[ 10 ]
ما سنتحدث عنه في هذا البحث. وقال بعض العلماء: أن المشروع هو الأذان بدونها، ولكنه لم يقدم أجابة واضحة ومقنعة على تساؤلات كثيرة منها: ماذا عسى أن يكون مقصد من أثبت هذه الجملة؟! وفي أي زمن أدخلت في الأذان؟ ومن هذا العبقري الذي حشرها فيه؟ ثم لماذا أصر بعض الصحابة على التأذين بها؟ ولماذا عمل جمهور من المسلمين على اختلاف بلدانهم ومذاهبهم؟ هل ذلك صدفة؟ أم أن لهم في ذلك مصلحة؟ أم أن الشرع وراء كل ذلك؟ وقد حاول بعض تاركي (حي على خير العمل) الإجابة على تلك التساؤلات بإجابات منها: الإجابة الأولى: تفيد أن جملة (حي على خير العمل) في الأذان مبتدعة، وأنها لم تشرع أصلا،. أن بعض الرواة أقحم هذه الجملة في الأذان إما لجهلة، أو لأنه مندس على المسلمين ليزيف عليهم دينهم، واكتفي في الإستدلال على ذلك بخلو روايات جمهور
---

[ 11 ]
المحدثين منهم. وهذه الإجابة غير موضوعية ولا مقنعة، لعدة أسباب: السبب الأول: أنه قد صح عند جميع المسلمين أن من الصحابة من كان يذكرها في أذانه، مؤكدا على أنه إنما يقولها اقتداء برسول الله صلى الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك على مرأى ومسمع من بقية الصحابة، ولم ينكر علية أحد أو يدعي أنه ابتدعها. وهذا ما سنفصلة فيما سيأتي. السبب الثاني: أن الأذان نداء يرفع كل يوم خمس مرات في كل بلد للمسلمين فيه وجود، فكيف يتأتى لجاهل أو مندس أن يشكك فيه، أو يضيف إليه ما ليس منه تحت سمع وبصر علماء الأمة وأئمة المذاهب دون أن يذكروا اسمه ووصفه ودوافعة وزمانة؟ السبب الثالث: أن اصحاب هذا الإجابة لم يحددوا الراوي الذي أقحم هذه الجملة، أو العصر الذي أقحمت فيه - على الأقل - حتى يمكن النظر في ذلك ومناقشتة.
---

[ 12 ]
السبب الرابع: أن عدم ورود (حي على خير العمل) في روايات بعض المحدثين، لا يدل على عدم الورود مطلقا، فكم ترك هذا لذاك، وكم من الأفعال والتروك تقف وراءها مؤثرات شتى لا علاقة لها بصحة رواية أو ضعفها. ثم ما هو المانع من أن تكون هذه الجملة قد اسقطت من الروايات الأولى عمدا أو سهوا لاسيما وأن إسقاط الراوي أو الناسخ أي لفظ من أي رواية وتحت أي تأثير في غاية اليسر والسهولة. السبب الخامس: أنه قد روي في شرعيتها جملة من الروايات، ولا يليق بمنصف تجاهلها وعدم اعتبارها بدون حجة مقبولة. الإجابة الثانية: تفيد أن الأذان شرع أولا وفية حي على خير العمل، ثم نحيت عنه بأمر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم على سبيل النسخ، فعمل من حذفها بالناسخ، وبقي المثبتون لها على العمل بالمنسوخ، وهذا ما يوحى به كلام العلامة المقبلي في
---

[ 13 ]
(المنار)، واستدل بما روى الطبراني والبيهقي أن بلالا كان يؤذن بها ثم أمر بتركها. وبما روي عن عبد الله بن عمر وعلي زين العابدين أنهما كان يقولان - عن الأذان بحي على خير العمل -: هو الأذان الأول. وهذه الإجابة تفيد الاعتراف بشرعية الأذان بحي على خير العمل، وتفتقر إلى إقامة الدليل على نسخها والأمر بتركها. فأما ما روي أن بللالا أمر بتركها، فإنما ذلك في رواية يعقوب بن حميد، وقد ضعفة كثير من المحدثين، وتلك الرواية بعينها رواها الحافظ العلوي (2) من طريق الإمام مسلم بسند آخر وليس فيها أنه أمر بتركها. وعلى افتراض صحة الراوية فإنها لم تحدد الزمن الذي أمر بلال بتركها فيه، هل كان في زمن رسول الله أو بعده. وأما الاستشهاد بما روي عن زين العابدين أنه كان * (هومش) * (1) المنار 1 / 146. (2) أنظر كتاب الأذان بحي على خير العمل رقم (11). *
---

[ 14 ]
يقول: هو الأذان الأول، فهو يعني أنه الأذان الأول المعمول به قبل تنحية عمر لها. أما الاستشهاد بتلك الرواية على نسخ (حي على خير العمل) فذلك ينتقض بأنة قد صح عن ابن عمر وعلي زين العابدين - عند الجميع - أنهما كانا يثبتانها في أذانهما، فلو علما نسخا لتجنبا ذكرها، فقول من قال بالنسخ مجرد تخمين لا يعول علية. الأجابة الثالثة: يقول معظم النافين لثبوت (حي على خير العمل): إن هذه اللفظة لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأن كان قد صح ثبوتها عن بعض الصحابة والتابعين، لأن الحجة ليست إلا في ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا كلام قد يقبل لأول وهلة، وقد يكون مقنعا إذا لم يتبعة شئ من الدراسة والبحث، أما مع البحث
---
(1) وهذا ما تشبث به الشوكاني في سيلة الجرار 1 / 205، وفي حاشيتة على شفاء الأوام 1 / 260.
---

[ 15 ]
والتنقير، فهوا مردود من عدة وجوه. الأول: أن هذه اللفظة قد ثبتت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عدة طرق - كما ستعرف لاحقا - وليس النزاع الحقيقي في ثبوتها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما هو في أن النافي يريد أن تروى من طريق أئمتة وسلفة وهم ممن يعارض ثبوتها، وهذا من البعد. بمكان، لأن النافي لا يروي - في الغالب - إلا ما يؤيد نفية، ألا ترى أن من يذهب إلى تربيع التكبير لا يروي ما فية تثنيتة، إلا على جهة النقد والتضعيف، وكذلك العكس. الثاني: أنه قد ثبت عن بعض الصحابة - بإقرار الجميع - أنهم كان يؤذنون بها، وهذا يدل على ثبوتها عن النبي صلى الله عليه واله وسلم، لأن ألفاظ الأذان الفاظ شرعية ليست مما يقال بالرأي والاجتهاد. قال الإمام يحيى بن حمزة: الحجة الرابعة: ما روى نافع عن ابن عمر (رض) أن زاد في أذانة حي على خير العمل، ومثل هذا لا يقولة عن نظر واجتهاد وإنما يقولة
---

[ 16 ]
عن توقيف من جهة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إذ لامساغ للأجتهاد فيه بحال (1). الثالث: أنه لم يرو عن أحد من الصحابة النكير على عبد الله ابن عمر، الذي ثبت عنه بأصح إسناد - على حد تعبير ابن حزم - أنه كان يؤذن بها، وهذا بمثابة الإعتراف بشرعيتها. الرابع: أن الصحابة الذين لازموا التأذين بحي على خير العمل كانوا من أشد الناس تمسكا بالسنن، ولم يصرح أحد منهم بأن تأذينه بها مجرد رأي رأه، كما هو الحال في تنحية عمر لها، بل بالعكس ضلوا يؤكدون على أنه الأذان المشروع وهم منزهون عن التعمد التمسك بالبدعة. وبعد هذه المقدمة وما تضمنتة من عرض مجمل لما نحن بصدد الحديث عنه أود أن أخلص إلى أصل
---
(1) الإنتصار. الجزء الأول - مخطوط. (2) المحلى بالآثار 2 / 194.
---

[ 17 ]
الموضوع الذي أرجو أن يساعد على بيان الحقيقة، ويمكن من الإجابة على كثير من التساؤلات، وذلك مالا أضنة يحصل إلا عند حصول الإنصاف وغياب التعصب والتأثير المذهبي. فمن الله استمد العون والسداد إنه على ما يشاء قدير وهو حسبي ونعم الوكيل. * * * *
---

[ 18 ]
الفصل الأول: حي على خير العمل في أيام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وردت عدة روايات تشير إلى أن حي على خير العمل كانت ثابتة في الأذان أيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنها كانت في أذان النبي يوم الخندق. قال في (الروض النضير): وفي (كتاب السنام) ما لفظة: الصحيح أن الأذان شرع بحي على خير العمل، لأن أتفق على الأذان به يوم الخندق، ولأنه دعاء إلى الصلاة، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: (خير أعمالكم الصلاة). كما ورد ت روايات أخرى تفيد أن مؤذني رسول
---
(1) الروض النضير 1 / 542. *
---

[ 19 ]
الله صلى الله عليه وآله وسلم وغيرهم من الصحابة إستمروا على التأذين بها حتى ماتوا. ولأن هذا الأمر يعتمد على الأدلة النقلية أكثر من أعتمادة على أي أستدلال آخر، فهذه جملة من الأحاديث التي تؤكد على أن (حي على خير العمل) كانت في الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الحديث الأول - رواة الأمام المؤيد بالله في (شرح التجريد)، من طريق أبي بكر المقرئ، قال: حدثنا الطحاوي - الفقية -، قال: حدثنا أبو بكر، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا ابن جريج، قال: حدثنا عثمان بن السائب، قال: أخبرني أبي، أن عبد الملك بن أبي محذورة، عن أبي محذورة - مؤذن
---
(1) انضر شرح التجريد الجزء الأول - مخطوط.. (2) المحدث الحنفي المشهور صاحب كتاب (شرح معاني الآثار)، وكتاب (مشكل الآثار).
---

2 / 9
ع
En
A+
A-