[ذكر شاهد -على أن الإمام بعد رسول الله (ص) بلا فصل أمير المؤمنين(ع) من الكتاب]
وفي مسألة الدلالة على أن الإمام بعد رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- بلا فصل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام-، قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ(55)} [المائدة] فهذه الآية، توجب الولاية في جميع الأوقات، إلا ما خصَّه الدليل، وهي أوقات رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، فثبت أنه الإمام بعده دون جميع البشر.
[الأدلة على إمامة الحسنين بعد والدهما(ع)]
وفي مسألة أن الإمام بعده ولداه الحسن والحسين -عَلَيْهما السَّلام-:
[الدليل الأول: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ....}]
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ(21)}[الطور] .
ووجه الإستدلال بهذه الآية: أن الله -تعالى- قد أخبرنا فيها أن الذرية إذا اتبعت الآباء ألحقهم بهم وهو سبحانه لغناه وعلمه لا يخبر إلا بالحق.
وتحرير ذلك بطريقة التقسيم: أنَّا نقول([1]): لا يخلو إما أن يلحقهم تعالى بهم كما قال أو لايلحقهم.
وإن ألحقهم بهم فلا يخلو: إما أن يلحقهم بهم في أحكام الدنيا دون أحكام الآخرة، أو في حكم الآخرة دون أحكام الدنيا، أو في مجموع أحكام الدارين، وهذه القسمة كما ترى، دائرة بين النفي والإثبات، وذلك دلالة الصحة بالإضطرار.
باطل أن لا يلحقهم بهم في شيءٍ من ذلك لأنه قد أخبر بإلحاقه لهم بهم وخبره حق، لما يأتي بيانه في أبواب العدل، فثبت أنه تعالى يلحقهم بهم.
ثم لا يخلو: إما أن يُلحقهم بهم في أحكام الآخرة، أو في أحكام الدنيا، ولا واسطة بين الحكمين؛ فلزم أن لا بد من أحدهما.
_____________________
([1])ـ وفي نسخة: لا يخلو إما أن يلحقهم بهم في أيام الدنيا دون أحكام الآخرة أو في حكم الآخرة دون أحكام الدنيا أو في مجموع أحكام الدارين. انتهى.

قلنا: ولا يجوز أن يريد سبحانه بذكر إلحاقهم بهم في أحكام الآخرة لأمرين:
أحدهما: القرينة اللفظية في آخر الآية وهو قوله تعالى: {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ(21)}[الطور] ، فثبت بذلك أن أحداً لا يلحقه حكم أبيه في الآخرة، وقد خالفتنا([2]) في ذلك المجبرة، ولا وجه لذكر خلافهم ها هنا.
والثاني: القرينة المعنوية في وسط الآية وهي قوله تعالى: {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}[الطور:21] ، فنبَّه سبحانه بذلك على أنه يريد الإلحاق في أحكام الدنيا؛ لأن الألت في أصل اللغة هو النقص ، والنقص من عمل العامل لا يجوز عليه سبحانه، فلزم من ذلك أن أولادهم لا يشركون في أحكامهم الأخروية، لأن التبعيض يوجب النقص بالإتفاق؛ ولأن ثواب العمل لا يستحقه إلا عَامِله، خلافاً للمجبرة على ما ذلك مقرر في مواضعه من كتب العدل.
ولا يجوز أن يلحقهم بهم سبحانه في مجموع الأمرين من أحكام الدنيا والآخرة، لما بينا من الموانع أن يراد بذلك أحكام الآخرة، فلم يبق إلا أن المراد بذلك إلحاقه لهم بهم في أحكام الدنيا، وإلا تعرت الآية الشريفة من الفائدة رأساً، وذلك لا يجوز، فلم يبق إلا أن المراد بذلك إلحاقه سبحانه لهم بأبائهم في أحكام الدنيا فيما عليهم ولهم، فبذلك قضى الله تعالى على أولاد الأرقاء بالرق في هذه الدنيا وهو حكم آبائهم ليصبروا، وقضى لأولاد الأنبياء -عَلَيْهم السَّلام- بالإمامة والزعامة إلحاقاً لهم بحكم آبائهم ليشكروا، فمن شكر من هؤلاء أُجر، ومن صبر من أولئك أُجر، ومن كفر من هؤلاء ثبر([3]) ، ومن جزع من أولئك دحر([4]) ، فلا وجه لمتأمل ينكر به ما ذكرنا من وجوه الإستدلال، والحمد لله.
_______________________
([2]) ـ في (ن): خالفنا.
([3]) ـ التثبير هو: المنع، والصرف عن الأمر، والتخييب، واللعن، والطرد.
([4])- الدحر: الطرد والإبعاد، والدفع.

فإذا كان ذلك كذلك وقد ثبت للأب الذي هو أمير المؤمنين -صلوات الله عليه وآله وسلم- تصرف عام على الكافة في أمور مخصوصة يتبعها أحكام مخصوصة؛ ثبت مثل ذلك لولديه الحسن والحسين -صلوات الله عليهما- ولأولادهما من بعدهما -عَلَيْهم السَّلام-، على ما يأتي بيانه إنشاء الله تعالى.
[الدليل الثاني: قوله تعالى : ((قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ))]
ومما يؤيد ما قلنا: قول الله -تعالى- في خليله إبراهيم -صلوات الله عليه-: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ(124)}[البقرة] .

ووجه الإستدلال بهذه الآية: أنَّا نعلم وكل عاقل متأمل أن الله -تعالى- إستجاب دعوة خليله إبراهيم، لأن الإمامة بإجماع كافة أهل الشرائع؛ لم تخرج عن ذرية إبراهيم -عَلَيْه السَّلام- من يوم دعوته -صلى الله عليه- إلى يومنا وإلى يوم الدين، وإنما كانت في إسماعيل وإسحاق، والكل بالإتفاق ذرية إبراهيم، وذلك ثابت لمن خصَّه الله به من ولد إسماعيل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، وبهذا([5]) بطل قول الإمامية والباطنية بأن الإمامة مستقرة في ولد الحسين ولا يجوز رجوعها بعد ذلك إلى الحسن، لأن رجوعها إلى ولد إسماعيل ثابت بإجماع كافة المسلمين ، وكان يلزمهم على هذا الوجه أن تستقر في ولد الحسن ولا ترجع إلى ولد الحسين -عَلَيْه السَّلام-، وإن كنا لا نقول بذلك وإنما ألزمناهم على قولهم كما ثبت مثل ذلك في ولد إسماعيل ، ولا سبيل لهم إلى نقض هذا الأصل إلا بالإنسلاخ ظاهراً عن الدين ، وإنما نبَّه تعالى بقوله : {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ(124)}[البقرة] ، على أنه لا حق للظالمين فيها، لأنهم بظلمهم لأنفسهم يمنعون من أقل ما يستحقه آحاد المسلمين من سهام المجاهدين، وخمس غنيمة الغانمين، فكيف يطلق لهم ما فوق ذلك من التصرف العام في جميع العالم؟! ، ذلك مما تأباه العقول، ويمنع منه الدليل، وهذا بحمد الله ظاهر للمتوسمين، فوجب ثبوتها للمؤمنين، وإلحاقه سبحانه لأبنائهم بهم في أحكام الدنيا، إلا ما خصَّه الدليل، إلى يوم الدين.
______________________
([5]) ـ في (ن): ولهذا يبطل قول الإمامية والباطنية.

[الدلالة من العقل على وجوب استجابة دعوة الأنبياء على رب العالمين]
وما يدل على وجوب إستجابة دعوة الأنبياء على ربِّ العالمين بدلالة العقل: أن مراده تعالى في بعثتهم أن يَتَّبِعَهم العالَمُون، ولا ينكر ذلك أحد من المسلمين، فلو لم يستجب دعوتهم لنفر ذلك عنهم الراغبين، والمصغين إليهم من المسترشدين، وذلك يعود على مراده في بعثهم بالنقض والإبطال؛ وذلك لا يجوز ، لأنه يكون عبثاً، والعبث قبيح، والله -تعالى- لا يفعل القبيح على ما ذلك مقرر في كتب علم الكلام.
ومثاله في الشاهد: أن رجلاً لو أتى إلينا وادعا أنه خاصَّة الملك وأتى على ذلك بالشهود، ثم رأيناه يسأل الملك أمراً هو عليه هين ولا مانع له منه، ثم لم يعطه إياه ولا يقبل عليه فيه، فإنه يسقط من أعيننا، ومنزلته لدينا، وإن كان الملك قد صدقه في دعواه الأولة بحضرتنا علمنا أنه قد بدى له منه ما يوجب الإستخفاف به، فيكون ذلك أقوى للصرف عن الإتباع له؛ والإصغاء إليه، ومثل ذلك لا يجوز عليه تعالى.
[شبهة في دعاء إبراهيم لآزر والجواب عليها]
فإن قيل: أفليس قد دعا إبراهيم -عَلَيْه السَّلام- لأبيه فلم تستجب دعوته؟!.
قلنا: إنما دعا لأبيه مشروطاً بسلامة الحال، والإستمرار على الإنابة إلى ذي الجلال، وذلك ظاهر؛ لأنه سبحانه أخبر أن دعاه كان لوعده له أنه إن دعى([6]) له تاب إلى الله -تعالى- فلما علم خليله أن وعده مدخول، وعزمه منقوض، وأنه لا خير فيه، فتبرأ عنه عند ذلك وأبدى له البغضاء، وأوصل إليه -عَلَيْه السَّلام- ما أمكنه من منافع الدنيا، والدعاء المشروط لا يجاب إلا بعد الإتيان بالشرط، فافهم ما سألت عنه موفقاً.
[شبهة؛ هل تقف أفعاله تعالى على شروط تحصل من قبلنا؟ والجواب عليها]
فإن قيل: كيف يقف ما ذكرتم من إلحاق الله -سبحانه وتعالى- للأبناء بالآباء كما ذكرتم في أحكام الدنيا على شرط؟، وهل تقف أفعاله تعالى على شروط تحصل من قبلنا؟.
_________________________
([6])- لقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ(114)} [التوبة].

قلنا: نعم؛ وذلك ظاهر لأن الأمر فيه أعم، لأن أكثر أحكامه سبحانه فينا وعلينا في الآخرة والدنيا، موقوف على أفعالنا، ألا تسمع إلى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى}[محمد:17] ؟!، فشرط سبحانه شرطاً معنوياً لزيادة الهدى الذي هو من فعله بوقوع الإهتداء الذي هو من فعلنا ، ولأن حكمه علينا بالإيمان تابع للإيمان الذي هو فعلنا وهذا ظاهر، فلا وجه للإطالة فيه.
[شبهة في أن الاستدلال بآية :{إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} ..إلخ يوجب ثبوت الأمر لجميع أولاد علي(ع) والجواب عليها]
فإن قيل: فإن سلم لكم إستدلالكم فيما تقدم بما قدمتم من البراهين فها هنا أمر نأتي به يهدم قاعدة بنيانكم، وهو: أن إستدلالكم في هذه الآية يوجب ثبوت الأمر لجميع أولاد علي -عليه وعليهم السلام-، فإما أن تثبتوا الإمامة للجميع، وإما أن تنقضوا ما قدمتم.
[الجواب في تخصيص أولاد الحسن والحسين(ع) بالإمامة]
قلنا: عن هذا السؤال جوابان، جدلي، وعلمي:
أما الجدلي([7]): فهو أن أحداً من أولاد علي -عَلَيْه السَّلام- سوى ولد الحسن و الحسين -عَلَيْهم السَّلام- لم يدعها لنفسه من لدن علي -عَلَيْه السَّلام- إلى يومنا هذا، مع سلامة الأحوال وتراخي الأعصار، وقد كان فيهم -رضي الله عنهم- من بلغ الغاية القصوى في الفضل والعلم وجميع الخصال، فلولا علمهم بأنَّ الإمامَّة في غيرهم لادعوها كما ادعاها غيرهم بجهله، فأبطل آباؤنا عليكم ومن تابعهم بالأدلة دعواه، ودعوى من يدعي لهم لا تقبل لو كان في عرض يساوي ربع درهم، فكيف ألا تقبل في الإستحقاق ووراثة النبوءة، لأن الدعوى للغير في الشرع لا تسمع إذا كانت عن غير ولاية ولا وكالة له، فكيف بطالب تصحيحها؟!.
فإن قيل: فإن ادعاها مُدعٍ منهم الآن؟.
_______________________
([7]) - وسادسها: سأل عن الجدلي ما هو ، وما معناه؟
الجواب : أن الجدلي هو ما تقطع به خصمك بما سلمه وإن كان لا يوصلك إلى العلم ، كما أن المطرفي يخص فعل العبد في حركة وسكون ، ونحن نقول فعل العبد سواهما ؛ فإن قال : لا ، قلنا : أخبرنا الألم بحركة أو سكون ، أو كل الفعل أو بعضه ؛ فإن كان سكوناً بطل بضده ، وكذلك إن كان حركة .
ونقول : هل العلم حركة أو سكون ؟ وهل الجمع ، وهل التأليف ، وهل الظن ، وهل الإرادة ، وكل شيء من هذا، نقطعه ولكنه لا يوصل إلى العلم ، وإنما يوصل إليه الدليل العلمي .

قلنا: تبطل دعوا ه بإجماع السلف السابق من الفريقين -عَلَيْهم السَّلام- على أن الإمامة مقصورة على ولد الحسن والحسين -عَلَيْهم السَّلام- بعد بطلان قول أصحاب النص، وسنذكر بطلانه فيما بعد إنشاء الله -تعالى- والإجماع آكد الدلالة.
فإن قال: وما الطريق إلى الإجماع على ذلك؟.
قلنا: تراخي الأعصار مع سلامة الحال، وكون ذلك مما على الجميع فيه التكليف، ولم يظهر دعوى الجواز فضلاً عن الوقوع وبهذه الطريقة يعلم الإجماع في سائر الأمور؛ بل هي أقوى طرق الإجماع على ما ذلك مقرر في كتابنا الموسوم -بصفوة الإختيار- في أصول الفقه وغيره، فمن ادعى ذلك الآن منهم لم يتبع سلفه الصالح -رضي الله عنهم- بإيمان، وقد بينا أن الإلحاق مشروط بالإيمان.
وأما بالطريقة العلميَّة، فنقول: إن الإستدلال بالآية عام، كما ذكرتم، وكان يقتضي دخول الكافة فيه، ولكن ها هنا دليل أوجب تخصيص العموم، وتخصيص العموم بأدلة جائز.
فإن قيل: وما ذلك الدليل؟.
قلنا: إجماع العترة الطاهرة -عَلَيْهم السَّلام- على أن الإمامة مقصورة عليهم؛ دون غيرهم من سائر الناس، وإجماعهم حجَّة، لما يأتي بيانه، والإجماع آكد الدلالة.
فإن قيل: إن إجماعهم حجَّة فيما يرجع إلى غيرهم.

قلنا: هذا تخصيص بغير دليل وذلك لا يجوز، ولأن الشاهد لهم، الذي قضى بصحَّة دعواهم لأنفسهم، غيرهم وهو النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-، ألا ترى أنه -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- لو قال فلان صادق في جميع القول لصدقناه، وإن إدعى لنفسه على غيره بقول النبي - صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم - لصدق المدعي لنفسه ما قال، وهو -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم - أصدق الشاهدين، وصدِّيق الصَّادقين، لا ينكر ذلك أحد من المؤمنين؛ لأن دلالة([8]) إجماعهم عمت ولم تخص، فهذا القول يؤدي إلى نقضها وذلك لا يجوز؛ لأن رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- أمر باتباعهم عموماً في الأقوال والأفعال، ولم يخص حالاً من حال ، وأمَّن في إتباعهم من مواقعة الضلال، ولأن هذا يفتح باب الجهالات، ويسد طريقة الإجماع وذلك باطل ، لأن أكثر ما أجمعت عليه الأمَّة إنما وقع في أمور ترجع إليها، فكما لا يجوز الإعتراض بذلك على الأمَّة لا يجوز على العترة -عَلَيْهم السَّلام-، وفيما تقدم كفاية لمن تأمّله.
[الأدلة على أن الإمامة محصورة في أولاد الحسن والحسين(ع)]
[الدليل الأول آية الإجتباء]
وفي مسألة أن الإمامة محصورة في أولادهما، قوله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}[الحج:78] .
______________
([8]) ـ في (ن): لأن أدلة.

ووجه الإستدلال بهذه الآية: أن الله -تعالى- أمر أولاد إبراهيم -عَلَيْه السَّلام- أمراً ظاهراً بالجهاد في الله -تعالى- حق الجهاد، ولا يكون ذلك كذلك إلا بتجييش الجيوش، وعقد المراكب ، وشن الغارات، وحمل من عصى الله -تعالى- على طاعته حتى يتمحض الجهاد فيه عز وجل، ويتعرى عن غرض آخر بجميع وجوه الإمكان، من شدة ولين، وإقامة الحدود، وحفظ البيضة ، وسد الثغور، وسياسة الجمهور، وقتل المحاربين، وسَوق الهاربين، وأخذ أموال الله -تعالى- ممن وجبت عليه طوعاً وكرهاً، وصرفها في مستحقها، إلى غير ذلك من سائر أنواع أعمال الإمامة، وإنما قلنا ذلك لأنه لا يعقل من إطلاق الجهاد في الله - تعالى - حق الجهاد إلا ما قدمنا، بدليل أنه لايجوز أن يقول القائل إن فلاناً حارب أعداء الله -تعالى- فشن عليهم الغارات، وقاد إليهم المقانب([9])، ونصب لهم المكائد، وأدار في حربهم أنواع الحِيَل ، وهجر له النوم، وجمع العدة ، ورتب الأمر فيه على مقتضى حكم السياسة ولم يجاهدهم مع ذلك حق الجهاد؛ بل ينفي ما قدمنا، ويقول القائل: إنه جاهدهم حق الجهاد ، فثبت أن المجاهدة في الله -تعالى- حق جهاده الواجب فيه لا يكون إلا بما قدمنا ذكره وبمثل([10]) ذلك تعرف الحقائق في كل أمر.
_______________
([9]) - المقانب: جمع مقنب وهو طائفة من الخيل مابين الثلاثين إلى الأربعين.
([10])ـ في (ن) : ومثل.

وكما أن هذا يدل على ما ذكرنا هو أيضاً يدل على بطلان دعوى من يدعي الإمامة لمغلق الباب مِرخي الستر، لأن أقل أحوال من يستحق الإمامة أن يشهر نفسه، ويظهر للخاص والعام أمره، حتى تسقط الحجة عنه، ويتعلق الفرض بغيره، فإذا كان ما ذكرنا وكان سبحانه وتعالى قد أمر بذلك والأمر يقتضي الوجوب، لأن ترك مقتضى الأمر معصية، ومعصية الحكيم -تعالى- لا تجوز، فلا يخلو: إما أن يريد سبحانه ذلك من كل ولد إبراهيم -عَلَيْه السَّلام- أو من بعضهم، وباطل أن يريد سبحانه ذلك من كلهم؛ لأن اليهود والنصارى والكفار والفساق منهم، يجب أن يُجَاهدوا بدليل آيات الكتاب الكريم وإجماع الأمة والعترة - عليهم السلام- على ذلك ؛ فكيف يُجَاهِدُ في الله من يجب جِهَادُه لله؟!، ولا يخفى هذا على عاقل، فبقي أن المراد بمقتضى الآية بعضهم دون كلهم، ولأن الآية مخصوصة.
قلنا: وباطل أن يراد بذلك سائر القبائل من مسلمي ولد إبراهيم -عَلَيْه السَّلام-؛ لأن جميع ما ذكرنا من الجهاد في الله -سبحانه-حق الجهاد؛ لا يكون إلا للأئمة بالإجماع من العترة الطاهرة -عَلَيْهم السَّلام- والأمة؛ لأن الأمة وإن خالف بعضُها العترةَ الطاهرة في نصب الإمامة ؛ فالكل مجمع على أن إقامة الحدود، وتجييش الجيوش إلى سائر ما ذكرنا لا يجوز إلا للأئمة دون غيرهم ، فثبت أن مقتضى الآية يفيد معنى الإمامة.
[الكلام في خبر : ((الأئمة من قريش))]
ولا يجوز ثبوت الإمامة لسائر القبائل من ولد إبراهيم -عَلَيْه السَّلام- لقول النبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم-: ((الأئمة من قريش))، فخصهم بالذكر دون قبائل ولد إبراهيم -عَلَيْه السَّلام-.
والكلام في هذا الخبر يقع في موضعين:
أحدهما في صحته.
والثاني في وجه الإستدلال به.

11 / 63
ع
En
A+
A-