وسأل آخر مجبراً فقال : أليس تقرر في العقول الإحسان إلى الولي والإساءة إلى العدو , وأن من فعل ذلك يكون حكيماً ومن فعل ضده وصف بالسفه ؟ قال : أرأيت لو أن رجلاً عبد الله مائة سنة وآخر عبد الوثن مائة سنة , فخلق في الأول الكفر وأدخله النار وفي الثاني الإيمان وأدخله الجنة , أليس عدوه أحسن حالاً من وليه ؟ فانقطع .
وحكى بعض المعتزلة أن أمير المؤمنين _ عليه السلام _ مر بقتلى النهروان فقال : تعساً لكم ! لقد ضركم من غركم . فقال بعض أصحابه : من غرهم يا أمير المؤمنين؟ قال : الشيطان والنفس الأمارة بالسوء والأماني . فقال مجبر : كان علي معتزلياً والله ! فالله غرهم وفعل بهم ما فعل وأوردهم تلك الموارد .
وسأل عدلي مجبراً عن قوله تعالى : { إن كيد الشيطان كان ضعيفاً } هذا الكيد كيد الله أم كيد غيره ؟ فإن قلت : كيد الله فكيده ضعيف . وأن قلت كيد غيره فهو ما نقول , إن كيد الله حق وكيد الشيطان باطل . فانقطع .
فصل
ومما ألقيت إليكم من هذا الجنس أن الله يضل عن الدين ويخلق الضلالة عن الحق المستبين ويزين الكفر في قلوب الكافرين ويكره إليهم الإسلام و المسلمين , فقبلتم ذلك مني وقلتم صدقت!
وأنكرت المعتزلة ذلك أشد الإنكار , وقالوا : هذا يهدم الدين ويناقض كلام رب العالمين , وتلوا :{ وأضل فرعون قومه وما هدى } { وأضلهم السامري } و { رب إنهن أضللن كثيراً من الناس } , وقالوا : يستحيل أن يأمر بشيء ويحث عليه ثم يضل عنه , وينهي عن شيء ثم يخلقه فيه .
وقال بعض المعتزلة لمجبر : ممن الحق ؟
قال : من الله .
قال : فَمَن الحق ؟
قال : الله .
قال : فممن الباطل ؟
قال : من الله .
قال :فَمَن الباطل ؟
فسكت .
واجتمع عند جعفر بن سليمان أبو الهذيل و مكنف المجبر وهو لا يعرف أبا الهذيل . قال أبو الهذيل : أريد أن أسألك شيئاً و أتعلم منك . فقال : سل . فقال : أخبرني عن طفل بلغ فوقع في قلبه أن الله واحد , من أوقع ذلك في قلبه ؟ فقال : الله . فقال : أوقع في قلبه الحق وصدقه في ما ألقاه ؟ قال : نعم .قال : وآخر بلغ ووقع في قلبه أن الله ثالث ثلاثة , من أوقع ذلك في قلبه ؟ قال : الله . قال : فالقي إليه الحق وصدقه في ما ألقاه ؟ فسكت مكنف . فقال له جعفر : يا حمار ! هذا أبو الهذيل .
و دعى مجبر مجوسياً إلى الإسلام , فقال : الأمر ليس إلي . فقال : صدقت ! ومضى .
وحضر غلام عبدالله بن داود _وكان مجبراً_ مجلساً , فقرأ قارئ { ما منعك أن تسجد } , قال : هو الله منعه , ولو قال إبليس ذلك كان صادقاً ,وقد أخطأ إبليس الحجة , ولو كنت ُ حاضراً لقلت : أنت منعته . فقال معتزلي من طرف المجلس : بعداً لك و سحقاً ! أتحتج لإبليس ولم يحتج لنفسه ؟ فانقطع . فقرأ قارئ {وأن عليك لعنتي إلى يوم الدين } فقال المعتزلي : معاشر المجبرة ! أليس الله تعالى قد لعن أشياء وأقواماً ؟ قالوا : بلى . قال : فهل في العالم غيره وغير خلقه ؟ قالوا : لا . قال : فيلعن نفسه أو خلقه ؟ فتحير القوم وانقطعوا .
وقال معتزلي لمجبر الزنا خير للزاني أم تركه ؟ فقال : الزنا . قال : لِمَ ؟ قال : لأن الله قضى ذلك عليه , وقضاء الله له خير ! فقال: تباً لك ! أتقول أن الزنا خير من الإحصان ؟
ونظيره ما يحكى عن بعضهم أنه قال : لزنية أزنيها أحب إلي من عبادة الملائكة ! فقيل له : ولِمَ ؟ قال : لعلمي بأن الله تعالى قضاها علي , ولم يقض إلا ما هو خير لي .
وخطب بعض المعتزلة فقال بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي _صلى الله عليه وعلى آله وسلم _ : أيها الناس !لا أحد أقبح ثناءً على رب العالمين من المجبرة حيث قالوا إن الله يأمر بما لم يرده وينهي عما أراد ويقضي بما نهى عنه ثم يعذب عليه , وأنه يخلق فعلاً ثم يقول لِمَ فعلتم ؟ ويغضب على ما خلق وقضى و أراد , ويأمر بشيء ويحول بينه وبين ما أمر به , ويقضي أمراً ثم يأمر القضاة والولاة والغزاة برد ما قضى وقدر وأراد وخلق , وأمر بحدود تقام على شيء , فأمر بجلد الزاني _ وخلق فيه الزنا _وقطع يد السارق _ , وجعل مال زيد رزقاً لعمرو وخلق أخذه ثم قال لِمَ أخذت؟ وعاقبه عليه , وأنه خلق الكفر وكره الأيمان وبعث الأنبياء دعاة إلى خلاف مراده وضد قضائه . فانظر إلى سوء ثنائهم على ربهم , وانظر إلى حسن ثناء أهل العدل عليه حيث قالوا : إنه حكيم أمر بما أراد ونهى عما كره , وقضى الإيمان ورضيه وأحبه وزينه , ونهى عن الكفر وكرهه وغضب عليه وسخطه , كما قال الله تعالى : { ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان } , وأنه بعث أنبياءه بالحق ليدعوا إلى الحق الذي أراده , وأنزل الكتاب ليهتدي به , وهدى إلى الدين وما أضل أحداً من العالمين , وأنه يثيب من أطاعه ويعاقب من عصاه , فاحمدوا الله على هذا الدين وقولوا : الحمد لله رب العالمين .
وسأل عدلي مجبراً : هل تملك من أهلك ومالك شيئاً؟ قال : لا . قال : فما تملكه منهم جعلته في يدي ؟ قال : نعم . قال : اشهدوا أن نساءه طوالق وعبيده أحرار وماله صدقة في المساكين . وكانت امرأته ممن تقول بالعدل , فتحولت عن منزله وسألت العلماء , فأفتوا بوقوع ذلك كله . وصار ضحكة وسخرة .
وسأل جماعة عمرو بن فائد _وهو معتزلي_ عن القدر , فقال : أقيموا ربكم مقام رجل صالح , حتى أنكم إن كان ما قيل حقاً فلا تعاتبوه وإن كان باطلاً فلا تتهموه . وأنشد:
من لم يكن لله متهماً لم يمس محتاجاً إلى أحد
وأراد مجبر الخروج إلى مكة فودع أهله وبكى , فقيل له : استحفظهم الله ! قال : ما أخاف عليهم غيره ! فقال معتزلي : كذبت ! أتخاف منه وهو أرحم الراحمين ؟
وبعث محمد بن سليمان إلى رجل معتزلي ودعا بالسيف والنطع , فدخل وهو يضحك , فقال : أتضحك في هذه الحالة ؟ فقال : يا محمد بن سليمان ! أرأيت لو قام رجل في السوق فقال : إن محمد بن سليمان يقضي بالجور وبجمع بين الزانيين ويريد الفواحش , فاعترضه رجل فقال : كذبت بل يقضي بالحق و لا يريد الجور ولا يفعل الفواحش , فأيهما أحب إليك ؟ قال : من دفع عني وأحسن الثناء علي . قال: فإذاً لا أبالي بالقتل بعدما أحسنت الثناء على رب العالمين . فانقطع ومن حوله من المجبرة , وقال محمد : اذهب فلا تذكر إلا بخير .
وجاء رجل إلى منزل عبد الله بن داود , وكان غائباً , فلما رجع قال : كنت أصلح بين قوم . فقيل : أصلحت ؟ قال : أصلحت إن لم يفسد الله ! فقال واحد : كذبت ! إن الله لا يفسد بل هو المصلح . أتحسن الثناء على نفسك وتسيء الثناء على ربك . فانقطع .
قال داود الأصفهاني للموفق : قد أهلك الناس أبو مجالد . قال : قطعك أبو مجالد , الله تعالى أهلك الناس أو أبو مجالد ؟
ومرَّ مُعاذ بن مُعاذ بلص يُقطع , فالتفت إليه وقال : إنه لمظلوم , يخلق فيه السرقة ثم يؤمر بقطعه . قال عدلي : أما رضيت يا جاهل بأن أضفت السرقة إليه تعالى حتى نفيتها عن اللص , فأضفت إليه الأمر بالقطع على شيء فعله هو , ولو وصف بهذا قاض لكان سوء ثناء فكيف برب العالمين .
وجاء خراساني إلى أبي الهذيل وسأله عن العدل , فقال : يا خراساني من جاء بك من خراسان ؟ قال : الله . قال : فمن جاء باللص حتى قطع عليك الطريق ؟ قال : الله . قال : فمن جاء بالسلطان حتى قطع يده ؟ قال : الله . فإذاً الله فعل جميع ذلك حيث جاء بك من خراسان وجاء باللص ليذهب بمالك وجاء بالسلطان ليقطع يده , أهذا فعل حكيم ؟ فانقطع وتاب .
ودعا مجبر فقال : يا رب ! أفسدتنا فأصلحنا . فقال عدلي : أسكت لا أم لك ! هو المصلح .
وقيل لهشام بن الحكم : أترى أن الله يكلف عباده ما لا يطيقون ثم يعذبهم عليه ؟ قال : والله قد فعل ذلك ولكن لا نجسر أن نتكلم.
وعن بعضهم قال : رأيت مجبراً في المنام فقلت له : ما فعل بك ربك ؟ قال : هو على قولكم و قدري !
واجتمع جماعة بطرسوس يرمون الهدهد ويشتمونه , فقال لهم قائل : ما ذنبه ؟ فقالوا : هو قدري حيث قال : { وزين لهم الشيطان أعمالهم } فأضاف العمل إليهم والتزيين إلى الشيطان , وجميع ذلك فعل الله تعالى . قال : تباً لكم ! أأنتم تنفون الذنب عن الشيطان وتضيفونه إلى الرحمن؟
وذكر أبو محمد المزني _ وكان ظريفاً _ فقال : إذا أعطيت كتابي يوم القيامة قلت عرفت ما فيه ولكن أسأل عن شيء أتيته أنا باختياري أو خُلق فيّ ولم أقدر على تركه؟ فإن قالوا : فعلته باختيارك . قلت : يا رب عبدك الضعيف أخطأ وأساء وعلى عفوك وفضلك توكل , فإن عفوت فبرحمتك وإن عذبت فبعدلك . وإن قالوا : بل خُلق فيك وقُضي عليك وأنت تُعذب عليه . قلت : يا معشر الخلائق ! العدل الذي كنا نسمع به في دار الدنيا ليس ههنا منه قليل ولا كثير .
وقال أبو الهذيل لحفص القرد هل في المعلوم شيء إلا الله وخلقه ؟ قال : لا . قال: يعذب على نفسه أو على خلقه ؟ فانقطع .
وقال معتزلي لمجبر : لِمَ قلت بالإجبار ؟ قال : ألقينا ذنوبنا على ربنا و اتكينا على جنب ! فقال : أيش ألزمكم بعد هذا ؟
وقال آخر لمجبر : من نهى عن الزنا ؟ قال : الله . قال : ومن خلقه وأراده ؟ قال: الله . قال : ومن عابه وأوجب عليه الحد ؟ قال : الله . قال : كيف نهى ثم خلق ثم عاب ؟ فانقطع وأنشد :
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
ثم قال العدلي : بلغني أن قوماً من بني إسرائيل خرجوا للاستسقاء فأوحى الله إلى نبيهم لا أسقيكم وفيكم رجل غماز , فقال : يا رب ! من هو حتى نخرجه ؟ فقال : لا أعيب شيئاً ثم أفعله . وأنشد لمحمود الوراق :
ولا تلزم الذنب المقادير جاهلاً فأنت ولي الذنب ليس المقادر
فلو كان للمقدور في الذنب شركة لكان له حظ من الذنب وافر
واختصم عدلي ومجبر بين يدي بعض الولاة , فلما قام المجبر اعتمد بيديه على الأرض وقال : بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء ؟ فقال العدلي : ما هذا الشيء الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء ؟ وعندك لا ضرر إلا من قبله . فانقطع.
وقال مجبر لعدلي : أرأيت لو كان لي قطعة طين ألي أن أعمل ما أحببت ؟
قال : نعم .
قال: ألي أن أعمل منها ثلاث جرار , معوجة ومكسورة وصحيحة , ثم أطبخها بالنار ؟
قال : نعم لكن بشرط أنها لو خرجت كذلك لا تسأل لِمَ صارت معوجة ومكسورة وصحيحة .
ثم قال : وأنا أسألك .
قال : سل .
قال : ما تقول في رجل غرس في بستان له خوخاً لم يغرس غيره , ثم قال لغلامه اذهب إلى البستان فائتني بكل فاكهة ، فقال الغلام : ليس في البستان إلا الخوخ , قال اذهب فأحرقه ! لِمَ لم يكن فيه سوى الخوخ, أهذا حكمة ؟
قال : لا .
قال : فكيف جوزت على ربك أن يخلق كافراً ثم يعذبه لِمَ لم يكن مؤمناً ؟
فانقطع .
وقال مجبر يوماً : يا مصلح المفسدين ! فقال عدلي له : لمَ قلت ذلك ؟ قال: لأن الصلاح منه . قال : فقل على مذهبك يا مفسد المصلحين ! لأن الفساد منه . ففكر ثم قال : يلزمني ذلك لكنه قبيح . فسكت .
وسأل آخر مجبراً فقال : أليس تقرر في العقول الإحسان إلى الولي والإساءة إلى العدو , وأن من فعل ذلك يكون حكيماً ومن فعل ضده وصف بالسفه ؟ قال : أرأيت لو أن رجلاً عبد الله مائة سنة وآخر عبد الوثن مائة سنة , فخلق في الأول الكفر وأدخله النار وفي الثاني الإيمان وأدخله الجنة , أليس عدوه أحسن حالاً من وليه ؟ فانقطع .
وحكى بعض المعتزلة أن أمير المؤمنين _ عليه السلام _ مر بقتلى النهروان فقال : تعساً لكم ! لقد ضركم من غركم . فقال بعض أصحابه : من غرهم يا أمير المؤمنين؟ قال : الشيطان والنفس الأمارة بالسوء والأماني . فقال مجبر : كان علي معتزلياً والله ! فالله غرهم وفعل بهم ما فعل وأوردهم تلك الموارد .
وسأل عدلي مجبراً عن قوله تعالى : { إن كيد الشيطان كان ضعيفاً } هذا الكيد كيد الله أم كيد غيره ؟ فإن قلت : كيد الله فكيده ضعيف . وأن قلت كيد غيره فهو ما نقول , إن كيد الله حق وكيد الشيطان باطل . فانقطع .
فصل
جمعت يوماً بين معتزلة الجن ومجبرة الجن للمناظرة , فقال معتزلي : يلزم على مذهب الجبر هدم الدين .فقيل ولِمَ ؟ قال : خذوا إنهم يلزمهم نفي الصانع لأنهم إذا لم يثبتوا في الشاهد صانعاً فاعلاً لم يكن في الغائب ثابتاً , ويلزمهم نفي النبوات لأنهم إذا أجازوا على الله كل قبيح لا يؤمن أن يظهر المعجز على كذاب وأن يبعث رسولاً يدعو إلى الضلال , ويلزمهم أن لا يكون للبعثة معنى لأنه إذا أضل أحداً فلا معنى للبعث إليه وإذا هدى أحداً فلا معنى وإذا كان هو الخالق لهذه الأفعال فلا معنى للرسول والكتاب , ويلزمهم إبطال الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لاستحالة تغيير ما فعله هو فكأنه أمر بالجهاد لإعدام ما يوجده هو و إيجاد ما يعدمه هو, ويلزمهم أن لا يصح إثبات عالم لأن الفعل خلقه و لأنه يوجد بقدرة موجبة , ويلزمهم أن يصح فعل الأجسام من العبد لو وجد تلك القدرة , ويلزم بطلان الأمر والنهي والمدح والذم لأن الأفعال مخلوقة فيهم وهم مجبرون عليها , ويلزمهم تكليف ما لا يطاق وتكليف العاجز والزمن بالمشي والأعمى بالنظر . وأخذ يعدد ذلك والقوم سكوت وهو يوبخهم , حتى تفرقوا على أسوأ حال .
الباب الرابع في القضاء والقدر وذكر القدرية
لقد فكرت في مسألة القضاء والقدر فوجدت لي فيها مجالاً وفي المقام مقالاً , فألقيت إليكم أن الكفر وجميع المعاصي بقضاء الله وقدره , فقبلتم مني وجعلتم ذلك عمدةً لكم وأحلتم كل قبيح يحدث في العالم على القضاء والقدر.
وأنكرت المعتزلة ذلك أشد الإنكار وقالوا: ما معنى قولكم كل شيء بقضائه ؟ إن أردتم (بخلقه) فمعاذ الله أن يكون الكفر بقضائه وخلقه , وإن أردتم (بأمره) فهو خلاف الإجماع لأنهم أجمعوا [على ] أنه لا يأمر بغير الطاعات , وان أردتم ( العلم والبيان ) فنحن نقول إنه يعلم جميع الأشياء قبل كونها لأنه عالم لذاته لا يخفى عنه خافية في الأرض ولا في السماء . وقالوا : ثبت في دين النبي _صلى الله عليه وعلى آله وسلم _ أن الرضا بقضاء الله واجب , فلو كان الكفر بقضائه لوجب الرضا به , والرضا بالكفر كفر , وتلوا قوله تعالى : { ولا يرضى لعباده الكفر }. وقالوا : من قال إنه يرضى الكفر فقد خالف النص . وقاموا على رأس هذا الأمر , فأعياني أمرهم و بهتني شأنهم .
واجتمعت أنا وهم في مجلس فجرى ذكر القدرية وأنهم مجوس الأمة على ما وردت به السنة . فقالت المعتزلة : القدرية هم المجبرة لوجوه أربعة :
أحدها : أن هذا الاسم أخذ من القدر , وإنما يؤخذ من الإثبات لا من النفي كالموحدة والمشبهة والمجسمة , وقد اختلفنا في أن المعاصي بقدر الله أم لا , فقلتم بلى وقلنا لا , فأنتم بالاسم أولى منا .
وثانيها : أنكم لهجتم بذكر القدر في كل قضية وفي إضافة القبيح إليه , فنسبتم إليه كما يقال تمري ولبني .
وثالثها : روي أن النبي _صلى الله عليه وعلى آله وسلم _ سئل عن القدرية من هم ؟ فقال : قوم يعملون المعاصي ثم يقولون إن الله قدرها عليهم .