[بيان بطلان السبب الذي يدعيه المخالفون في حديث الغدير]
فإن قيل: فقد رُوي في سبب الحديث الذي استدللتم به على إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -عَلَيْه السَّلام- تنازع بينه وبين زيد بن حارثة([21]) -رضي الله عنه- قال له زيد: (لست مولاي)، فقال الخبر الذي ذكرتم.
قلنا: هذا باطل بوجوه:
منها: ما ذكره آباؤنا -عَلَيْهم السَّلام- وعلماء شيعتنا -رضي الله عنهم-.
ومنها: ما نذكره الآن؛ أولها: أن الرواية في تاريخ الخبر متأخرة عن شهادة زيد -رضي الله عنه- وذلك أن الخبر في منصرف النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- من حجة الوداع وزيد -رضي الله عنه- قتل شهيداً يوم موته وبينهما زمان([22]).
ومنها: أن أمير المؤمنين -عَلَيْه السَّلام- أورده يوم الشورى([23]) مورد الإحتجاج ولم ينكره أحد منهم، ولا قيل له في شأن زيد؛ لأنهم كانوا أعلم بذلك ممن رواه عنهم لو كان له صحة.
________________
([21]) ـ زيد بن حارثة بن شرحبيل الكلبي اليماني أبو أسامة بن زيد، وكان زيد حِب رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- منَّ عليه فأعتقه وامرأته أم أيمن مولاة النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- وصلى بعد علي عليه السلام وشهد بدراً وقتل شهيداً بمؤتة سنة ثمان وهو ابن خمس وخسمين.
([22]) ـ استشهد زيد بن حارثة يوم مؤتة سنة ثمان هجرية، والخبر كان في الثامن عشر من ذي الحجة سنة عشر للهجرة، تمت.
([23])- خبر الشورى هو: أن عمر لما حضرته الوفاة جعل الأمر شورى بين ستة من الصحابة؛ فلما اجتمع الصحابة ناشدهم أمير المؤمنين عليه السلام بالله، وذكر في مناشدته لهم كثيراً من الأخبار النبوية، وكثيراً من فضائله التي أقرها ولم ينكرها أحد من الصحابة في ذلك الوقت، وقد اشتمل على نحو سبعين منقبة لأمير المؤمنين علي عليه السلام.
وقد روى خبر الشورى الجم الغفير من أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام-، وغيرهم من علماء الإسلام؛ فممن رواه: الإمام المؤيد بالله في الأمالي الصغرى، بسنده عن عامر بن واثلة ص114، وأخرجه علي بن الحسين الزيدي في المحيط بالإمامة - تحت الطبع- بسنده عن أبي رافع، والإمام الحسن بن بدر الدين في أنوار اليقين - خ -، والشهيد حميد في الحدائق والمحاسن -تحت الطبع-، ورواه أيضاً أحمد بن موسى الطبري في المنير - طُبع عن مركز أهل البيت(ع) للدراسات الإسلامية-.
وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق في ترجمة أمير المؤمنين علي عليه السلام ج3/13 بتحقيق محمد باقر المحمودي، وأحمد في مسنده ج4/ص370، ج1/ص118، مع اختلاف في عدد الفقرات وفي بعض الألفاظ، وذكره ابن عبد البر في الإستيعاب المطبوع بهامش الإصابة عن أبي الطفيل عامر بن واثلة في ترجمة علي بن أبي طالب عليه السلام، وذكر منه حديث المؤاخاة ج3/ص35، والسيوطي في اللآليء باب فضائل علي عليه السلام 1/178، والخوارزمي في فصوله في مناقب أمير المؤمنين - خ - في فصل 19، وابن حجر في صواعقه المحرقة ص15، وعزاه إلى الدارقطني، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب ص224، وقال: هكذا رواه الحاكم.
وأخرجه الصدوق في أماليه 12/212، ومحمد بن بابويه القمي في الخصال ص533، والطوسي في أماليه 1/342، والذهبي في ميزان الإعتدال في ترجمة الحارث بن محمد1/441، وابن حجر في لسان الميزان 2/156- 157.
ومنها: أن رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- قال ذلك للمسلمين كافة، فلو كان في شأن زيد لخص بالخطاب في مثل ذلك زيداً، فلما خاطب الكل علمنا أنه يريد بذلك الولاية على الكل.
يؤيّد ذلك: أنه رُوي عن عمر أن النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- لما انحدر هو وعلي -عَلَيْه السَّلام- من مقامهما ضرب عمر بين كتفي علي -عَلَيْه السَّلام- وقال: (بخٍ بخٍ يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة([24]))، ولولا علمهم أنه في غير شأن زيد لما قال ذلك.
________________
([24]) ـ خبر التهنئة من عمر لعلي عليه السلام أخرجه الكنجي عن سعد بن أبي وقاص، وأخرجه محمد
بن سليمان الكوفي، وأخرجه الإمام المرشد بالله وابن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل في المسند، ومحمد بن سليمان من طريقين، ويحيى بن الحسن البطريق عن البراء.
وأخرجه الإمام المنصور بالله في الشافي عن أنس في خبر طويل في المؤاخاة، وأخرجه الإمام المرشد بالله والحاكم من طريقين عن أبي هريرة، ورواه فرات بن إبراهيم الكوفي بسنده إلى أبي ذر، وذكره الحاكم الحسكاني وأخرجه الحاكم الجشمي في تنبيه الغافلين، انتهى من لوامع الأنوار الجزء الثاني ص474.
ومنها: أن زيداً -رضي الله عنه- صادق فيما قال، لو قال ذلك؛ لأن عليَّا -عَلَيْه السَّلام- لا يصح كونه معتقاً لمن أعتقه النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، لقول النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-: ((الولاء لمن أعتق([25])))، وفي رواية أخرى ((لمن أعطى الورق)) ، وظاهر روايتهم تنبيء أن النبيء -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- قاله في ذلك المقام للإنكار على زيد وذلك لا يجوز عليه -صلوات الله عليه- لأنه لا ينكر حكمه، وكيف يجوز إضافة إنكاره إليه وهو لم يأت به من تلقاء نفسه وإنما هو واقع من عند ربِّه؛ لقوله سبحانه فيه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى(3)إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى(4)}[النجم] .
ومنها: أنه لو سُلِّمَ على بعد ذلك أن سببه زيد فأحكام الحوادث لا يجوز قصرها على أسبابها؛ لأن القول بذلك يؤدي إلى تعطيل الشريعة وذلك لا يجوز، فيجب أن تكون الولاية لأمير المؤمنين -عَلَيْه السَّلام- عامة في جميع المؤمنين؛ لأن الولاية إذا صحت له -عَلَيْه السَّلام- على زيد صحّت على الكافة؛ لأن الأمر في الجميع واحد، وقد بينّا استحالة رجوع ذلك إلى العتق، ويكون زيد -رضي الله عنه - أصل هذه البركة، وهو بها حقيق حيث أوجب الله - سبحانه وتعالى - على لسان نبيئه ببركة منازعته إمامه وأوجب ولاءه على الكافة، فقد رأيت قوة هذا الخبر على أن لأهل([26]) مقالتنا -رحم الله ماضيهم وتولى توفيق باقيهم- في هذا الخبر وجوهاً ومسالك إستغنينا عن ذكرها لكونها موجودة في كتبهم وميلاً إلى التخفيف في هذا المختصر، فقد رأيت قوة هذا الخبر وصحة الإستدلال وتهافت الأسئلة الواردة عليه بما لا سبيل إلى دفعه إلا بالمكابرة الخارجة عن مسلك العلم، وببطلان إمامة أبي بكر تبطل إمامة من بعده بالإتفاق.
____________________
([25]) ـ رواه الإمام المؤيد بالله -عَلَيْه السَّلام- في شرح التجريد (خ) والإمام المتوكل على الله -عَلَيْه السَّلام- في أصول الأحكام (خ) ، وأخرجه البخاري في كتاب الصلاة (1/655) رقم (456) ومسلم في كتاب العتق (2/1141) رقم (5/ 1504) والطبراني في الأوسط (5/195) رقم (7046) عن عائشة.
وأخرجه أحمد في المسند (1/366) رقم (2546) والطبراني في الأوسط (1/184) رقم (607) وأيضاً في (6/225) رقم (8590) الهيثمي في مجمع الزوائد (4/234).
([26]) - في نخ (ن) : على أن لأهل من أهل مقالتنا ...إلخ .
[تفصيل خبر الموالاة والغدير]
[34]
قالَ فمنْ كُنتُ لهُ وليَّا .... فليتولَ مُعلناً عليَّا
إنْ كان يَرْضَانِيْ([27]) له نَبِيَّا .... شافِعاً وصَاحِباً حَفِيَّا
فَصَارَ أهلُ الزَيغِ في بَلْبَالِ
ذكر تفصيل ألفاظ النص على أمير المؤمنين -عَلَيْه السَّلام-،وهو قول النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-: ((ألست أولى بكم من أنفسكم؟، قالوا: بلى؛ قال: من كنت مولاه فعلي مولاه)) .
وقوله: (إن كان يرضاني له نبيئاً): فهو رواية لحديث النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- من طريق المعنى وذلك جائز؛ لأن شرائط جواز رواية الحديث بالمعنى قد اجتمعت لنا في هذا الخبر؛ والحمد لله، وموضع تفصيل ذلك أصول الفقه.
______________
([27])ـ يرضاني: يرضى بي (نخ).
وقوله: (شافعاً وصاحباً حفيَّا): لما روينا عن رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-: ((ذخرت شفاعتي لثلاثة من أمتي؛ رجل أحب أهل بيتي بقلبه ولسانه، ورجل قضى حوائجهم لما احتاجوا إليه، ورجل ضارب بين أيديهم بسيفه([28]))) وعلي أكبر أهل بيته لخبر أهل الكساء الذي اتفق الكل على صحته، فهذا الخبر - أيضاً - كماترى يفيد معنى الإمامة؛ لأن المضاربة بين أيديهم على الإطلاق لا تكون إلا بعد ثبوت الإمامة، وإذا ثبت ذلك لبني علي -عَلَيْه السَّلام- فثبوته لعلي أولى.
وإنما ذكرنا معاني هذه الألفاظ ليعلم العاقل المتأمل أنا لم نوردها من أوجه معراة عن المعاني الشريفة، وقد تقدم الكلام في معنى الخبر بما فيه كفاية.
و (الشافع): هو سائل جلب النفع أو دفع الضر ممن يملكهما لغيره على وجه الخضوع، هذا حد الشفاعة.
و (الصاحب): معروف، و (الحفي): هو المحب الشديد المحبة، لذلك يُكْثِرُ السؤالَ عمن أحبه حتى يقال: أحفى في السؤال، وأصله ما ذكرنا.
و (أهل الزيغ): هم أهل الميل لا فرق بين قولهم، زاغ ومال ولهما نظائر، والمراد بأهل الزيغ ها هنا: المنافقون؛ لأنهم كانوا أشد الناس بغضة لأمير المؤمنين.
______________
([28]) ـ رواه الإمام أبوطالب في الأمالي 443، والإمام علي بن موسى الرضا في الصحيفة 463 بلفظ: أربعة أنا شفيع لهم، والحاكم الجشمي في تنبيه الغافلين بلفظ : ثلاثة أنا شفيع لهم يوم القيامة ..إلخ (139).
قال بعض أصحاب النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-: "ما كنا نعرف المنافقين على عهد النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- إلا ببغض علي ابن أبي طالب([29])"، يريد بذلك ما روينا عن النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أنه قال: ((يا علي بحبك يعرف المؤمنون وببغضك يعرف المنافقون([30]))) .
و (البَلْبال): هو تلجلج اللسان من شدة الحزن، وقد كان فيهم ذلك في تلك الحال وما هو أعظم منه من السَّب والمكيدة.
_____________________
([29])- خبر : ما كنا نعرف المنافقين إلا ببعضهم علي بن أبي طالب:
أخرجه الإمام الناصر الأطروش في البساط عن جابر بن عبدالله الأنصاري وأبي سعيد الخدري.
وأخرجه الإمام أبو طالب في الأمالي عن أبي سعيد الخدري 49.
ورواه الطبراني في الأوسط عن جابر (1/578) رقم (2125) والبزار (3/199) والهيثمي في مجمع الزوائد (9/135ـ 136).
ورواه الترمذي عن أبي سعيد (2/299)، وأبو نعيم في الحلية (6/294)، وأخرجه الحاكم في المستدرك عن أبي ذر (3/129) بلفظ: ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم الله ورسوله، والتخلف عن الصلوات، والبغض لعلي بن أبي طالب، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم.
ورواه المتقي في كنز العمال (6/39)، وقال: أخرجه الخطيب في المتفق، ورواه المحب الطبري في الرياض النضرة (2/214)، وقال: أخرجه ابن شاذان، ورواه الخطيب البغدادي عن ابن عباس في تاريخ بغداد (3/153)، ورواه ابن عبد البر في الإستيعاب (2/262) عن جابر، ورواه الهيثمي في مجمعه (9/132)، وقال: رواه الطبراني في الأوسط والبزار بنحوه. راجع فضائل الخمسة (2/232).
([30])- هذا الحديث مشهور بلغ حد التواتر في المعنى، وله ألفاظ وسياقات في بعضها زيادة، وفي بعضها نقصان، وقد رواه الموالف والمخالف، وله ألفاظ.
فمن ألفاظه: قول علي عليه السلام: (والذي فلق الحبة برأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي إليَّ أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق) أخرجه في نهج البلاغة.
رواه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان، ورواه الترمذي في صحيحه (2/301)، والنسائي في خصائصه (27)، من ثلاث طرق عن زر بن حبيش، ورواه أيضاً في صحيحه (2/271) من طريقين، ورواه ابن ماجه في صحيحه (12)، ورواه أحمد بن حنبل (1/84-95ـ 128) في المسند، ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه (2/255)، و(8/417) و(14/426)، ورواه أبو نعيم في الحلية (4/185) بثلاث طرق عن عدي بن ثابت عن زر بن حبيش، ورواه في كنز العمال (6/394)، وقال: أخرجه الحميدي، وابن أبي شيبة، وأحمد بن حنبل، والعدني، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان، وأبو نعيم، وابن أبي عاصم، ورواه المحب الطبري في الرياض النضرة (2/214)، وقال: أخرجه أبو حاتم. انظر فضائل الخمسة (2/230).
ومن ألفاظه أيضاً: (لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق):
أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد (9/133)، قال: رواه الطبراني في الأوسط، وأخرجه المحب الطبري في الرياض النضرة (2/213) بزيادة في أوله وآخره، قال: أخرجه أحمد في المناقب.
ولإستكمال البحث في ذلك، انظر: لوامع الأنوار لمولانا الإمام الحجة مجدالدين بن محمد المؤيدي أيده الله تعالى الجزء الثاني ط2 ص 291، 720 وما بعدها، وكذلك فضائل الخمسة (2/530).
(دليل آخر) [دليل الكتاب في إثبات إمامة أمير المؤمنين (ع)]
[الإستدلال بآية الولاية]
[35]
وقالَ ربِّي وهوَ نِعمَ القائلُ .... وهَدْيُهُ إلى العبادِ واصِلُ
مَولاكمُ فِيهِ لكُم دلائلُ .... مَنْ أَخَذَ الخَاتَمَ عنهُ السائلُ
وهو لِمَفْرُوضِ الصَلاةِ صَالِي
أراد قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ(55)}[المائدة] .
[الكلام في آية الولاية]
والكلام في هذه الآية يقع في موضعين؛ أحدهما: أن أمير المؤمنين -عَلَيْه السَّلام- المراد بها دون غيره، والثاني: أن ذلك يفيد معنى الإمامة.
أما أنه -عَلَيْه السَّلام- المراد بها دون غيره؛ فلوجهين:
أحدهما: إجماع أهل([31]) النقل على أنها نزلت في أمير المؤمنين -عَلَيْه السَّلام- وأنه المتصدق بخاتمه في حال ركوعه دون غيره.
_________________
([31])- قال الإمام الحافظ الحجة الولي مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى في التحف شرح الزلف في سياق كلامه على الآية:
أجمع آل الرسول صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم على نزولها في الوصي عليه السلام، قال الإمام الأعظم الهادي إلى الحق الأقوم عليه السلام في الأحكام[1/37] في سياق الآية: فكان ذلك أمير المؤمنين دون جميع المسلمين. وقال الإمام أبو طالب عليه السلام في زيادات شرح الأصول: ومنها النقل المتواتر القاطع للعذر أن الآية نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام.
وقال الإمام أحمد بن سليمان عليهما السلام: ولم يختلف الصحابة والتابعون أنه المراد بهذه الآية. وحكى الإمام المنصور بالله عليه السلام إجماع أهل النقل على أن المراد بها الوصي.
وحكى إجماع أهل البيت على ذلك الإمام الحسن بن بدر الدين، والأمير الحسين، والأمير صلاح بن الإمام إبراهيم بن تاج الدين، والإمام القاسم بن محمد عليهم السلام وغيرهم كثير.
وروى ذلك الإمام المرشد بالله عليه السلام عن ابن عباس من أربع طرق، وأتى الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل بطرق كثيرة في ذلك، منها: عن أمير المؤمنين عليه السلام، وابن عباس، وعمار بن ياسر، وأبي ذر، وجابر بن عبدالله، والمقداد بن الأسود، وأنس بن مالك...إلخ كلامه أيده الله تعالى.
وروى نزولها في أمير المؤمنين عليه السلام:
الفخر الرازي في مفاتيح الغيب عن أبي ذر، وساق القصة بطولها، ورواه الشبلنجي في نور الأبصار ص170، وقال: نقله أبو إسحاق أحمد الثعلبي في تفسيره.
ورواه الزمخشري في كشافه (1/682) من تفسير سورة المائدة، ورواه أيضاً السيوطي في الدر المنثور في تفسير سورة المائدة، وقال فيه: وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه، عن ابن عباس أنها نزلت في علي عليه السلام.
قال: وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه، عن علي بن أبي طالب عليه السلام، وساق القصة مع شيء من الاختصار، قال: وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، وساق القصة.
وأخرجه الواحدي في أسباب النزول (397) عن ابن عباس مرفوعاً، وأخرجه عبد الرزاق كما في تفسير ابن كثير (ج2/ 92ـ 93) عن ابن عباس، وأخرجه الطبري عن مجاهد مرسلاً (12219)، وكرره (12216) عن أبي جعفر، وأخرجه ابن مردويه عن علي عليه السلام كما في تفسير ابن كثير (2/ 93)، وأخرجه الطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد (10978).
والثاني: أنه لا يجوز أن يكون المراد بها غير أمير المؤمنين -عَلَيْه السَّلام- لوجوه أحدها: أنه سبحانه وصف الولي في هذه الآية بصفة لم تعلم في غيره -عَلَيْه السَّلام- وهي الصَّدقة بخاتمه في حال الركوع.
[الجواب على من قال: ما أنكرتم أن يكون المراد بآية الولاية أن الركوع من شأنهم وإن لم يتصدقوا في حاله؟]
فإن قيل لهم: ما أنكرتم أن يكون المراد بذلك أن الركوع من شأنهم وإن لم يتصدقوا في حاله؟
قلنا: لا يجوز ذلك؛ ألا ترى أن مخبراً لو أخبرنا أن زيداً يلقط الرمح من الأرض وهو راكب، لعلمنا أنه يلقطه في حال ركوبه، ولو أخبرنا بعد ذلك هو أو غيره أن زيداً يلقطه بعد هبوطه؛ وأن قوله وهو راكب أن الركوب من شأنه أو من عادته لكان في خبره الأول عندنا من الكاذبين، وفي تأويله من الجاهلين.
وكذلك لو قيل فلان يؤثر على نفسه وهو فقير؛ أفاد ذلك الإيثار في حال فقره دون غيره، وأمثال ذلك كثير.
ومنها: أن المعطوف في اللغة يقتضي كونه غير المعطوف عليه بالإتفاق من أهل اللغة العربية، أو بعضه للتفخيم عندنا، على خلاف في هذا الآخر مع الإطباق على الأول على ما ذلك مقرر في مواضعه من أصول الفقه، فإذا لم يجز عطف قوله سبحانه: {وَالَّذِينَ آمَنُوا}[المائدة:55] على جميع من أريد بالضم في قوله: {وَلِيُّكُمْ}[المائدة:55] وحمل على الغير المتفق عليه أو البعض المختلف، فالغير أو البعض بإجماع الكافة لا يكون إلا أمير المؤمنين -عَلَيْه السَّلام- لأنه لا ثالث للقولين؛ لأن من صرفه عن أمير المؤمنين -عَلَيْه السَّلام- قال: المراد به كافة المؤمنين.
فإذا ثبت بما بينا أنه لا يجوز عطف لفظ الجمع عليهم لاستحالة عطف الشيء على نفسه وكان المراد بعضهم أو غيرهم كان المراد بذلك أمير المؤمنين -عَلَيْه السَّلام- بلا خلاف.
يزيد ذلك وضوحاً: أن الآية أفادت مخاطِباً هو الله -سبحانه- ومخاطَباً هم المؤمنون، ووليًّا هو الله ورسوله وأمير المؤمنين.
ألا ترى أن قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ}[المائدة:55] ، يعلم بظاهره أن المخاطبين بذلك هم المؤمنون، وقد صرح بذكر رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- مع ذكره تعالى...وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ(55)}[المائدة] ، فالواو للعطف والجمع؛ إذ هي موضوعة لهما ولا تنافي بينهما فالمراد الرسول -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- باللفظ الصريح وأمير المؤمنين -عَلَيْه السَّلام- بالذي بينَّا أولاً، وسنزيد إنشاء الله.
ثانياً: أن المراد به أمير المؤمنين -عَلَيْه السَّلام- في ولاية أمير المؤمنين، فلو حمل على قول المخالف إن المراد بالمؤمنين آخراً ما أريد بالضمير في قوله: {وَلِيُّكُمْ}[المائدة:55]، لكان في التقدير كأنه تعالى قال إنما وليكم الله ورسوله وأنتم، ومثل ذلك لا يقع في كلامنا فضلاً عن كلامه تعالى؛ لأنه في أعلى طبقات الفصاحة، وغاية مراتب البلاغة.