أما الكلام في صحته: فلا خلاف بين أهل العلم من الأئمة([11]) والأمة أنه احتجّ به أبوبكر يوم السقيفة، وأنه ظهر بين كافة الصحابة فلم ينكره أحد؛ مع تضمنه لأمر مهم من أمر الدين، فجرى مجرى الأخبار التي ___________________
([11])- قد استكمل البحث في حديث ((الأئمة من قريش)): الإمام الحافظ الحجة الولي مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله وأبقاه في كتاب مجمع الفوائد، وذكر تخريجه من كتب أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام-، ومن كتب العامة، وأسهب وأطال في تخريجه وفي الكلام على صحته، وتخريج ألفاظه بروايات اتفق عليها الموالف والمخالف، وسنذكر بعض من رواه على جهة الإختصار:
فممن رواه إمام الأئمة الإمام زيد بن علي عليه السلام في مجموعه، ورواه في الجامع الكافي عن محمد بن منصور المرادي عن النبي -صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم- أنه قال : ((الأئمة من قريش ما إذا حكموا فعدلوا ، وإذا اقتسموا أقسطوا ، وإذا استُرحموا رحموا ، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)) .
ورواه الطبراني في الأوسط (5/71) رقم (6610) عن أنس بلفظ : ((الأئمة من قريش ولي عليكم حق عظيم ، ولهم ذلك ما فعلوا ثلاثاً : إذا استُرحموا رحموا ، وإذا حكموا عدلوا ، وإذا عاهدوا وفوا ، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)) وفي الأوسط أيضاً من طريق أخرى بلفظ آخر (2/353) رقم (3521) ، والهيثمي في مجمع الزوائد (5/195) وعزاه إلى الصغير، ورواه في نهج البلاغة.
ورواه في البخاري عن ابن عمر بلفظ ((لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان)) وقد ترجم بلفظ باب الأمراء من قريش.
ورواه الطبراني بلفظ ((الأئمة من قريش)) ورواه أيضاً في فتح الباري لابن حجر العسقلاني من حديث قال في آخره ((الأمراء من قريش)).
وأخرجه الطبراني والطيالسي والبزار والمصنف في التاريخ، عن أنس بلفظ ((الأئمة من قريش ما إذا حكموا فعدلوا))، وأخرجه النسائي والبخاري في التاريخ وأبو يعلى من طريق بكير الجزري عن أنس.
ومن أراد إكمال البحث في هذا الخبر وصحته، فليرجع إلى ص277 من مجمع الفوائد.

يقع الإجتماع على مقتضاها كخبر عبدالرحمن بن عوف في قصة المجوس([12]) وغيره.
وأما وجه الإستدلال به: فظاهر لأنه -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- خص قريشاً بأن الأئمة منهم دون سائر القبائل من مسلمي ولد إبراهيم -عَلَيْه السَّلام-؛ فخرج من سواهم عن ذلك بدلالة الخبر.
[بيان بطلان استدلال المعتزلة بخبر((الأئمة من قريش)) على صحة الإمامة في جميع قريش]
فإن قيل: فهذا الخبر كما يدل على ما ذكرتم هو دليل على ما ذهبت إليه المعتزلة في صحة الإمامة في جميع قريش دون غيرهم، بل هو عمدتهم في الإستدلال.
قلنا: بل هو بعينه دليل على نفي ما ذهبت إليه المعتزلة؛ لأن قوله عليه وآله السلام: ((الأئمة من قريش))، يدل على أنهم بعض قريش، وذلك قولنا؛ لأن أولاد الحسن والحسين -عَلَيْهم السَّلام- أشرف أبعاض قريش، لأن أكثر ما يقولون فيه إن (مِنْ) هاهنا لبيان الجنس، ونحن لا نأبى ذلك؛ لأن ولد الحسن والحسين -عَلَيْهم السَّلام- من صميم جنس قريش، فسقط من أيديهم ظاهر الخبر.
ثم نقول مع ذلك: كما أنها تدل على الجنس هي تدل على البعض، ولا تنافي بين المعنيين فوجب حملها على مجموعهما؛ لأن إطراح أحد المعنيين يكون إطراحاً لمعنى كلام النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- بغير مانع، وذلك لا يجوز، فبطل ما قالوه؛ ألا ترى أن سائر القبائل من ولد إبراهيم - عليه السلام- وغيرهم من الأنصار وسائر العرب؛ لما انحَسَم([13]) طمعهم في الإمامة لدلالة الخبر بقي أهل الأمر من أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام- وأتباعهم على دعواهم، في أن الأمر لهم دون سواهم، من سائر أبيات قريش حتى وقع القهر الذي لايدل على صحة صحيح، ولا بطلان باطل.
_______________________
([12]) - وهو أن عمر قال : ما أدري ما أصنع في أمر المجوس وكثرت مساءلته عن ذلك حتى روى عبدالرحمن بن عوف عنه -صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم- أنه قال : ((سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير آكلي ذبائحهم ولا ناكحي نسائهم)) . انتهى .
([13]) - انحسم : أي انقطع .

وقولنا لا يدفعه عاقل متأمل، لأن ولد الحسن والحسين -عَلَيْهما السَّلام- من قريش فثبتت الجنسية، وهم بعض قريش فوجب التخصيص، ألا ترى أن قول القائل: هذا الخاتم من فضة كما يدل على أن جنس الخاتم العين المخصوصة المسماة فضة، يدل بنفسه على أنه بعض الفضة؛ بل يستحيل خلافه ، ومثل ذلك يلزم فيما قدمنا، لاستحالة صحة الإمامة في جميع قريش؛ لأن أكثرهم لا تجوز إمامته بإجماع الأمة؛ كالمجاهرين وفساق المتأولين ؛ فصحّ أن المراد بمقتضى الآية على الترتيب الذي ذكرناه ولد الحسن والحسين -عَلَيْهم السَّلام- دون غيرهم.
[بيان بطلان قول من أثبت الإمامة لبعض قريش دون ولد الحسن والحسين(ع)]
فإن قيل: فما تنكرون على من يحتجّ بحجتكم هذه فيثبت الإمامة لبعض قريش دون ولد الحسن والحسين -عَلَيْهم السَّلام- ويقصرها عليهم ويأتي بإستدلالكم على نسقه؟.
قلنا: ذلك باطل لوجهين:
أحدهما: أنه لا قائل بهذا القول من الأمة؛ فإحداثه يكون إتباعاً لغير سبيلهم وذلك لا يجوز.

والثاني: إجماع الأمة على صحتها فيهم، واختلافهم فيمن سواهم، والإجماع آكد الدلالة؛ فثبت أن الإمامة مقصورة -بما قدمنا من الآية- على ولد الحسن والحسين -عَلَيْهم السَّلام-، فتأمّل -رحمك الله تعالى - هذه الآية من كتاب الله ما أدقها، وأخطارها ما أجلها، وبراهينها ما أظهرها، ولو استقصينا ما نعلم من معاني هذه الآية، وما تشتمل عليه من الأدلة ، ويتعلق بها من الأغراض الشريفة، لما أتينا على جميع ذلك إلا في مدة طائلة، لأنها - أعني الآية الشريفة - كما تدل على صحة الإمامة في آل البيت -عَلَيْهم السَّلام-؛ هي بعينها تدل على أن إجماعهم حجة ؛ لأن الله - تعالى- أخبر في الآية أنه اجتباهم؛ والإجتباء هو الإختيار، وجعلهم له شهداء على الناس، وهو سبحانه لحكمته لا يجعل له شهداء على عباده إلا العدول، والعدول لا يقولون إلا الحق، والحق لا يجوز خلافه، ونحن لا نريد الحجة إلا ما يجب إتباعه، ويحرم خلافه؛ فثبت بذلك أن إجماعهم حجة، وسنبسط الكلام فيه فيما بعد إنشاء الله، تعالى.
فهذا كما ترى إشارة إلى ما ذكرنا من سعة معاني كتاب الله -تعالى- فالحمد لله الذي جعلنا من ورثة كتابه وقرنه بنا، وقرننا به؛ حمداً كثيراً.
[ذكر شاهد -على وجوب الولاء والبراء- من الكتاب]
وفي وجوب الولاء والبراء: قوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا ءَابَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[المجادلة:22] .

ووجه الإستدلال بهذه الآية: أن الله -تعالى- نفى الإيمان عمَّن ودَّ مَنْ حادَّ الله -سبحانه- ورسوله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- من قريب وبعيد على سبيل العموم؛ بل قد زاد سبحانه ذلك بياناً بذكر الآباء ولا أخص منهم،والأبناء ولا أقرب منهم، والإخوان ولا أولى منهم، والعشيرة ولا أدنى منهم، فكيف بمن سواهم؟!.
فصل: [في ذكر طرف من معنى الولاء والبراء]
وإذ قد ذكرنا الولاء والبراء فلنذكر طرفاً من معناهما؛ لأن أكثر الناس إنما أُتي من الجهل بمعاني كتاب الله -سبحانه-، وقلّة الفزع إلى عترة نبيه -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- الذين هم تراجمة الكتاب، وأولى الناس بالهدى والصواب، واستغنائهِ بعلم نفسه بزعمه عن علم أهل ذلك النصاب، الذين جعلهم الله -سبحانه- لبَّ اللباب، وقرنهم بالكتاب.

[بيان أن الموالاة والمعاداة لا تكونان إلا بالقلب]
إعلم؛ وفقنا الله وإياك: أن الولاء والبراء يعودان في التحقيق إلى المحبَّة بالقلب والقصد والإرادة والرضى، ومعنى ذلك أن تحب للولي ما تحب لنفسك من أنواع الخير في الدنيا والآخرة، وتكره له ما تكره لنفسك من شرور الدنيا والآخرة لمجرد إيمانه، وإن لم يصل إليك نفع من قبله، والعاصي بالعكس من ذلك إلا في أمر الدنيا؛ فلا تكره ما وصل إليه من نعم الله -تعالى- لأنك لو كرهتها كرهت ما أراد الله - تعالى-، ولا يجوز لأحد أن يكره مراد الحكيم؛ لأنه سبحانه يكمل عليهم النعمة في الدنيا ليلزمهم الحجة في الآخرة، كما قدمنا في مسألة الأرزاق، ويكره له جميع خيرات الآخرة بشرط موته على معصية ربِّه؛ لأن الله -تعالى- يكره أن يوصل إليه خير الآخرة، فتكون إذ ذاك في الحالين مطابقاً لمراد مولاك الحكيم - سبحانه - وتحب له التوبة والرجوع إلى الله -تعالى- وهي من أجل خير الدنيا؛ بل يبذل الجهد، ويستفرغ الوسع في حصولها لكل أحد؛ لأن الله - تعالى- أمر بذلك، وهو لا يأمر إلا بما يريد ويحب؛ فبذلك يتضح لك أن الإحسان إلى العاصي لا يكون موالاة عند أهل العلم من أهل البيت -عَلَيْهم السَّلام-، وأتباعهم من العلماء -رضي الله عنهم-؛ لأن الله -تعالى- محسن إلى الكفار والفساق بالأنواع الجلية الواجبة الشكر في الدنيا نحو الحيوة والصحة اللتين ترجُحان بالدنيا وما فيها لو قُوِّما، والأموال، والأولاد، والإمهال بعد الإستحقاق للنقمة ، الذي يتمكن معه من أراد الرجوع من الرجعة والتوبة؛ ولهذا يجب عليهم شكره تعالى في جميع الأوقات.

ولا يجوز إطلاق القول بأنه تعالى مُوَالٍ لهم؛ بل ربما يقرب هذا القول من الكفر ممن قال به؛ لأنه رد لظواهر الكتاب والسنة التي لا تحتمل التأويل؛ فصح الفرق بين الأمرين بأجلى برهان؛ ولأن المعلوم من حال النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أنه كان يحسن إلى الكافة ممن أمكنه الإحسان إليه من مؤمن وكافر، وبر وفاجر؛ بل كان ذلك خلقه وسجيته يذكره أولياؤه، فلا ينكره أعداؤه.
ولا يجوز إطلاق القول بأن رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- كان موالياً لهم، وقد قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا(8)إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا(9)}[الإنسان:8-9] ، روي أن هذه الآيات، نزلت في السبَّاق إلى الخيرات ، علي بن أبي طالب - عليه السلام-، ولا شك أن الأسير في تلك الحال لا يكون إلا مشركاً، وعلي -عليه السلام- غير موال للمشركين؛ بل هو أشدّ الناس لهم عداوة بعد الرسول الأمين -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، فصح أن الموالاة والمعاداة يرجعان إلى البغضة والمحبَّة لا سيما وقد أيد الله -تعالى - ذلك بقوله: {لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ(8)}[الممتحنة]،

وهذا([14]) كما ترى تصريح منه سبحانه بأن برهم: وهو الإحسان إليهم، والإقساط: وهو العدل فيهم، مما يحب اللهُ فاعلَه، وهم لا شك في ذلك عند أهل العلم في تلك الحال كافرون؛ ولأن الله -تعالى- ورسوله - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم - كان قبل المهاجرة غير محارب لهم، وإنما كان داعيا كما أمر الله - تعالى - إلى سبيله بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن؛ ولا يجوز وصفه -صلوات الله عليه- بأنه والى أحداً من المشركين طرفة عين، وقد صح بمجموع هذه الأدلة التي في بعضها كفاية لمن اكتفى أن الموالاة والمعاداة -التي هي المباراة- لا يكونان إلا بالقلب، ولا شك أن التعبد به أشق؛ لأنه مما يختص الله -سبحانه- بالإطلاع عليه؛ فيجب على العاقل أن يجتهد في أن قلبه لا يخلو من حب المؤمنين لمجرد إيمانهم، وإن لم يصل إليه منهم نفع، وفي بغض العاصين لمجرد معصيتهم، وإن لم يصل منهم ضرر؛ بل وإن وصل إليه منهم نفع ؛ لأن نفع الله له أجل، وحقه عليه أوجب، وإن لم يظهر شيئاً من ذلك؛ لأغراض صحيحة دينية إما رجاء توبتهم إلى الله تعالى وإقبالهم، وإما استكفى مضرتهم، إلى غير ذلك، هذا كله في غير وقت الإمام.
فأما في وقت الإمام ففرضُ كلِّ مؤمنٍ الإئتمارُ والتسليمُ له في المحبوب والمكروه، فقد رأيت كيف دلَّ السَّمعُ على جميع مسائل أصول الدين وفروعه وكان كما قال الله -سبحانه وتعالى- فيه:{تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل:89] ، وكل مسألة مما قدمنا؛ عليها أدلة كثيرة، موجودة ظاهرة، من الكتاب الكريم، والسنة الشريفة الماضية، ولم نذكر معاني ما قدمنا الإحتجاج به من الآي؛ لأن أكثر مواضعها متأخرة في الترتيب، وأكثرها لا يصح الإحتجاج به ابتداءً إلا بعد الدلالة العقلية، وكان مقصودنا بما ذكرنا من الآيات التنبيه والإشارة إلا أثنى الإستدلال على إمامة الحسن والحسين -عَلَيْهما السَّلام- وأن الإمامة مقصورة على أولادهما، فقد ذكرنا في معانيهما وجوهاً كافية لمن طلب الهداية.
____________________
([14]) ـ في (ن): فهذا.

[ذكر حجج الله على خلقه]
فإن قال قائل: وكم حجج الله -تعالى- على خلقه التي جعلتم بعضها أصلاً وبعضها فرعاً وجعلتم جملتها مع ذلك في وجوب الإتباع واحدة؟.
قلنا: حجج الله -تعالى- على خلقه أربع:
أولها: العقل، وثانيها: الكتاب، وثالثها: السنة، ورابعها: الإجماع.
[بيان ما هو الإجماع وذكر أقسامه]
فإن قيل: وما الإجماع؟، وإلى كم ينقسم؟.
قلنا: الإجماع: هو الإتفاق على قول، أو فعل ، أو ترك، أو تقرير، ومعناه ظاهر في اللغة والشرع، وهو ينقسم إلى: إجماع الأمة، وإجماع العترة، وإجماع الأمة ينبني على إجماع العترة، ولا يصح بدونه، وإجماع العترة -عَلَيْهم السَّلام- لا يفتقر إلى إجماع الأمة؛ بل يصح بدونه؛ فإذا هم -عَلَيْهم السَّلام- أصل كل حق، وقرار([15]) كل صدق، ولا شك عند أهل البصائر الذين وفقهم الله -تعالى- للإقرار بفضلهم أنهم أصل الدين وقِوَامُه، وعمدَتُه ونظامُه، وشرفُه وتمامه، وولاتُه وحكامُه، ولكل واحد من الإجماعين حكم يخصه، وليس هذا موضع تفصيل الكلام فيه والتطويل بذكره؛ لأن موضع ذلك أصول الفقه، وقد أودعنا الكتاب الذي وسمناه بـ (صفوة الإختيار في أصول الفقه) ما يقنع كل طالب، ويشفي كل راغب ، فلا حاجة بنا ها هنا إلا إلى ذكر إجماع العترة -عَلَيْهم السَّلام-؛ لأنَّا قد قدمنا الوعد بذلك، وبعض ما تقدم من المسائل في هذا الكتاب وتأخر مبنية عليه، فوجب لذلك ذكره ها هنا.
___________________
([15]) ـ في (ن): وقرارة كل صدق.

فمذهبنا أن إجماع العترة -عَلَيْهم السَّلام- حجة، وهو مذهب أتباعنا الزيدية، ومذهب الشيخين أبي علي([16]) وأبي عبدالله([17]) وأتباعهما من المعتزلة.
والدليل على صحة ما ذهبنا إليه من أن إجماعهم -عَلَيْهم السَّلام- حجَّة: الكتاب والسنة.
[الأدلة من الكتاب على حجيَّة إجماع أهل البيت(ع) ]
أما دلالة الكتاب: فقوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) }[الأحزاب] ، ولا بد من تقديم الدلالة على أنهم المرادون بقوله تعالى: {أَهْلَ الْبَيْتِ}[الأحزاب:33]، دون غيرهم لنبني الإستدلال على أصل مسَلَّم.
_________________
([16]) ـ أبو علي : محمد بن عبد الوهاب الجبائي ترجم له في الطبقة الثامنة من طبقات المعتزلة ، قال أبو بكر أحمد بن علي : وهو الذي سهل علم الكلام ويسره وذلَّله ..إلى قوله : ولم يتفق لأحد من إذعان سائر طبقات المعتزلة له بالتقدم والرياسة بعد أبي الهذيل مثله بل ما اتفق له هو أشهر أمراً وأظهر أثراً ، وكان شيخه أبا يعقوب الشحّام ولقي غيره من متكلمي زمانه .
وكان إذا روى عن النبي -صَلَّى الله عَلَيْهِ وآله وَسَلَّم- أنه قال لعلي والحسن والحسين : ((أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم)) يقول : العجب من هؤلاء النوابت يروون هذا الحديث ثم يقولون بمعاوية. وروى عن علي عليه السلام أن رجلين أتياه فقالا ائذن لنا نصير إلى معاوية فنستحله من دماء من قتلنا من أصحابه ، فقال -عَلَيْه السَّلام- : أما إن الله قد أحبط أعمالكما بندمكما على ما فعلتما.
قال أبو الحسن : وقد نقض كتاب عباد في تفضيل أبي بكر ولم ينقض كتاب الإسكافي المسمى المعيار والموازنة في تفضيل علي على أبي بكر . قال في كتاب شرح نهج البلاعة : وقال -أي قاضي القضاة-: إن أبا علي -رضي الله عنه- يوم مات استدنى ابنه أبا هاشم إليه وقد كان ضعف عن رفع الصوت فألقى إليه أشياء من جملتها القول بتفضيل علي -عَلَيْه السَّلام- .
توفي أبو علي سنة (303هـ) . انظر كتاب المنية والأمل شرح الملل والنحل ، ولوامع الأنوار للإمام الحجة مجدالدين بن محمد المؤيدي أيده الله تعالى وحفظه (1/586).
([17]) ـ أبو عبدالله: الحسين بن علي البصري ، أخذ عن أبي علي بن خلاد أولاً ثم أخذ عن أبي هاشم وكان شديد التقزز في الطهارة ، وكان من تلامذته من أهل البيت عليهم السلام أبو عبدالله الداعي وكان يميل إلى علي -عَلَيْه السَّلام- ميلاً عظيماً وصنف كتاب التفضيل وأحسن فيه غاية الإحسان . ترجم له في الطبقة العاشرة من طبقات المعتزلة . توفي سنة (367هـ) . انظر كتاب المنية والأمل شرح الملل والنحل.

12 / 63
ع
En
A+
A-