ويقال لهم: لو حلف فقال والقرآن، هل يكون ذلك يميناً؟
فإن قالوا: نعم، خالفوا الأمة والسنة، وإن قالوا: لا.
قلنا: لو كان صفة للذات لكان يميناً، ولما لم يكن يميناً دلَّ أنه غير الله، كقوله والكعبة والنبي ونحو ذلك.
قالوا: إذا لم يكن متكلماً في الأزل هل كان أخرس أو ساكتاً؟
قلنا: من لا يكون متكلماً بجنس كلامنا يكون أخرس أو ساكتاً، فقوله أنه متكلم بهذه الحروف، ولأن الخرس والسكوت يتعاقبان على الآلات والله تعالى متكلم لا بآلة فلا يصح عليه، وهو بمنزلة الترك والفعل.
ويقال: في الشاهد من لا يقدر على الكلام أليس يسمى أخرس أو ساكتاً فقولوا أنه كذلك في الأزل.

مسألة في التكليف وجزاء الأعمال وتكليف من يعلم أنه يكفر
الذي نقوله في ذلك: إن الله تعالى خلق المكلفين كلهم مؤمنهم وكافرهم تعريضاً للثواب الذي لا ينال إلا مستحقاً، وسبب الاستحقاق العبادة، وأنه إذا كلف أعطى الآلة والقدرة واللطف وأزاح العلّة، فمن آمن استحق الثواب ومن كفر فمن قبل نفسه أتي على ما قال تعالى: ?وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ?[الذاريات:56]، ثم قال: ?مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا?[الإسراء:15].
وذكرت المجبرة:أنه خلق بعضهم للنار، وأن الجزاء ليس على الأعمال ولكن من يشاء أن يثيب أثابه ومن يشاء عاقبه إلا أنه أحرى بأنه يثيب المؤمن ويعاقب الكافر.
فيقال لهم: هل لله تعالى في خلق المكلفين غرض وإرادة؟ فإن قالوا: لا، قلنا: فالحكيم لا يجوز أن يفعل إلا لغرض، وهل هذا إلا سوء الثناء عليه؛ لأنه إنما يفعل لا لغرض الصبيان والمجانين فأما الحكيم العالم بفعله فلا يفعله إلا لغرض.
وبعد فإن العالم بفعله المختار له لا يفعله إلا لداعي، والدواعي إما داعي الحسن أو داعي الحاجة، لا يجوز عليه داعي الحاجة، وداعي الحسن إنما يصح بأن يفعل إحساناً إلى الغير.
فإن قالوا: إن فيه غرضاً.
قلنا: ما ذلك الغرض؟.
فإن قالوا: الغرض من المؤمنين أن يؤمنوا ليدخلهم الجنة، ومن الكفار أن يكفروا ليدخلهم النار، كقوله تعالى: ?وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ?[الأعراف:179].
قلنا: فإذا خلقهم لذلك من غير جرم منهم أليس يقبح؟.
فإن قالوا: لا يقبح ولو قبح في الشاهد مثل ذلك لزمهم ما ألزمناهم من قبل إن قالوا: يقبح ويفعل.

وبعد فإذا خلق الكفار لغرض وهو الكفر وأراد منهم الكفر فإذا حصل غرضه ومراده فَلِمَ عذّبهم عليه؟ أن يجوز من الحكيم أن يفعل، فإذا حصل غرضه عذب وقال لم حصل غرضي؟.
وبعد فإذا كان غرضه الكفر فَلِمَ بعث الرسول على خلافه؟ ولم أمر بالجهاد لكيلا يحصل غرضه؟ ولم زجر؟ أهذا فعل حكيم!!.
ويقال لهم: إذا أمر الكفار بالإيمان، هل مكنهم منه أو حال بينهم وبين الإيمان؟.
فإن قالوا: مكّنهم وافقونا، وإن قالوا: حال بينهم وبين الإيمان. قلنا: وكيف يجوز أن يحول بين العبد وبين ما أمر به، أهذا فعل حكيم؟!!.
ويقال لهم: أليس غرض القديم من المؤمن الإيمان ومن الكافر الكفر؟ فلا بد من: بلى، فيقال: لِمَ استحق أحدهما الثواب والآخر العقاب؟ ولِمَ صار المؤمن بالثواب أولى من الكافر، والكافر [أولى] بالعقاب من المؤمن؟
ويقال: ما تقولون في رجل أمر غلامه بشيء من الأفعال ثم قيّده وحبسه وحال بينه وبين المأمورية، ثم أخذ يعيبه ويذمه ويضربه ويعاقبه ويقول: لم لم تفعل ما أمرتك؟ أليس العقلاء يقولون: إنه يظلمه وهو ظالم له؟ فلا بد من: بلى، وإلا كابروا العقول.
فيقال لهم: فإذا أمر الله العبد بالإيمان وحال بينه وبينه بأن خلق فيه الكفر وقدرة الكفر وإرادة الكفر ولم يعطه الإيمان ولم يخلقه ولا أقدره عليه ولا أراده منه، بل أخذ يعيبه ويذمه ويعاقبه، لم كان ما كونته وأردته وكان غرضي ذلك؟ وهلاّ كان ما لم أكون ولم أخلقه ولم أرده وما كان غرضي؟ أهذا فعل حكيم؟!!.

ويقال لهم: هل عذر أوضح وأصدق من قول من قال: لا أقدر؟ فلا بد من: بلى، فيقال: فإذا قال الله تعالى لعبده: لِمَ كفرت؟ فيقول: يا ربّ للكفر خلقتني، وخلقت فيَّ الكفر، وحُلت بيني وبين الإيمان ولم تقدرني عليه، أهو صادق أم كاذبٌ؟.
فإن قالوا: كاذبٌ، وافقونا، وإن قالوا: صادق.
قلنا: فهل يقبل هذا منه؟ فإن قالوا: نعم، خالفوا الأمة والكتاب والسنة، وإن قالوا: لا، نقضوا قولهم، أو وصفوه بأنه لا يقبل العذر الواضح الصادق.
ويقال لهم: أليس الله تعالى قال: ?وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولاً?[الإسراء:94]، فقولهم إنه بعث بشراً رسولا هو المنع أم لا؟.
فإن قالوا: لا خالفوا ظاهر الكتاب، وإن قالوا: نعم تركوا قولهم.
ويقال لهم: هل هذا العبد ممنوع من الإيمان أم لا؟ فإن قالوا: بضروبٍ من المنع منها خلق الكفر وإرادته، والقدرة الموجبة له، وقضاؤه ورضاه به، ومنعه الإيمان، ولم يعطه القدرة والإرادة، ولا إرادة منه ولم يرض به، ولم يقض فهذا منعه من الإيمان.
قلنا: وكيف يصح قوله: ?وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا?[الإسراء:94].
ويقال لهم: أليس غرضه الكفر من الكفار وخلق هو الكفر فيهم؟ فلا بد من: بلى، فيقال: فكيف قال ?كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ?[البقرة:28].
ويقال: المكلفون مخيّرون أم مختارون؟ فإن قالوا: مختارون وافقونا، وإن قالوا: مجبرون، قلنا: كيف أجبرهم؟
فإن قالوا: أجبر المؤمن على الإيمان والكافر على الكفر.

قلنا: فما معنى الحساب والجزاء؟ وكيف قال: ?بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ?[الزمر:7 وغيرها]، وقال: ?فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ?[الكهف:29].
ويقال لهم: الجزاء على الأعمال أم لا؟.
فإن قالوا: لا خالفوا النص، وإن قالوا: نعم.
قلنا: فوجب أن يكون العمل لهم ليصح التكليف والجزاء.
وإن قالوا: ما معنى الآية؟.
قلنا: اللام في قوله لجهنّم لام العاقبة، ويعني خلقنا جماعة عاقبتهم المصير إلى النار بكفرهم وعصيانهم، يوضحه أن الآية وردت ذماً لهم وتهجيناً وحجّة عليهم، فلا يجوز عليه تعالى أن يجعل حجةً عليه وعلى رسوله.
فإن قالوا: من علم أنه لا يؤمن كيف يخلقه للإيمان؟ ولو آمن أليس كان فيه تجهيلاً له؟.
قلنا: إذا علم أنه لا يؤمن إذا كلّفه فلو لم يكلفه كان جهلاً أيضاً.
وبعد فإنه علم أنه يختار الكفر، ونحن نقول إنه من علم أنه لا يؤمن لا يؤمن ولو كان قادراً على الإيمان، كما أنه تعالى قادرٌ على ما يعلم أنه لا يكون.
فإن قالوا: كيف يحسن خلق من يعلم أنه يكفر ويدخله النار؟.
قلنا: إذا خلقه ليؤمن ويستحق الثواب حسن، وإن لم يقبل هو وكفر فهو الذي أوقع نفسه في الهلكة فيصير كمن قدم الطعام إلى جائعين أكل أحدهما فعاش ولم يأكل الآخر فمات، أيقال إن المقدم للطعام هو مسيء إلى الميت، بل يقال هو محسن وأنه مسيء إلى نفسه حيث لم يقبل.
وكذلك من كان على شطِّ نهرٍ ورأى رجلين يغرقان فأدلى إليهما حبلاً أو سفينة فتعلق به أحدهما فنجا ولم يتعلق الآخر فمات، أليس هو محسن إليهما؟ وأن من لم يركب هو المسيء إلى نفسه؟ كذلك هذا.

مسألة في الآلام والأعواض
الذي نقول في ذلك: إن الآلام التي تصيب الأنبياء والمؤمنين والأطفال والمجانين والبهائم ومن لا تكليف عليه الغرض فيها اعتبار المكلفين ولطفهم، ولذلك يخرج من حد العبث، ثم يعوّض المؤلم فيخرج من حد الظلم ففيها اعتبار وعليها أعواض، ومثال ذلك من استأجر أجيراً لا بد من عوض حتى لو استأجره على أجرة وأعطاه الأجرة لكي يروح الهواء لكان عبثاً، ولو استعمله في غرض ولم يعطه أجرته كان ظلماً، وإنما يحسن لمجموع الأمرين غرض يحصل به وعوض يوفى عليه.
ونفاة الصانع وأصحاب الاثنين زعموا أن الآلام قط لا تحسن وأنها تقبح لعينها، فنفى بعضهم الصانع لذلك وأضافه إلى الطبائع والنجوم، وأثبت بعضهم صانعاً آخر يفعل ذلك.
وقال أهل التناسخ: الآلام لا تحسن إلا مستحقة، فأثبتوا للطفل والبهائم حالة عصوا فيها، ثم نشأ إلى هذه الحالة.
وقالت البكرية: إن الطفل والبهيمة لا يألم، فدفعوا ما يعلم ضرورة.
وقالت المجبرة: إن القديم سبحانه وتعالى هو المالك فله أن يفعل الألم وإن لم يكن فيه اعتبار ولا يثبتون العوض.
وقال عبّاد: إنه يحسن للاعتبار فقط ولا يثبت العوض.
وروي عن أبي علي - رحمه الله - أنه قد يفعله لمجرّد العوض.
ونحن نقسّم الكلام عليهم ونتكلّم على فرقة فرقة.
فيقال لهم: هل يحسن الألم قط أم لا؟.
فإن قالوا: لا، بل يقبح لعينه.
قلنا: باطلٌ، فإنا نعلم أنّ الواحد منا يحمل المشاق في طلب العلوم والأرباح فيحسن، ويحسن شرب الدواء والفصد وقطع الأعضاء لدفع ضرر أعظم منه، فلولا أنه لا يقبح لعينه وإلا لما حسن هذا الإيلام.
ويقال لهم: ما تقولون في رجل أجر نفسه ليعمل لغيره بأجرة معلومة أيحسن أم لا؟

فإن قالوا: لا كابروا العقول، وإن قالوا: نعم بطل قولهم، وإن قالوا: لا تصيبه مشقة وألم دفعوا المشاهد.
ويقال لهم: ما تقولون في رجل أساء إلى غيره بضرب أو قتل أو جرح فعوقب على ذلك وذم، أيحسن أم لا؟.
فإن قالوا: لا كابروا، وإن قالوا: نعم بطل قولهم، فثبت أنه لا يقبح لعينه.
فإن قال: إنما يحسن للاستحقاق فقط على ما يُقوّلونه أهل التناسخ.
قلنا: باطلٌ لما ذكرنا أنه يحسن تحمل المشاق والآلالم في طلب الأرباح والعلوم، ويحسن الاستئجار لينال ما يصل إليه على ما قدمنا.
ويقال لهم: أيحسن التكليف ابتداءً أم لا؟.
فإن قالوا: لا، وجب أن لا يقع التكليف ولا يكون ثم استحقاق، فإن قالوا: نعم، قلنا: فالتكليف أمرٌ شاق نتحمله ويحسن لأجل ما يعقب من الثواب العظيم.
ويقال لهم: لو كان لهذا العاقل حال آخر لأجله أصابه الألم لوجب أن يتذكر ذلك ويعلم أن هذا جزاء تلك المعصية، وفي عدم ذلك دليل على فساد قولهم.
فإن قيل: هلاَّ قلتم أنه يحسن منه تعالى للنفع فقط أو لدفع ضرر فقط؟.
قلنا: لا؛ لأنه تعالى يقدر على ذلك النفع ودفع الضرر من غير هذه الآلام فيكون فعل ذلك عبثاً ولا كذلك الثواب؛ لأن له صفة لا يجوز التفضل به وهو التعظيم، فلا بد من التكليف ليستحق بالطاعات الثواب، وأما العوض فيجري مجرى قيم المتلفات وأروش الجنايات.
ويقال لهم: ما تقولون في رجل حرّق ثوب إنسان ليعوضه مثل ذلك، أيحسن أم يكون مذموماً عابثاً؟ فإن قالوا: يحسن كابروا، وإن قالوا: يقبح تركوا مذهبهم.
فإن قيل: هلاّ قلتم: إنه يحسن للاعتبار؟.
قلنا: إيلام الغير لنفع الغير لا يحسن، كمن سرق مال غيره ويدفع إلى إنسان لأنه يقبح.

ويقال لهم: ما تقولون في رجل ضرب إنساناً بغير جرمٍ فقيل له في ذلك فقال ليعتبر به غيره، أليس يعد ظلماً؟ فلا بد من: بلى، قلنا: فثبت ما قلنا.
فإن قيل: هلاّ قلتم إن الأطفال لا يألمون؟.
قلنا: فيه دفع الضرر؛ لأنه يعلم ما يصيبه وقد يبلغ فيعلم ما كان يصيبه.
فإن قيل: هلاّ قلتم إنه يحسن من القديم وإن لم يكن فيه عوض واعتبار -على ما تزعمه المجبرة-؟.
قلنا: باطلٌ، لأنه يقال له: هل في إيلامه غرض أم لا؟.
فإن قال: لا جعله في حكم العابث والعقل يدفعه، وليس ذلك من فعل الحكيم، وإن قال: فيه غرض.
قلنا: ما ذلك الغرض؟
فإن قال: العقاب.
قلنا: الأطفال والأنبياء والمؤمنون لا يستحقون العقاب، وبطل أن يكون لمجرد النفع، أو دفع بما تقدم، فلم يبقَ إلا أنه للاعتبار والعوض على ما قدمنا.
ويقال لهم: أليس تقرر في عقل كل عاقل أن الألم إذا عرى عن نفع ودفع واستحقاق أنه يقبح، وإذا عدمت هذه الوجوه يحسن؟.
فإن قالوا: لا كابروا العقول، وإن قالوا: نعم.
قلنا: فإذا قبح من هذا الوجه فمن أي فاعل حصل وجب أن يقبح، وإن قال: لا يقبح منه؛ لأنه مالك أو ليس عليه نهي لزمه سائر ما ألزمناهم في أول الباب من جواز الكذب وبعثه الكذابين، وبعثه الرسل للدعاء إلى عبادة الأوثان، وتعذيب المؤمنين وإثابة الفراعنة.
فإن قيل: فعلى من يجب العوض؟.
قلنا: كل ما كان بأمره تعالى كالضحايا ونحوها وإباحته كالذبائح فعليه تعالى، وما كان فعل العباد أو بتعريضهم لذلك، وإن كان من فعل الله تعالى فهو على العبد فالأول كالقتل والضرب، والثاني كما لو ألقاه في النار أو الماء.
فإن قيل: لو لم يكن لهذا الظالم عوض؟.

قلنا: إذا علم تعالى أنه يأتي القيامة ولا عوض له لا يمكنه من فعل الظلم، وإنما يخلي بينه وبين الظالم متى علم أنه يوم القيامة يستحق من الأعواض بإزاء ما يستحق.

مسألة في تعذيب الأطفال
عندنا: لا يجوز تعذيب الأطفال سواء كانوا من أولاد المؤمنين أو من أولاد الكفار.
وقالت المجبرة: يجوز تعذيب أطفال المشركين.
يقال لهم: هل يجوز أن يعذب الله تعالى من غير ذنبٍ أم لا؟.
فإن قالوا: يجوز أن يعذب بغير ذنب.
قلنا: فالعقول تقتضي ذلك وقد قال تعالى: ?كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ?[المدثر:38].
ويقال لهم: إذا جاز ذلك في أطفال المشركين، جاز في أطفال المؤمنين وجاز في الأنبياء والمؤمنين، وفي ذلك خلاف الكتاب والسنة والإجماع، وإن قالوا: لا يجوز أن يعذب إلا بذنب. فما ذنبهم وليس عليهم أمرٌ ولا نهي؟.
وقال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: ((رفع القلم عن ثلاثة، عن الصبي والمجنون وما استكرهوا عليه)).
فإن قالوا: يعذبون بذنب آبائهم.
قلنا: العقول كما تقضي قبح العقوبة من غير ذنب فكذلك تقضي قبح تعذيبه بذنب غيره، فكما لا تجوز العقوبة من غير ذنب فكذلك لا تجوز بذنوب آبائهم.
ويقال: إذا زنى إنسان أو سرق أيجوز أن يحدّ ابنه أو يقطع؟.
فإن قالوا: نعم خالفوا العقل والشرع، وإن قالوا: لا.
قلنا: فعقوبات الآخرة أحق؛ لأنها عقوبة محضة.
ويقال لهم: أليس قال الله تعالى: ?وَأَن لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى?[النجم:39] بعد قوله: ?أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى?[النجم:38] مؤكد لما في العقول، وليس لهذا الطفل سعي ولا يؤخذ بسعي غيره.
فإن قالوا: أليست تجري عليه أحكام أبيه؟.
قلنا: في العقوبات، فلا ولذلك لا يقتل ولا تؤخذ منه الجزية.
وإن قالوا: يعاقبون على ما هو المعلوم منهم إذا بلغوا.

16 / 21
ع
En
A+
A-