[وصيته عليه السلام في الصدق في القول والوعد]
وأوصيكم يابني بالصدق في الوعد والأخبار، فإن الصدق عند الله من كرم صالح الأبرار، وقد أمر الله بالصدق في مواضع كثيرة من القرآن وحلا به ووصف أهل الصلاح والإيمان، فقال: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ} [الأحزاب: 35] فجعل سبحانه الصدق صفة لصالح الرجال والنساء، ودليلاً على الإسلام والإيمان من أشرف الصفات، وجعل الصدق للإسلام والإيمان علامة ثانية من العلامات، وقال تعالى أيضاً وهو يصف حدود صفات من رضي عنه من أهل التقوى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا ءَامَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(16)الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ(17)} [آل عمران: 17] فجعل الصدق سبحانه والصبر والقنوت وهو الدعاء من الداعي قائماً لله، والإنفاق فيما رزق وترك البخل من صفات المتقين الأبرار.
وقد ذكر الله الصدق بالرضا منه والوصية منه به، وكرر ذلك تكرار بعد تكرار، وذكر صدق الوعد فريضة، وجعله من فاضل الأعمال الصالحة، التي مدح بها إسماعيل نبيه صلى الله عليه، فقال تبارك وتعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا} [مريم: 54]، فكان صدق الوعد مما رضي به عن إسماعيل نبيه صلى الله عليه وآله وجعله له مدحاً شريفاً سنيا.
[وصيته عليه السلام في العمل بوصايا القرآن]
ولكفاكم يابني بوصايا الله في القرآن أدباً ووصايا، فإن الله تبارك وتعالى قد أمر عباده في كتابه من صواب الرشد والحكمة بما هو أفضل مما وهبهم الله من العطايا، ففيه فانظروا، ومنه فاقبلوا وبنوره فاستنيروا، وما أمرتم به في الكتاب أن تفعلوه فافعلوا، فليس خير يبتغى إلاَّ والقرآن به آمر، ولا شر يتقى إلاَّ وكتاب الله عنه ناه زاجر.
قال الله سبحانه وتعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء: 36].
فما هذا يابني في هذه الآية من جوامع الوصايا بالخير والمعروف والكرم، إذ بدأ في وصايا هذه الآية بأوجب الحقوق، وبين حق الخالق وعبادة الله وترك الإشراك به، إذ حقه الواجب الأعظم، ثم ثنى تبارك وتعالى بعد ذكر عبادته وإيجاب عظيم حقه بالوصية بحق من حقه بعده، من أوجب حقوق خلقه، بحق الوالدين الذين منهما خلق الولد، وهما اللذان ربياه صغيراً، وغذّواه برزق الله، وكانا في الشفقة عليه والمحبة له والإحسان إليه على ما لا يبلغه بعد الله غيرهما أحد، ثم وصى في هذه الآية سبحانه بالرأفة والرحمة، والصلة بعد الوالدين والإحسان إليهما إلى ذوي الرحم الأقربين، والإحسان إلى ذوي القربى فهو العطف عليهم كما قلنا بالرأفة والرحمة والصلة لمحتاجهم ومضطرهم بالعطية والهبة، والصبر على ما لا تخلوا القربى منه بالحسد و النفاسة على القريب إذا بان عليهم بفضل أو رياسة، أو كان في بُلغ الدنيا أكثر قليلاً منهم سعة وجِدَة، فلا يخلون حينئذ من تنقصه وعيبه والوقيعة فيه، وحينئذ يجب الصبر منه على ذلك للقربى والصفح عنهم، وترك مكافأتهم، وذلك الإحسان الذي فرض الله لهم عليه.
واليتامى فقد أوصى الله في هذه الآية بهم والإحسان إليهم والرحمة لهم، مما بلوا به من الصغر من فقد والديهم.
ثم أوصى سبحانه في هذه الآية بالمساكين، وهم ذوا العسرة والفقر الشديد، والسُّؤال المحتاجون فأمر بالإحسان إليهم، والإحسان فهو نفعهم وما يتصدق به عليهم.
ثم أوصى الله سبحانه بابن السبيل، وهو المسافر الغريب، الضعيف الذليل، الذي قد تغرب عن وطنه وبلده، وانقطع به في بلغه وزاده، وقلة ذات يده، فأمر تعالى بالإحسان إليه، والإحسان فهو الدفع عنه إلى ابن السبيل فهو ضيافته ورفده، حتى يخرج من غربته وتضمه بلده.
ثم أوصى تبارك وتعالى بحفظ الجار ذي القربى في النسب وقريب الجوار، وأوصى أيضاً بالجار الجنب وهو المتنحي منزله إلى الجار الأجنبي، والأجنبي فهو المتنحي عن ذي القرابة والنسب، والإحسان عما يغمه ويؤذيه، واحتمال بعض خطاياه أوحسده، مالم يصل إلى ما يسخط الله تعالى فيركب كبائر معاصيه.
ثم أوصى تبارك وتعالى بحفظ الصحبة من صاحب الجنب، وهو المصاحب في السفر الأجنبي الذي ليس منزله منك بقريب، وليس بينك وبينه معرفة ولا قرابة، فأوجب سبحانه له حقاً بالرفاقة والصحابة.
ثم أوصى سبحانه في هذه الآية بوصية شريفة عنده مكرمة، من الإحسان إلى المماليك العبيد الذين خولهم من يملكهم، والمملوك فهو إنسان كمالكه، وإن كان الله قد جعلهم سخرة لهم، والإحسان إليهم فهو أن لا يقصر في النفقة عليهم عما يغنيهم ويكفيهم، وأن يكسو في البرد والقرّ ما يدفيهم، وأن يكسو في الصيف ما يواريهم، ويتجاوز لهم إلاَّ في حد من حدود الله، يغفر ذنوبهم، ولا يفرط الفرط الشديد المسرف في شتمهم وسبهم، فإن غلبوا بالمجانة والمعصية فبيعهم أصلح وأسلم، وأشبه بالإحسان وأكرم من تعذيبهم وضربهم، إلاَّ أن يرجو المالك أن ينفع فيهم تأديبهم، فيؤدبهم ويعاقبهم عقاباً وسطاً، ولا يصير من أدبهم إلى أدب مسرف مفرط ويكون لله سخطاً.
ولكن بما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المماليك من الخبر، دلالة على رضى الله سبحانه في الرفق بالمماليك لمن فهم ونظر.
فإنه قد صح في منقول الآثار وما لا شك فيه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الأخبار أنه أوصى في مرضه ونزول موته، فقال نظراً لأمته: ((أوصيكم بالضعيفين المرأة والمملوك)) ([42]).
وذكر أيضاً عنه في الوصية بالمماليك أنه قال للأحرار وهو يوصيهم بما ملكت أيديهم، ويعلمهم أن من يملكون بَشَرٌ كهم يؤذيهم ما يؤذيهم، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((أرقاكم أرقاكم لم يخلقوا من حجر ولم ينحتوا من شجر، أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون، ولا تكلفوهم ما لا يطيقون))([43]).
فقال الله سبحانه في آخر هذه الآية والوصية: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء:36] والله سبحانه لا يحب ولا يرضى للإنسان الضعيف الفاني التكبر والإختيال. لأنه وضع الإنسان في الدنيا موضع الوهن والصغار، والإنحطاط في كل حال.
فكم يابني في هذه الآية من وصية حكيمة، ومصالح للناس رضية كريمة، وقال الله سبحانه وهو يوصي من هو به رؤف رحيم من هذا الإنسان: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90] فكم في القرآن الحكيم وتنزيل الله الكريم من موعظة شافية كافية لقوم يعقلون، ففيه يابني فانظروا، وبنوره في ظلمة حيرة دهركم فاستنيروا، ففيه الدلالة إلى كل رشد وخير، جعلكم الله ممن اهتدى في ظلم هذا الدهر وحيرته بضياء كتاب الله المبين.
ولكفاكم يابني بنهي الله عز وجل عن كل شر ومنكر ترغيبا منه تعالى في كل خير وبر، بقوله سبحانه: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة:7،8] فلا أقل ولا أصغر لو كان عند الله سبحانه من الخير والشر في حكمه شيء لصغره وحقارته يسقط ويحتقر من مثاقيل الذر، ولكفى في النهي عما حرم الله من الحرام بقوله ونهيه في آخر سورة الأنعام لنبيه، {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(151)وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(152)} [الأنعام:151ـ152].
والفحشاء يابني التي نهى الله عنها فهو كل فاحش من القبيح مستنكر، وذلك فيما قد ألهم الله معرفته كل غوي وبر، وليس يفعل أحد شيئاً صغر ولا كبر من الفحشاء والقبيح، إلاَّ وقد ركب في طباعه وألهم معرفة ذلك كل أبيض وأسود، أعجمي وفصيح، ألا تستمعون لقول الله تبارك وتعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا(7)فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا(8)قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا(9)وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا(10)} [الشمس: 7ـ 10] فركب الله يابني كل نفس ومعقولها قبل ما عملت من عملها معرفة ألهمها إياها، تفهم بها ما تأتي من برها وإثمها، وكذلك الفواحش كلها والنفس لما تفعل منها منكرة، و كذلك إذا اتقت وبرت فقد ألهمت النفس وعرفت الأعمال الصالحة البرة، وفيما ذكر الله سبحانه من النهي في القرآن عن المنكر والفحشاء والعصيان، ما أغنى وكفى عن تفسيرنا له بالبيان.
وسأعود يابني إن شاء الله إلى ذكر جمل أوصيكم بما أوصى الله به فيها من الطاعة وفعلكم لها وأثرتكم إياها هي الغنائم الكبرى في الدنيا، وبها النجاة عند الله، والظفر بثواب الله، وحسن جزائه في الدار الأخرى.
وسأذكر لكم يابني من ذلك إن شاء الله جملاً مختصرة إن عملتم بها رجوت أن يكون فيها نجاتكم عند المعاد إلى الله في الدار الآخرة.
ـــــــــــــــــــــــ
[وصيته عليه السلام في توحيد الله واعتقاد وما يليق بجلاله وعظمته]
فأول إن شاء الله ذلك ذكر بارئكم وخالقكم وربكم، والفكرة في وحدانيته وجلاله وعظمته وأن لا تتوهموه مشبهاً لشيء من خلقه وبريته، ولا مثلاً ولا مشاكلاً لشيء مما خلق في أرضه وسماواته، وأن تعلموا إذا فكرتم فجالت بكم الفكر في جميع ما يدرك العقل والحواس، ويحيط به مما ظهر أوغاب أفهام الأولين والآخرين من الناس، من كل حيوان حي من ملك مقرب، أو نبي مرسل، أو شمس منيرة، أو نور من الأنوار مضي، أو معظم مشرق مستحسن بهي، أرضياً كان ذلك أو سماوياً تجول به في قلوبكم فكرة، أو تهِمُوه في دنياً أو آخره، أن تعلموا أن ربكم وإلهكم وصانعكم وصانع كل شيء خلاف لهذا كله، وأنه غير مشبه لشيء من الأِشياء كلها التي خلق في سماواته وأرضه، وأن حقيقة الإيمان به أنه هو الله الذي هو خلاف الأشياء كلها، لا يُشاكله ولا يشابهه شيء مما في السموات العلى، ولا مما في أرضها وسفلها.
وحقيقة الإيمان به أبداً، والصواب والحمد لله فيها والهدى، أنه خلاف ما أدركته العقول أو خطر بالبال في الكرم والعظمة والكبرياء والجلال، حقيقة اليقين في المعرفة أنه لا يدرك بحيطة ولا تحديد، ولا تمثيل ولا صفة، وكيف يوصف من لا تدركه العقول، ولا الفكر ولا الحواس، ومن تعالى وجل عن شبه أهل السماء من الملائكة، وتقدس وعلا عن أن يشبه الأنوار ذات البهاء المضيئة، وحاش لله أن يشبه أو يماثل الإنسان الذي هو من الصور الأرضية، بل هو سبحانه الواحد الحق في الوحدانية، والذي لا تدركه الأبصار، ولا يوصف بحدود ولا أقطار، ولا تقاس عظمته وجلاله وقدرته بشبه ولا مقدار، أعظم من كل شيء عظمته عظماً، وأكرم من تدركه الأوهام أو تناله الفكر كرماً، كل كبير معه صغير، وكل معظم عند ذكره حقير.
فإلهكم يابني وربكم فسبحوا واذكروا وحبه والوله إليه فاستشعروا، ونعمه عليكم فافهموها وإن لم تحصوها واشكروا، وشكركم له وحمدكم فإنما هو بالطاعة والعمل الصالح، لا بالإقرار واللسان، بل بالركوع والسجود والتسليم لأمره والخضوع، والفكرة فيما أبدى من حججه وآياته، وما أراكم من برهان ربوبيته في أرضه وسماواته، فاسمعوا لإلهكم العظيم، وبارئكم الكريم وأطيعوه، واخشوا من خالقكم الرؤوف الرحيم بكم واخضعوا، واحمدوه بألسنتكم وسبحوه، واسجدوا له واركعوا، فإنما حمده وشكره عبادته وطاعته، وذكره واتباع ما يحب ويرضيه، واجتناب كلما نهى عنه من سخطه ومعاصيه، ومولاة أوليائه ومحبة أحبائه من رسله، وأنبيائه، ومعاداة أعدائه والإيمان به وبملائكته والتصديق برسله وكتبه.
ــــــــــــــــــــ
[وصيته عليه السلام في الصلاة]
وبعد الإعتقاد منكم يابني بالإيقان والإيمان فخذوا أنفسكم بما أمركم به من تطهير الأعضاء والأبدان، فإذا توضأتم فاسبغوا الوضوء حتى تنظفوا ما أمرتم به من كل عضو.
واعلموا أن الوضوء هو التطهر الأصغر، وأن أجلّ منه في الطهارة والأكبر ([44]) التطهر والتنظف من كبائر المعاصي، وأن ذلك هو الباب الأكبر الذي من دخله صار إلى النجاة.
واعلموا يابني أن الصلاة إنما وضعت وفرضت لذكر الله تعالى والثناء عليه، والفكرة في جلاله وعظمته وما يقرب إليه، فمن كان حظه من صلاته القعود والقيام، ولم يكن مفكراً في صلاته بالذكر لجلال ربه وعظمته وما يقرب إليه، وما أنعم به عليه من عظيم نعمه، وما وعد من كريم الثواب في طاعته، وما خوفه به من أليم عذابه على معصيته، فمن لم يكن هكذا فهو ساه في صلواته، وإنما وضعت الصلاة لذكر الله، قال الله سبحانه وتعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] وقال عز وجل: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ(4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ(5)} [الماعون: 5]، والسهو عنها فهو السهو عن ذكر الله تعالى فيها، والإقبال بالفكر والقلب عليها.
فافهموا يابني رحمكم الله قول ربكم ودلالته لعباده وخلقه، على ما في الصلاة والركوع والسجود من رضاه وتعظيم حقه، إذ يقول سبحانه لنبيه وهو يرغبه في الصلاة ويدعوه إليها، ويخبره عن الفضائل في الصلاة وما جعل فيها، {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45].