ورابعها : أنه شبههم بالمجوس , ومذهب المجبرة عين مذهب المجوس لأن المجوس تقول : من يقدر على الخير لا يقدر على الشر , ومن يقدر على الشر لا يقدر على الخير , والمجبرة تقول: من يقدر على الأيمان لا يقدر على الكفر , ومن يقدر على الكفر لا يقدر على الأيمان , ومذهب المعتزلة بالضد من ذلك فعندهم يستحيل أن يقدر على الخير ولا يقدر على الشر ولكن إما أن يقدر عليهما معاً أو لا يقدر على وأحد منهما . فلم يكن عندهم جواب .
غير أن بعض مشايخنا رووا أن آدم وموسى _عليهما السلام _ التقيا في السماء فقال موسى : يا آدم ! أليس الله قد أنعم عليك بأن خلقك بيديه و أسكنك جنته وأسجد لك ملائكته وأنعم عليك بضروب النعم ثم أكلت ما نهاك عنه ؟ فقال يا موسى ! بكم سنة تجد ذلك مكتوباً علي [ قبل أن أخلق ] ؟ قال : بألف سنة , قال : أفأقدر على تركه ؟ قال : لا . قال : فلِمَ تلومني ؟ قالوا فحج آدم موسى . قالت المعتزلة : هذا كذب , لو كان هذا عذراً لآدم لكان عذراً لجميع العصاة . قال بعض المجبرة : نعم هو عذر للجميع لكن لا نجسر أن نقول كما قال آدم . فقال معتزلي : إذاً مثلنا كما قيل:
إذا مرضنا أتيناكم نعودكم ... ... ... ... وتذنبون فنأتيكم ونعتذر
فقالت المجبرة : نعم ! فضحكوا وقالوا : افتضحت . وأنشد المعتزلي :
اصفع المجبر الذي ... ... ... ... بقضاء السوء قد رضي
فإذا قال لِمَ فعلت ... ... ... ... فقل هكذا قُضي
وقيل لمحمد بن واسع وكان معتزلياً : ما تقول في القدر؟ قال : إذا جمع الله الخلائق سألهم عما أمرهم به ولم يسألهم عما قضى عليهم .
وسئل جعفر بن محمد _ عليهما السلام _ عن القدر فقال : ما استطعت أن تلوم عليه العبد هو فعله , وما لم تستطع أن تلومه فهو فعل الله , يقول الله تعالى للعبد لما كفرت ولِمَ عصيت ؟ ولا يقول لِمَ مرضت ؟ .

وروى غيلان بن مطرف [ أنه ] كان يقول : اللهم أرضني بقضائك , فإن هذا السارق لم يرض بما قسمت له فقطعت يده .
واجتمع عدلي ومجبر رافضي فقال العدلي : ما تقول في علي _عليه السلام _أقاتل معاوية على شيء جعله الله لمعاوية وقضاه له أم على شيء جعله لعلي _عليه السلام _ وقضاه له وغصبه معاوية ؟ فقال: بل على شيء جعله لمعاوية وقضاه له ولم يجعله لعلي . فقال : فمعاوية أحسن حالاً من علي حيث رضي بما قضي له وجعل له , وعلي لم يرض بما قضي له ولم يقنع بما جعل له , فمعاوية وافق ربه وعلي خالفه ! فانقطع .
وسأل عدلي مجبراً : أكان قتل يحيى بن زكريا بقضاء الله وقدره ؟ قال : نعم . قال : فارضوا به ! فانقطع .
وصعد سلام القاري أبو المنذر المئذنة ليؤذن , فأشرف على سطحه فإذا غلام يفجر بجاريته , فبادر ونزل وأخذهما ليضربهما, فقال الغلام : أتلومني ؟ وإن القضاء والقدر لم يدعانا حتى فعلنا ذلك ! فقال : لعلمك بالقضاء والقدر أحب ألي من كل شيء , أنت حر لوجه الله ! .
وكان بأصبهان شيخ مجبر يؤذن , فصعد المئذنة فرأى رجلاً يفجر بأهله , فبادر وهرب الرجل فأخذ يضرب المرأة وهي تقول له : القضاء والقدر ساقانا ! فقال : يا عدوة الله ! أتزنين وتعتذرين بمثل هذا؟ فقالت : أوه ! تركت السنة وأخذت مذهب ابن عباد ! فتنبه الرجل ورمى بالخشب وقبل ما بين عينيها واعتذر إليها , وقال : لولا أنت لضللت فأنت سنية حقاً ! وجمع الصوفية ثلاثة أيام شكراً لله . فهذا ما لقينا منكم يا معشر المعتزلة !
ورأى مجبر رجلاً يزني بامرأته , فقال : ما هذا ؟ قالت : قضاء الله وقدره !فقال : خيرة الخيار في ما قضى الله . فلقب ( خيرة الخيار في ما قضى الله ) ! وكان إذا دعي به غضب .

واجتمعوا يوماً في مجلس فقال معتزلي : أنتم يا معشر المجبرة إذا ناظرتم المعتزلة قلتم بالقدر وإذا دخلتم منازلكم تركتم ذلك وقلتم بالعدل لأجل فلس . قيل : ولِمَ ؟ قال : إذا لقي الخصم قال ليس لنا من الأمر شيء , الأمر إلى خلقه وقضائه , وإذا دخل منزله ووجد جاريته كسرت كوزاً يساوي فلساً ضربها وشتمها ويلومها لِمَ كسرت الكوز ولئن كسرت بعدها لأفعلن كذا , ونسي مذهبه .
ومر أبو عبد الله الموسوس بطرار اجتمع الناس عليه , فكلم بعضهم أن يخليه ويرد المسروق فرد . فقال أبو عبد الله : أيهما أعدل , من قضى عليه أخذها أو من رد عليه ؟ فبهتوا , وأنشد لمحمود الوراق :
إذا ما أتى فاسق زلة ... ... ... ... على العمد منه يقول قدر
إذا كان هذا على طاعة ... ... ... وهذا على الكفر كل جبر
فمن قد أطاع كمن قد عصى ... ... ... فما للعذاب بذي يستمر
وإن كان ربي له خالق ... ... ... ... فمن قد أطاع كمن قد كفر
حكى معتزلي فقال : ضرب مجبر بالسياط في سرقة , فقال : مرحباً بقضاء الله وقدره ! .
وقيل لمجبر : الله يقضي الفساد ويخلقه ؟ فاستلقى وقال : لي خمس بنات , لا أخاف على إفسادهن غيره . فقال المعتزلي : صدق والله ! هذا حقيقة مذهبهم .
وتشاجر معتزلي ومجبر في أن القدرية منهم ؟ فجيئا بمجوسي فقالا له : يا مجوسي ! ممن المجوسية ؟ قال: من الله ! فقال المعتزلي للمجبر : أينا يوافقه ؟ ثم أنشد :
أيتها المجبرة الملعونة ... ... ... وبالمجوس بالهوى مقرونة
حاولتم علة قوم ذمة ... ... ... من ثم سميتم مجوس الأمة

واجتمع أبو عمر بن العلاء وعمرو بن عبيد فقال عمرو لأبي عمرو : هل تعرف في كلام العرب أن أحداً فرط في ما لا يقدر عليه ؟ قال أبو عمرو : لا . قال : فأخبرني عن قوله تعالى : { يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله }. أكان حسرته على ما قدر عليه أو على ما لم يقدر عليه ؟ فقال أبو عمرو لأصحابه : قد أبان لكم أبو عثمان القدر بحرفين .
وسأل مجبر عدلياً عن قوله _عليه السلام _ إذا ذكر القدر فأمسكوا والقدر سر الله فلا تفشوه والقدر بحر عميق لا يدرك غوره , فقال : كل ذلك حجة على المجبرة والقدرية . قال : ولِمَ ؟ قال : أجمع المسلمون أن من أقر على نفسه بذنبه واستغفر ربه ولام نفسه بذنبه واستغفر ربه ولام نفسه فهو قد أصاب الحق , وعلى هذا كان السلف الصالح , وبهذا نطق القرآن في قوله : { وآخرون اعترفوا بذنوبهم } , وبهذا وردت السنة لما سئل النبي _صلى الله عليه وآله وسلم _ أهذا شيء يعلمه وسبق القضاء به ؟ قال : ففيم بعث , فالمراد إذا نسب المعاصي إلى القدر فأمسكوا ولا تقولوا كقول المجبرة . وقيل إذا سئل عن أفعال الله لِمَ كان هذا بصيراً وهذا أعمى وهذا غنياً وهذا فقيراً فكلوا ذلك إلى تدبيره فإنه الحكيم في أفعاله العليم في قضاياه , لا يفعل إلا الصواب ولم يرد إضافة القبيح إلى قضائه , مع قوله : { ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله } وقوله { إن الله لا يأمر بالفحشاء } و{ والله لا يحب الفساد } ولا يريد ظلماً للعالمين . ثم قال : ومن وجهة أخرى هو حجة عليكم وهو أنه أمر بالإمساك فأمسكوا ولا تضيفوا الكفر والفساد إلى قدره , فإذا فعلتم ذلك فقد خالفتم السنة وخضتم البحر المنهي عن خوضة و أفشيتم سره وقلتم بالجبر . فانقطع . ثم قال : أخبرني عن إفشاء هذا السر المغيب أمناً أو منه ؟ فان قلت منا تركت المذهب , وإن قلت منه فهو الذي أفشاه , وإن قلت منا ومنه فقد أشركت .

وجرى ذكر القدرية فقال مجبر : القدرية خصماء الرحمن وأنتم أولئك يا معشر المعتزلة ‍‍‍ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍. فقال :ننظر في المذهبين أيهما أليق بان يكون خصماً له , فمذهبنا أن نجعل الحجة كلها على عبادة وانتم جعلتم الحجة كلها للعباد عليه ، وانتم خصمه ونحن نذب عنه .
ثم قال :حسبك بالقطع إذا دعينا ودعيتم يوم القيامة فقيل لكم :بم تشهدون ؟قلتم :يا رب نشهد إن القوم لم يؤتوا في كفرهم وفسادهم إلا من جهتك ،أنت خلقت فيهم الكفر فا أفسدتهم ،وحملت اليهود على اليهودية والنصارى على النصرانية ،ولو كان الأمر إليهم لكانوا صالحين لكن أنت صددتهم وبقضائك عليهم الكفر منعتهم وأنت نهيتهم عنها وأوقعتهم فيها ،فجميع ذنوبهم منك وجميع معاصيهم من قبلك ثم سخطت عليهم بغير حق وتعاقبهم بغير جرم ،ثم قلتم للقوم :أما نحن فقد بحنا ببراءتكم وقمنا بعذركم واحتججنا لكم .

ثم قيل لنا :يا أهل العدل ‍‍‍‍‍‍ ، بم تشهدون ؟ فقمنا بين صفوفهم وقلنا :يا رب ،نشهد إن هؤلاء كذب عليك ونحلوا إليك ما أنت منه بريء واعتذروا للظالمين وجعلوا دعوة الرسل لغو و إنزال الكتب عبثاً والآمر والنهي باطلاً و إقامة الحدود تعنتاً والسؤال والحساب والعقاب ظلماً والثواب ميلاً ، فنحن نشهد أنهم كذبه وشهود زور وننزهك عما لا يليق بك فنقول سبحانك عما وصفوك به وتعاليت عما نسبوه إليك ونشهد انك لعدل في ما فعلت وفطرت ،الحكيم فيما قضيت وقدرت ،الرحيم فلا عنت فيما أمرت ونهيت ،العليم فلا جور فيما قدمت وأخرت ،الصادق فيما أنبأت و أخبرت ،خلقت الخلق برحمتك وكلفتهم برأفتك لينالوا جنتك ، وأعطيت الآلة وأزحت العلة ومكنت بإعطاء القدرة وبعثت الرسل و أنزلت الكتب كل ذلك تعريضاً لما أعددت لهم من ثوابك وتحذيراً من عقابك ، ولم ترد منهم إلا ما أمرت ولا كرهت إلا ما نهيت ولا قضيت إلا ما قدرت وإلا قدرت إلا ما أظهرت، فتركوا أمرك واتبعتوا شهواتهم وارتكبوا ما نهيت إيثارا لشهواتهم ولذاتهم وطغوا في بلادك وظلموا عبادك ،فمنهم من كفر ومنهم من جبر ومنهم من ترك العبودية .
ومنهم من ادعى الربوبية ،وفي كل ذلك أتوا من قبل أنفسهم و أنت من ذلك بريء حتى استوجبوا عذابك واستحقوا عقابك ، ثم أمهلتهم للتوبة و أعذرت إليهم للإنابة ففي كل ذلك الحجة لك عليهم ولا حجة لهم عليك وما أنت بظلام للعبيد ،بهذا كنا نشهد في الأولى كما شهدنا في العقبى ،فانظروا أينا خصماء الرحمن ،وقد قال الله تعالى :{ولا تكن للخائنين خصيماً} {ولا تجادل عن اللذين يختانون أنفسهم}.
وقال معتزلي لمجبر :أليس الله يقول { وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين}فأقراهم أولى بأنفسهم أم شهادتكم لهم ؟ فانقطع .
وقال عدلي لمجبر :أليس الله يقول:{و لا يرضى لعبادة الكفر}؟ فقال : دعنا عن هذا ، أرضاه وأحبه و أراده وخلقه وما أفسدنا غيره‍‍‍،فقال :كفرت حيث رددت آية من كتاب الله .

وقال تلميذاً لسلام القاري :مررت الليلة بآية من القرآن في قصة يوسف توهمني أنه كان قدرياً، قال :وما ذلك ؟ قال :قوله تعالى: {نزغ الشيطان بيني وبين اخوتي}.فقال سلام :و أنا مررت بآية في قصة موسى توهمني ذلك .قيل : و ما هي ‍؟قال: قوله {هذا من عمل الشيطان}. فقال آخر :رأيت أعجب من هذا ، قوله {إني لا أملك إلا نفسي و أخي } فلم يرض أن يقول (املك نفسي) حتى قال (واملك غيري) فقام معتزلي وقال :أما رضيتم بمذهب موسى ويوسف تردون عليهما ؟ فسكتوا.

الباب الخامس في خلق الأفعال
فكرت وقلت لا شيء أقوى في هذا الباب من نفي الأفعال عن العباد وإضافتهما إلى الله , فألقيت إليكم أن جميع ما يظهر من العباد من خير وشر وإيمان وكفر وقبيح وحسن وطاعة ومعصية فهو خلقة تعالى ولا تأثير للعبد فيه , وإنما ينسب إليه كما تنسب الحركة إلى الأشجار والجري إلى الأنهار والنضج إلى الثمار , فكذلك نسبة الكفر إلى الكفار والطاعة إلى الأبرار . فقبلتم ذلك مني أحسن قبول و دنتم به وناظرتم عليه .
و أنكرت المعتزلة ذلك , وقالوا هذا يبطل الأمر والنهي والوعد والوعيد والحساب والثواب والعقاب والكتب والإرسال والجزاء والسؤال .
فأما شيخنا جهم فقام على رأس الأمر , ولم يلتفت إلى كلامهم ولا تفكر في ما أوردوه من حججهم , وقال : من يبالي بسبالكم ومن يلتفت إلى أقوالكم ؟ وأما سائر الشيوخ فتركوا الطريق وناظروهم حتى انقطعوا و افتضحوا .
فألقيت إليكم حيلة ومكيدة بأنه خلق لله وكسب للعبد , ففرحتم به و اأورتموه عليهم . فقالت المعتزلة : هذا تلبيس وتدليس , إذا كان الفعل بجميع صفاته من الله فأي تأثير للعبد وأي معنى للكسب ؟ وقالوا : إن ثبت ذلك واشتركوا في الفعل وجب أن يشتركوا في الحمد والذم والأسماء المشتقة من الأفعال , وكيف أضاف أفعاله إليهم وحظه أكثر وتأثيره أوفر ؟ وكيف أوجب الحدود والعقوبات على شيء هو حملهم عليه ؟ وقالوا لهم : أيصح أن يحصل الخلق دون الكسب ؟ قالوا : لا . قالوا : فيصح أن يحصل على الكسب دون الخلق ؟ قالوا : لا , فقالت المعتزلة : فهذه شركة ظاهرة , خرجتم عن التوحيد وقلتم أن القدرة المحدثة قدرة الله . فعند ذلك انقطعوا وبهتوا .

اجتمع عدلي ومجبر فقال العدلي : أليس قد بعث الله موسى إلى فرعون وقال : { فذنك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه } وقال : { إنه طغى فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى } ووصاه بما وصاه ؟ فقال : بلى . قال : فبعثه ليغير خلقه أو فعل فرعون ؟ فإن قلت بالأول فكيف يقدر موسى أن يغير ما خلق الله؟ وأي معنى لقوله { لعله يتذكر أو يخشى } ولم يخلق ذلك فيه ؟ وإن قلت بعثه ليغير فعل فرعون فذلك ما نقول . فانقطع المجبر .
وأنشد العدلي يقول :
لقد أسمعت لو ناديت حياً ... ... ... ... ولكن لا حياة لمن أنادى
وقال ثمامة يوماً للمأمون : أنا أبين لك القدر بحرفين . فقال: زد للضعيف حرفاً _ يعني يحيى بن أكثم _ فقال : لا يخلو فعل العبد من ثلاثة أوجه : إما أن يكون فعله فيتوجه الحمد والذم إليه , أو فعل الله تعالى فلا يتوجه على العبد لوم ولا حمد ولا ذم , أو كان منهما فيجب أن يكون الحمد والذم لهما . فقال : صدقت .
وقال أبو العتاهية للمأمون : أنا أقطع ثمامة بحرف . فقال : دع فلست من رجاله .قال : بلى , فلما حضر قال : سله . فحرك أبو العتاهية يده وقال : يا ثمامة , من حرك يدي ؟ فقال : من أمه زانية , فقال : يا أمير المؤمنين , شتمني . فقال ثمامة : يا أمير المؤمنين , ترك مذهبه . فضحك المأمون.
وقيل لفضيل بن عياض _وكان عدلياً _ : إن فلاناً يشتمك . فقال: لأغيظن من أمره بذلك ويغفره الله له . قيل : ومن أمره بذلك ؟ قال : الشيطان .
وقال عدلي لمجبر : أليس الله تعالى يقول : { الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً } , فالوعدان من واحد أو من اثنين ؟ فانقطع .
وكلم إنسان عروة بن محمد بشيء أغضبه , فخرج و تؤضأ ورجع وقال : حدثني أبي عن جده عن النبي _ صلى الله عليه وآله وسلم _ أنه قال : الغضب من الشيطان , والشيطان خلق من النار , وإنما يطفئ الماء النار , فإذا غضب أحدكم فليتوضأ .

عن بعض المعتزلة أنه قال لمجبر : أليس النبي _صلى الله عليه وعلى آله وسلم _ يقول : الأناة من الله والعجلة من الشيطان؟ فلو كان كلاهما من خلقه لم يكن للفرق معنى .
وقال آخر لمجبر يناظره : لا أدري ما تقول غير أنه تعالى قال : { كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله } , فقد علمنا أن الذي أوقدها غير الذي أطفأها .
وسمع صقر المجبر رجلاً يقول : لعن الله القواد يجمع بين الزاني والزانية . فقال صقر : إنك تلعن ربك فإنه هو الذي جمع بينهما . فقال : ما الذي تقول ؟ قال : هو ديني ودين أصحابي .
وقيل لصقر : أليس الله يحمد بترك الظلم فقال : { وما ربك بظلام للعبيد } ؟ قال : نعم . قال :أليس الظلم كله منه ومن خلقه وقضائه ؟ قال : بلى . قال : فما الظلم الذي نفاه ويحمد على تركه ؟ أشيء يعرف أم لا ؟ فانقطع .
وقال : أبو الهذيل للبطيخي المجبر _غلام جهم _ : أتزعم أن الله تعالى يعذب عباده على ما خلقه فيهم ؟ قال : لا , ولكن أقول إنهم في النار يتنعمون كدود الخل في الخل . ثم قال : كيف تجيب يا أبا الهذيل . قال : نعم ولكن قال تعالى : { إنك من تدخل النار فقد أخزيته } .
وقيل لأبي الهذيل : من جمع بين الزاني والزانية ؟ قال : أما أهل البصرة فيسمونه قواداً , وما أظن أن أهل بغداد لا يخالفونهم في ذلك . فسكت السائل .
وقيل لأبي العباس الضرير _وكان عدلياً _ من جمع بين الزاني والزانية ؟ فقال : أبو القواد .
وقيل أن أبا الأسود الدؤلي شكى جيرانه بأنهم يرمونه بالحجارة , فقالوا : ما رميناك ولكن الله رماك , قال : كذبتم , لو رماني الله لما أخطأني وأنتم تخطئون .

5 / 12
ع
En
A+
A-