[ 40 ]
الصلاة خير الأعمال - على ما فيها من الدعة والسلامة - لاقتصروا في طلب الثواب عليها، وأعرضوا عن خطر الجهاد والمغامرة. الثالث: أن كثيرا من الناس كانوا ينظرون إلى أن الأذان مجرد نداء للصلاة لا يستوجب التغيير فية الاستنكار وكثرة الجدال. فهذه التعليلات قد جعلت الفكرة مقبولة إلى حد ما إذ ليس من السهل أن يعمل الخليفة على ترك ما كان ثابتا أيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويرضى الناس. ولكن ذلك القرار رغم المسواغات والمبررات لم يواجة بقبول تام، فقد ظل جملة من الصحابة يؤذنون بالأذان الأول، كما سأبين فيما يأتي، حتى أنه قد روي عن عبد الله بن عمر أنه كان يؤذن بحي على خير العمل، فيقال له: إن عمر قد أزالها من الأذان. فيقول: رسول الله أحق أن يتبع. ولكن تنحيتها بامر الخليفة وإخلاء الأذان الرسمي للدولة منها جعلها تختفي شيأ فشيأ، وبذلك توارثت
---
[ 41 ]
الأجيال الأذان الخالي منها، وجاء عصر تدوين الحديث فتحير كبار المحدثين في مسألة الأذان، فما يسمعونه من الأذان الموروث المبتور منه حي على خير العمل شئ، وما يروى من طريق الثقات المعول عليهم في النقل شئ آخر. وهذا مما اضطر البخاري ومسلما وهما عميدا المحدثين أن يوردا أحاديث الأذان جملة وتجنبا الأحاديث التي وردت فيها ألفاظ الأذان. أما غيرهما من المحدثين فقد رووا روايات الأذان وذكروا فيها ما هو مسموع في الأذان الرسمي للدولة من الأفاظ. وهذا ما يجعل محدود الإطلاع والتأمل يحكم بان لفظ: (حي على خير العمل) حشر في الأذان وليس منه، حتى أن بعظهم يتجاوز درجة السذاجة حين يزعم أن الشيعة هم الذين أدخلوها في الأذان، رغم ثبوتها عن عبد الله بن عمر وغيره من الصحابة وكبار التابعين في دواوين السنة وبأسانيد صحيحة.. وذلك قبل عصر نشوء الفرق الشيعية وغيرها!!
---
[ 42 ]
الفصل الثالث الصحابة وحي على خير العمل مما يخطر ببال الباحث في هذه المسألة سؤال هام هو: هل وافق جميع الصحابة على قرار الخليفة فيكون ذلك تقريرا منهم أو إجماعا لا يجوز مخالفتة؟ ولماذا لم تعل أصوات الصحابة بمعارضة ذلك القرار؟ وبقليل من التأمل والبحث نجد أن من الصحابة من انتقد القرار وتمسك بالأذان الأول، فقد صح عن بعض الصحابة الذين عرفوا باقتفاء آثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والذين لا يعدلون عن السنة إلى الرأي أنهم ثبتوا على التأذين بحي على خير العمل حتى ماتوا، وإليك نبذة مما روي في ذلك:
---
[ 43 ]
ما روي عن أبي محذورة مؤذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم روى الحافظ العلوي من طريق الطحاوي، قال: حدثنا يونس بن بكير، حدثنا ابن وهب، حدثني عثمان بن الحكم الجذامي، عن ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، قال: تأذن من مضى يخالف تأذينهم اليوم، وكان أبو محذورة يؤذن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأدركتة أنا وهو يؤذن، وكان يقول في أذانة: بين الفلاح والتكبير: حي على خير العمل حي على خير العمل. وروى أيضا من طريق هذيل بن بلال المدائني، قال: سمعت ابن أبي محذورة يقول: ((حي على الفلاح، حي على الفلاح، حي على خير العمل)
---
(1) انظر كتاب الأذان بحي على خير العمل الحديث رقم (5). (2) انظر كتاب الأذان بحي على خير العمل الحديث رقم (7). (3) أوردة الأمير الحسين في شفاء الأوام 1 / 260 واحتج به.
---
[ 44 ]
ما روي عن بلال بن رباح مؤذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم روى الحافظ العلوي (1) من طريق مسلم بن الحجاج، حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة، حدثنا معن بن عيسى، حدثنا عبد الرحمن بن سعد المؤذن، عن محمد بن عمار بن حفص بن عمر، عن جده حفص بن عمر بن سعد، قال: كان بلال يؤذن في أذان الصبح بحي على خير العمل (2).
---
(1) انظر الأذان بحي على خير العمل الحديث رقم (133). (2) أخرجة الطبراني في المعجم الكبير 1 / 352 (1071)، والبيهقي في السنن الكبرى 1 / 425 من طريق يعقوب بن حميد عن عبد الرحمن بن سعد المؤذن عن عبد الله بن محمد بن عمار وعمر وعمار ابني حفص عن آبائهم عن أجدادهم عن بلال، أنه كان ينادي في الصبح فيقول حي على خير العمل. إلا أنه زاد فأمر رسول الله أن يجعل مكانها الصلاة خير من النوم وترك حي على خير العمل. ولكن رواية معن بن عيسى عن عبد الرحمن بن سعد التي أوردها الحافظ العلوي أوثق من رواية يعقوب بن حميد التي أوردها الطبراني والبيهقي باتفاق الجميع، فمعن بن عيسى ثقة ثبت،
---
[ 45 ]
ما روي عن الإمام علي بن أبي طالب وردت عن الإمام علي عليه السلام جملة من الروايات التي تفيد أنه كان يلازم التأذين بها، وأورد الحافظ أبو عبد الله العلوي شطرا منها في (كتاب الأذان)، منها: * عن يحيى بن زيد، عن آبائه، عن علي عليه السلام أنه كان يأمر مؤذنة أن ينادي في أذانة بحي على خير العمل.
---
ويعقوب بن حميد قالوا فيه: ليس بشئ ضعيف. فالزيادة التي أوردها يعقوب ساقطة لورود الرواية من طريق من هو أوثق منه بغير الزيادة. وقد ذكر رواية الطبراني المتقي الهندي في كنز العمال 8 / 343 (23174) بدون الزيادة. وحتى مع فرض صحة رواية الطبراني فإنة يثبت بها أن لفظ: حي على خير العمل في الأذان شرع على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. إضافة الى أنها معارضة برواية مالك في الموطأ 1 / 72 أن الذي أمر بإضافة الصلاة خير من النوم هو عمر بن الخطاب. (1) أنظر كتاب الأذان بحي على خير العمل الحديث رقم (69)
---
[ 46 ]
* وعن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: كان ابن النباح يجئ إلى علي عليه السلام حين يطلع الفجر، فيقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على خير العمل، فيقول علي عليه السلام: (مرحبا بالقائلين عدلا، وبالصلاة مرحبا وأهلا، يا ابن النباح، أقم) (1). * وعن حسين بن عبد الله بن ضميرة، عن أبيه، عن جده ضميرة، عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه كان يقول في أذان الصبح: حي على خير العمل حي على خير العمل. * وعن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، قال: كان أبي علي عليه السلام إذا خرج إلى سفر لايكل *
---
(1) أنظر كتاب الأذان بحي على خير العمل الحديث رقم (70). ورواه الشيخ الصدوق في كتابه (من لا يحضرة الفقية 1 / 201 (890). (2) أنظر كتاب الأذان بحي على خير العمل الحديث رقم (73)
---
[ 47 ]
الأذان إلى غيرة ولا الإقامة، وكان لا يدع أن يقول في أذانه: حي على خير العمل (1). * وعن الأصبغ بن نباتة قال: جاء مؤذنوا علي عليه السلام فحيوه بالصلاة، فقال مرحبا بالقائلين عدلا، وبالصلاة مرحبا وأهلا، فلما تفرق المؤذنون خرج علينا فقال: حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، حي على خير العمل، حي على خير العمل. * وعن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: كان علي عليه السلام يقول في أذانة: حي على الفلاح، حي على خير العمل. * وعن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن عليا عليه السلام كان يقول في الأذان لكل صلاة: حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على
---
(1) أنظر كتاب الأذان بحي على خير العمل الحديث رقم (74) (2) أنظر كتاب الأذان بحي على خير العمل الحديث رقم (75)
---
[ 48 ]
الفلاح حي على خير العمل حي على خير العمل. * وعن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن عليا عليه السلام كان يثني الإقامة كما يثني الأذان. وأخبرنا أنه إن أذن في الصبح قال: حي على خير العمل. * وعن أبي جعفر محمد بن على قال: كان في أذان علي: حي على خير العمل. * وعن الحسن بن علي الينبعي عن أبيه قال: سمعت محمد بن علي يؤذن: بحي على خير العمل، فقلت له: أيش هذا الأذان؟ قال: هذا أذان خير البرية بعد النبي عليه السلام، جدك علي بن أبي طالب عليه السلام (1). * وعن جعفر بن محمد عليه السلام، أن عليا عليه السلام كان يقول لكل صلاة: حي على الفلاح، حي على خير العمل. * وعن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، أن عليا عليه السلام كان يقول لكل صلاة: حي على الصلاة، حي
---
(1) انظر الأذان بحي على خير العمل الحديث رقم (163). *
---
[ 49 ]
على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، حي على خير العمل، حي على خير العمل. ما روي عن: الحسن، والحسين، وعقيل بن أبي طالب، وابن عباس، وعبد الله بن جعفر روى الحافظ أبو عبد الله العلوي عن عبيدة السلماني، قال: كان علي بن أبي طالب، والحسن، والحسين، وعقيل بن أبي طالب، وابن عباس، وعبد الله بن جعفر، ومحمد بن الحنفية، يؤذنون إلى أن فارقوا الدنيا، فيقولون: حي على خير العمل.. ويقولون: لم تزل في الأذان (1). ما روي عن عبد الله بن عمر تواتر عن عبد الله بن عمر بن الخطاب أنه كان يؤذن بها، وروى ذلك عنه مشاهير أصحابة والرواة عنه، وصح ذلك عند كثير من المحدثين والفقهاء.
---
(1) انضر الأذان بحي على خير العمل الحديث رقم (107).
---