ويقال لهم: أليس الله تعالى أمرنا بالإيمان وبعث رسله لذلك، وأمر بالجهاد ووعد المؤمن وأوعد على تركه، وحثّ عليه غاية الحثّ، ونهى عن الكفر، وأمر بقتل الكفار وأوعدهم وزجر عنه غاية الزجر، فلا بد من: بلى.
فيقال: أليس عندكم أنه مع هذا أراد منه الكفر ولم يرد الإيمان، وأضله عن الإيمان وأوقعه في الكفر ومنعه قدرة الإيمان، فلا بد من: بلى، فيقال: هذا فعل حكيمٍ.
ويقال لهم: ما تقولون، أليس الله تعالى عندكم أراد من الكافر كل شرٍّ وخبثٍ وفسادٍ وردّة، وكره كل خيرِ وإحسانٍ؟ فلا بد من: بلى، قلنا: فكيف يوصف الحكيم بمثل هذه الأوصاف، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.

مسألة في القضاء والقدر
القضاء في اللغة ثلاثة معان:
أحدها الخلق، كقوله تعالى: ?فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ?[فصلت:12]، وبمعنى الفرض والإيجاب، كقوله تعالى: ?وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ?[الإسراء:23]، وبمعنى الإعلام، كقوله تعالى: ?وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ?[الإسراء:4] أي: أعلمناهم.
والقدر على ثلاثة معان:
بمعنى الخلق ?وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا?[فصلت:10]، وبمعنى الإعلام والبيان، كقوله: ?قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ?[الحجر:60]، وبمعنى التقدير، فكلّ أفعال الله تعالى بقضائه وقدره بمعنى الخلق.
فأما أفعال العباد فجميع ذلك ليس من خلقه على ما بينا وبعلمه وبيانه، وأراد الطاعات فيجوز أن يضاف إليه على هذين الوجهين، وكذلك التقدير إلا أن فيه إيهاماً فوجب ألا يطلق إلا مع البيان.
ويقال لهم: الكفر حقٌ أم باطل؟ فإن قالوا باطل قلنا: فالله تعالى يقول: ?وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ?[غافر:20].
ويقال: إذا كان الكفر باطلاً وكان بقضائه فالقضاء بالباطل باطلٌ وهذا يستحيل عليه تعالى.
ويقال لهم: هل يجب الرضى بقضاء الله تعالى أم لا؟.
فإن قالوا: لا دفعوا ما ورد به الشرع من وجوب الرضى بالقضاء من الأخبار والإجماع، وإن قالوا: نعم.
قلنا: فما تقولون، الكفر بقضائه أم لا؟.
فإن قالوا: بلى.
قلنا: أفيجب الرضى به؟.
فإن قالوا: بلى، الرضى بالكفر كفر، فكيف يجب، وإن قالوا: لا يجب ناقضوا.

ويقال لهم: أليس روي في المتواتر عن النبي - صلى الله عليه وآله - أنه قال: ((اللهم ارضني بقضائك وبارك لي في قدرك))، وقال حاكياً عن ربه: ((من لم يشكر نعمائي ولم يصبر على بلائي ولم يرضَ بقضائي فليطلب رباًّ سواي))، فيجب الرضى بالكفر، فإن قال: نعم دفعه العقل والشرع، وإن قال: لا لزمه أن لا يكون بقضائه.
ويقال لهم: أليس الشرع ورد بأن كل قاضي يقضي بجور وظلم يقال له هذا جائر، فإن كان كل جور وظلم بقضائه فوجب أن يسمى بذلك.
ويقال لهم: أليس وردت السنة عن رسول الله - صلى الله عليه وآله - بذم القدرية فقال: ((القدرية مجوس هذه الأمة)) وغير ذلك من الأخبار ، فلا بد من: بلى، فيقال: أليست الأسماء تؤخذ من الإثبات كما يقال لمن يثبت التوحيد: موحد، ولمن يثبت التشبيه: مشبه، وكذلك أسماء الصانع؟ فلا بد من: بلى، فيقال: أليس هذا الاسم أخذ من القدر فيجب أن يكون له تعلق؟، فلا بد من: بلى، فيقال: اختلفنا في المعاصي أهي بقدر الله أم لا، فقلتم نعم وقلنا لا، فأنتم بهذا أولى.
وبعد ألستم قد لججتم بذكر القدر فتضيفون إليه كل كائن حسناً كان أو قبيحاً فكنتم بهذا الاسم أولى من هذا الوجه أيضاً، كما يقال تمري لمن لهج بالتمر ولبني لمن لهج باللبن.
وبعد أليس قد دللنا على صحة مذهبنا وفساد مذهبكم فكنتم بهذا الاسم أولى.
فإن قالوا: أنتم أولى بهذا الاسم؛ لأنكم أثبتم لنفوسكم القدر.
قلنا: باطل، نحن لا نثبت لأنفسنا القدر البتة، وإنما نثبت لأنفسنا فعلاً كما أثبتم كسباً، وبعد فهب أنا كذلك فعلنا، فإذا ذلك عندكم باطلاً وجب أن لا نسمى بذلك، ألا ترى أن المشبه يدّعي أنه موحد منزه ونحن نسميه مشبّهاً، ومن يدعي أنه كاتب صانع ولا حقيقة له لا يسمىّ بذلك.

ويقال لهم: النبي - صلى الله عليه وآله - شبه القدرية بالمجوس من بين سائر الكفار، فلا بد من: بلى، قلنا: فوجب أن يكون ذلك تشبيه بينهم وبين المجوس خاصة، وأنتم وافقتم المجوس في أشياء، منها أنهم أثبتوا فاعلين أحدهما خير لا يقدر على الشر، والآخر شرير لا يقدر على الخير وأنتم أثبتم فاعلين: مؤمن لا يقدر على الكفر، وكافرٌ لا يقدر على الإيمان، وهذا ضد مذهبنا؛ لأن عندنا أن القادر يقدر على الأمرين.
ومنها: أنهم جعلوا الخير والشر كالمطبوع وأنتم كذلك، ومع ذلك عندهم يحسن الأمر والنهي كذلك عندكم.
ومنها: أن المجوس أثبتوا فاعلين أحدهما ممدوح والآخر مذموم وأنتم أضفتم المعاصي إلى فاعلين خالقٌ ومكتسبٌ أحدهما محمود والآخر مذموم.
ومنها: أنهم قالوا: إنه تعالى خلق إبليس وأحدثه، ثم أخذ يلعنه ويعيبه وأنتم قلتم: إنه خلق المعصية ثم أخذ يلعنها ويعيبها.
ومنها: أنهم قالوا: الله لا يقدر على القبيح، وأنتم كذلك زعمتم ومن تمدّح بأن لا يفعل ما لا يقدر عليه لا يصح.
ومنها: ما قاله ثمامة لبعض المجبرة فقال: يسأل هذا المجوس عن نكاح الأمهات والبنات والأخوات وعبادة النيران وأكل الميتة والخمر أهو منه تعالى أم لا؟
- قال المجوسي: هو من الله.
- فقال: فأنا موافق له أم أنت؟ فانقطع.

مسألة في الاستطاعة وأن تكليف ما لا يطاق لا يجوز
الذي يقول مشايخ التوحيد والعدل: إن القدرة تتقدم الفعل ولا توجبه، بل يصير القادر بها قادراً ثم هو إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل، وتتعلق بالمثلين والضدين والمختلفين، وأنها باقية، وأن الكافر قادر على الإيمان، والمؤمن قادر على الكفر، ولا يكلف الله عبداً ما لا يطيقه.
وزعمت المجبرة: أنها مع الفعل لا تتعلق إلا بمقدور واحد دون المثلين والضدين والمختلفين واحد لا يقدر على شيئين، الكافر لا يقدر على فعل الإيمان والمؤمن لا يقدر على الكفر.
والكلام يقع في ثلاثة مواضع:
أحدها: أن الاستطاعة قبل الفعل غير موجبة له وتتعلق بالضدين، وأن تكليف ما لا يطاق لا يجوز.
فيقال لهم: أليس الواحد منا مع سلامة الأحوال يجب وقوع أفعاله بحسب قصده وداعيه واختياره، وانتفاؤه بحسب كراهته حتى إذا أراد الأكل وكره المشي يقع الأكل ولا يقع المشي.
فإن قالوا: لا يجب كابروا العقول، وإن قالوا: نعم.
قلنا: فالداعي قد يدعوه إلى أن يفعل الشيء وإلى أن يفعل ضده على البدل، فإذا لم يقدر على الضدين كيف يتم القول بما تقدم.
ويقال: هل فرق بين المضطر وبين المختار؟ فلا بد من: بلى، فيقال: فإذا كان كل واحد منهما لا يقدر على خلاف ما هو عليه ولا يمكنه الانفكاك عنه فأي فرق بين حركة الشرايين وحركة اليد؟!
ويقال لهم: هل يتصور أن يقدر على تحريكه يمنة ويسرة مع سلامة الأحوال؟ فلا بد من: بلى، فيقال له: فإذا جاز والقدر عليهما يختلف فيجب أن يجوز وعندهم لا يجوز.

ويقال: أليس من فقد العلم بالشيء أو فقد الآلات معذوراً في تركه، كمن لا رجل له يعذر في أن لا يمشي، ومن لا يكون له بصر يعذر في أن لا ينظر، ومن لا يعلم يعذر إذا لم يتمكن منه؟ فلا بد من: بلى؛ لأن عندهم تكليف ذلك لا يصح.
فيقال لهم: أليس تأثير القدرة في الفعل آكد من تأثير العلم والآلة؟ فلا بد من: بلى، وكذلك نجد العقلاء يتفقون أن من لا يقدر على شيء أو قال لا أستطيع كان معذوراً؛ ولأن الفعل إنما يتأتى بالقدرة خصوصاً عندهم أنها موجبة، فإذا كان مع فقد الآلة معذوراً فمع فقد القدرة أولى.
ويقال لهم: أليست القدرة يحتاج إليها ليخرج الفعل من العدم إلى الوجود؟ فلا بد من: بلى، فيقال: فإذا وجد الفعل فما الحاجة إلى القدرة.
ويقال لهم: الكافر هل يقدر على الإيمان أم لا؟.
فإن قالوا: نعم وافقونا، وإن قالوا: لا.
قلنا: فهو مأمور بما لا يقدر عليه ولا يطيقه وهذا لا يجوز.
ويقال لهم: القدرة على الضدين تتضاد أم لا؟.
فإن قالوا: لا.
قلنا: فوجب أن يجوز اجتماعهما.
وإن قالوا: تتضاد.
قلنا: فالصفة الصادرة عنهما أيضاً يجب أن تتضاد، كالعلم، والجهل، والحياة، والموت، والعجز، لما تضادت تضاد كونه عالماً جاهلاً حياً ميتاً قادراً عاجزاً.
فإن قالوا: نعم لزمهم أن لا يقدر تعالى على الضدين، وإن قالوا: يقدر نقضوا قولهم.
ويقال لهم: ما تقولون في كائن في الظل انتقل إلى الشمس أهو قادرٌ على الإنتقال أم لا؟.
فإن قالوا: بلى.
قلنا: قادرٌ على أن ينتقل إلى الشمس وهو في الشمس أم هو قادرٌ على أن ينتقل وهو في الظل؟.
فإن قالوا: يقدر وهو في الشمس.
قلنا: فإذا صار في الشمس فما معنى القدرة، وإن قالوا وهو في الظل فذلك قولنا.

ويقال لهم: رجل وله امرأة وعبدٌ فطلّق امرأته وأعتق عبده، هل يقدر على العتق والطلاق أم لا؟ فلا بد من: بلى، فيقال: أيقدر على ذلك وقد أعتق وطلّق أو قبله؟.
فإن قالوا: قبله وافقونا، وإن قالوا: إذا أعتق.
قلنا: فإذا وقع العتق والطلاق فما معنى القدرة، فكأنه قدر على طلاق أجنبية وعتق حر.
ويقال لهم: هل بين الفعل والقدرة تعلق لأجله لا ينفك أحدهما من الآخر؟
فإن قالوا: نعم.
قلنا: بينوا وجه التعلق وهما مقدوران غيران.
وإن قالوا: لا.
قلنا: فهلا جاز وجود أحدهما مع عدم الآخر فيصح وجود القدرة دون المقدور؟
ويقال: أليس عندكم القدرة موجبة والفعل من خلقه تعالى خلقهما معاً وأعدمهما معاً؟ فلا بد من: بلى.
فيقال: فلم صارت القدرة بأن تكون مؤثرة في الفعل أولى من أن تقولوا إن المؤثر في القدرة هو الفعل، وهذا نحو ما ألزمنا أصحاب برفلس وجماعة من الفلاسفة لما زعموا أن العالم قديمٌ وله صانعٌ قديم.
ويقال لهم: ما تقولون في رجلين قاعدين أحدهما زمنٌ والآخر صحيح فليس عندكم هما لا يقدران على القيام؟ فلا بد من: بلى.
فيقال: فهل تجوز لهما الصلاة من قعود؟
فإن قالوا: نعم، خالفوا الأمة والشرع، وإن قالوا: لا، فكذلك.
وإن قال: يجوز للزمن دون الآخر.
قلنا: فما الفرق وعندك أنهما سواء في أن لا قدرة؟.
فإن قال: يصح منه أو يتوهم.
قلنا: والحال هذه أو تتغير، فإن قال: تتغير نعم، قلنا: كذلك الزمن، وإن قال: والحال هذه ترك مذهبه.
ويقال له: أرأيت هذين الرجلين والمسألة بحالها إذا دخل وقت الصلاة ورآهما الإمام فقال للزمن: قم فصلِّ، فقال: لا أقدر على القيام، أصادقٌ هو أم لا؟.
فإن قالوا: بلى.
قلنا: أفيعذره الإمام أم لا؟.
فإن قالوا: بلا.

قلنا: فإذا قال الإمام للآخر: قم فصلِّ، فقال لا أقدر على القيام أصادق هو أم لا؟
فإن قال: هو كاذب، فقد وافنا، وإن قال: هو صادق.
قلنا: أيعذره الإمام؟.
فإن قال: نعم.
قلنا: خالف أهل العقول فإنهم لا يعذرونه.
فإن قالوا: لا.
قلنا: فإذا كانا جميعاً صادقين فلماذا يعذر أحدهما دون الآخر، وهذا الذي أورده الواثق على المجبرة في مجلس النظر فانقطعوا.
ويقال لهم: ما تقولون في رجلٍ قاعد على شط نهر جارٍ وهو صحيح الجوارح قيل له: توضأ فقال: لا أقدر، وحلف بطلاق امرأته أنه لا يقدر على أن يتوضأ، هل يجوز له أن يصلي بالتيمم؟ أو هل يقع طلاق؟ فإن قالوا: يجوز، خالفوا الإجماع ودفعوا العقول، وإن قالوا: لا يجوز ويقع الطلاق تركوا قولهم.
ويقال لهم: ما الفرق بين رجلين مع أحدهما ماء لم يتوضأ به والآخر لا يقدر على الماء، وعندكم كل واحد لا يقدر على استعمال الماء، فوجب أن يجوز لهما التيمم وذلك بخلاف الشرع.
ويقال لهم: أليس عندكم القدرة موجبة للفعل؟ فلا بد من: بلى، فيقال: فوجب في فاعل القدرة أن يكون فاعلاً للفعل؛ لأنه مع وجود القدرة لا يمكنه أن ينفك من الفعل حتى لا يتوجه المدح والذم إلى العبد بل يتوجه إلى فاعل القدرة.
ويقال لهم: أيجوز أن تتقدم القدرة على الفعل أم لا؟ فإن قالوا: لا، قلنا: فكونه قادراً، فإن قالوا: لا، قلنا: فوجب فيه تعالى أن لا يتقدم كونه قادراً على فعله؛ لأن تعلق الصفات لا يختلف.
ويقال لهم: إذا وجدت القدرة الموجبة أتوجب الفعل؟.
فإن قالوا: توجب.
قلنا: فإذا عدم العلم والآلات وجب أن توجب، وذلك يوجب الاستغناء عن العلم والآلة وهذا مما تأباه العقول.
ويقال لهم: ما تقولون في ذرة حملت خردلة أتقدر عليها؟.
فإن قالوا: نعم.

قلنا: فجبريل لم يحملها أيقدر عليها؟ فإن قالوا: لا فجبريل الذي قلب مدائن قوم لوط ومع ما يحكى من قوته هذه الذرة أقوى منه.
ويقال: ما تقولون في رجلين ضعيف وقوي، هل يتصور؟ فلا بد من: بلى، فيقال: فكيف يتصور وهذا ضعيف لو وجدت فيه قدرة نقل جبل لقدر، والقوي لو لم يوجد فيه لا يقدر، فلا ينفصل القوي من الضعيف.
ويقال: أليس في الشاهد من لا يقدر على شيء لا يصح أمره ونهيه بذلك ولا حمده وذمه؟ فلا بد من: بلى، وإلا كابروا العقول.
فيقال: فعندكم أن أحداً لا يقدر على شيء مما يليق به ولم يفعله فوجب أن لا يصح الأمر والنهي والمدح والذم، وفي جنس ذلك دليل على فساد قولكم، وهذا مثل الذي ألزمنا المانوية بالنور والظلمة.
ويقال لهم: ما تقولون لو وجد في الأعمى والجاهل قدرة الكتابة ونقط المصاحف أيصح منه ذلك؟ فلا بد من: بلى.
فيقال: فأي فرق بين الأعمى والبصير والعالم والجاهل.
ويقال: ما تقول في رجل حمل مائة رطل لا يقدر على حمل أزيد منه، هل يقدر على حمل أنقص؟ فإن قال: نعم، وافقنا، وإن قال: لا، قلنا: فإذن حاله في تعذر حمل ما هو أزيد كتعذر ما هو أقل، وهذا مما تدفعه العقول.
ويقال لهم: تصور جملاً حمل حملاً وزنه مائة منٍّ وبين يديه حمل أحد عشر مناً غير حامل له، أيقدر على حمل هذه العشرة؟ فإن قالوا: لا، كابروا العقول، وإن قالوا: نعم، تركوا مذهبهم.
ويقال لهم: أيجوز أن يكون قادراً غير فاعل؟ فإن قالوا: نعم، وافقونا، وإن قالوا: لا، قلنا: فوجب في القديم أن يكون فاعلاً لم يزل.

ويقال لهم: ما تقولون في رجل قتل نفسه أيقدر عليه؟ فإن قالوا: نعم، قلنا: يقدر عليه وهو حي أو يقدر وهو مقتول؟ فإن قالوا: يقدر وهو حي تركوا مذهبهم، وإن قالوا: قدر وهو مقتول أحالوا ودفعتهم العقول.
ويقال لهم: ما تقولون في رجل لم يحج أيقدر على أن يحج ويستطيعه؟ فإن قالوا: نعم، تركوا مذهبهم، وإن قالوا: لا، قلنا: فوجب أن لا يجب عليه الحج؛ لأن الاستطاعة شرطٌ في وجوبه بنص الكتاب.
ويقال لهم: ما تقولون في قوله: ?وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوْ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ?[التوبة:42]، ففي أي شيء كذبوا أو عندكم لو استطاعوا لخرجوا، قال شيخنا أبو الهذيل رحمه الله: لا يخلو إما أن يكونوا مستطيعين فلم يخرجوا، وقالوا: لا نستطيع، أو يكونوا في معلوم الله بحيث لو استطاعوا لم يخرجوا، وفي كلا الوجهين أكذبهم الله تعالى، فدلّ أنهم مع الاستطاعة كانوا لا يخرجون.

14 / 21
ع
En
A+
A-