيه حميد الشهيد -رحمة الله عليه-: (وكان -عليه السلام- قد رزقه الله تعالى من حسن الصيت وارتفاع الذكر، وحسن الأحدوثة، والثناء الجميل، ما قلّ مثله لمن مضى من أئمة الزيدية -عليهم السلام-) انتهى([12]).
______________
([12])ـ الحدائق الوردية (خ).

كرامات الإمام(ع)
وقد أكرم الله وليّه وابن نبيه بكرامات كثيرة تبيّن عظيم منزلته عند الله تعالى، حكاه المؤلفون لسيرته -عليه السلام- المعاصرون له، أهل الثقة والعدالة والتثبت في الرواية والدراية، وظهرت كراماته -عليه السلام- للخاص والعام، ولزمت الحجة جميع الأنام مصداقاً لقوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ ءَايَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت:53]، وسنذكر بعضاً منها؛ فمن كراماته -عليه السلام- ما يلي:
1-قصة الطيور:
وهي أن الإمام -عليه السلام- لما دخل صنعاء المرة الثاني رؤي فوق الإمام -عليه السلام- وعسكره طيوراً صافة من الثمانية إلى التسعة إلى العشرة بيضاء مخالفة لما عهد من الطيور. روى القصة بهاء الدين أحمد بن الحسن الرصاص([13]).
2-قصة النشاب:
وذلك أنه -عليه السلام- لما دخل صنعاء فتح باب غمدان بشقصة من خشب وكان لا يفتح بمفاتيحه إلا بعد معالجة شديدة([14]).
3-قصة الأكسح:
وهي أن الإمام (ع) لما دخل صنعاء المرة الثانية أُتي إليه برجل يمشي على أرباعه، فمسح عليه الإمام فعافاه الله تعالى. قال الفقيه حميد الشهيد في الحدائق: (وقد شاهده خلق جم لا يحصون من أهل المدينة على حالته الأولى والثانية).
4-قصة النور:
وهي أن الإمام دخل شبام كوكبان آخر يوم من جماد الآخرة سنة (594هـ) فوقع على الدار نور عظيم ساطع بعد صلاة العشاء الآخرة واستطار في الأرض، وكان في المسجد الجامع شيخ كبير يتعثر في طريقه إذا خرج بعد صلاة العشاء لضعف بصره، فخرج وشاهد النور وقال لجماعة معه: إنني أفرق الليلة بين الحصيمة البيضاء والسوداء، وظن الناس أن ذلك ضوء القمر([15]).
__________________
([13])ـ رواها الأمير الحسين في الينابيع ص(268)، الحدائق (خ)، وأنوار اليقين وغيرها.
([14])ـ الأمير الحسين في الينابيع، أنوار اليقين، الحدائق وغيرها.
([15])ـ الحدائق الوردية (خ).

5-قصة فتح ذمار:
وهي أن أهل ذمار رووا أن الإمام لما فتح ذمار شاهدوا عسكراً من خيل ورجال سدت عليهم الآفاق، وريحاً عظيمة، كفت وجوههم وأبصارهم حتى منعتهم التصرف في القتال، وأنهم يريدون الرمي بالنشاب فيتساقط من أيديهم، وربما يتكسر في الهواء([16]).
6-قصة الصبي الذي عمي:
وهي ما روي أن الإمام كتب كتاباً لصبي قد ذهب بصره فلما تعلق الكتاب فيه، أبصر في الحال وعاد إلى عمله([17]).
7-قصة الخيل:
هي أن الإمام لما دخل صنعاء وأحاطت به جنود الغز وهو في المسجد فلما تفرق الجنود مضى إلى دار أحد الشيعة فأتى حصانه وبغلته وعليهما العدة والسلاح بدون سائق ولا قائد إلى الدار التي فيها الإمام -عليه السلام-([18]).
8-قصة السيل:
وهي أن وردسار أخرب داراً للإمام -عليه السلام- في حوث ثم عاد إلى صنعاء فما تم الأسبوع حتى أنزل الله تعالى سيلاً لم يُعهد مثله في ذلك العصر، وكان وردسار قد بنى قصراً شامخاً وتفنن في عمارته فأخذه السيل وأخذ كثيراً من أمواله ونفائسه جزاءً وفاقاً([19]).
9-قصة الجراد:
وهي أن البلدان التي كان أهلها يتعدون على الإمام يسلط الله عليهم الجراد يأكل مزارعهم وأموالهم، والمسلّمة للإمام فيها من البركة والخير ما ليس في غيرها([20]).
فهذه بعض كراماته وفضائله التي شاهدها معاصروه وازداد بها محبوه حباً، وكانت سبباً في توبة البعض الآخر ورجوعهم.
والتحدث عن فضائله لا يسعها مقام،
وفي تعب من يحسد الشمس ضوءها .... ويجهد أن يأتي لها بضريب
__________________
([16])ـ الحدائق الوردية (خ).
([17])ـ أنوار اليقين (خ)، الحدائق (خ).
([18])ـ أنوار اليقين (خ)، الحدائق (خ).
([19])ـ السيرة المنصورية.
([20])ـ السيرة المنصورية.

وفاة الإمام(ع)
ولم يزل الإمام –عليه السلام- خافضاً بحسامه وجوه المعتدين، رافعاً ببيانه فرائض رب العالمين، حتى قبضه الله عز وجل إليه في شهر محرم الحرام يوم السبت الثاني عشر سنة (614هـ)، وعمره اثنان وخمسون سنة وثمانية أشهر واثنتان وعشرون ليلة، وقُبر في كوكبان، ثم نقل إلى بكر، ثم نقل إلى ظفار، ومشهده بها مشهور مزور. وكانت مدة إمامته –عليه السلام- تسعة عشر عاماً وتسعة أشهر وعشرون يوماً.
أولاده(ع)
وأولاده –عليه السلام-:
محمد، وأمه دنيا بنت قاسم، وكانت عند الإمام بمنزلة وتوفيت سنة (600هـ).
وأحمد وعلي، وأمهما فاطمة بنت يحيى بن محمد الأشل من ولد الهادي إلى الحق –عليه السلام-، وعلي وضعت به أمه سنة (600هـ) في شهر رجب يوم الثلاثاء لإثنتي عشرة ليلة من رجب.
وجعفر، أمه نعم بنت سليمان بن مفرح الضربوه.
وإدريس، أمه منعة بنت السلطان الفضل بن علي بن حاتم ودرج صغيراً.
وحمزة، درج صغيراً، وإبراهيم، وسليمان، والحسن، وموسى، ويحيى، والقاسم، وفضل درج صغيراً، وجعفر وعيسى لا عقب لهما، وداود، وحسين درج صغيراً.
وله –عليه السلام- إلى الكثير من أبنائه قصائد شعرية يحثهم فيها على طلب العلم وعلى الجاهد في سبيل الله والقيام بأمره، وهي مذكورة في ديوانه –عليه السلام- وقد أورد شطراً منها الإمام الحجة/ مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى في كتابه عيون المختار من فنون الأشعار والآثار.
وحكى الفقيه حميد في الحدائق قال: (أخبرنا السلطان الفاضل الحسن بن إسماعيل، قال: سمعت وأنا في داري في ظفار كلاماً في أول الليل بعد وفاة المنصور –عليه السلام- قبل أن نعلم بموته وكرره قائله حتى حفطته فسمعته يقول: (أبا محمد أنت القمر الزاهر، وأنت الربيع الماطر، وأنت الأسد الخادر، وأنت البحر الزاخر، وأنت من القمر نوره وضياؤه، ومن الشمس حسنه وبهاؤه، ومن الأسد بأسه ومضاؤه) ثم أتى الخبر بعد ذلك بوفاة الإمام –عليه السلام- في كوكبان).

آثاره المعمارية
وقد خلّف الإمام -عليه السلام- آثاراً معمارية عظيمة قام بها خدمة للإسلام والمسلمين، لم يخلف قصوراً كان يسكنها، بل خلف آثاراً تدل على عظمته وعنايته بأمر الإسلام، ابتنى الحصون الحصينة لتأمين ضعفة المسلمين من النساء والصبيان فيها، والمساجد العظيمة لأفعال الطاعات، والمدارس العلمية لدراسة العلوم الدينية،
إن آثارنا تدل علينا .... فانظروا بعدنا إلى الآثار
ومن أعظم تلك الآثار ما يلي:
1-حصن ظفار:
وقد اختطه الإمام -عليه السلام- وقام بعمارته في شهر شوال سنة (600هـ)، وكان قد اختطه قبل ذلك الإمام الناصر أبو الفتح الديلمي -عليه السلام-.
وأشار على الإمام ببنائه جماعة من أصحابه لأن خطر الغز كان قد عظم لكي يلجأوا إليه عند حركة العدو على البلاد، وكان الإمام قد همَّ بعمارته، وطاف إليها من شوابة، وأتاه في وجه العشي ولم يصعد أعلاه ولم يتأمله حق التأمل وكان قد أضرب عنه، ولما أشاروا عليه ببنائه رأى إعادة النظر فيه، فنهضوا إليه وطلع الإمام أعلاه وطاف أقطاره وأنعم النظر في أمره، فشاهد من الحصانة والمنعة ما رغّبه في عمارته. فأعدّ الآلات وبذل الأموال في عمارته، وكان ابتداء العمل فيه في موضعين:
أحدهما: السور، فقطعت له الصخور الكبار. والثاني: حفر الخندق.
فبقي -عليه السلام- في عمارته ثلاثة شهر وستة عشر يوماً، وسماها (ظفار) فكان اسمه مطابقاً لمسماه، فما أسرى منه سرية ولا جهز عسكراً إلا كان الظفر قرينه والنصر خدينه.
وهذا الحصن فيه من الحصانة وتصميم البناء وإحكام الصنعة، ما يدل على حسن تدبير الإمام -عليه السلام- وسياسته.
2-مسجد ظفار: وهو الجامع الذي فيه قبة وقبر الإمام -عليه السلام-، وقد يطلق عليه اسم (المدرسة المنصورية) بظفار، وقد تخرج منها طائفة كبير من العلماء الجهابذة.
3-مسجد حوث: ويقال له الآن (مسجد الصومعة) ويطلق عليه قديماً اسم (المدرسة المنصورية) بحوث...

4-مسجد الزاهر في الجوف، وفيه قبر أخيه الشهيد إبراهيم بن حمزة -عليهما السلام-.
5-جامع الحلة من أوطان بني صريم.
6-جامع أتافث.
وتتميّز آثاره -عَلَيْه السَّلام- بطابعها المعماري الفريد، ورونقها الجميل الملفت للنظر، ومن مساعيه الحميدة خارج اليمن أنه أمر الأمير قتادة بن إدريس ببناء مشاهد قبور الأئمة -عَلَيْهم السَّلام- كمشهد الإمام الحسين بن علي الفخي -عَلَيْه السَّلام-.
الآثار العلمية
خلّف الإمام المنصور بالله –عليه السلام- ثروة علمية طائلة وكبيرة، ومكتبة إسلامية عظيمة، أغنت التراث الإسلامي في جميع مجالاته، وعلى كافة المستويات، ورغم ما عاناه الإمام المنصور بالله من الصعوبات في مدة خلافته، ألَّف الكثير الطيب من المؤلفات العلمية التي اعتمدها العلماء في عصره وبعده وإلى يوم الناس هذا، وأصبحت من المراجع التي لا يستغني عنها عالم ولا متعلم، وفيها دلالة واضحة على علم الإمام وتبحره وفطنته وألمعيته، وقدرته على الاستنباط والاجتهاد، وقوته على الاستدلال بالأدلة الواضحة الجلية.
ولهذا لما وصلت مؤلفاته إلى الجيل والديلم واطلع عليها علماء وفقهاء الزيدية في تلك النواحي سارعوا إلى بيعته (وتداكوا عليها تداك الإبل العطاش على الحياض) وقالوا: هو أعلم من الناصر.
وهاهي بحمد الله تخرج مؤلفاته إلى حيز الوجود ليعمل الناظر فكره ولبّه فيها وفي ما احتملته من العلوم العقلية والنقلية، في الأصول والفروع. وسنذكر مؤلفاته –عليه السلام- على حسب ما تتعلق به من الفنون.
وأول الكتب وأحقها بالتقديم هو (كتاب الشافي) وهو مشتمل على علوم وفنون كثيرة في أصول الدين والفقه والحديث والتاريخ والسير وغيرها، وهو أربعة مجلدات، طُبع بتحقيق وعناية وإشراف مولانا الإمام الحجة مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى.
أصول الدين:
1-أرجوزة الرسالة الناصحة للإخوان. (شعر)

2-شرح الرسالة الناصحة للإخوان. [الذي بين يديك]
3-الشفافة رادعة الطوافة. (جواب على الأشعري المصري)
4-العقيدة النبوية في الأصول الدينية.
5-زبد الأدلة في معرفة الله.
أصول الفقه:
صفوة الإختيار في أصول الفقه.
الفقه:
1-المهذب في فتاوى الإمام المنصور بالله (ع).
2-الدر المنثور في فقه المنصور.
3-الرسالة المرتضاة في العهد إلى القضاة.
4-الأجوبة المرضية على المسائل الفقهية.
5-منسك الحج.
6-مصباح المشكاة في تثبيت الولاة.
7-الرسالة المشيرة في ترك الإعتراض على السيرة.
الرد على الفرق:
1-العقد الثمين في أحكام الأئمة الهادين. (في الرد على الإمامية).
2-الكاشفة للإشكال في الفرق بين التشيع والاعتزال.
3-الرسالة الإمامية في الرد على المسائل التهامية.
4-المجموع من آيات القرآن الشريف المبطل لمذهب أهل التطريف.
5-الرد على المطرفية.
أحكام خاصة:
1-الرسالة الهادية بالأدلة البادية في أحكام أهل الردة.
2-الدرة اليتيمة في أحكام السبي والغنيمة.
3-الرسالة العالمة بالأدلة الحاكمة.
في الحديث والفضائل:
1-الرسالة النافعة بالأدلة القاطعة في فضائل أهل البيت (ع).
2-حديقة الحكمة النبوية في شرح الأربعين السيلقية.
في التفسير:
1-تفسير الزهراوين (البقرة وآل عمران) شرع فيه ولم يكمله.
وله الكثير من الأجوبة على المسائل التي وردت عليه حتى أن مؤلفاته تنيف على السبعين ما بين مؤلف وجواب.

وأما مكاتباته: فله الكثير من المكاتبات إلى ملوك عصره وسلاطين وقته، وإلى أهل ولايته وطاعته، وإلى بعض عماله، وإلى بعض البلدان.
وأما قصائده الشعرية: فهي مجموعة في ديوان (مطالع الأنوار ومشارق الشموس والأقمار).
وبحمد الله جميع مؤلفاته تحت الطبع وفي طريقها للخروج إلى النور.
الإمام(ع) والمطرفية
تعد قضية الإمام -عليه السلام- مع المطرفية أهم القضايا التي واجهها الإمام في إبان دعوته وخلافته، ليس لأنه بداية ظهورها أو وجودها فقد كانت قبله بفترة، بل لأنه الإمام الذي صمد وجهاً لوجه معها في جميع مجالات الصمود والمواجهة.
وكثير من الناس لا يعرف حقيقة الخلاف، ولا يجيد البحث عن القضية بإنصاف وطلب للحق، بل كثير من الباحثين أُتوا من قبل الجهل أو قلة الاطلاع أو التعصب المذهبي أو الطائفي أو حب الدنيا،
لهوى النفوس سريرة لا تعلم .... كم حار فيها عالم متكلم
نعرف الحق ثم نعرض عنه .... ونراه ونحن عنه نميل
وقد وضعت في ذلك رسالة اسمها: (القاضب لشبه المنزهين للمطرفية من النواصب) ضمّنتها فصولاً في البحث عن المطرفية:
الأول: في نشأتهم.
الثاني: في عقائدهم وأقوالهم.
الثالث: في الأئمة المعاصرين للمطرفية وموقفهم منهم.
الرابع: في الأئمة المتأخرين وموقفهم من المطرفية.
الخامس: في موقف علماء أهل البيت من المطرفية.
السادس: في موقف علماء الشيعة من المطرفية.
السابع: في موقف الإمام المنصور بالله (ع) مع المطرفية.
ونتكلم هنا باختصار عما يأتي:
أولاً: نشأتهم
ظهرت المطرفية في زمن الإمام القاسم بن علي العياني (ع) ظهوراً أولياً في بعض المسائل التي رد عليهم فيها، ثم تطور الخلاف إلى منتصف القرن الرابع الهجري حيث ظهر الرجل الذي انتسبت إليه المطرفية وهو مطرف بن شهاب، الذي أحدث أقوالاً وبدعاً وعقائد ضالة مخالفة للقرآن والسنة، أخذها عن طريق الملحدة والباطنية.

3 / 63
ع
En
A+
A-