ويقال لهم: ألستم تزعمون أن كل من قدر على شيء فعله؟ فلا بد من: بلى، فيقال: هل قدر النبي - صلى الله عليه وآله - وسائر الأنبياء والأئمة - عليهم السلام - على معصية قط وتركوها لله إجلالاً له ورجاءً لثوابه وخوفاً من عقابه؟ فإن قالوا: لا، قلنا: فإذن ترك ما لا يقدر عليه، فإن قالوا: نعم، قلنا: فلو قدر على جميع المعاصي لفعلها، كالكفر وعبادة الصنم لم يحجزه من ذلك رجاء ثواب ولا خوف عقاب، فإن قالوا: نعم، قلنا: أحد أسوأ ثناء منكم على الرسول، وكيف يمدح من ترك ما لا يقدر عليه؟ ونحن نقول: إنه قدر على جميع ذلك فلم يفعل باختياره إجلالاً لعظمة ربه ورجاءً لثوابه وخوفاً من عقابه، فأينا أحسن ثناءً على رسول الله - صلى الله عليه وآله -.
ويقال: أليس عندكم لو قدر النبي - صلى الله عليه - أن يكون شر خلق الله لكان ولكن لا يقدر؟ فلا بد من: بلى، فيقال: لو قدر إبليس على أن يكون خير خلق الله لكان كذلك؟ فلا بد من: بلى، فيقال: أنتم أحسن ثناءً على إبليس منكم على رسول الله؛ لأنه تقرر في العقول أن من وصف بأنه لو قدر على كل خير لفعله أحسن حالاً ممن وصف بأنه لو قدر على فعل شر لأتى به.
ويقال لهم: ما تقولون في عزمكم وعقيدتكم لو قدرتم على قتل الأنبياء والمؤمنين، وهدم الكعبة، وعبادة الأصنام، وشرب الخمور، وانتهاك كل الحريم، ونبش كل ميت، وارتكاب كل عظيم لفعلتم ذلك، ولم تتركوه خوفاً من عقابٍ ولا رجاءً لثواب.
فإن قالوا: كنا لا نفعل ذلك تركوا أصلهم، وإن قالوا: نفعل ذلك.
قلنا: ومن أعدى لله ورسوله والمسلمين، ومن شر من عقيدته [ومن لا أشر عقيدة من عقيدته] غير هذا.
ويقال: هل عفا ملك قط عن أحد وأنعم عليه وهو يقدر على عقوبته؟

فإن قالوا: لا كابروا العقول، ويلزمهم أن يصح العفو عن جميع ما لا يقدر عليه، حتى يقال إن ملك الروم عفى عن أهل الإسلام، وأن كل واحد من الرعية عفى عن الملك وهذا تجاهل، وإن قالوا: نعم، تركوا أصلهم.
ويقال لهم: ما تقولون في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله - من المهاجرين والأنصار، وفي العلماء والأئمة والزهاد بعدهم، أزهدوا فيما لم يقدروا عليه؟ أو زهدوا فيما قدروا عليه؟.
فإن قالوا بالأول، قلنا: كيف يمدح في الزهد فيما لا يقدر عليه؟ ولو قدروا ما زهدوا، ويجب أن يكون أزهد الناس الفقراء، وإن قالوا بالثاني تركوا قولهم.
ويقال لهم: ما تقولون في فيل يحمل ألف مَنٍّ جُمْلَةً يقدر على حمل خردلة؟ فإن قالوا: نعم، تركوا قولهم، وإن قالوا: لا، كابروا ودفعتهم العقول.
فإن قالوا: كيف يصح أن تكون قدرة ولا فعل، ولو جاز وقتاً لجاز أوقاتاً حتى تبقى دهوراً لا يفعل بها.
قلنا: كما يصح أن يكون قادراً لا يفعل، وبعد فمع فقد الدواعي يصح أن لا يفعل، فأما مع الدواعي فيجاز الفعل، وقلَّ ما يخلو الحي من داعي.
فإن قيل: إذا وجدت القدرة وفعل في الثاني مع عدم القدرة فيلزم أن يفعل بقدرة معدومة.
قلنا: إنما يفعل ثم بقدرة موجودة، وفي حال وجود الفعل عدمت القدرة وهو لا يفعل.
ويقال لهم: ما تقولون في تكليف ما لا يطاق، أليس تقرر في عقل كلِّ عاقلٍ قبح أمر الغير بما لا يقدر عليه؟.
فإن قالوا: لا، كابروا، وإن قال: نعم ولكن ذلك يقبح في الشاهد دون الغائب.
قلنا: إنما يقبح لكونه تكليفاً لما لا يطاق فيستوي فيه الشاهد والغائب، ولو جاز أن يختلف لجاز مثل ذلك في الكذب وإظهار المعجز على يدي كاذبٍ وغير ذلك مما قدمناه.
ويقال لهم: أيجوز تكليف العاجز؟.

فإن قالوا: نعم، كابروا ودفعتهم العقول، وإن قالوا: لا.
قلنا: وما الفرق بين لا يقدر وبين العاجز، وكل واحد منهم لا يقدر وإن اختلفا في وجه التعذر؟.
فإن قالوا: الكافر مشغولٌ بالكفر.
قلنا: هذا تفسير لمن لا يقدر، كأنك قلت الكافر خرج من كونه قادراً وتعذر عليه الإيمان لمعنى والعاجز لمعنى آخر فلا يمنع مساواتهما في كل واحد لا يقدر، وبأي علّة خرج من كونه قادراً؟ أليس لا يمكنه فعل الإيمان؟ وبعد فمن شغله بالكفر؟
فإن قالوا: الله، قلنا: فمن خلق فيه العجز؟ فإن قالوا: الله، قلنا: فقد استويا في أن كل واحد لم يؤت في تعذر الفعل من جهة نفسه، وإنما أتي من قبل ربه، ففي الموضعين شغله بشيء لأجله لا يقدر على الإيمان.
وبعد فإن العاجز أخف حالاً؛ لأنه ليس فيه إلا العجز، والكافر فيه قدرة الكفر التي هي ضد قدرة الإيمان عندكم، وفيه أيضاً خلق الكفر وإرادة الكفر بخلاف العاجز، فهو أسوأ حالاً من العاجز لما اجتمع فيه من أضداد الإيمان.
ويقال لهم: أيحسن تكليف شيء يحتاج إلى آلة أو علم مع فقد الآلة والعلم؟.
فإن قالوا: يجوز، تركوا أصلهم والعقول تدفعهم، وإن قالوا: لا.
قلنا: فالفعل إلى القدرة أحوج، فوجب أن لا يجوز تكليف مع عدمها.
ويقال: ما تقولون في قوله تعالى: ?لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا?[البقرة:286]، وقوله: ?لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا?[الطلاق:7]، كيف يجوز مع هذه الآيات أن يقولوا: إن جميع الخلق وأكثرهم كلفوا ما ليس في وسعهم وطاقتهم؟.
ويقال لهم: أيحسن تكليف العاجز؟ فإن قالوا: لا، قلنا: ولم عندكم لا يقبح منه؟ وإن قالوا: يجوز، كفينا مؤونة الفرق بين العاجز والكافر، وتقرر في عقل كل عاقل فساد قولهم.

ويقال لهم: أليس عندكم قدرة الإيمان تضاد قدرة الكفر كما أن العجز يضادها؟ فلا بد من: بلى، فيقال: فإذاً الكافر والعاجز سواء؛ لأن كل واحد منهما ليست له قدرة على الإيمان، وأي فرق بين السواد والبياض في مضادة الحمرة.
ويقال لهم: إذا قال الله لعبده: لِمَ عصيت؟ فلو قال: لأني لم أقدر على الطاعة وخلقت فيَّ المعصية وقدرة المعصية وأردت المعصية، أهو صادق أم لا؟
فإن قالوا: صادق، قلنا: فهل يقبل هذا؟ فإن قالوا: ولكن يعذبه.
قلنا: وكيف وهذا عذر ظاهر في عقل كل عاقل وهو أرحم الراحمين، كيف لا يقبل عذره ويعذبه بما أوقعه هو فيه!!.
ويقال: جوّز أن يكلف الأعمى نقط المصاحف، والزَّمِن المشي، ومن لا ماء معه بالوضوء، ومن لا مال له بالزكاة والحج؛ لأن جميع ذلك سواء في عدم القدرة، وفي فساد ذلك دليل على فساد قولهم.

مسألة في القرآن وسائر كلام الله تعالى
لا خلاف بين الأمة أنه تعالى مكلِّم وأن له كلاماً، بل كل من أثبت الصانع أقرّ به ثم اختلفوا، فمنهم من قال: متكلم لذاته.
ومنهم من قال: بكلام قديم ليس من جنس كلامنا، وليس هو حروفٌ ولا أصوات، وإن ما يتلى من القرآن بلغة العرب والتوراة والإنجيل ليس بكلامه، وإنما الكلام صفة له قائمة بذاته.
ومنهم من قال: إن ما يتلى من السور والآيات كلامه، وهو مع ذلك كلام قديم.
والذي يقول مشايخنا: إن كلامه تعالى من جنس كلامنا حروفٌ منظومة، وإن المتكلم هو فاعل الكلام، فإذا خلق الله تعالى كلاماً في محل كان هو المتكلم به، كما خلق في الشجرة فسمع موسى - عليه السلام - وأن القرآن هذه السور والآيات بلغة العرب كلامه، وهو مُحدَث قاله حين بعث النبي - صلى الله عليه وآله - وأنزله وليس بقديم.
وهل يوصف بأنه مخلوق؟. اختلفوا، فالأكثر على أنه يوصف به؛ لأن الخلق هو التقدير، فالله تعالى أنزله مقدوراً فيوصف به، ومنهم من قال: فيه إلهام ولا يطلق مع قوله: إنه محدَث.
ويقال لهم: الكلام في تصحيح المذهب وإفساده يبتني على قوله معقولاً؛ لأن ما لا يصح أن يعقل لا يمكن اعتقاده، ولا الكلام في صحته وفساده، ولا يكون نفيه أولى من إثباته، ويؤدي إلى جهالات كثيرة، وفي الشاهد المعقول من الكلام وهو هذه الحروف المنظومة والأصوات المقطعة، فإذا لم يكن عندك الله متكلماً بهذا الجنس فهو إذاً ليس بمتكلم أصلاً.
ويقال لهم: الذوات لا تخلو إما أن تعلم مشاهدة أو بفعله أو حكمه، وهذا الذي يقولونه غير مشاهد ولا بفاعل ولا له حكم فلا يصح إثباته.

ويقال: أكان الله متكلماً بهذا الجنس لم يزل أم لا؟ فإن قالوا: لا أبطل جميع علله، وإن قال: نعم، أثبت ما فيه دلالة الحدث قديماً.
ويقال لهم: ما تقولون، القرآن كلام الله تعالى أم لا؟.
فإن قالوا: لا، ردوا الكتاب والسنة والإجماع، وخرجوا من الدين، ولحقوا بمن كان يقول النبي - صلى الله عليه وآله - قاله وأنه ليس بكلام الله، وإن قالوا: نعم، قلنا: فهو هذه السور.
قلنا: ففيها دلالة الحدث؛ لأن بعضه متقدم على بعض وفيه حكاياتٌ عن ماضي، وهو بلغة العرب، وهو أصوات وحروف، وإن قالوا: ليس هو، قلنا: خالفتم الكتاب والسنة والإجماع.
ويقال لهم: القرآن غير الله أو هو الله أو بعضه؟
فإن قالوا: غيره.
قلنا: فإثبات غيره قديماً لا يجوز؛ لأن فيه إثبات ثاني مع الله.
وإن قالوا: القرآن هو الله.
قلنا: باطل؛ لأنه لو كان كذلك لجاز أن يقال القرآن هو الخالق والرازق وهو المعبود، وأنه إله وأنه يتلى، والقديم سبحانه لا تصح عليه التلاوة.
فإن قال: هو بعضه.
قلنا: فيلزمكم جميع ما ألزمناكم لو قلتم أنه هو الله، ويلزمكم أيضاً أن يكون تعالى ذو أبعاض.
ويقال لهم: أليس القرآن عربياً وسوراً وآيات بعضها قبل بعض، وفيه ناسخ ومنسوخ، ومجمل ومبين، وعموم وخصوص، وحروف منظومة، وكلام فاختص القرآن بهذه الصفات، كل ذلك يستحيل على القديم، والقديم عالمٌ قادرٌ حيٌ سميعٌ بصيرٌ فاعلٌ باري لا مثل له، وهذه الصفات تستحيل على القرآن، فلو لم يدلّ هذا على الغيرية لما كان في الدنيا شيئين غيرين.
فإن قالوا: لا هو هو ولا غيره ولا بعضه.

قلنا: هذا لا يعقل، مذكوران معلومان لا يكون أحدهما هو الآخر ولا غيره ولا بعضه هذا لا يتصور، وبعد فقد ناقضتم إذا قلتم: لا هو هو أثبتم الغيرية، فلما قلتم: ولا غيره ناقضتم الأول.
ويقال: أليس قال تعالى لموسى: ?فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ?[طه:12]، و?اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ?[طه:24]، فمن المخاطب به لم يزل وليس ثمّ موسى ولا فرعون ولا نعلين؟ وهل هذا إلا غاية النقص.
ويقال لهم: كيف قال: ?كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ?[الشعراء:105] وأمثاله وبعد لم يخلقوا ولم يكونوا ولم يستفد به أحد شيئاً.
ويقال لهم: أليس قال تعالى: ?قُرْآنًا عَرَبِيًّا?،[يوسف:2وغيرها] ? كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ [قُرْآنًا عَرَبِيًّا]?[فصلت:3]، وقال: ?فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ?[البروج:22]، وقال: ?إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ?[الحجر:9]، ?وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ?[الإسراء:106]، وكل ذلك لا يجوز وصف القديم به ويدلّ على حدوثه.
ويقال: أليس القرآن من جنس كلامنا أم لا؟ فإن قالوا: لا، فما الدليل على أنه متكلمٌ وإنما يعلم في الشاهد أنه متكلّم إذا تكلم بجنس كلامنا وأنه بلغة العرب، فإما أن يقولوا: ما نتلوه ليس بكلام الله فيخرجوا من الملة، أو يقولوا: إنه كلامه فكيف يكون قديماً؟ ولو جاز ذلك لجاز أن يكون جسماً قديماً وإن كانت الأجسام محدَثة.
ويقال لهم: أليس هو تعالى قادر على أن يتكلم ويقول مثل القرآن أم لا؟ فإن قالوا: لا، قلنا: فقد وصفتموه بالعجز، وكيف يصح وصف القديم بالعجز، ولأن الواحد منا يقدر على الكلام فكيف قلت: إنه تعالى لا يقدر عليه، وإن قال: نعم، أثبت الكلام مقدوراً، وذلك يوجب حدوثه.

ويقال: أليس قال تعالى: ?مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ?[الأنبياء:2] فوصفه بالحدوث، والذكر القرآن، قال تعالى: ?إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ?[الحجر:9]، وقال: ?وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ?[الأنبياء:50]، ثم وصفه بالنزول، وقال: ?إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا?[يوسف:2]، وذلك من أسماء الحدث.
ويقال لهم: أليس ورد الشرع بأنه يجب على الجُنب أن لا يقرأ القرآن؟ ولأنه لا ينبغي أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدوّ، وأن من قرأ هذه السور كان له كذا من الثواب.
ويقال: قرأ القرآن، فلا بد من: بلى؛ لأنه قال: ?إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ، لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ، تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ?[الواقعة:77-80].
[ويقال لهم: فثبت أن القرآن غير الله، إنه مبدل ومحدَث].
ويقال لهم: ما تقولون في رجل حلف بطلاق كل نسائه وعتق عبيده إن لم يقرأ القرآن، أو قال: إن لم أقرأ كلام الله تعالى ليس يلزمه؟.
فإن قال: يقرأ هذه السور والآيات ثبت ما قلنا، وإن قال: غيره، لا يعقل وخالف الأمة والكتاب.
ويقال لهم: الكلام في صفة للذات أو صفة للفعل؟.
فإن قالوا: صفة للفعل وافقونا، وإن قالوا: صفة ذاتٍ.
قلنا: لا يعقل كونه متكلماً إلا وجود الكلام من جهته ووجود الكلام من جهته، يحيل كونه صفة للنفس.
وبعد فإن الكلام حروفٌ مختلفة فوجب أن يكون في نفسه على صفات مختلفة وهي صفات الحروف، وأيضاً يجب أن يكون متكلماً بسائر أجناس الكلام من الصدق والكذب إذ لا اختصاص لذاته بكلام دون كلام.

ويقال لهم: أليس الكلام لا يفيد إلا ترتيب الحروف؟ فيقال: زيد، فإذا كان الكلام قديماً لا يترتب بعضه على بعض، فليس قولنا زيدٌ أولى من أن يكون يزداً أو ديزاً؛ لأن الحروف قديمة والترتيب إنما يصح فيما يحدث بعده بعد بعض.
ويقال لهم: أليس خص موسى بالكلام في وقته دون سائر الناس؟ فلا بد من: بلى، فيقال: لِمَ صار مكلماً له دون خلقه؟ ولو كان صفة لذاته لوجب أن يكون متكلماً مع سائر الخلق وأن لا يقف ذلك على واحد إذ لا اختصاص لواحد بذاته.
ويقال: هل كان كلامه مع موسى وغيره موقوفاً على اختياره أم لا؟.
فإن قال: لا، تجاهل، وإن قال: بلى.
قلنا: وقف على اختياره بكونه فعله لا صفة ذاته.
ويقال له: كلامه مؤلف منظوم أو حرف واحد هو أمر ونهي وخبر واستخبار وتوراة وإنجيل.
فإن قالوا: حروفٌ وافقونا، والحروف لا تكون قديمة، وإن قالوا: شيء واحد.
قلنا: فلو وجد ذلك الشيء في قلب الواحد منا لوجب أن يكون متكلماً وإن لم يوجد منه هذه الحروف.
ويقال لهم: ذلك المعنى غير الحروف أو هو الحروف؟.
فإن قالوا: هو الحروف وافقنا، وإن قال: غيرها.
قلنا: فوجب أن يجوز وجود أحدهما مع عدم الآخر فتوجد هذه الحروف المنظومة ولا يكون متكلماً بأن لا يوجد ذلك المعنى، أو يوجد ذلك المعنى ولا توجد الحروف فيكون متكلماً إذ لا تعلق بينهما حتى أن أحدهما لا يوجد إلا مع الآخر.
وبعد فلو كانا معنيين ومع ذلك لا يجوز وجودهما إلاّ معاً لالتبس الجنس بالجنسين وهذا فاسد.
ويقال لهم: القرآن خلاف الله تعالى أو مثله ولا واسطة بينهما؟ لأن الخلاف والوفاق يجري مجرى النفي والإثبات.
فإن قالوا: مثله.

قلنا: وجب أن يكون إلهً قادراً عالماً حياً سميعاً بصيراً، وعلى هذا ألزمهم مشايخنا - رحمهم الله - أنه لو كان معه قديم لكان مثلاً له.
وإن قالوا: مخالف له.
قلنا: لو كان مخالفاً له لم يصح أن يكون قديماً.
ويقال لهم: هل كان متكلماً لم يزل من غير مخاطب أو مستفيد؟
فإن قالوا: نعم وهو المذهب.
قلنا: هذا غاية النقض ولا فائدة في هذا الكلام، وإن قالوا: لا تركوا مذهبهم.
ويقال لهم: هل أنعم الله علينا بالقرآن أم لا؟.
فإن قالوا: لا، خالفوا المسلمين ونص الكتاب، وقوله تعالى: ?وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ?[الزخرف:44]، وقوله: ?أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ?[العنكبوت:51]، وإن قالوا: بلى.
قلنا: النعمة تصح بما يحدثه أو يجري مجرى الحادث من جهته.
ويقال: كلامه شيء واحد أو أشياء، حرفٌ واحد أو حروف؟ فإن قال: حرف، قلنا: الحرف الواحد لا يفيد الفوائد المختلفة، وإن قال: حروف مختلفة، تركوا مذهبهم.
ويقال لهم: ما تلاه رسول الله - صلى الله عليه وآله - وتلته أمته إلى يومنا هذا هو كلام الله تعالى أم لا؟ فإن قالوا: لا خالفوا المعلوم من دين الرسول، وخالفوا الأمة والتحقوا بالكفار الذين قالوا: إنه ليس بكلام الله، وإن قالوا: ذلك كلامه تعالى وافقونا.
ويقال لهم: أليس الله تعالى قال: ?حم ، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ، إِنَّا أَنزَلْنَاهُ?[الدخان:1-3]، أيجوز على القديم أن ينزل وفي صفة النفس أن يفارق؟ وقال: ?بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ ، فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ?[البروج:21-22] كيف يحل القديم وصفة الذات في اللوح؟ وقال - صلى الله عليه وآله -: ((لا صلاة إلا بالقرآن)) كيف يقرأ وهو صفة الذات؟ وهل تقرأ في الصلاة إلا هذه السور.

15 / 21
ع
En
A+
A-