[ 30 ]
وسلم، وأبي رافع، وجابر ابن عبد الله الأنصاري، وجميعهم من خيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وإلى جانب تلك الروايات، فقد صح عند الجميع أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إعلمو أن خير أعمالكم الصلاة). فإن قال قائل: إن بعض أهل الجرح والتعديل قد تكلم في بعض رواة هذه الأحاديث، وذلك يسقط الإحتجاج بها. قلنا لة: جوابنا في ذلك من عدة وجوة: الأول: أن معظم رجال هذه الروايات قد وثقهم كثير من علماء الجرح والتعديل، وقد ذكرت تراجمهم في كتابي: (معجم رجال الأذان بحي على خير العمل)، المطبوع مع كتاب الأذان بحي على خير العمل. ثم أنه لم يشترط أحد لصحة الحديث رضى جميع أهل الجرح والتعديل عن رواته، لتعدد مسالكهم في النقد، واختلاف أهوائهم في التعديل والجرح، ألا ترى أن بعضهم وثق عمر بن سعد - قاتل الحسين بن علي -
---
[ 31 ]
في حين قلل بعضهم من شأن رواية الإمام الصادق وغيره من أئمة الهدى.. الثاني: أننا لو اعتبرنا نقد كل ناقد موجبا لسقوط الرواية للزم أن تسقط جميع الأحاديث، لأنها لاتكاد تخلو رواية من نقد ناقد بحق أو باطل، فهذا البخاري - وهو عميد أهل الحديث عند المحدثين - قد اتهمة بعض المحدثين بتدليس، وانتقد أولياؤه من رجال صحيحة نحو خمس مائه راو، فضلا عما يمكن أن يقولة عنه خصومة ومخالفوة. وكذلك تكلم ابن معين في أحمد بن حنبل، وتكلم أبو داود على ابن معين، وذكر الذهبي أن من أهل الحديث من ضعف الترمذي، إلى آخر ما هنالك من الجرح والقدح المقبول وغير المقبول. الثالث: أن الطعن في رواة أحاديث (حي على خير
---
(1) أنظر طبقات المدلسين، لابن حجر العسقلاني 43 - 44، والتبين لأسماء المدلسين، لسبط بن العجمي 48. (2) أنظر: مقدمة فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني.
---
[ 32 ]
العمل) غير مقبول من القائلين بعدم شرعيتها، لوجود داع لتعصب ضد ثبوتها، والحال أن الذين تكلموا في رجال تلك الأحاديث هم من المعارضين لثبوتها، فكيف يقبل كلام خصم في خصمة؟ الرابع: أن كثيرا من العهلماء لا يرون أن نقد الرجال هو الطريقة المثلى لتقييم الأحاديث، واكتفوا بأن يكون الراوي معروفا ولم يأت في روايتة ما يخالف ما جاء به القرآن الكريم ومتواتر السنة. الخامس: أننا لو سلمنا ضعف بعض الروايات أو كلها من وجهة نظر بعض المحدثين، لكان تعددها يقوي بعضها بعضا ويصيرها مما يمكن اعتبارة والاحتجاج به. كما هو الحال في روايات الضم في الصلاة عند المحدثين، فإنها لم تخل رواية من رواياته من نقد وتضعيف، ورغم ذلك احتجوا بها وعملوا بموجبها، بحجة أنه يقوي بعضها بعضا.
---
[ 33 ]
الفصل الثاني متى حذفت حي على خير العمل؟ تؤكد روايات كثيرة أن الخليفة عمر ابن الخطاب (رض) هو الذي اقترح تنحيتها من الأذان أيام خلافتة، مبررا ذلك بأن الناس قد يتخاذلون عن الجهاد معتمدين على الصلاة إذا ظل المنادي ينادي بأنها خير الأعمال.. وقد ورد في هذا المعنى روايات عدة، منها: (1) - ما روي من طريق الباقر عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه قال: كان على عهد رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم يقول المؤذن - بعد قوله: حي على الفلاح -: حي على خير العمل. فلما كان عمر بن الخطاب في خلافتة نهى عنه كراهة أن يتكل عن الجهاد. (2) - وروي من طريق عطاء بن السائب عن
---
(1) انظر كتاب الأذان بحي على خير العمل الحديث رقم (10) *
---
[ 34 ]
أبيه، عن عمر أنه كان يؤذن بحي على خير العمل، ثم ترك ذلك، وقال: أخاف أن يتكل الناس. (3) - وروي من طريق عطاء بن السائب عن أبية عن ابن عمر، أنه قال: كانت في الأذان، فخاف عمر أن يتكل الناس عن الجهاد. (4) - ومن طريق عكرمة عن ابن عباس قال: قلت لابن عباس: أخبرني لأي شئ حذف من الأذان حي على خير العمل؟ قال: اراد عمر بذلك ألا يتكل الناس على الصلاة ويدعوا الجهاد فلذلك حذفها من الأذان. (5) - وروي من طريق الباقر عن أبيه علي بن الحسين زين العابدين أنه قال: كانت في الأذان، فأمرهم عمر فكفوا عنها مخافة أن يتثبط الناس عن
---
(1) انظر كتاب الأذان بحي على خير العمل الحديث رقم (84) (2) انظر كتاب الأذان بحي على خير العمل الحديث رقم (88) (3) رواه الشيخ الصدوق في علل الشرائع 2 - 368.
---
[ 35 ]
الجهاد ويتكلوا على الصلاة. (1) (6) - وروي عن الإمام زيد بن علي أنه قال: مما نقم المسلمون على عمر أنه نحى من النداء في الأذان حي على خير العمل، وقد بلغت العلماء أنه كان يؤذن بها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قبضه الله عز وجل، وكان يؤذن بها لأبي بكر حتى مات، وطرفا من ولاية عمر حتى نهى عنها (2). (7) - وروي عن جعفر بن محمد الصادق، قال: كان في الأذان حي على خير العمل، فنقصها عمر. (8) - وروي القاضي زيد الكلاري في (شرح التحرير): عن الإمام القاسم بن إبراهيم أنه قال: فأما حي على خير العمل فكانت في الأذان الأول فسمعها عمر يوما فأمر بالإمساك فيه عنها، وقال: إذا سمعها
---
(1) رواه الإمام المرادي (رأب الصدع 1 - 196 (235)) وسيأتي نحوه من رواية الحافظ العلوي. (2) انظر الأذان بحي على خير العمل الحديث رقم (174). (3) انظر الأذان بحي على خير العمل الحديث رقم (177).
---
[ 36 ]
الناس ضيعوا الجهاد لموضعها واتكلوا عليها. (9) - عن الإمام الهادي في (الأحكام): وقد صح لنا أن حي على خير العمل كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يؤذن بها على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم تطرح إلا في زمن عمر بن الخطاب، فإنة أمر بطرحها وقال: أخاف أن يتكل الناس عليها ويتركوا الجهاد (1). وقال في المنتخب: وأما حي على خير العمل فلم تنزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قبضة الله، وفي عهد أبي بكر حتى مات وإنما تركها عمر وأمر بذلك، فقيل له: لم تركتها؟ فقال: لئلا يتكل الناس عليها ويتركوا الجهاد (2). (10) - وعن الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي، قال: لم يزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم
---
(1) الأحكام 1 / 84. (2) المنتخب 30.
---
[ 37 ]
يؤذن بحي على خير العمل حتى قبضه الله، وكان يؤذن بها في زمن أبي بكر، فلما ولي عمر، قال: دعوا حي على خير العمل لا يشتغل الناس عن الجهاد، فكان أول من تركها (1). (11) - وذكر سعد الدين التفتازي - وهو من علماء أهل السنة - في (حاشية شرح العضد) أن حي على خير العمل كان ثابتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأن عمر هو الذي أمر أن يكف الناس عن ذلك مخافة أن يتثبط الناس عن الجهاد ويتكلوا على الصلاة (2). (12) - نص القوشجي - في أواخر مباحث الإمامة من كتابة (شرح التجريد)، وهو من أئمة المتكلمين على مذهب الأشاعرة - على أن عمر بن الخطاب قال وهو على المنبر: (ثلاث كن على عهد
---
(1) الجامع الكافي الجزء الأول مخطوط. (2) حكاه عنه في الروض النضير 1 / 5 42. *
---
[ 38 ]
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أنهى عنهن وأحرمهن وأعاقب عليهن.. ثم ذكر منهن حي على خير العمل). وبهذا يتضح أن تنحية حي على خير العمل كان بأمر من الخليفة، وأن ذلك كان إجراء سياسيا لا شرعيا، فقد أبدى قلقه من أن النداء بهذه اللفظة في كل أذان قد يؤدي إلى تثاقل الناس عن الجهاد، وهذا المبرر قد يكون صحيحا في نظرة فيعذر، مع أن هنالك من يرى أن ما ذكر ليس بكاف لتنحية لفظة من الأفاظ الأذان، لاسيما وأن المسلمين لم يتثبطوا عن الجهاد حينما كان يؤذن بها أيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأيام أبي بكر، بل صح عنه أن گان يقول: (اعلموا أن خير أعمالكم الصلاة)، وهو حديث صحيح
---
(1) حكاه عنه العلامة محمد يحيى بهران عن حاشية سعد الدين التفتازاني على العضد، كما في ضياء ذوي الأبصار 1 / 61 - خ -. وحكاه السيد عبد الحسين شرف الدين في الفصول المهمة في تأليف الأمة 84. *
---
[ 39 ]
مشهور، رواه البخاري ومسلم ومالك وأحمد وغيرهم. فالاعتراض هنا لايرد على الخليفة بقدر ما يرد على من يتعصب لتصرفاتة، فيجعل منها تشريعا وتقنينا، مع أن الناس غير ملزمين بالعمل برأية واجتهادة وإن كان خليفة، فقد اجتهد غيرة من الخلفاء وكبار الصحابة ولم يزعم أحد أن شيئا من اجتهاداتهم ملزم للمسلمين بحيث لا يجوز مخالفتة. أثر قرار تنحية حي على خير العمل من الأذان لاشك أن قرار تنحية حي على خير العمل من الأذان - بالكيفية المذكورة - كان له أثر كبير واستجابة على نطاق واسع، وذلك للأسباب التالية: الأول: أن القرار صدر بأمر رسمي من الخليفة، وقد كان الناس ينظرون إلى الخليفة حين ذاك على أنه الراعي للشريعة وحامي حمى الدين، وشواهد هذا كثيرة ليس هنا محل ذكرها. الثاني: أن القرار كان معللا بعلة يمكن لكثير من الناس قبولها، وهي أن العامة لو ترسخ عندهم أن
---