[الجواب على من قال: إن ألفاظ آية الولاية جمع بالاتفاق، فحملها على أكثر من واحد حَمْل لها على الحقيقة، ولا يجوز صرف الخطاب إلى المجاز مع إمكان حمله على الحقيقة إلا بمانع]
فإن قيل: إن ألفاظ هذه الآية جمع بالإتفاق فحملها على أكثر من واحد حمل لها على الحقيقة، ومن حملها على أكثر من واحد قال المراد بذلك جماعة المؤمنين، ولا يجوز صرف الخطاب إلى المجاز مع إمكان حمله على الحقيقة إلا لمانع، ولا مانع.
قلنا: إن المانع قائم في ذلك على أبلغ الوجوه، فهذا السؤال ورد عن غير تأمل لما قدمناه من إجماع أهل النقل أن المراد بها أمير المؤمنين -عَلَيْه السَّلام-، وأن الصَّدقة بالخاتم في حال الركوع لم تعلم من غيره، وأن حمل الآية على المؤمنين المقدم ذكرهم، يُذْهب جلالتها، ويخرجها عن بابها وذلك لا يجوز، وأن العطف يفيد غير المعطوف أو يفيد بعضه على الخلاف إذا اختص بتفخيم أو تعظيم.
يوضح ذلك: أنك إذا قلت: لقيت زيداً وابن عمرو، أفاد بظاهره أن ابن عمرو غير زيد، فإن ظهر أنك تريد زيداً نفسه كان ذلك خُلْفاً من القول.
فإن قيل: أفليس قد قال تعالى: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:40] ؟.
قلنا: الواو ها هنا للإستئناف ومعناها التأكيد، فكأنه قال تعالى هو رسول الله، وهو خاتم النبيئين، كما قال تعالى: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا}[الأنعام:96] ، كان تقديره وهو جاعل الليل سكناً بخلاف الآية المتقدمة؛ لأن فيها مخاطب ومتول وآمر هو الله -تعالى- ولا مانع من حملها على واحد هو أمير المؤمنين -عليه السلام- لكونها ألفاظ جمع؛ لأنه عز وجل قد حكى خطابه بلفظ الجمع في قوله : {رَبِّ ارْجِعُونِ(99)}[المؤمنون] ، وبقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ(9)} [الحجر] ، فهذه ألفاظ جمع والمراد بها الحكيم وحده، فلا يمتنع مثل ذلك لأمير المؤمنين لأن لفظ الجمع([32]) يذكر ويراد به الواحد للتعظيم كما يقول السلطان: فعلنا وأمرنا ، وهو لا يريد إلا نفسه للتفخيم، فلا يمتنع ذكره له سبحانه في هذه الآية بلفظ الجمع للتفخيم لأنه تعالى أراد من الكافة انقيادهم لأمره تعالى وأمر نبيئه -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، ومن أريد لمثل هذا الشأن فتعظيمه غير بديع، وقد أكده تعالى بالقرينة التي ميزته بذلك عن غيره بإتيانه خاتمه في حال الركوع، ولم ينقل ذلك عن غيره كما قدمنا الكلام فيه أولاً.
________________
([32]) - نخ: الجميع.
[الجواب على من قال كيف تصدق بخاتمه في حال الركوع والفعل الواقع من غير الصلاة فيها يفسدها؟]
فإن قيل: كيف تصدق بخاتمه في حال الركوع والفعل الواقع من غير الصلاة فيها يفسدها وخصوصاً عندكم؟.
قلنا عن هذا أجوبة قاطعة:
منها: أن النهي عن الأفعال في الصلاة ورد بعد التعبد بالصلاة بمدة، فلا يمتنع أن يكون هذا الفعل وقع منه -عَلَيْه السَّلام- قبل النهي؛ لأنه كان بلا اختلاف أعلم الناس بما نزل على الرسول، ونحن نعلم ذلك بالتواتر، فلو كان قد نزل النهي لما فعل، ولأن الله -تعالى- مدحه بذلك؛ وهو لا يمدح لحكمته بفعله لأمر قد نهاه عنه.
ومنها: أن مناولته للمسكين الخاتم فعل([33]) قليل، والفعل القليل قد رُخص فيه؛ وهو لا يفسد الصلاة بالإجماع.
ألا ترى أن المصلي يدرأ المار عن مصلاه ونفسه، ويسوي ثيابه، ويحك ما يؤذيه تركه، ويبصق النخامة عن فيه ، حتى اختلف أهل العلم في موضع البصق ، فكان قولنا عند قدمه الأيسر بسرعته، وينجذب إذا جذبه اللاحق ولم يجد في الصف الأول مقاماً، وإن حدث بالإمام حدث وقدم رجلاً من المؤتمين لإتمام الصلاة تقدم معه، والصلاة تامة بالإتفاق.
_________________
([33])- قال الزمخشري في كشافه في سياق تفسير هذه الآية (1/682): كأنه كان مُرْجَاً - قلت: أي مؤخراً - في خنصره، فلم يتكلف لخلعه كثيراً عما تفسد بمثله صلاته، انتهى.
وإشارته -عَلَيْه السَّلام- بالخاتم دون أكثر هذه الأفعال، ولما قلنا من هذه الأفعال التي جوزناها للمصلي أصول في الشريعة يمنعها المستحيطون لم يمنعنا من ذكرها إلا كراهة التطويل وكونها موجودة عند العالمين.
ومنها: أنه لا يمتنع كون هذا الفعل خاصة لأمير المؤمنين -عَلَيْه السَّلام-؛ لأن عندنا وعند كافة المسلمين أن التعبد يجوز اختلافه باختلاف حال المتعبدين، وعلمه سبحانه بمصالح المكلفين، وبهذا الدليل جوزنا نسخ شرائع الأنبياء الأولين -عَلَيْهم السَّلام-، ويكون اختصاصه سبحانه له -عَلَيْه السَّلام- بذلك فضيلة تميز بها على كافة المؤمنين فجعل ما يكون نقصاً في حق غيره زيادة في حقه وعلامة لشرفه، ولهذا أقره صاحب الشرع -صلى الله عليه وعلى آله- على فعله، ونهى غيره عن مثله، فهذه كما ترى وجوه ظاهرة جلية.
فإن قيل: إن الله -تعالى- نهى عن موالاة اليهود والنصارى بين يدي هذه الآية ثم عقب ذلك بتولي المؤمنين.
قلنا: هذا يزيد قولنا تأكيداً؛ لأن الله -تعالى- نهى المؤمنين عن موالاة اليهود والنصارى وهم بعض من الخلق مخصوص، وأخبرهم بأن بعضاً مخصوصاً وليهم على معنى أنه ولي محبتهم وأولى بملك التصرف فيهم، قرن ذكره بذكره سبحانه وذكر نبيئه -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- على الترتيب، وهو أمير المؤمنين -عَلَيْه السَّلام- والمُخاطِب الله -سبحانه وتعالى- والمُخاطَب المؤمنون والمتولي المذكور بلفظ الجمع بعد الله -سبحانه- ورسوله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين -عَلَيْه السَّلام-، بدلالة أنه لو أظهره لاستمر كأن يقول تعالى: ولي أمركم الله ورسوله وعلي ابن أبي طالب، فتأمل ما ذكرت لك موفقاً إنشاء الله -تعالى- فهذا هو الكلام في الموضع الأول.
وأما الموضع الثاني؛ وهو أن ذلك يفيد معنى الإمامة: فلأن لفظ الولي إذا أطلق في اللغة والشرع أفاد المالك للتصرف الأبدي، إذا قيل هذا ولي اليتيم إنه يفيد المالك للتصرف عليه ، وكذلك ولي المرأة ، وقول النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-: ((السلطان ولي من لا ولي له)) ، معناه المالك للتصرف فيه.
ولأنك تزيل التوهم عند الإلتباس بقولك: هذا أولى بهذا الأمر من هذا، أي أحق به، وأملك للتصرف فيه، وولي القتيل المالك للقصاص والإبراء، وهذا ظاهر وأمثاله كثير، ونحن لا نريد بقولنا فلان إمام مطلقاً ، إلا أنه المالك للتصرف على الكافة ، وأنه أولى بهم في الأمور الموكلة إليهم من أنفسهم، فثبت بذلك أن أمير المؤمنين -عَلَيْه السَّلام- أولى الناس بالناس بعد رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، وذلك يفيد معنى الإمامة، كما قدمنا، فثبت أنه الإمام بعده بلا فصل.
[بيان دلالة الإجماع على إمامة أمير المؤمنين علي عليه السلام]
فإن قيل: إنكم قد ذكرتم في أول كلامكم بيان إمامته -عَلَيْه السَّلام- بالإجماع فاخرجوا من عهدة ذلك
قلنا: أردنا بذلك الإجماع من جهة المعنى أولاً وآخراً، ومن جهة اللفظ والمعنى آخراً.
كَشْفُ ذلك أنهم أجمعوا معنا في صحة إمامته -عَلَيْه السَّلام- بعد عثمان، وخالفناهم في صحة إمامة أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، في جميع الأزمان ؛ لأن مذهبنا -كما قدمنا- أن الإمام بعد رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- بلا فصل علي بن أبي طالب، وأن إمامة الثلاثة الذين تقدموه -عَلَيْه السَّلام- غير صحيحة في جميع الأحوال فقد وقع الإتفاق عليه والإختلاف في غيره فكان أولى.
وأما الإجماع من جهة المعنى: فقد أجمع الصحابة ومن بعدهم قرناً بعد قرن إلى يومنا هذا أن الإمام يجب كونه أفضل الأمَّة أو كأفضلهم، وذلك ظاهر؛ لأن عمر لما بسط يده إلى أبي عبيدة([34]) نهره لإعتقاده أن أبا بكر أفضل منه، وكان في إحتجاج أبي بكر ما يدل على أنه يحتج بالفضل لأنه قال: (نحن شجرة رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-)، وفي رواية أخرى: (عترته)([35])، كل ذلك يريد التفضيل لنفسه، وذكر قريشاً لاعتقاد العرب تعظيمهم، ولذلك كانوا في الجاهلية لا يذعرون لهم سرياً، ولا يرومون لهم حقاً، وكانوا يقولون هم آل الله، إلى غير ذلك، وجعلها عمر شورى في ستة لطلب الأفضل، ولهذا قال أمير المؤمنين -عليه السلام-: (متى اعترض الشك في مع الأولين حتى صرت الآن أقرن بهذه القرائن([36]))) وذَكَرَ فضائله يوم البيعة لعثمان تنبيهاً للكافة على أنه أولى بالأمر.
______________
([34]) ـ أبو عبيدة بن الجراح، هو: عامر بن عبيدالله، وقيل: عبدالله بن الجراح القرشي الفهري أسلم قديماً، وشهد بدراً وما بعدها وكان ممن صبر يوم أحد، وكان ثالث أقطاب السقيفة، ورضي أبو بكر به أو بعمر، ولاه عمر قيادة الجيش في الفتوح بعد عزله لخالد بن الوليد، فتح الديار الشامية، وبلغ الفرات شرقاً، وآسية الصغرى شمالاً، وتوفي بطاعون عمواس بفتح المهملة وسكون الميم فواو فألف مهملة قرية بالأردن سنة ثمان عشرة عن ثمان وخمسون سنة.
([35]) - كلام أبي بكر ذكره الطبري في تاريخه (2/70، 71) (منشورات مؤسسة الأعلمي).
([36]) ـ نهج البلاغة في خطبة الشقشقية 55.
[مراتب الفضل]
وإذا كان ذلك كذلك وقد علمنا أن الفضل بمجموع أشياء:
منها: الثبات في الأمر، والصبر على مضض الحرب، والتقدم في المواطن الكريهة، والنكاية في العدو.
ومنها: السخاء بما حوت اليد، والإيثار على النفس والأهل والولد.
ومنها: الزهد في الدنيا والإعراض عنها، والرغبة في الآخرة والإقبال إليها.
ومنها: الورع الحاجز عن الإقدام على المحرمات وترك الواجبات.
ومنها: العلم البارع بحيث يكون أهلاً لتبيان القضايا وفك المشكلات.
ومنها: وساطة الحسب وشرف الأبوة.
ومنها: السبق إلى الخيرات، والمبادرة إلى الطاعات.
ومنها: التمكن من جودة الرأي وحسن التدبير ليكون متقدماً في السياسات.
فهذه الأمور من اجتمعت فيه كان بالإضطرار أفضل الناس؛ بل من حاز أكثرها.
وأما الإحاطة بها: فما يلحق العلم بأن من حازها يكون أفضل الخلق بالضرورة بالأوليَّات، وهو -عَلَيْه السَّلام- قد حازها وزيادة بلا خلاف بين أهل العلم.
...
[بيان فضيلة الشجاعة]
لأن شجاعته -عَلَيْه السَّلام- ضربت بها الأمثال،ونظمت فيها الأشعار، وأجمع على العلم بها المؤمنون والكفار، حتى تكلم أهل النفاق بأن القتال قد يكون لأنفة، وحميَّة، وقساوة، وصلابة، يريدون بذلك إطفاء نور الله {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ(8)}[الصف] .
وقد أكذبهم الله -تعالى- بما أظهر على لسان نبيه -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- من حمده وتعظيمه، فلو كان لغير الله من الأغراض لم يستحق عليه مدحاً؛ لأن الله علام الغيوب، والسرائر منها
ثم قال تعالى: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا(95)}[النساء] ، ولو لم يكن له من الجهاد إلا يوم خيبر لكان كافياً ؛ لأن أهل النقل لم يختلفوا ، وإجماعهم في النقل حجَّة في أن رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- دفع الراية إلى أبي بكر فرجع مهزوماً يلوم أصحابه ويلومونه، ثم دفعها إلى عمر فعاد كذلك فقال: ((لأعطين الراية غداً رجلاً كرار غير فرار، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله لا يرجع حتى يفتح الله على يديه([37]))) ،
_______________
([37]) ـ خبر الراية رواه محمد بن سليمان الكوفي بأسانيده عن عدة من الصحابة عن أبي سعيد، وفيه ذكر انهزام عمر وتجبينه لأصحابه وتجبينهم إياه، وعن سلمة بن كهيل من طريقين، وعن أبي ليلى، وعن سعد بن أبي وقاص وعن عمران بن الحصين، وعن سهل وعن بريدة، وعن ابن عباس، وعن أبي هريرة، وعن عمرو بن سعيد بن المسيب، وعن ابن عمر.
ورواه ابن المغازلي الشافعي بأسانيده عن إياس بن سلمة عن أبيه من طريقين، وعن عمران بن الحصين من طريقين، وعن أبي هريرة من طريقين، وعن سعد بن أبي وقاص.
ورواه في خصائص النسائي عن سعد، وعن علي، وعن بريدة، وعن سهل بن سعد فروايته عن سعد بثلاث طرق، ورواه أيضاً عن أبي هريرة من أربع طرق، وعن عمران بن حصين، وعن الحسن بن علي، وعن ابن عباس من حديث طويل.
ورواه البخاري ومسلم، وسائر المحدثين بألفاظ مختلفة في بعضها زيادة وفي بعضها نقصان، فهي متواترة تواتراً معنوياً، أخرجه أحمد عن أبي هريرة، وأحمد والبخاري عن سعد، وأخرجه الدارقطني، والبخاري، وابن عساكر عن عمر بن الخطاب ، وأخرجه البخاري رفعه إلى سلمة بن الأكوع، وسهل في الجزء الثالث والخامس والرابع عن سهل ، ورواه الترمذي بإسناده إلى سلمة، وأخرجه ابن أبي شيبة، وأحمد، وابن ماجه، والبزار، وابن جرير، والطبراني في الأوسط، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في الدلائل، وسعيد بن منصور، انتهى من التخريج للمولى العلامة الحسن بن الحسين الحوثي رحمه الله تعالى مختصراً، والحاكم الجشمي في تنبيه الغافلين (101)، وثم روايات أخرى ترجع إلى هذه وتؤيدها.
فدفعها إلى علي بن أبي طالب، فتقدم وقتل مرحباً وما تتام آخر الناس حتى فتح لأوّلهم ، وقلع الباب، وسانده للناس إلى جهة من الحائط فطلع بعض الناس عليه وكان في هذا الخبر من الزيادات القطع على مغيبه -عَلَيْه السَّلام-، وذلك لم يعلم من غيره لاستواء باطنه وظاهره.
وإخبار الله -سبحانه- على لسان نبيئه -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- بأنه يحبه فوجبت لذلك موالاته على الكافة في السر والعلانية، وكان في هذا الخبر معجزة للنبيء -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- من حيث أخبر أن الفتح يقع على يديه، وكان كما قال؛ لأن شوكة اليهود كانت عظيمة، وكانت معهم الآلات القويَّة والعدة الكاملة، وهم مظاهرون لخصمهم وفي أوطانهم، وهم على شبهة دين، وقتال أهل التدين شديد كما يُعلم في الخوارج، فلو كان يقول -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- من تلقاء نفسه لم يتجاسر على القطع بأنه يفتح على يديه؛ لأن أكثر ما يقطع العاقل عليه من أمر الغير الثبات، وأنه لا ينهزم، وهو يجوز عليه أن يقتل، كما قد قتل -عَلَيْه السَّلام- فيما بعد، أو يشغل بجراحة مثخنة، فلما قطع على أنه يرجع، وأن يفتح على يديه علمنا أن ذلك من جهة علام الغيوب، ومع ذلك فأهل التقدم في باب الشجاعة ولكل حظ،
وإنما خصصنا من وقع الإتفاق عليه وارتفع الخلاف فيه خمسة نفر؛ علي بن أبي طالب -عَلَيْه السَّلام-، والزبير ابن العوام، وسماك بن خرشة المكنى بأبي دجانة([38])، ومحمد بن مسلمة([39])، وخالد بن الوليد([40])، ولا يمكن عاقل يدعي لأحد من هؤلاء النفر مقارنة علي بن أبي طالب - عليه السلام- في باب الشجاعة فضلاً عن مساواته، وقد صرح الله بتفضيل أهل الجهاد بقوله: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا(95)}[النساء] .
____________________
([38]) ـ سماك بن خرشة أبو دجانة الأنصاري الساعدي، ويقال: سماك بن أوس بن خرشه، شهد بدراً مع رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، وكان بهمة من البهم الأبطال دافع عن رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- يوم أحد فكثرت فيه الجراحة، وروي أن رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أخذ سيفاً يوم أحد، فقال: من يأخذ هذا السيف بحقه، فأخذه أبو دجانة، ففلق به هام المشركين، وفي رواية أنه قال: وما حقه يارسول الله قال: أن لايقتل مسلماً ولا يفر به من كافر، وشارك في قتل مسيلمة الكذاب، وقتل يوم اليمامة.
([39]) ـ محمد بن مسلمة بن سلمة أبو عبدالله الأنصاري الأوسي المدني شهد بدراً وما بعدها، ولما ظهرت الحروب بين أمير المؤمنين عليه السلام وأعدائه اعتزلها مع ترجيحه جانب علي عليه السلام، وقيل: إنه أتخذ سيفاً من خشب، وكان ممن انتدب لقتل كعب بن الأشرف فقتله، توفي بالمدينة سنة ثلاث وأربعين وهو في عشر الثمانين.
([40]) ـ خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم القرشي المخزومي، أبو سلمان، وقيل: أبو الوليد، كان قائداً من قواد المشركين، وشهد معهم حروب رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- إلى غزوة الحديبية، أسلم سنة سبع للهجرة على الصحيح، وكان شجاعاً بطلاً قائداً، سياسياً محنكاً، أمَّره أبو بكر على الجيوش وعلى قتال بعض أهل الردة، ثم عزله عمر عن قيادة الجيش. توفي بالمدينة سنة إحدى وعشرين، وقيل: بل توفي بحمص سنة إحدى - أو اثنتان - وعشرين. الإستيعاب ج1 ص409 بهامش الإصابة.