وتواعد أبو الهذيل و حفص القرد للمناظرة في دار أبى عامر الأنصاري وتراضيا بالنظام , فقال أبو الهذيل لحفص : هل تعرف شيئاً غير الله وغير خلقه ؟ قال : لا . قال : فلِمَ عذبه ؟ قال : لأنه عصى . قال : وإذا عصى خرج إلى باب ثالث من خالق ومخلوق ؟ قال : لا . قال : فلِمَ عذب ؟ فجعل حفص يكرر هذا وأبو الهذيل يلزمه , فقال النظام : إلى كم لا ونعم في شيء لا معنى له ؟ .
وقيل لأبي يعقوب المجبر : من خلق المعاصي ؟ قال : الله . قال : فمن عذب عليها ؟ قال : الله . قال : فلِمَ عذب عليها ؟ قال : لا أدري .
وحضر أبو عبد الله الحنفي دار بعض الولاة وقد حضره مجبر فأتي برجل طرار أحول , فقال الوالي للمجبر : ما ترى فيه ؟ قال : تضربه خمسة عشر سوطاً . فقال للعدلي : ما تقول ؟ قال : تضربه ثلاثين سوطاً , خمسة عشر لحوله وخمسة عشر لطره . فقال المجبر : تضربه على حوله ولا صنع له فيه؟ قال : نعم , إذا كانا جميعاً من خلق الله فالحول والطر سواء . فانقطع المجبر وتحير .
وقال المأمون لأبي علي الثنوي : هل ندم مسيء قط ؟ قال : نعم . قال :أندم على شيء فعله هو أو غيره ؟ قال : ندم لأنه أساء . قال : فإن صاحب الخير وصاحب الشر سواء واحد . فانقطع . هذا , ويلزم المجبرة [ أن ] النادم يندم على فعله أو فعل خلق الله فيه , وهم ألزموا الندم على فعل غيرهم [ الذي ] لا يقدرون على تركه , والعاقل لا يندم على مثل هذا.
وكان قاص من المعتزلة يقص ويقول : أيها الناس , من حمل الذنب على الله هلك ومن أضافه إلى نفسه نجا , فهذا مذهب النبيين والصحابة والتابعين . ولقد أتى عمر بسارق فقال له : لِمَ سرقت ؟ قال : قضاء الله وقدره ,فقال :اذهبوا به و اضربوه ثلاثين سوطاً واقطعوا يده . فقيل : أما القطع فللسرقة فما بال الضرب؟ قال لكذبه على الله .
الباب السادس في الاستطاعة
فكرت وقلت مدار أمر التكليف على القدرة وإزاحة العلة , فألقيت إليكم أن الكافر لا يقدر على الأيمان والمؤمن لا يقدر على الكفر ويستحيل القدرة على الضدين , وأن القدرة موجبة للفعل وتوجد معه وتعدم معه . فقبلتم مني ووافقتموني كالمنتظر منكم .
و أنكرت المعتزلة ذلك وقالوا بل القدرة قبل الفعل وهي غير موجبة للفعل , والقدرة على الضدين . وقالوا : لو كان الأمر كما زعمتم لكان يقبح تكليف الكافر كما يقبح تكليف الأعمى بالنظر والأخرس بالكلام والزمن بالمشي , وإذا لم يجز تكليف من لا يعلم فتكليف من لا يقدر أولى أن لا يجوز , ولأنها لو كانت موجبة لكان الفعل لفاعل القدرة . وصنفوا في ذلك تصانيف وأوردوا في ذلك حججاً وألزموا تكليف ما لا يطاق . فمنكم من استحيا من إطلاقه فوقع في حيرة , فألقيت إليهم القول بالبدل تلبيساً فقبله النجارية , والاشتغال بالترك فلزمه الكلابية . وقال شيخنا أبو الحسن : ما هذا الحياء ؟ ولأي معنى هذا الرياء ؟ صرحوا بتكليف ما لا يطاق ودعوا هذا النفاق وإن رغم أنوف المعتزلة . فقلت شكر الله سعيك ! أرحت واسترحت ! وصرحنا به وحمدناه على ذلك . وقامت المعتزلة بالرد علي وعليكم .
ولقد قرأ قارئ { وما منع الناس أن يؤمنوا } فقال بعض المعتزلة : يا معشر المجبرة ! كيف يكون هذا على مذهبكم وقد منع الناس من الأيمان بخصال من المنع , كل واحد منها يمنع فكيف بمجموعها ؟ قيل له : وما هي ؟ قال : خذوا , فأحدها أنه خلق الكفر , وثانيها خلق القدرة الموجبة للكفر , وثالثها أنه أراد الكفر من الكافر وقضاه وزينه ولم يخلق فيه الأيمان ولا أعطاه قدرة الأيمان ولا أراده ولا قضاه . فقلت لمشايخنا : أجيبوه ! إذا كان المذهب ما قال فما معنى الجواب :
وأنشد معتزلي لابن عباد في ذم أصحابنا أشعاراً كثيرة , منها :
يقول لنا بعض جيراننا ... ... ... أريد المنارة في المبعر
فقلت له يا فتى لا تطيق ... ... ... فأعرض كالمبغض المنكر
فقال وتكليف مالا يطاق ... ... يجوز على مذهب الأشعري
وحضر يوماً المعتزلة والمجبرة , فقال معتزلي : ليس في الدنيا أسوأ ثناءً على الأنبياء من المجبرة ولا أحسن ثناءً على الشيطان منهم . قيل ولِمَ ؟ قال : يزعمون أن النبي _ صلى الله عليه وعلى آله وسلم _ ما ترك معصية قط قدر عليها ولا أتى طاعة قدر على تركها ولو قدر على المعاصي لكان أعصى خلق الله , وزعموا أن الشيطان لم يترك طاعة قدر عليها ولا أتى معصية قدر على تركها ولو قدر لكان أطوع خلق الله , فهذا ثناؤهم على الأنبياء وعلى الشيطان .
وناظر معتزلي مجبراً فقال : الاستطاعة قبل الفعل . قال : ولِمَِ ؟ قال : لقوله تعالى : { وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم } ثم قال : { والله يعلم إنهم لكاذبون } فكذبهم في قولهم , فلا يخلوا إما أن كانوا مستطيعين فلم يخرجوا أو ولو أعطوا [ الاستطاعة ] لم يخرجوا , وأي ذلك كان فالحجة قائمة . فانقطع المجبر . ثم قال : صدقوا ! لو استطاعوا لخرجوا ولكن لم يعطوا القدرة . فقال المعتزلي : فما بال التكذيب ؟ قال : لا أدري . قال : هذا كفر ورد لكتاب الله تعالى .
وقال عدلي لمجبر : ما تقول في من لا يقدر على القيام , أيجوز له أن يصلي قاعداً ؟ قال : نعم . قال : تقول في القاعد [ أنه ] يقدر على القيام ؟ قال : لا . قال : أفيجوز له أن يصلي قاعداً ؟ قال : لا . قال : ناقضت .
ومر الواثق بيحيى بن كامل فقال : ألست الإمام ؟ قال : بلى . قال : إذا مررت برجل في وقت الصلاة ما الذي يجب علي ؟ قال : تقول له قم فصلِّ قال : فإن قال لا أقدر عليها لأني مقعد أأصدقه ؟ قال : نعم . قال : أو أعذره يصلي قاعداً ؟ قال : نعم . قال : فإن قال لا أقدر على القيام لأني متشاغل بالقعود وليس في قدرتي القيام أأصدقه ؟ قال : نعم . قال : أفأعذره أن يصلي قاعداً؟ قال : لا . قال : إذا كانا صادقين فلِمَ أعذرت أحدهما ولم تعذر الآخر ؟ فانقطع .
وقال له الواثق : ما التوبة ؟ قال : الندم على ما فات والعزم على أن لا يعود . قال : أفيقدر عليهما ؟ قال : لا . قال : فإذا كان لا يقدر عليهما فما معنى التوبة ؟ فأنقطع .
وزعم الكلبي أنه لما نزل قول الله تعالى : { اتقوا الله حق تقاته } اشتد ذلك على المسلمين فنسخ ذلك بقوله { فاتقوا الله ما استطعتم } فقال بعض من حضر : هذا يكسر قولنا في الاستطاعة . قال : كسره الله ! سبحان من يسر ولم يعسر , وكيف يعسر من قال : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } . وقرأ قارئ { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } , فقال بعض المجبرة من شيوخنا : بئست الآية هذه الآية ! فأنكروا عليه , فقال : لأنها تنقض قولنا في الاستطاعة .
وقيل لصقر المجبر : أكان فرعون يقدر على الإيمان ؟ قال : لا . قال : فعلم موسى أنه لا يقدر عليه ؟ قال : نعم . قال : فلِمَ بعثه الله إليه ؟ قال : سخر به !
وحضر شيخنا أبو هاشم المجبر مجلساً وبعض المعتزلة يقول : المجبرة خصماء الرحمن وشهود الشيطان . فقام شيخنا أبو هاشم وقال : إذا كان يوم القيامة نودي أين شهود إبليس ؟ قمت وشهدت له أن الله منعه من السجود .
واجتمع النظام والنجار للمناظرة , فقال النجار : لِمَ تدفع أن الله كلف عباده ما لا يطيقون ؟ فسكت النظام . فقيل له : لِمَ سكت ؟ قال : كنت أريد بمناظرته أن ألزمه القول بتكليف ما لا يطاق , فإذا التزم ذلك ولم يستح فما الذي الزمه بعد ذلك .
وسأل معتزلي مجبراً فقال : أليس الكافر ممنوعاً من الأيمان ؟ قال : بلى . قال : فهل يكون قوله ( لا أقدر عليه ) حجة ؟ قال : نعم . قال : فما معنى قوله تعالى : { لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل } فانقطع . فقام المعتزلي وانشد :
ليس خلق له على الله حجة ... ... ... فالزم القصد إن عرفت المحجة
ومر أبو الهذيل راكباً على الحسين النجار وهو قاعد على باب دار المهالبة , فقال : انزل حتى أسألك . قال : أتقدر أن تسألني ؟ قال: لا . قال : أفأقدر أن أجيبك ؟ قال: لا . قال : فبم أعني نفسي .؟ وقال أبو الهذيل للنجار : أخبرني عن رجل في الشمس أمره الله تعالى أن ينتقل إلى الظل , متى تحصل له استطاعة الانتقال ؟ قال: مع النقلة . قال : فأعطي استطاعة النقلة وهو في الشمس أو أعطي وهو في الظل ؟ فإن قلت بالأول تركت مذهبك وإن قلت بالثاني فقد انتقل بغير استطاعة . فانقطع .
وسأل مجبر أبا الهذيل : هل تقدر على أن تفعل شيئاً ؟ قال : نعم , أقدر على أشياء أقدرني الله تعالى عليها باستطاعة ركبها في . قال : خذ تلك الصعوة من رأس ذلك الحائط . قال : ذلك من استطاعة الباشق !.
وسأل عدلي مجبراً فقال : ما تقول أكان فرعون قادراً على الأيمان ؟ قال : لا . فعلم موسى أنه لا يقدر عليه ؟ قال : نعم . قال : فلو قال فرعون لموسى أأقدر على الأيمان الذي تدعوني إليه ما كان يقول موسى له ؟ قال : كان يقول لا تقدر . قال : فلو قال فلماذا جئتني وأنا لا أقدر على ما تدعوني إليه , أيش كان يجيب ؟ قال : كان يقول لا أدري . قال : فلو قال فرعون اذهب ثم ارجع فإني إذا قدرت آمنت _جئت أو لم تجئ _ أيش كان يقول ؟ فانقطع المجبر .
وعن عبدان رأيت أبا رملة المجبر يدخل على أبي شعيب فدخلت معه , فسأله حاجة , فقلت : أيقدر أبو شعيب أن يقضي حاجتك ؟ قال : لا قلت : فلم تسأله ما لا يقدر وتغضب إن لم يفعل ؟ فسكت.
وكان عبدان هذا ظريفاً مليح اللسان . قال له ابن بالويه المجبر : ما دليلك على أن الاستطاعة قبل الفعل ؟ قال : الهرة والفارة ! فغضب ابن بالويه وقال : أتهزأ بي ؟ قال : عبدان : ما قلت لك إلا الحق , لولا أن الفارة تعلم أن السنور يقدر على أخذها لما هربت! فانقطع .
وقال عبدان صحبني رجل من المجبرة إلى باب داره , فقلت : أيقدر باب دارك وهو على هذه الهيئة أن يأخذ بثيابي ؟ قال : لا . قلت : فلو أعطاه الله القدرة يستطيع أن يأخذ بثيابي ؟ قال : نعم . قلت : أتقدر أنت وأنت على هذه الهيئة أن تأخذ بثيابي ؟ قال : لا. قلت فلو أعطاك الله القدرة على أخذها أخذتها ؟ قال : نعم . قلت فما الفرق بينك وبين هذا الباب ؟ فسكت .
وناظر عدلي مجبراً فقال : ما تقول , لو قدرت على قتل الأنبياء والأئمة وهتك المحارم وإحراق المصاحف وتخريب الكعبة ونبش قبر النبي _صلى الله عليه وعلى آله وسلم _ وهدم المسجد , أتفعل ولا تدع شيئاً من ذلك خوفاً من الله تعالى ولا حرمة لأمره ولا خشية من عقابه ولا رجاءً لثوابه ؟ قال : نعم . قال : فمن كان هذا اعتقاده كفى به خزياً ! فافتضح .
وكان لمجبر غريم عدلي فقال : أعطني حقي . فقال : لا أقدر على أن أعطيك حقك ! فقال المجبر : أنا الآن أقول بقولك , نعم تقدر أن تعطيني . فقال : ما تصنع بمذهب لا يمكنك معه أن تقاضي غريمك ؟ دعه واسترح !
وسأل رجل سلام القاري أبا المنذر فقال : ما تقول في رجل قائم في الماء حلف بطلاق امرأته أنه لا يقدر أن يتوضأ للصلاة ؟ فقال له : يا قدري الخبيث ! فقيل له : أن هذا قرشي . فقال : يا بن أخي ! طلقت امرأته . فقال : تركت مذهبك .
وذكر أبو موسى المردار فقال : أجعل كلام المجبرة القدرية حجة عليهم في كل شيء , إذا قال أحدهم افعل كذا فقل هل أقدر عليه ؟ فإن قال نعم ترك مذهبه , وإن قال لا فقل فلِمَ تأمرني بما لا أقدر عليه ؟
وقال عدلي لمجبر : أليس الله تعالى يقول { وزين لهم الشيطان أعمالهم } ؟ فالتفت إلى قوم عنده وقال : انظروا إلى هذا يزعم أن الشيطان يقدر أن يعمل شيئاً . يا أحمق ! هذا نص الكتاب وليس بقولي . فانقطع .
وسأل عدلي مجبراً عن قوله تعالى : { وما منع الناس أن يؤمنوا } ما معناه على قولك ؟ قال : هذا لا معنى له , إذا كان هو المانع فما معنى السؤال ؟ قال السائل : أيمنعهم ثم يسألهم ؟ قال : نعم قضى على عباده بالسر ما منعهم في العلانية وأوعدهم عليه. فقال السائل : أيكون هذا فعل حكيم ؟ ثم قال : فما معنى قوله تعالى : { وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر } وإن كان هو منعهم ؟ قال : استهزأ بهم ! قال : فما معنى قوله { ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم } ؟ قال : قد فعل ذلك بهم وعذبهم من غير ذنب جنوه , بل ابتدأهم بالكفر ثم عذبهم عليه , وليس للآية معنى . فقال : هذا رد لكتاب الله تعالى . فقال : أيش أصنع إذا كان هذا هو المذهب ؟
وكان بالبصرة رجل نصراني فكتب كتاباً ذكر فيه ( شهد الشهود المسمون في آخر هذا الكتاب أن فلاناً النصراني لا يقدر على الإيمان , وأنا الله خلق فيه النصرانية وقضاه عليه وقدره وأراده واختاره له , وأنه منعه من الأيمان , وأنه أتى في من قبل ربه ) وكان يأتي المجبرة ويأخذ خطوطهم ويقول : اكتبوا شهاداتكم حتى تشهدون لي يوم القيامة , وكانوا يكتبون . والمعتزلة يسخرون منهم ويقولون : هؤلاء شهود الشيطان , فيسكتون .
وسأل عدلي مجبراً عن قوله تعالى : { وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى } , فقال : ليس من هذا شيء بل أضلهم وخلق فيهم العمى . قال : فما معنى الآية ؟ قال : مخراف مخرف به ! قال : كفرت ّ! فسكت .
وسأل آخر عن ذلك فقال : معناه هدينا المؤمنين فاستحب الكافرون العمى . فقال : ما أجهلك وأشد مكابرتك! هل قال أحد ضربت زيداً فبكى عمرو ؟ ثم هل الاستحباب فعلهم أو فعل مخلوق فيهم ؟ فانقطع .
وسأل عدلي مجبراً فقال : هل كان النبي _ صلى الله عليه وعلى آله وسلم _ يقدر أن يهدي أحداً ؟ قال : لا . قال : فما معنى قوله { وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم }؟
الباب السابع في الإرادة و الكراهة
فكرت وقلت من أصول هذا الباب مسألة الإرادة , فألقيت إلى الناس أنه تعالى مريد بذاته أو بإرادة قديمة وأنه يريد جميع المعاصي والكفران ويكره من الكفار إيجاد الإيمان , وأنه أراد قتل الأنبياء والمؤمنين وأراد عبادة الأوثان وسب نفسه . فقبلتم مني ووافقتموني عليه و دنتم به وناضلتم عنه .
وأنكرت المعتزلة ذلك أشد الإنكار , وقالوا : هذا يخالف الدين , وتلوا { وما الله يريد ظلماً للعباد } وقالوا : إرادة القبيح قبيحة والحكيم لا يريد سب نفسه ولا قتل أنبيائه , وكيف يأمر بشيء ثم يكرهه ؟ وكيف ينهي عن شيء ثم يريده ؟ قالوا : وقد فعل الله تعالى غاية ما يدل على أنه لا يريد المعاصي من النهي والزجر والإيعاد بالعقاب وإقامة الحدود وإيجاب اللعن .
حضر جماعة من المعتزلة مع المجبرة , فقال معتزلي لمجبر : ما الذي أراده الله من فرعون ؟ قال : الكفر . قال : وما الذي أراده إبليس منه ؟ قال : الكفر . قال : وما الذي أراده فرعون ؟ قال : الكفر . قال : وما الذي أراده موسى ؟ قال : الإيمان . قال : فإذا هو المخالف لله وأما إبليس وفرعون فوافقاه . فانقطع .
حضرني جماعة منهم يوماً فجرت هذه المسألة , فقالت بعض المعتزلة : لعن الله الشيطان وجنده حيث خالفوا الرحمن وحزبه . فقال بعض المجبرة : لِمَ تلعن هذا الشيخ وقد وافق الله في الإرادة ؟ فقال المعتزلي : كذبت ! بل خالف الله ووافقكم وأنتم حزب الشيطان ونحن حزب الله ,{ ألا إن حزب الله هم المفلحون}.
وسأل أبو عثمان الجاحظ أبا عبد الله الجدلي : هل أمر الله المشركين بالإيمان ؟ قال : أي والله ! قال : أراده منهم ؟ قال : لا والله ! قال : أيعذبهم على ذلك ؟ قال : أي والله ! قال : فهذا حسن ؟ قال : لا والله ! .
وسأل عدلي مجبراً : ما تقول , إرادة الله أحسن وأفضل للعباد أم إرادة رسوله ؟ قال : بل إرادة الله . قال : أليس عندك أنه أراد الكفر وقتل الأنبياء والمعاصي والزنا والسرقة وعبادة الأوثان , وأراد النبي _ صلى الله عليه وعلى آله وسلم _ الإيمان والطاعة وترك المعاصي ؟ فقد زعمت أن الكفر أحسن وأفضل من الأيمان . فقال : أقول إرادة الرسول . فقال : زعمت أن إرادة العباد و اختيارهم خير وأفضل من إرادة أرحم الراحمين . فانقطع.
وسأل عدلي مجبراً فقال : ما تقول , إرادة إبليس للعباد خير أو شر ؟ فقال : شر لأنه أراد أن يضلوا ويكفروا . فقال : أو يستحق بذلك اللعنة ؟ قال : نعم . قال : أليس عندك أنه تعالى أراد ذلك ؟ فوجب أن يكون إرادته أيضاً شراً . فانقطع .
وسأل عدلي مجبراً فقال : ما تقول في رجل زعم أن جميع ما كان في أيام النبي _صلى الله عليه وعلى آله وسلم _ من الكفر والفجور وعبادة الأصنام والأوثان والفتن كان منه أو بفعله وإرادته , ما تقول فيه ؟ قال : أقول إنه زنديق كافر يستحق القتل لسوء ثنائه على رسول الله _ صلى الله عليه وعلى آله وسلم _ . قال : فلو قال ذلك في أبي بكر وعمر أو في واحد من الصحابة . قال : أقول يرجم ويقتل لطعنه في الصحابة . قال : أليس عندك أن جميع ذلك من الله وخلقه وإرادته ؟ أليس هذا سوء ثناء عليه ؟ أتحب تنزيه النبي والصحابة ولا تحب تنزيه رب العالمين ؟ فانقطع .