مصادر الترجمة
1- (الحاكم الجشمي ومنهجه في تفسير القرآن): تأليف الدكتور عدنان زرزور، مؤسسة الرسالة.
2- (طبقات الزيدية): للسيد إبراهيم بن القاسم، القسم الثالث (تحت الطبع بتحقيقنا).
3- (مطلع البدور ومجمع البحور): للعلامة أحمد بن صالح بن أبي الرجال، (تحت الطبع بتحقيقنا).
4- (المستطاب): ويسمى (طبقات الزيدية الصغرى) ليحيى بن الحسين (مخطوط).
5- مقدمة كتاب (رسالة إبليس إلى إخوانه المناحيس) الطبعة الأولى.
6- (أعلام المؤلفين الزيدية): تأليف: عبد السلام الوجيه، ط1، مؤسسة الإمام زيد، ترجمة رقم(875) وانظر بقية مصادر الترجمة فيه.

الكتاب
الكتاب الذي بين أيدينا هو أحد أهم كتب علم الكلام التي اشتهر بها الحاكم - رحمه الله - ودفع حياته ثمناً للحقائق التي صدع بها، أسماه (تحكيم العقول في تصحيح الأصول)، وقال عنه: ((جمعت في كتابي هداية للمسترشدين ورياضة للمتدبرين مسائل لا بد من معرفتها، ولا يسع المكلف جهلها، وأشرت إلى نكته وعُمد من أدلة العقل والكتاب والسنة والإجماع، وبيّنت أن جميع هذه الأدلة يوافق بعضها بعضاً، وأن شيئاً منها لا يوجب اختلافاً ونقصاً، وأوردت في كل مسألة مضائق لكل طائفة تلجئهم إلى الإعتراف لا محيص لهم عنها، وبيّنت أن المخالفين كما خالفوا العقول خالفوا الكتاب والسنة)).
وقد ذهب الحاكم في هذا الكتاب باحثاً عن الحقيقة، بعد أن نظر في الآراء المختلفة والأهواء المتفرقة، ووجد الناس مختلفين في جميع الديانات وفي المحسوسات والمعقولات كما يقول، ورأى كل فرقة تكفر صاحبتها وتضللها، وتدعو إلى عقيدة تعتقدها وتنتحلها، فخطر بباله أنه لا بد من حق وحقيقة، ولا بد في ذلك من سبيل وطريقة، فوجد الطريق إلى النجاة هو التفكر لتمييز الحق من الباطل، ووجد أولى ما يشغل به المرء العاقل أمور دينه، علماً يحصله، وعملاً يعمل به، واهتدى إلى الحقيقة بعد بحث، وصرّح بها في قوله:
((ولما بحثت عن المذاهب وجدت الحق في مذاهب أهل التوحيد والعدل الذين هم أئمة المسلمين، والذابُّون عن الدين، والرادُّون على المبتدعة والملحدين…)) إلى آخر ما ذكره في مقدمته لهذا الكتاب الذي قسمه إلى خمسة أقسام:
أولها: في ذكر مقدمات لا بد منها (في نعم الله على عباده وما أوجبه على العباد، وفي أصول الدين وفروعه علام تنبني، والتمييز بين الحق والباطل بالأدلة).

أما ثانيها: الكلام في التوحيد (في وجوب النظر، وحدوث العالم، وإثبات المحدث، وصفاته، وفي نفي الطبائع والرد على الطبائعية، والرد على المنجمين وعلى الغلاة والمفوضة، وما يجب للباري من الصفات، وما لا يجوز عليه من الأوصاف…الخ).
وثالثها: الكلام في العدل (في أن الله تعالى لا يفعل القبيح، وفي خلق الأفعال، وفساد قولهم بالكسب، وكذلك مسائل الإرادة والهدى والضلال والإستطاعة وتكليف ما لا يطاق وغيره).
ورابعها: الكلام في النبوات (جواز البعثة، وصفات الرسول وبيان الطريق إلى معرفته، ومسائل في العصمة ونسخ الشرائع، وإثبات نبوة النبي ومعجزاته سوى القرآن).
وخامسها: الكلام في الشرائع (مسائل الوعيد، والشفاعة، والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومسائل في التوبة، وأحكام الآخرة، وفصل في الشرائع ذكر منها عناوين الأحكام الشرعية في الفقه).
وفي ثنايا هذه الأقسام والمواضيع نجد أسلوب الحاكم القائم على العقل والدليل والمنطق، والبعد عن الحشو والتلفيق والمغالطة، وهو ما يميز هذا الكتاب وغيره من كتبه - رحمة الله عليه - التي مثلت خلاصة الخلاصة لجهود من سبقوه من رواد العقل والمعرفة والفكر الحر الباحثين عن الحق والعدل والمضحين في سبيله.

منهج التحقيق
1- بعد أن عثرت على هذه النسخة الفريدة ذات الخط الرائع، دفعتها للصف والطباعة مباشرة على الكمبيوتر.
2- أعيدت إليَّ بعد الصفّ، فقمت بمقابلة النص المطبوع على النص المخطوط، والتأكد من ضبط النص كما هو في الأصل.
3- استوفيت علامات الترقيم اللازمة، وتقسيم النص إلى فقرات، ووضعت بعض العناوين بين معقوفين وهي قليلة.
4- قمت بتخريج الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وهي قليلة.
5- قمت بترجمة بعض الأعلام المذكورين في النص، وتعريف بعض الفرق والطوائف، وتوضيح بعض المصطلحات اللغوية.
6- بعد التصحيح عرضت الكتاب على السيد العلامة بدر الدين بن أمير الدين الحوثي حفظه الله، فصحَّحه تصحيح العالم المحقق المدقق، وأضاف بعض التوضيحات المذكورة في الهامش ممهورة بكلمة: (تمت سيدي بدر الدين).
وحسبي في هذا العمل أني أظهرت هذا الكتاب الفريد مضبوط النص بقدر الإمكان ليضاف إلى كنوز التراث الإسلامي، ويسهم في إنارة العقول وهدايتها إلى معرفة الله حق معرفته.
أسأله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن يتقبله ويجزي كل من ساهم في طباعته ونشره وإخراجه إلى النور.
عبد السلام عباس الوجيه
صنعاء في 1/5/2000م

مقدمة المؤلف
بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيْمِ
وبه أستعين، وعليه أتوكل
الحمد لله المتفرد بالكبرياء، المتوحد بالبقاء، فاطر الأرض والسماء، رب الظلمة والضياء، العدل في القضاء، الحكيم في الإعادة والإبداء، وصلواته على محمد خاتم الأنبياء، وعلى آله سادات الأولياء.
أما بعد..
فإني لما نظرت في الآراء المختلفة، والأهواء المتفرقة، وجدت العقلاء مختلفين في جميع الديانات، وفي المحسوسات والمعقولات، فمن سوفسطائي نفى حقيقة كل شيء حتى المشاهدات، ومن مثبتٍ للمشاهد دون الإستدلاليات، ومن قائل بالإستدلال منكر للصانع قائل بالهيولى والطبائع، ومن ثنوي أثبت أصلين قديمين، ومن مجوسي قال بصانعين، ونصراني وصف الصانع بالتثليث والإلحاد، ومشبه وصفهُ بالأنداد، وآخر بالمجيء والذهاب والمكان والجهات، وقرمطي نفى الصفات، وأبطل الشرائع والنبوات، وصفاتيّ أثبت معه أشياء، ومجبر أضاف إلى خلقه القبائح والفحشاء، وبرهمي سد باب النبوات، ويهودي أنكر نسخ الشرعيات، ومن غال ومفوض أضاف صنع الله إلى خلقه وأثبت العالم صنعاً لغيره، ومن مناسخ أثبت للمكلف حالاً أطاع وعصى ثم نسخ إلى الحالة الأخرى، ومن مرجي لا يرى وعيد الفجار ويثبت لهم الخلود في دار الأبرار، وخارجي كفَّر من ارتكب فسقاً، وحشوي يراه مؤمناً حقاً، ومن منكر للبعث والجزاء والموعود يوم اللقاء، ومن رافضي كفّر الصحابة، وناصبي نصب لأهل البيت العداوة، إلى غير ذلك من المقالات المختلفة.
ورأيت كل فرقة تكفِّر صاحبتها وتضلّلها، وتدعو إلى عقيدة تعتقدها وتنتحلها، وكل أحد يوعد من خالفه عذاباً أليماً، ويرى لموافقته ثواباً ونعيماً.

وخطر ببالي أنه لا بد من حق وحقيقة، ولا بد في ذلك من سبيل وطريقة، فوجدت الطريق إلى النجاة هو التفكر لتمييز الحق من الباطل، ورأيت العقلاء يفزعون إلى النظر إذا دهمتهم المعضلات وحزبتهم المشكلات، فنظرت في المسائل مسألة مسألة حتى استوفيتها، وتصفحت الأدلة والشُّبَه حتى عرفتها، وتبينت متعلق كل طائفة وحجج كل فرقة، ووجدت سبيل الحق ظاهرة، وبراهينه لائحة، ومذاهب كل المبطلين داحضة، ومقالتهم متناقضة، ورأيت القوم ذهبوا في الضلالة كلّ مذهب لضروب من الدواعي، وانصرفوا من الحق لضروب من الصوارف، منها: الإلف والعادة، فإن العدول عن المألوف ممّا يصعب ويشق، ومنها التقليد، إما للآباء وإما للرؤساء، كما قالوا: ?إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ?[الزخرف:23]، ومنها الهوى الذي يميل بالرجل عن سواء السبيل، ومنها الرئاسة وما فيها من المنافسة، ومنها الإعراض عن النظر الصحيح، والإشتغال إما بالشبه أو بالهوى واللعب، ومنها العناد، إلى غير ذلك، فإن دعاوي الباطل كثيرة، والصوارف عن الحق جمة، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وآله -: ((حفَّت الجنة بالمكاره وحفَّت النار بالشهوات)).
ووجدت أولى ما يشغل به المرء العاقل أمور دينه من علم يحصله ثم عمل يعمل به، فإن مبني أمور العقلاء على شيئين: جلب نفع، ودفع ضرر، ولا نفع أعظم من الثواب، ولا ضرر أعظم من العقاب، فلا شيء من المنافع يرغب العاقل في طلبه إلا وهو حاصل في الثواب، فمنها أنه نعمة، ومنها أنه كثير، ومنها أنه دائم، ومنها أنه خالص غير مشوب بما ينغصه، ومنها أنه مستحق، ومنها أن النعيم فيه يدوم له، ومنها أنه يقارنه التعظيم إلى غير ذلك من الوجوه.

وعلى الضد من ذلك حال العقاب، فلا شيء يخاف منه العاقل ويعد ضرراً إلا وهو حاصل فيه، فمنها أنه آلامٌ ومحن، ومنها أنه كثير، ومنها أنه دائم، ومنها أنه غير مشوب براحة، ومنها أنه مستحق، ومنها أنه دائم فيه، ومنها أنه مستحق يقارنه الإستخفاف والإهانة إلى غير ذلك من الوجوه، فلا شيء أولى من طلب الثواب، ولا شيء أهم من النجاة من العقاب، وحصول ذلك بالعلم والعمل.
ولما بحثت عن المذاهب وجدت الحق في مذاهب أهل التوحيد والعدل الذين هم أئمة المسلمين، والذابون عن الدين، والرادون على المبتدعة والملحدين، ورأيت العقول دالة على صحة مقالاتهم، والكتاب ناطقاً بسدايد اعتقاداتهم، ووردت به السنة، وانعقد عليها إجماع الأمة، ووجدت لهم من السلف والخلف الداعين إلى دين الله تعالى وتوحيده، والباذلين جهدهم في تنزيهه وتمجيده، ولم أجد طائفة تدانيهم، ولا فرقة تساويهم، فرحم الله ماضيهم وباقيهم.
ثم وجدت من مصنفاتهم ما لا يكاد يأتي عليه الإحصاء والعد، ومن أدلتهم ما لا يأتي عليه الحصر والحد،ووجدت إسنادهم يتصل بعلي - عليه السلام - عن رسول الله - صلى الله عليه وآله - ووافقهم في مقالاتهم علماء أهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وآله -.

ورأيت غيرهم من الطوائف حالفوا الأباطيل وخالفوا الدليل، ووجدتهم عن الحق ذاهبين، وفي مقالاتهم كاذبين، فعند ذلك جمعت في كتابي هداية للمسترشدين، ورياضة للمتدبرين مسائل لا بد من معرفتها، ولا يسع المكلف جهلها، وأشرت إلى نكتهِ وعمدٍ من أدلة العقل والكتاب والسنة والإجماع، وبينت أن جميع هذه الأدلة يوافق بعضها بعضاً، وأن شيئاً منها لا يوجب اختلافاً ونقضاً، وأوردت في كل مسألة مضايق لكل طائفة تلجئهم إلى الإعتراف لا محيص لهم عنها، وبينت أن المخالفين كما خالفوا العقول خالفوا الكتاب والسنة، وسميته (تحكيم العقول في تصحيح الأصول)، وتركت الكلام في الدقائق اقتداءً بشيخنا أبي الفضل جعفر بن حرب رحمة الله عليه، فأتى في حال شيبه وآخر عمره أخذ يصنف في المسائل الظاهرة من التوحيد والعدل دون الخوض في دقائق الكلام، وإلى الله تعالى أتقرب بجميع ذلك، وأسأله التوفيق والعصمة.
والكتاب ينقسم إلى خمسة أقسام:
أولها: في ذكر مقدّمات لا بد منها.
وثانيها: الكلام في التوحيد.
وثالثها: الكلام في العدل.
ورابعها: الكلام في النبوات.
وخامسها: الكلام في الشرائع، وكل قسم منها يشتمل على مسائل، وكل مسألة تتضمن دلائل نحررها ونذكر الشبه فيها ونحلّها، كلّ ذلك على سبيل الإيجاز والاختصار، وبالله أستعين، وعليه أتوكل، وهو حسبي ونعم المعين.

القسم الأول في ذكر مقدمات لا بد منها
مسألة [في نعم الله على عباده]
إن سأل سائل فقال: ما نعم الله على عباده؟ وما أول تلك النعم؟ وما الذي يجب على العبد في مقابلة تلك النعم؟.
فالجواب: أما نعمه تعالى على الجملة، فكل نعمة في الدين والدنيا تحصل للعبد فهي منه تعالى.
وأما تفصيل تلك النعم فلا يمكننا معرفته، وهو تعالى أعلم بتفاصيلها، ويجب على العبد أن يشكره تعالى على جميع ذلك على الجملة، بأن يعرف بأن جميعها منه وأن العبادة هو المستحق لها، ويعبده كما أمره، وينتهي عن معاصيه.
فأما أول نعمةٍ له على العبد فخلقه إياه حياً لينفعه؛ لأن غير الحي لا يصح أن ينتفع، والمنافع التي خلق الله الخلق لها ثلاث: تفضلٌ، وثوابٌ، وعوضٌ، ولما لم يصح الثواب والأعواض إلا بالتكليف كلّفه ليصل إلى جميع أنواع النعم.
فإن قيل: أليس غيره أيضاً ينعم بالإعطاء والمواهب؟.
قلنا: بلى، ولكن ما يُعطيه من الأشياء المنتفع بها خلقه تعالى وهو الذي جعل الواهب والموهوب له بحيث له تصح الهبة ورغب إلى ذلك، فمعظم النعم منه تعالى، وإن كان هذا المعطي أيضاً منعماً يجب شكره إلا أن معظم الشكر له تعالى.

مسألة [في ما أوجبه الله على عباده]
إن قال: ما أول ما أوجب الله تعالى على عباده؟ وما سائر الواجبات؟
الجواب: قلنا: التكليف يتضمن شيئين العلم والعمل، والعلم أصولٌ وفروعٌ، فمنها ما يجب تعيّنه على كل مكلّف، ومنها ما هو فرضٌ على الكفاية.
والعمل على ضربين: فعل وترك، والفعل على ضربين، فمنه ما يجب على كل واحد، ومنه ما هو فرضٌ على الكفاية، فأول ما يجب على المرء النظر في طريق معرفته تعالى ليعرفه، ثم يعرف صفاته، ثم يعرف النبوات والشرائع، وذلك يشتمل على علوم التوحيد والعدل وعلوم النبوات والشرائع.

3 / 21
ع
En
A+
A-