واعلموا يابني أن سياسة النساء الحرائر منهن والإماء إنما هي على ما يجربن عليه أول ما يدخلن بيوتهن، ونظرن إلى من يملكهن بإجراءهن على الحجاب والصيانة، وساسهن بحوز الدواخل عليهن جرين له على ذلك ما دامت بينه وبينهن الصحابة، وحذرن في ذلك خلاف ما أجراهن عليه، وإن هو أراهن سهولة عند دخول الدواخل عليهن اغتررن فيه وأجرينه على إدخال من لا يفهمه، ولا يحيط بغيبه من حشم أهلهن وجاراتهن، وموالياتهن اللواتي متى سهل لهن إدخال مثل ما ذكرنا كان حرياً أن يكون ذلك داعياً إلى فسادهن عليه، ولم يأمن أن يكون منهن المفسدات للمرأة والمصغرات عندها جميل ما يفعل، والمحسنات عندها ما لا يحسن ولا يجمل.
فرأس سياسة النساء حرائرهن والإماء شدة الضبط والحجاب، وأن لا يؤذن لهن في إدخال من لا يفهمون سرها ولا يأمنون إفسادها وشرها.
يابني وقد ذكر عن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((النساء عيٌ وعورات فاستروا عيهن بالسكوت وعوراتهن بالبيوت)) ([57]) يريد سترهن بالبيوت الحجاب لهن عن الدواخل، وإلزامهن بالحجاب الصموت.
واعلموا يابني أن المرأة وإن حجبها زوجها غاية الحجاب، فربما غفل الزوج عن المملوك المحقور عنده اتكالاً على ذلته وأنه يفرق منه ويخافه ويهابه، فيدعوه الإسترسال بمحقرة العبد والاتكال على ذلة المملوك وهيبته له بالملكة والرق أن يدخله على حرمه وامرأته، حتى يأنس بهن ويألفهن، ويأنسن به، وهو ذكر من الذكران، وقد ركب الله في طبع الإناث الصغو إلى الذكور، فيقع في غفلته عن الحذر للوغد والعبد ومحقرته له ما يكره من الأمور.
وكم وكم من امرأة شريفة جميلة حسينة قد دعاها دخول الوغد ومحقرته وألفه وإقباله عليها وإدباره إلى أعظم الريبة.
فلا يدخلنَّ على ما تحجبون من نسائكم وحرمكم ـ من تحتقرون من أوغاد العبيد، فإن ذلك إن فعلتموه لم يؤمن أن يسهل عليهن من محادثتهن لهم، وأنسهم بهن مما يدعوهن إلى المحذور المشقي الهائل الشديد.
فاحجبوا يابني عن نسائكم وحرمكم ذكران الرقيق المحقور منهم والغوي والرشيد، الفحول منهم والخصيان، فهم لا يؤمنون على داهية ولا فحشاء ولا عدوان، وإنما المرأة على ما جعلت عليه من وهنها وضعفها، ووليها ما لم تتق الله صاغية إلى الرجال لميلها وإلفها.
ولذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنه نهى الرجل عن الخلوة مع امرأة)) ([58])، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((ثالثهما الشيطان))، والغالب على الرجال والنساء الميل من الذكر والأنثى، والصغو من الأنثى إلى الذكر إلاَّ من عصمه الله بالخشية والتقوى والبر.
فاحذروا يابني، الحذر الحذر كل الحذر من أن تدخلوا أبداً على الحرم رجلاً كان خصياً أو فحلاً، قبيحاً كان أو وضياً صبيحاً، وكم عسى أن يتردد ويدخل ويحادث ويألف حتى لا يؤمن منه ما لا يخاف ولا يتوهم ولا يعرف، فإن عصم الله من يدخل عليه من النساء بالطهارة والخوف لله والتقوى، لم يؤمن إذا كثر دخول المماليك عليهن أن يظن بهن من السوء ما لم يكن فيهن ولا منهن، وأقل ما في دخول المماليك على النساء ما لا يجوز ولا يحتمله غيور من وقوع أبصار المماليك على محاسنهن وصور أبدانهن، وأن يصفوا لمن لا يدخل من شرار الناس صفتهن، وهذا مالا يحتمله أهل الغيرة والأنف، فمكروه فيما بقي من الدهور وسلف.
وتعرفوا يابني عند نسائكم وحرمكم بالغيرة والتغلظ والتشدد في الحجاب، وانهوهن عن كثرة القيام بالليل ورفع الأصوات، ومروهن بالتحجب والتستر وخفض الصوت، فإن في الغفلة عما حذرتكم ما خير به الموت، ولا تطمعوا أحداً من مماليككم وجيرانكم في التقرب من أبواب دوركم، ولا حيث يسمعون أصوات حرمكم، فإن هذا رأس السياسة للنساء حرائرهن والإماء، فمن تراخى في الحجاب وتقريب المماليك والأصحاب من بيوت الحرم وأبوابهن، لم يؤمن من أن يتولد من غفلته ما ذكرت فيهن من الفضائح.
والذي أمرتكم به هو الذي لم يزل عليه كل غيور من الرجال وصالح، حاطكم الله تعالى وحاط لكم، وحفظكم وحفظ عليكم، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله العلي العظيم، ولا تطمعوا النساء في زيارة القرائب، فربما جاء من الغفلة عن ذلك وتسهيله بعض المكاره والمصائب([59]).
تم الكتاب والحمد لله المنعم الوهاب
ــــــــــــــــــــــ
([59]) - تمّ لنا بحمد الله تعالى قراءة هذا الكتاب الجليل على سيّدنا ومولانا الإمام الحجة/ مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى وأطال بقاه، والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
علي بن مجدالدين بن محمد المؤيدي، إسماعيل بن مجدالدين بن محمد المؤيدي، وكتب/ إبراهيم بن مجدالدين بن محمد المؤيدي؛ وفقه الله تعالى.