إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } [فاطر:13-14]، وقوله تعالى: { وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ ، وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } [يونس:106-107]. أما هذه الآيات فهي عليهم عمى.
والجواب :: أنه صدق فيكم الحديث الذي رواه البخاري عن علي عليه السلام: وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (( سيخرج قوم في آخر الزمان حداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة )).
هذا الحديث ظاهر فيكم، والعلامة المذكورة فيه أوضح فيكم من سلفكم من الخوارج، لأن في هذا الحديث يقولون: من خير قول البرية. وهذا فيكم أظهر، لأنكم تزعمون أنكم الدعاة إلى التوحيد، والحذر من الشرك، وتقرأون الآيات في ذلك ونحو ذلك.
أما سلفكم من الخوارج فقالوا: لا حكم إلا لله. فقولكم أوضح من قولهم في أنه من خير قول البرية، فالحديث فيكم أظهر وأنتم داخلون فيه دخولا أوليّا.
وكذلك قوله: حداث الأسنان، لأن أكثركم أهل المعاهد الذين تربونهم على مذهبكم فينشأون عليه، يُكَّفرون المسلمين، ويقولون كلمة حق يراد بها باطل، كما قال سلفكم الخوارج: كلمة حق يراد بها باطل، وكما كفروا المسلمين واستحلوا بذلك دماءهم وأموالهم.
وكذلك قوله في الحديث: في آخرلزمان، فأنتم أشد منهم تأخراً في الزمان، فلذلك قلنا أن الحديث فيكم أظهر، وأنكم داخلون فيه دخولا أوليّا.

وكذلك قوله: سفهاء الأحلام. ظاهر في كلامكم، حيث تستعملون طريقة السفهاء في إكثار السباب للمسلمين، ورميهم بالشرك والبِدَع والخرافات والكذب، بناء منكم على أوهام وظنون، وحبا للبذاءة والكلام السيء، من ذلك ما نقلناه عن مقبل مما ذكره في كتابه، وتطور فيه في السب حتى زعم أن الزيدية أفسدوا في الدين أكثر مما أفسد بنو أمية، وحتى جَهّل الهادي والقاسم وأبا طالب، مع أنه يمكن الجدل بدون ذلك !!
وكذلك تجدهم يسبون الزيدي ويظهرون تكفيره لدون ضرورة، فقد تجلت فيهم سفاهة الأحلام، واجتمعت فيهم العلامات، فظهر بذلك أنه لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، وأنهم مارقون من الدين، لاستحلالهم دماء المسلمين التي حرمها الله، وأموالهم وأعراضهم، فضلا عن ظهور تشبيه الله بخلقه في الذين لا يحققون، وإنما يسمعون العبارات الموهمة للتشبيه، ويقال لهم: إن المراد بالآيات التي يسمونها آيات الصفات والأحاديث، ظاهرها يجب الإيمان بها، واعتقاد معناها بدون تأويل، فيظنون لجهلهم أن المقصود إثبات الأعضاء لله سبحانه وتشبيهه بخلقه، فيعتقدون ربهم شبيها بالمخلوقين، ويتوهمون ربهم ذا صورة وأعضاء وتحديد، كصور المخلوقين وأعضائهم وتحديدهم، ويعبدون هذا المتصوَّر الذي يتصورونه، الموهوم الذي يتوهمونه، ويسمونه الله، سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا !!!
فهم يعبدون غير الله ويزعمون أنه الله، وبذلك أشركوا من حيث لا يعلمون، كما روي عن زيد بن علي عليه السلام في تفسيره لغريب القرآن، في قول الله تعالى: { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ } [يوسف:106]. قال: هم قوم شبهوا الله بخلقه فأشركوا من حيث لا يعلمون. انتهى.
وما مثلهم إلا مثل شخص قال: إنه يشتهي التين وهو لا يعرف التين. فقيل له: كيف التين ؟! فوصفه بصفة العنب، فبان بذلك أنه إنما يعني العنب، فهو الذي يشتهيه، وإن سماه باسم التين. فهكذا هؤلاء يعبدون الصورة التي مثل صورة آدم عليه السلام مثلا، ويستحضرونها في أذهانهم في صلاتهم عند نية الدخول في الصلاة لله، وعند قولهم: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [الفاتحة:5] مثلا، فهم

يخاطبون موهوما متصورا بصور المخلوقين عن عقيدة وتصميم، لا مجرد تخيل عارٍ عن الاعتقاد، فهم بذلك مشركون.
ثم هم يرمون بالشرك المؤمنين الأبرياء من الشرك، فيستحلون بذلك دماءهم وأموالهم وأعراضهم، فيشبهون اليهود الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات أصحاب الأخدود.
فهذا من الخصال التي أشبهوا فيها اليهود، وأشبه مقبل اليهود الذين شاركوا الأولين بالرضى بأفعالهم، فقال الله تعالى فيهم: { قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [البقرة:91]. لأن مقبلا قال: وبحمد الله لم يزل الشيعة مقهورين !!!
أما الآيات الكريمة التي ذكرها مقبل ونقلناها من قول الله تعالى: { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } [الجن:18]. فإن الجواب عن احتجاجهم قد شملته الكتب التي أجاب بها عنهم المسلمون، ومن أحسنها ( كشف الارتياب في اتباع محمد بن عبد الوهاب ) و( الإيجاز في الرد على فتاوي الحجاز )، وهما كتابان منشوران مطبوعان يمكن تحصيلهما بثمن يسير، فمن كان من أهل الإنصاف فليطالعهما بتفهم وتحرير نظر، ومحل البحث بخصوص احتجاجهم بالآيات المذكورة في المقصد الثاني من كتاب ( الإجادة في دفع الإسراف ص 109 ).
ثم قال مقبل في ( ص 208 ): ثم إني أذكِّر من بقي فيه خردلة من إيمان، ونزعة من حياء من الله، بقول الله سبحانه وتعالى آمرا لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم: { قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا ، قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا ، قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا } [الجن:20-22].
ثم حكى عن الشوكاني في ( ص 209 ) كلاما جيدا، إلا قوله: فيا عجبا كيف يطمع... إلخ. فلعله يعرض بالمسلمين، وإلا قوله: فهل سَمِعت أذناك أرشدك

الله بضلال عقلٍ أكبر من هذا الضلال الذي وقع فيه عباد أهل القبور ؟! فإنا لله وإنا راجعون. انتهى.
فإن كان يعني قوما لا نعرفهم ولا نعلم ما يفعلون، وكلامه فيهم صحيح فهو صحيح. وإن كان يعني الزيدية في اليمن كما يعني مقبل فقد أساء بالتعريض بهم، وغلبه التعصب والعداوة لهم.
والجواب :: أنهم براء مما نسب إليهم، وإلى الله المصير.
قال مقبل( ص 216 ): وعلى كل حال فالأحاديث الموضوعة في فضائل أهل البيت كثيرة جدا.
والجواب :: من أين علمت هذا ؟!
وقال مقبل: فإني قلَّما أفتح ميزان الاعتدال وغيره من كتب الجرح والتعديل، إلا وجدت حديثا موضوعا في فضائلهم.
الجواب :: يجعلونها في كتبهم في الجرح، ليستدلوا بها على جرح الرواة، ثم جاء مقبل فاعتمدهم في جرح الرواة وقلدهم، ورد أحاديث الفضائل بجرحهم للرواة، فأحاديث الفضائل عندهم تدل على جرح الرواة، وذلك أنهم يعتقدونها مكذوبة، لا لأن الرواة قد ثبت جرحهم بسبب غير الرواية، بل اعتمدوا في جرح الرواة على روايتهم لها، وجعلوها في كتب الجرح دليلا على جرح الرواة.
وعلى هذا فصنيع مقبل في رده لأحاديث الفضائل تقليدا لهم في الجرح غير صحيح، لأنه دورا إذا كانوا بنوا الجرح على بطلان الرواية، وهو بنى بطلان الرواية على الجرح الذي بنوه على بطلان الرواية.
والتحقيق في كثير من الفضائل أنه لا دليل على بطلانها، ولا على جرح راويها، وأن جرح الشيعة وتضعيفهم لدفع أحاديثهم نوع من محاربة السنة، ولكن مقبلا لا يرى السنة إلا ما يصححه أسلافه، أما نحن فالسنة عندنا هي سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإن أنكرها ابن الجوزي والعقيلي، والذهبي وابن حبان، وابن عدي وأضرابهم، لأنه لا دليل على أن السنة هي ما قبلوه دون ما حكموا بوضعه أو ضعف راويه !!!

من أين لمقبل أنهم الحكام على سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟!‍
من أين له أن المعروف ما عرفوه والمنكر ما أنكروه ؟!
أمن كتاب الله أم من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟! حتى أبطل بذلك أكثر حديث الزيدية، بل منع الاعتماد على كتب الشيعة جملة من غير فرق بين أهل الفضل والورع والزهد والأمانة وغيرهم، بل رد رواية المرتضى محمد بن الهادي عليهما السلام، وقال: لا تقبل ولو رواها ألف مثل محمد بن الهادي !!!
وعلى هذه الطريقة رد أحاديث الزيدية كلها، وهو يزعم أنه يدعو إلى السنة، وهو هذا يحاربها ويبالغ في ذلك، فيعتبر أهلها مبتدعين لا يعتبر حديثهم شيئا مذكورا، فما له أنكر على المفتي السيد علي الصيلمي، والمفتي صلاح بن أحمد فليته، حين اعتمدا حديث الزيدية وهما منهم ؟! ولم يعتبرا حديث المخالفين لهم، وهما إنما سلكا نفس الطريقة التي سلكها مقبل في الفتوى لمن سألهم، عن مذهبهم.
فكيف كان لمقبل أن يعترض المفتين بمذهبه، ويبني على أن سنتهم التي هي عندهم سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يعتبرها مقبل غير سنة ؟! ويزعم أنه لا سنة إلا سنة أسلافه، وهو في ذلك معترض عليهم في فتواهم لمن سألهم، وهي فتوى بنوها على مذهبهم وعلى أصولهم، وهكذا المفتي يفتي بما عنده وبما تقتضي أصوله.
فكيف ساغ لمقبل وهو المعترض أن يعترض عليهم ويرميهم بمخالفة السنة ؟! زعما أن السنة سنة أسلافه لا غير !! وهم اعتمدوا السنة التي هي عندهم سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم !! وإن كان مقبل لا يرضاها ولا يؤمن بها، لأن الفتوى موجهة إلى غيره.
وأصل الاعتراض أورد على السيد علي الصيلمي لتركه الضم والتأمين، أفلا يسوغ له في الإنصاف أن يقول مثل ما يقول مقبل ؟!! إذ يقول مقبل: لا نعتمد شيئا من كتب الشيعة. أفلا يسوغ للصيلمي أن يقول كذلك: لا نعتمد شيئا من كتب أعدائهم، وسنتهم التي لا يشهد لها الكتاب ولا السنة التي عندنا ولا دليل ؟! فليست من السنة وإن صححوها !!

فما لمقبل يجعل مثل هذا محاربة للسنة، ولا يجعل إبطاله لحديث الشيعة ولو كان كثيرا من السنة النبوية محاربة للسنة، أين الإنصاف ؟! مع أن السيد علي بن هادي قد بيِّن حجة وهي عنده صحيحة وإن لم تصح عند خصومه، والأصل في عمل الإنسان لنفسه، وفي فتواه من استفتاه عن مذهبه، أن يعمل بما صح عنده، لا بما صح عند خصمه، وإن كان باطلا عنده.
فلماذا يعتبر محاربا للسنة بذلك ؟! ولماذا يعتبر مبتدعا في اعتماده على حديث الزيدية ؟! وهو زيدي معتمد على أحاديث يعتقدها من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم !! ثم يأتي مقبل يعترض عليه فيقول: إنا لا نعتمد حديث الشيعة.
ويقول في ( ص 112 ): وعار عليه أن يجيب مثلنا بهذه الأحاديث !! وهو إنما يدفع عن نفسه الاعتراض عليه في عمله لنفسه بمذهبه، وفي فتواه لمن سأله عما عنده.
ويقول مقبل: إذا أردت أن ترد علينا أو تناظرنا، فعليك أن تستعد بالدليل من كتاب أو سنة، وتعرف الصحيح من الضعيف، وإلا فتعلَّم عند علماء السنة قبل أن تكتب وتناظر.
والجواب :: أنك لم تنصف، لأنك تعني بالسنة سنة أئمتك وهو لا يراها سنة، وأنت المعترض عليه والمتعاطي للخوض معه في مذهبه، ولو أنصفت بعض الإنصاف لقلت كما قال ابن حزم في الفصل، حيث قال في ( ص 144من ج 4 ) من كتابه الفصل، عقيب احتجاجه على الشيعة لتفضيله أبا بكر، قال أبو محمد: ولم يحتج عليهم بالأحاديث، لأنهم لا يصدقون أحاديثنا ولا نصدق أحاديثهم، وإنما اقتصرنا... إلخ.
فأما مقبل فإنه يريد أن يعترض المعترض على السيد علي هادي، ويصحح الاعتراض بما لا يصح على أصل السيد علي هادي، فإذا أجاب السيد علي هادي بما هو السنة عنده، أجاب مقبل: إنا لا نقبل أحاديث الشيعة ولا نعتمد كتبهم.
فهل وجب على السيد علي هادي أن لا يعتمد إلا على ما يعتمد مقبل ؟! وأن لا يعمل إلا بما يعمل به مقبل ؟! وما المانع من أن يقال: بل الواجب على

مقبل قبول رواية الزيدية، لأن الرواة علماء فضلاء أمناء، أهل زهد وورع وأمانة، والتشيع لا يخرجهم عن أهلية رواية الحديث، وإذا كان لمقبل أن يرد حديث الشيعة لأنهم خصومه، أفلا يكون للسيد علي هادي أن يرد حديث مقبل وأئمته لأنهم خصومه ؟! أيظن مقبل أنه لا سبيل إلى الكلام في أسلافه ؟!
ألا يستطيع السيد علي هادي أن يقول: إن حديثهم مبني على الجرح والتعديل، والجرح والتعديل مبني على التعصب للعثمانية والنواصب، بتوثيقهم واغتفار عيوبهم وكتمانها، كما فعل ابن حجر في مقدمة فتح الباري، وعلى التعصب ضد الشيعة وتطلب جرحهم بأدنى علة، واستقراء كتبهم شاهد لذلك، وقد أشار إليه مقبل في كلامه، حيث قال: فإني قلَّما أفتح ميزان الاعتدال أو غيره إلا وجدت حديثا موضوعا في فضائلهم، فهم يجرحون برواية الفضائل، لإنكارهم وإن لم تكن مخالفة لدليل صحيح، وهذا هو التعصب !!
ولهم في جرح الشيعة وتضعيفهم طرق غير ذلك من التعصب والحيف، مثل: قبول رواية بعضهم عن الشيعي ما يجرحونه به، والراوي متهم أو ضعيف، وهو مقرون بضعفه.
ومثل: كذب بعضهم على الشيعي، ينسب إليه قولا باطلا، كما كذب بعضهم على جابر الجعفي، وكذب بعضهم على عباد بن يعقوب، والغرض التمثيل لمن أراد البحث.
أفليس لعلي هادي إذا كانوا يوثقون الناصبي ويضعفون الشيعي أن يقول: أنا أختار العكس، عملا بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (( لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق )) ؟!! وما كذبه أعداء الشيعة عليهم في الملل والنحل والفصل وغيرها لا أصدقه !! أو ليس للسيد علي هادي أن يقول: قد جرب التدليس من أكثر المحدثين ؟! وهو الداء العضال، لأن المدلس وإن كان لا يعتمد ما يعتقده باطلا، فقد يكون معتقدا لعدالة منافق فيدلسه، ولو علمناه ما قبلناه، وعلى هذا يكون للسيد علي هادي أن يجادل في سنة مقبل التي لا يرى سنة غيرها، لأنه لا يكاد يسلم من التدليس أحد من أئمته !!

ولو فرضنا أن أهل مذهبهم يجادلون عنهم كما فعل ابن حجر في مقدمة فتح الباري، فلماذا يجعل مقبل مذهبه فيها أمرا مفروغا منه، كأنه من ضروريات الدين ؟! ويجعل العدول عن سنته ابتداعا، ويجعل سنة خصومه ليست شيئا مذكورا !! ثم يكرر في كتابه اعتبار سنته أنها هي السنة، ويرمي من خالفها بالابتداع، حتى قال في ( ص 216 ): فإن قلت: هذه الأحاديث التي حكمتم عليها بالوضع قد صحت لنا من طريقنا؟
قلت: إذا كان طريق غير طريقة أهل السنة والجماعة، فحسبكم قول الله تعالى: { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } [النساء:115]. انتهى.
فهل بعد هذا تعصب ؟! وهو لا يعني بأهل السنة والجماعة إلا أسلافه، أما علماء الشيعة فليس لهم في هذا الاسم نصيب في رأي مقبل، والحاصل أن مقبلا سلك طريقة لا يعجز خصمه عن مقابلتها بمثلها، فإذا قال مقبل: لا نثق بحديث الشيعة، قال علي: لا نثق بحديث أعدائهم، وذلك مذهبه وهو فيه جاد ليس لمجرد الجدل، ويمكنه جرح كبارهم كما جرح مقبل كبار الزيدية، فإذا قال مقبل: إن تشكيك علي في حديث العثمانية والنواصب تشكيك في السنة بأسرها، أجاب علي: بل أنت تشكك في السنة، لأنك شككت في حديث أهل البيت وشيعتهم وهو السنة، وإذا قال مقبل: إن عليا مبتدع، لأنه ترك العمل بحديث العثمانية، قال السيد علي: بل أنت المبتدع، لأنك تركت سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي هي السنة، وما خالفها البدعة، واعتمدت في مخالفتها روايات مكذوبة أو منسوخة، أو لا تفيد مذهبك، أو مخصصة أو مقيدة أو متشابهة. والصحيح المحكم هو: حديث أهل البيت وشيعتهم، وما وافقه من حديث الأمة أو وافق الكتاب.

جاء شقيق عارضا رمحه ... إن بني عمك فيهم رماح

فإما أن يترك كل وشأنه، { قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا }[الإسراء:84].
وإما أن يبدأ بالجدل في أصول الجرح والتعديل، وما هو الحجة فيها، فإن اتفقا على الأصول انبنى على ذلك معرفة السنة ما هي، أهي التي يرويها أهل البيت وشيعتهم ؟! أم التي يرويها أعداءهم ؟! ثم انتقلا إلى الفروع، وإن بقيا على اختلافهما في الأصول، فلا معنى للجدل على الفروع مع البقاء على الخلاف على الأصول، وإنما يثير الشقاق بين المسلمين وهم في أشد الحاجة إلى الاجتماع لدفع الكفار عنهم !!!
قال مقبل: ومن أين لكم طرق أخرى وأنتم عالة على المحدثين ؟! وإذا كان لكم طرق أخرى فهي غير موثوق بها.
والجواب :: أن بعض الفضائل له طرق غير ما ذكره، وبعضه يقوي بعضا ويوافقه في المعنى.
وأما قوله: وإذا كان لكم طرق أخرى فهي غير موثوق بها.
فالجواب:: بل هي موثوق بها عند الشيعة، وإن لم تكن موثوقا بها عند أعدائهم، فذلك لا يشترط في ثبوتها عند الشيعة أن تكون موثوقا بها عند النواصب وشيعتهم، لأنه لا دليل على ذلك من الكتاب ولا السنة ولا العقل، بل أعداء الشيعة متهمون في ردها، وجرح رواتها بالتعصب للمذهب، واتباع هوى النفس، وعداوة المذهب، فهم على هذا محاربون للسنة وأن أبيتم.
ثم نقل مقبل كلام ابن الوزير الذي ساقه للاحتجاج، على أنه لا يستقيم الاستغناء بكتب الزيدية في علم الحديث، ومقبل لم يفهمه، فهو يظنه يمنع من الاعتماد على شيء من حديث الزيدية المسند بأسره، وليس كذلك، أو يظنه يعني لا يعتمد عليها في شيء، وليس كذلك كما لا يخفى على من يفهم، ولأن محمد بن إبراهيم ينقل من كتبهم ويعتمد عليها، وقد نقل منها دعوى الإجماع على قبول رواية كفار التأويل، واعتمدها في تنقيح الأنظار ووثق الرواة لها منهم.

وقد أمعن ابن الوزير في الجدل، وأتى في الروض الباسم بما يدل على إغراقه في النزع، ومبالغته في الجدل، ولم يكن الموضوع يستدعي كل ذلك، ولكن لعل المعترضين عليه لَجُّوا في الجدل، فقابلهم بالمثل، وحمله ذلك على تجاوز الحد اللائق به، وقد أجاب عنه الإمام المنصور بالله محمد بن عبد الله الوزير في كتابه فرائد اللألئ، رد فيه عليه وعلى المقبلي ردا واسعا، وكذا أجاب عنه السيد العلامة أحمد بن الإمام الهادي القاسمي، المتوفى في شهر رمضان سنة 1367 بكتاب سماه: العلم الواصم في الرد على الروض الباسم.
ثم قال مقبل في ( ص 224 ): وأختم رسالتي بآية تمثلها كلها، وتبين الهدف من جميعها،{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ } [آل عمران:64]. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
والجواب :: هذا تعريض بالمخالفين له، وتنزيل لهم منزلة أهل الكتاب، ولقد بالغ في العدوان عليهم، ورماهم بالشرك وهو يعلم براءتهم منه، ورماهم بالتقية بمعنى يريده، هم منه براء وهو يعلم أنهم براء منه، ونسب إلى أهل صعدة أنهم يدعون الهادي وهو يعلم أنه كذب، ونسب إلى علمائهم أنهم جعلوهم يدعونه وهو يعلم أنه كذب، ويدخل صعدة ولا يسمع دعاء للهادي عليه السلام، ويكتم ذلك ويحمد الله على أن الشيعة لم يزالوا مقهورين، فهو يشارك في دمائهم البرية التي أريقت في كربلاء، وفي الحرة، وفي الكناسة، ومع محمد بن عبد الله النفس الزكية، ومع أخيه إبراهيم، وهلم جراً إلى هذا الزمان ويجرحهم ويضعفهم، ويزعم أنه لا يوثق بكتبهم، ولا يعتمد على شيء منها، وهو يعلم أن فيهم أبرارا أخيارا أمناء ثقات، لأنه في بلدهم، وقد جالس بعض علمائهم وعرفهم، ولكنه حذا حذو أهل الكتاب في كتمان الحق وهو يعلم، فنختم هذه الجملة بقول الله تعالى: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [آل عمران:71]

60 / 63
ع
En
A+
A-