مسألة في نسخ الشرائع
أنكرت اليهود النسخ ثم اختلفوا، فمنهم من أنكره عقلاً، ومنهم من أنكره شرعاً، ومنهم طائفة تقر بذلك إلا أنها تقول: لم يأت بعد موسى صاحب معجز. فإذا بينا المعجزات بطل قولهم.
ويقال لهم: الشرائع مصالح ووجه وجوبها كونها مصالح؟ فلا بد من: بلى. فيقال: أليس يجوز أن تختلف المصالح بالمكلفين والأزمنة والأمكنة؟.
ويقال لهم: أليست مصالح تختلف في الأزمنة والأمكنة والمكلفين؟ فلا بد من: بلى، وإلا أنكروا المشاهدات لاختلاف الأسباب باختلاف الأزمنة والأمكنة والناس، وإن قالوا: نعم، قلنا: فلم لا يجوز أن يكون كذلك في مصالح الدين.
ويقال لهم: شريعة موسى هي شريعة آدم أم غيرها؟.
فإن قالوا: هما واحد.
قلنا: فوجب أن لا تضاف إلى موسى وتضاف إلى آدم -عليه السلام- وإن قالوا: هي غيرها، تركوا مذهبهم وقالوا بالنسخ.
ويقال لهم: أليس قبل مجيء موسى، وظهور المعجز عليه كان يقبح الإقرار بنبوته ويحرم؟ فلا بد من: بلى، فيقال: أليس بعد بعثته وجب؟ فلا بد من: بلى، فيقال لهم: أوجب القبح أم قبح الواجب؟ فإن قالوا: لا ولكن هذا غير ذلك. قلنا: كذلك في نسخ الشرائع مثله.
ويقال لهم: أليس في زمن آدم كان يجوز التزوج بالأخت، وفي زمن يعقوب كان يجوز الجمع بين الأختين؟.
فإن قال: لا.
قلنا: ثبت ذلك بالنقل.
وإن قال: نعم.
قلنا: أليس ذلك نسخ بشريعة موسى عليه السلام.
ويقال له: ما تقول في رجلٍ صحيح أمر بالصلاة، أو غنيٍّ خوطب بالزكاة، أو قويٍّ أمر بالجهاد، أيجوز ذلك؟ فلا بد من: بلى، فيقال: مرض الصحيح وعجز، وافتقر الغني، وضعف القوي، أيسقط عنه الأمر المتوجه عليه؟.
فإن قال: لا كابر، وإن قال: نعم.
قيل له: أليس هذا هو معنى النسخ أن يسقط واجباً أو يوجب مباحاً.

فإن قالوا: النسخ يدل على البدا.
قلنا: البدا هو الظهور، ومعناه أن يظهر له شيء خفي عليه أو يخفى ما كان ظاهراً، والله تعالى عالمٌ لذاته فلا يجوز عليه البدا، والنسخ ليس من البدا بسبيل والفرق بينهما ظاهر، فالبدا كل أمرٍ ونهيٍ ورد، والمأمور واحد والفعل واحد والوجه واحد والوقت واحد، فإذا تغير واحد من هذه الأربعة فلا يكون بدا بل يكون لتغير المصالح.
ويقال له: أرأيت رجلاً قال لغلامه ادخل السوق بكرة غدٍ واشتر لحم الغنم، ثم قال لغلام آخر: لا تدخل، أو قال لهذا الغلام: لا تدخل اليوم، أو قال: لا تشتر شيئاً آخر، أو قال: لا تشتر لحم البقر، أيكون هذا بدا أو يكون القبيح والحسن يرجعان إلى شيء واحد؟.
فإن قال: نعم كابر، وإن قال: لا، فهذا سبيل النسخ فلا يدل على البدا.
فأما المنكرون نسخ شريعة موسى من جهة السمع، ويروون خبراً عن موسى في ذلك فلا يُدْرَى أصادقون في ذلك أم لا، ولا يُدرى لفظ الخبر حتى يُنْظر فيه أيقتضي ما يقولونه أم لا؟.
ثم يقال لهم: ما تقولون في موسى - عليه السلام - قال: "تمسكوا بشريعتي ولا تؤمنوا بغيري وإن كان صاحب معجز"، أو قال: "إذا لم يكن صاحب معجز"، فإن قال بالأول فقد قدح في نبوة نفسه، وإن قال بالثاني فقد وافقنا، ونحن كذا نقول، ويبقى الكلام في بيان معجزات نبينا - صلى الله عليه -.
ويقال لهم: ما الطريق إلى تصحيح هذا الخبر؟.
فإن قالوا: اليهود نقلته خلفاً عن سلف.
قلنا: فاليهود كلّهم لا ينقلون الخبر، بل منهم من يمنع النسخ عقلاً، ومنهم من يقول: إن محمداً - صلى الله عليه وآله - نبي إلى العرب خاصة.

وبعد فلو كان الخبر متواتراً وحصل فيه شرط التواتر لكان العلم به ضرورياً، فكما يحصل لليهود يحصل لمن خالطهم من المسلمين، وفي فقده دليل على فساد ما ادّعوا، وليس كذلك ما نقوله في نبينا - صلى الله عليه وآله - لأنه علم من دينه ضرورة أن لا نبي بعده، علمه المخالف والموالف؛ ولأنه لم يأت به صاحب معجز بخلاف موسى.

مسألة في إثبات نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وذكر معجزاته
العلم بكونه وادعائه النبوة وأنه الذي أتى بالقرآن وشريعة الإسلام فدعا إليها، وأنه هاجر من مكة إلى المدينة، وأنه تحدى بالقرآن علم ضروري يعرفه المخالف والموافق، ويبقى الكلام في معجزاته.
فمن ذلك القرآن، والذي يدل عليه أنه معجز أنه تحدى العرب وقال: إني نبي وهذا القرآن معجزة لي لا يقدر أحد على الإتيان بمثله، وكفّرهم وضلّلهم وسفّه أحلامهم وكفّر آباءهم، وظهرت عداوتهم له بالنفس والمال مع مشقة، فلو قدروا على مثل القرآن لأتوا به، وهذه الدلالة تنبني على أصول:
أحدها: إنه تحداهم به.
وثانيها: إن دواعيهم كانت متوفرة إلى إيراد مثله.
وثالثها: إنهم لم يوردوا.
ورابعها: إنه لم يكن لذلك وجه إلا العجز، ثم يبقى أسولة لهم، ونحن نذكر ذلك على طريق الإيجاز.
فإن قالوا: لِمَ قلت إنه تحداهم.
قلنا: من المعلوم أنه كان يقرأ عليهم القرآن، ويقرأ على الوفود ويتحداهم به، ويقرأ عليهم: ?قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ?[هود:13] وسورة وهم يسمعون ذلك.
وبعد فقد ظهر من الصحابة والتابعين إلى يومنا هذا التحدي، وكثر أعداء المسلمين، وسمعوا ذلك واحتالوا في أيامه وبعده في إبطال ذلك، فقال بعضهم: إنه سحر، وقال بعضهم: إنه أساطير الأولين، وحاول جماعة معارضته كابن المقفع وغيره فعجزوا.
وبعد فيقال لهم: هبوا أنا سلّمنا أنه لم يتحدى أليس علم من عادة العرب التفاخر بالكلام والشعر، فكيف يجوز أن يسمعوا كلاماً فيه ذمهم وذم دينهم وذم آبائهم مع ذلك لا يعارضونه ولا يجيبونه، فهذه معجزة ثانية.

ويقال لهم: ما تقولون: إن العرب على ما هم عليه من الأنفة والحمية انقادوا له، وبذلوا المهج في نصرته، وفي خلاف عشائرهم ودياناتهم من غير معجزة ظهرت منه ولا طالبوه بها؟.
فإن قالوا: نعم، قلنا: فهذه معجزة أخرى، وإن قالوا: لا، قلنا: فلا معجزة أظهر من القرآن.
فإن قيل: فَلِمَ قلتم إن دواعيهم كانت متوفرة للمعارضة؟.
قلنا: لا شيء يدعو إلى فعل ويصرف عن تركه إلا وقد تم، حتى لو قلنا أنهم صاروا كالملجئين إلى معارضة القرآن لو قدروا صح.
فمنها: إنه ادعى النبوة والرسالة.
ومنها: إنه ادعى الرئاسة عليهم.
ومنها: إنه دعاهم إلى الانقياد له وهم نظراؤه في النسب، والمنافسة بين الأقارب أكثر.
ومنها: إنه عاب دينهم.
ومنها: إنه كفّرهم وذمّ آباءهم.
ومنها: إنه عاب آلهتهم.
ومنها: إنه أوعدهم بالقتل والسبي إن لم يؤمنوا به.
ومنها: إنه أوعدهم بتغنم مالهم.
ومنها: إنه أوعدهم بعذاب دائم في مخالفته إلى غير ذلك من الوجوه.
وكل واحد منها يدعوا إلى إيراد المعارضة، ثم كانوا عليه من المعاداة له وإيذائه وإيذاء أصحابه حتى احتاج إلى الهجرة، ثم نسبتهم إياه إلى الجنون ومرة إلى السحر ومرة إلى الكذب، ثم عدولهم إلى قتاله وبذل المهج والأموال، ثم قتلهم في مقام بعد مقام وظهور دينه، وكل ذلك يبين صحة ما قلنا: إن الدواعي كانت متوفرة.
فإن قيل: ولم قلتم: إنهم لم يعارضوه؟.
قلنا: لو كان ثمّ معارضة لنقلت؛ لأن جميع ما ذكرنا من الدواعي إلى المعارضة كانت دواعي إلى النقل.

ويقال لهم: أليس قد نقلت المعارضات الركيكة من كلام مسيلمة وغيره مع أنه ليس يطعن فكيف لم ينقل ما هو طعن في نبوته، هب أنا سلّمنا أنه كانت ولم تنقل فهذه معجزة تامة أن يأتي بكتاب يتحدى ويعارض بمثله المؤدي إلى بطلان أمره فينقل كتابه ولا تنقل المعارضة هذا نقص، ومن هذا يصح دعوى الإعجاز.
فإن قيل: ولِمَ قلتم: إنهم لم يعارضوه للعجز؟.
قلنا لهم: لا يخلو إما أن قدروا مع هذه الدواعي ولم يعارض فهذه معجزة؛ لأنه نقض العادة ولم يعارضوه للعجز فذلك ما نقوله.
ويقال لهم: أليس بيّنا أنهم كانوا كالملجئين لا داعي إلا وحصل، ولا صارف إلا وقد وجد، ولا وجه لتركهم المعارضة إلا العجز.
فإن قيل: ولعلّهم عارضوا ثم انكتم.
قلنا: هذا لا يصح؛ لأن كتمان ذلك على الجماعة الكثيرة مع وفور دواعيهم إلى إظهاره لا يجوز.
وبعد فإن سلّمنا فذلك نقض العادة أن يدعي إنسان النبوة ويأتي بشيء يقول: إنه معجز فيأتون بذلك، ثم يظهر ذلك وينكتم الآخر فهذه معجزة تامة.
فإن قيل: هلاَّ قلتم: إنهم عدلوا إلى المحاربة؛ لأنهم رأوا أن ذلك أقطع لمادة الأمر؟.
قلنا: هذا لا يصح؛ لأن بالقتل والقتال لا يظهر بطلان قول المدعي؛ لأن المبطل قد يغلب والمحق يُقتل.
وبعد فعدولهم عن معارضتهم مع كثرتهم بأي وجه كان دليل على صحة معجزته.
فإن قالوا: إنه عاجلهم بالقتال واشتغلوا به ولم يتفرغوا لمعارضته.
قلنا: نفس ما سأل معجزة؛ لأنه إذا تحداهم بأمرٍ فاشتغلوا عنه مع كثرتهم نقض العادة، وبعد فهلاّ عارضوه الكل أو عارضه بعضهم، وبعد فالقتال لا ينافي المعارضة.
فإن قال: نحن نعلم أن كلام فصحاء العرب يفضل على سورة الكوثر.

قلنا: إن سلّمنا ذلك كانت معجزة؛ لأنه تحداهم وكلامهم أفصح ومع ذلك لم يعارضوه، أو هذا نقض العادة وتصحيح القول بالصرفة، وبعد فقد كان ينبغي لو كان الأمر كما قالوا لوجب أن يذكروا ذلك مع وفور دواعيهم إلى إبطال أمره، وبعد فإن هذه السور القصار تحتمل أنه لم يتحدّ بها فإنما تحدى بما يقع به الإعجاز، وبعد فإن هذه تتضمن من حسن المعاني وجزالة الألفاظ وكثرة الفوائد ما صارت به معجزاً.
فإن قيل: أليس قد صنفت كتب لم يأت أحد بمثلها كإقليدس والمجسطي والجامع، وكذلك أبنية بنيت وشعرٌ قيل؟.
قلنا: هذا لا يقدح في كون القرآن معجزٌ إن سلم، بل يوجب أن تلك الأشياء معجزة أيضاً، وبعد فمن أين أن ذلك لم يعارض، وبعد فإن جميع ذلك كان مجموعه متفرقاً وقد تقدم فلا تصح دعوى الإعجاز فيه.
فإن قيل: فالعرب عجزوا عن ذلك أم لا؟.
فإن قلتم: عجزوا، قلنا: الحروف كانت مقدورة.
قلنا: إذا علمنا عجزهم عن معارضته كفى وإن لم يعلم تفاصيله، وبعد فإنهم عجزوا عن الإتيان بمثله لاحتياجهم إلى علم يتألف به الكلام وذلك من فعله تعالى.
فإن قيل: المعجز ما لا يقدر العباد على جنسه كقلب العصى حيّة.
قلنا: باطل بفلق البحر، وبعد فالمعجز ما ذكروه إن سلم لا يضر؛ لأن التحدي إذا صح وظهر عجزهم دلّ على الإعجاز سواءً قدروا على جنسه أم لا يقدروا، أرأيت لو قال نبي: أنا أحرك يدي في هذه الساعة فحركوا فلم يتأتى لأحد تحريك يده كان معجزاً.
فإن قيل: أليس الواحد منا يتلوا القرآن فكيف يكون معجزاً؟.
قلنا: الإعجاز في أن يأتي بمثله ابتداءً لا حكاية، ومعلوم أن الشعراء إذا تحدى بعضهم بعضاً فإنه متى قرأ شعره لا يكون معارضاً، وإنما يكون معارضاً متى أتى بكلامٍ مبتدئاً بمثله.

فإن قال: هب أن العرب علموا هذا المعجز فغيرهم كيف يعلم؟.
قلنا: هب أن العجم لم يعلموا، أيخرج القرآن من كونه معجزاً دالاً على النبوة؟.
وبعد فإنا نعلم بالسير أن العرب لم يعارضوه لعجزهم فيعلم بهذا أنه معجز.
فإن قيل: كيف يكون القرآن معجز وفيه من التكرار واللحن واللغات المختلفة؟.
قلنا: مع تسليم هذا. أليس لم يعارضوه؟ وبعد فلو كان ما تقوله في القرآن يخرجه من كونه معجزاً لادعوا عليه طول أيامهم.
ويقال لهم: أما اللّحن فمعاذ الله، وقد سأل بعضهم أبا الهذيل عن هذا فقال: هب أنك تشك أنه كلام الله، فهل تشك أنه من كلام محمد وهو من صميم العرب واللّغة لغته أرأيت أنه لحن ولم يُعرف ويعرفه الأنباط؟ فتاب السائل.
وأما التكرار فذلك موجود في كلام العرب للتأكيد.
فأما اختلاف اللغات فليس فيه لغة غير لغة العرب، وما يذكر إما أن يكون اتفاق اللغتين كالقسطاس أو أخذته العرب فعربته.
فإن قيل: لعلَّ القرآن أخذ من الجنّ أيقدر الجن على مثله؟.
قلنا: بهذا لا يخرج عن كونه ناقضاً للعادة في العرب، وبعد فإنا نعرف الجن بالقرآن فإن لم يكن صحيحاً صادقاً فمن أين أن هاهنا جنّ؟ وإن كان صحيحاً صدقاً، وبعد فقد قال فيه: إنه كلام ربّ العزة.
ويقال لهم: هل جوّزتم أن يكون فلق البحر، وقلب العصى حية من فعل بعض الجنّ، فما أجابوا به فهو جوابنا.
فإن قيل: أليس روي إن فيه زيادةً ونقصاناً؟.
قلنا: كذبوا، ولو نقص حرفٌ الآن لظهر لكل أحد فكيف خفي على المسلمين والإسلام غض جديد والمسلمون متوافرون؟.
ويقال له: ما الذي كتموا؟.
فإن قيل: لا أدري.
قلنا: فبأي شيء عرفوا أنهم كتموا؟.

ووجه آخر في الإعجاز وهو أنه تضمن نظماً لم يأتِ به أحد قبله ولا بعده، فإن كلام العرب الشعر والرجز والخطب والإسجاع، وهذا القرآن يخالف جميع ذلك.
وجه آخر ولأن فيه من أخبار الغيوب ما كان خبره كمخبره بظهور دينه وغير ذلك، وذلك يدلّ أنه كلام الله تعالى الذي هو علاّم الغيوب.
ووجه آخر ولأن المتكلم إذا أراد أن يتكلم بالحق والصدق لا يتمكن من الفصاحة مثل ما يتمكن من لا يبالي بما يقول، ألا ترى كيف تراجع شعر حسان في الإسلام، ثم وجدنا القرآن حق وصدق، واختص بفصاحة عظيمة فعلمنا أنه معجز.
وجه آخر ولأن كلام الناس مختلف بالفصاحة؛ لأنهم يتفاصحون في مدح أو افتخار بخلاف الأمر والنهي والإخبار عن الماضي والمواعظ، ثم وجدنا القرآن أجناساً مختلفة أمراً ونهياً وأحكاماً وأمثالاً وقصصاً ومواعظ ووعداً ووعيداً، والكل في الفصاحة شيء واحد فعلمنا أنه معجز وكلام الله تعالى.
ووجه آخر يدل على صحة ما قلنا أنه - صلى الله عليه - لم ير قط اختلف إلى أحد في استفاد علم أو قياس نظم ونثر أو غير ذلك من الأخبار، ثم أتى بكتاب يتضمن كثرة هذه الفوائد من القصص والأخبار وغوامض العلوم فلم يقدر أحد على تكذيبه مع أنه كان يقرأ عليهم: ?قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ?[آل عمران:93]، فعلم أنه إنما أتى به من قبل ربه لا من قبل نفسه، وكيف ولم يقرأ كتاباً ولا كان يكتب وإنما نشأ بينهم وتكلم بلغتهم طول أيامه إلى أن بعث، ثم حسن كلامه المروي عنه مع القرآن حتى تجد من التفاوت ما بين سائر البشر والقرآن ولهذا تحيروا في أمره، انقاد فريق وعاند فريق ونسبوه إلى أشياء لا تليق به وناقضوا فيه، فقالوا مرة: ساحر، ومرة: مجنون، وهذا من المتناقض.

فصل في ذكر معجزاته صلى الله عليه سوى القرآن
فإن قيل: هل له معجزة سوى القرآن؟.
قلنا: نعم، ونذكر أن له ألف معجزة إلا أن بعضها منقول بالتواتر وبعضها بالآحاد، فما نقل بالتواتر:
حنين الجذع، وحديث انفجار الماء من بين أصابعه في الميضاة، ومجيء الشجرة تحد الأرض حداً بإشارته ثم رجوعها إلى موضعها، وإطعام الخلق الكثير من الطعام القليل، وإخباره عن الغيوب، وأسرار الكفار والمنافقين، وحديث الصحيفة وما أكلته الأرضة، وانشقاق القمر، وما يكون علامات في نفسه كخاتم النبوة بين كتفيه، وأنه كان يرى خلفه كما يرى أمامه إلى غير ذلك، وما كان منه في حال الهجرة، والشاة الجرباء لأم معبد، وما كان من الإسراء إلى بيت المقدس، وحديث المعراج، وما كان من حديث سراقة بن مالك وخسف دابته عند الهجرة.
ومنها: ما كان في الغار وإقامته وقربه من مكة لم يمر به واحد.
ومنها: ما جرى بينه وبين أبي جهل حتى أراد اغتياله ونزل ?وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ?[العلق:19]، وما روي في حديث غريمه وذهاب الرسول إليه، وما روي من قتله.
ومنها: إمداد الملائكة.
ومنها: حديث الشاة المسمومة بخيبر.
ومنها: ما ظهر في حديث الأحزاب والخندق من الحجر والإطعام، وإحياء الجدي وهزيمة القوم من غير حرب، والريح التي أرسلها الله عليهم.
ومنها: حديث الصبي الذي كلمه.
ومنها: حديث سواد بن قارب.
ومنها: حديث البئر المالح فبزق فيه فصار عذباً، وبلغ ذلك مسيلمة ففعل مثل ذلك فغار الماء.
ومنها: حديث الاستسقاء.
ومنها: رميه بالتراب يوم بدر.
ومنها: ظلال السحاب له.
ومنها: ما أضمره أهل قريظة من اغتياله فأطلعه الله عليه.
ومنها: ما أضمر أبو سفيان في طريق مكة فأظهره له.
ومنها: حديث أربد بن قيس، وعامر بن الطفيل.

18 / 21
ع
En
A+
A-