قال الذهبي: إنه صدوق سيء الحفظ. وقال ابن عدي: وأبو زرعة يكتب حديثه، وقال أبو داود: لا أعلم أحدا ترك حديثه. خرج له مسلم مقرونا، والأربعة، والبخاري تعليقا، ومن أئمتنا الخمسة. انتهى.
قلت: قول الذهبي: سيء الحفظ، دعوى غير صحيحة، وقد عرفت طريقتهم فيمن رأوا أسلافهم أخذوا عنه، وهو من رواة الفضائل، أن يجعلوا فيه علة لتضعيف ما رواه من الفضائل، إما أنه سيء الحفظ، وإما أنه اختلط بآخرة، أو نحو ذلك، وقد مر تفصيل هذا، فالقوم خصوم، يجرون لأنفسهم تقوية بدعتهم بجرح الشيعة وتضعيفهم على ما مر تفصيله، فلا يقبل منهم ذلك.
هذا وحديث تفسير الآية بقوله: (( علي وفاطمة وابناهما ))، ذكره الزمخشري فقال في تخريجه: ابن حجر، أخرجه الطبراني، وابن أبي حاتم، والحاكم في مناقب الشافعي، من رواية حسين الأشقر، عن قيس بن الربيع، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس وحسين ضعيف ساقط. انتهى المراد.
وقد فعل هكذا في تخريج الكشاف الذي أصله للزيلعي، ولعله تبع فيه الزيلعي في جرح الشيعة والمجازفة في ذلك، فإن الزيلعي يسرف في جرح الشيعة ولا يبالي، كما ترى صنيعه في نصب الراية وقد مر الكلام فيه.
أما ابن حجر فهو قد ذكر في التقريب أن حسينا صدوق.
نعم، والحديث أيضا ذكر المحب الطبري في ذخائر العقبى أنه أخرجه أحمد في المناقب. وقد خرجه تخريجا واسعا الأميني في الغدير ( ج 2/ ص 307 )، وذكر له شواهد في كون الآية في آل محمد.
قال الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل في سياق تفسير هذه الآية آية المودة: وفي الباب عن أبي إمامة الباهلي: حدثني أبو بكر البردي، أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الصدفي المروزي قدم حاجا، أن أبا الحسن سهل ( ثمل نسخة ) بن عبد الله الطرسوسي ( الدستري نسخة ط 1 ) حدثهم ببخارى، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن الحسن بجندنيسابور ( بنجديسبابور نسخة ط1 )، حدثنا الحسن بن إدريس القشيري، حدثنا أبو عثمان الجحدري طالوت بن عباد، عن فضال بن جبير، عن
أبي إمامة الباهلي قال: قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم: (( إن الله خلق الأنبياء من أشجار شتى، وخلقت أنا وعلي من شجرة واحدة، فأنا أصلها، وعلي فرعها، والحسن والحسين ثمارها، وأشياعنا أوراقها، فمن تعلق بغصن من أغصانها نجا، ومن زاغ هوى، ولو أن عبدا عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام حتى يصير كالشن البالي، ثم لم يدرك محبتنا لكبه الله على منخريه في النار، ثم تلا { قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى:23])). انتهى.
وفي ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق ( ج 1/ ص 148 ): أخبرنا أبو الحسن الفرضي، أنبأنا عبد العزيز الصوفي وذكر حديثا، ثم قال: قال - أي: عبد العزيز الصوفي - وأنبأنا ابن السمسار، أنبأنا علي بن الحسن الصوفي، أنبأنا سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني اللخمي بأصبهان، أنبأنا الحسين بن إدريس الجريري التستري، أنبأنا أبو عثمان طالوت بن عباد البصري الصيرفي، أنبأنا فضال بن جبير، أنبأنا أبو إمامة الباهلي قال: قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم: (( خلق الله الأنبياء من أشجار شتى، وخلقني وعليا من شجرة واحدة، فأنا أصلها، وعلي فرعها، وفاطمة لقاحها، والحسن والحسين ثمرها، فمن تعلق بغصن من أغصانها نجا، ومن زاغ هوى، ولو أن عبدا عَبَدَ الله بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام ثم ألف عام، ثم لم يدرك محبتنا لأكبه الله على منخريه في النار، ثم تلا { قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى:23] )).
ورواه علي بن الحسن الصوفي مرة أخرى عن شيخ آخر، أخبرناه أبو الحسن الفقيه السلمي ( الطرسوسي )، أنبأنا عبد العزيز الكناني، أنبأنا أبو نصر بن الجيان، أنبأنا أبو الحسن علي بن الحسن الطرسوسي، أنبأنا أبو الفضل العباس بن أحمد الخواتيمي بطرسوس، أخبرنا الحسين بن إدريس التستري، أنبأنا أبو عثمان الجحدري طالوت بن عباد، عن فضال بن جبير، عن أبي إمامة الباهلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( إن الله خلق الأنبياء من أشجار شتى، وخلقني وعليا من شجرة واحدة، فأنا أصلها، وعلي فرعها، والحسن والحسين
ثمارها، وأشياعنا أوراقها، فمن تعلق بغصن من أغصانها نجا، ومن زاغ هوى، ولو أن عبدا عَبَدَ الله عز وجل بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف ثم ألف عام ولم يدرك محبتنا لأكبه الله عز وجل على منخريه في النار، ثم تلا صلى الله عليه وآله وسلم { قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى:23])).
قال محقق ترجمة الإمام علي ( ج 1/ ص 149 ): والحديث رواه المصنف - أي: ابن عساكر في ترجمة علي بن الحسن الطرسوسي من تاريخ دمشق ( ج 36/ 19 ) - قال: أخبرنا أبو الحسن الفرضي، أنبأنا عبد العزيز بن أحمد، أنبأنا أبو نصر المري، أنبأنا أبو الحسن علي بن الحسن الطرسوسي، أنبأنا أبو الفضل العباس بن أحمد الخواتيمي بطرسوس، أنبأنا الحسين بن إدريس التستري، أنبأنا أبو عثمان الجحدري.
قلت: والحديث موافق لقول الله تعالى: { إنما يتقبل الله من المتقين } ، ومتى كان العمل غير مقبول، كان قليله وكثيره سواء.
وقد روي تفسير الآية، عن أمير المؤمنين عليه السلام، فأخرج الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل في تفسيرها قال: أخبرنا أبو بكر، أخبرنا أبو الشيخ الأصبهاني الحارثي، حدثنا عبد الله بن محمد بن زكريا، حدثنا إسماعيل بن يزيد، حدثنا قتيبة بن مهران، حدثنا عبد الغفور أبو الصباح، عن أبي هاشم الرماني، عن زاذان، عن علي قال: (( فينا آل محمد آية لا يحفظ مودتنا إلا كل مؤمن، ثم قرأ { قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى:23] )).
ورواه مصبح بن الهلقام عن عبد الغفور، فأسنده إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم. انتهى.
وفي الغدير ( ج 3/ ص 308/ ط 4 ) أخرج أبو الشيخ بن حبان في كتابه (الثواب) من طريق الواحدي، عن علي عليه السلام قال: (( فينا آل حم آية لا يحفظ مودتنا إلا كل مؤمن، ثم قرأ { قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى:23] )).
وذكره ابن حجر في الصواعق ( 101، و 136 )، والسمهودي في جواهر العقدين. انتهى.
وقد بسط البحث في الآية ابن حجر في الصواعق من ( ص 169/ ط 2 )، وكلام علي عليه السلام في ط 2 في ( ص 170 ).
ورواه محقق شواهد التنزيل عن أبي نعيم، فقال: ورواه أيضا في ترجمة قتيبة بن مهران من تاريخ أصبهان ( ج 2/ ص 165 )، قال: حدثنا الحسين بن أحمد بن علي أبو عبد الله، حدثنا الحسن بن محمد بن أبي هريرة، حدثنا إسماعيل بن يزيد، حدثنا قتيبة بن مهران، حدثنا عبد الغفور، عن أبي هاشم، عن زاذان، عن علي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( عليكم بتعلم القرآن وكثرة تلاوته، تنالون به الدرجات، وكثرة عجائبه في الجنة ( كذا ). ثم قال علي: وفينا آل حم آية لا يحفظ مودتنا إلا كل مؤمن، ثم قرأ { قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى:23] )). انتهى.
وقال المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني عليه السلام في الأمالي: حدثنا القاضي أبو الفضل زيد بن علي الزبري أبو الفضل النجار قراءة، قال: حدثنا أبو محمد عبد الله بن بشر بن مجالد بن نصر البجلي، قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة الكوفي، قال: حدثنا مرثد بن الحسن بن مرثد بن باكر أبو الحسن الكاهلي الطبيب، قال: حدثنا خالد بن يزيد الطبيب، قال: أخبرنا كامل بن العلاء، قال: أخبرنا جابر بن يزيد، عن عامر بن واثلة قال: (( كنت على الباب يوم الشورى، إذ دخل علي عليه السلام وأهل الشورى وحضرهم عبد الله بن عمر، فسمعت عليا عليه السلام يقول: بايع الناس أبا بكر... )) إلى آخر حديث المناشدة، وفي ضمنه قال: (( أنشدكم بالله وبحق نبيكم، هل فيكم من أحد أمر الله بمودته من السماء، حيث يقول: { قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى:23]غيري. قالوا: اللهم لا نعلمه ))(1).
__________
(1) الأمالي /113(25).
وقال الحاكم في المستدرك ( ج 3/ ص 172 ): حدثنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى بن أخي طاهر العقيقي الحسني، ثنا إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، حدثني عمي علي بن جعفر بن محمد، حدثني الحسين بن زيد، عن عمر بن علي، عن أبيه علي بن الحسين قال: (( خطب الحسن بن علي الناس حين قتل علي فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: لقد قبض في هذه الليلة رجل لا يسبقه الأولون بعمل ولا يدركه الآخرون، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعطيه رايته فيقاتل، وجبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، فما يرجع حتى يفتح الله عليه، وما ترك على أهل الأرض صفراء ولا بيضاء إلا سبع مائة درهم فضلت من عطاياه، أراد أن يبتاع بها خادما لأهله، ثم قال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي، وأنا ابن النبي، وأنا ابن الوصي، وأنا ابن البشير، وأنا ابن النذير، وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه، وأنا ابن السراج المنير، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وأنا من أهل البيت الذي افترض الله مودتهم على كل مسلم، فقال تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: { قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا } [الشورى:23]، فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت )). انتهى.
وفي الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي ( ص 170/ ط 2 ): وأخرج البزار والطبراني عن الحسن رضي الله عنه من طرق بعضها حسان، أنه خطب خطبة، من جملتها: (( من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ثم تلا: { وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ ...} الآية [يوسف:38]، ثم قال: أنا ابن البشير، أنا ابن النذير، ثم قال: وأنا من أهل البيت الذين افترض الله عز وجل مودتهم وموالاتهم، فقال فيما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم: { قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى:23] )). وفي رواية: (( الذين افترض الله مودتهم على كل مسلم، وأنزل فيهم: { قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ
أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا } [الشورى:23] واقتراف الحسنات ( كذا ) مودتنا أهل البيت )). انتهى.
ورواها أبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبيين ( ص 50 ) وما بعدها، فقال: حدثني أحمد بن عيسى العجلي، قال: حدثنا حسين بن نصر، قال: حدثنا زيد بن المعدل، عن يحيى [بن] شعيب، عن أبي مخنف قال: حدثني أشعث بن سوار، عن أبي إسحاق [السبيعي]، عن سعيد بن رويم، وحدثني علي بن إسحاق المخرمي، وأحمد ابن الجعد، قالا: حدثنا عبد الله بن عمر شكدانة، قال: حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن حبشي، وحدثني علي بن إسحاق، قال: حدثنا عبد الله بن عمر، قال: حدثنا عمران بن عيينة، عن الأشعث، عن أبي إسحاق موقوفا، وحدثني محمد بن الحسين الخثعمي، قال: حدثنا عباد بن يعقوب، قال: حدثنا عمرو بن ثابت، عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن بريم ( كذا ) قال: قال عمرو بن ثابت: كنت اختلف إلى أبي إسحاق ( السبيعي ) سنة، أسأله عن خطبة الحسن بن علي فلا يحدثني بها، فدخلت إليه في يوم شات وهو في الشمس وعليه برنسة كأنه غول، فقال لي: من أنت فأخبرتهن فبكى وقال: كيف أبوك وكيف أهلك؟ قلت: صالحون. قال: في أي شيء تردد منذ سنة؟ قلت: في خطبة الحسن بن علي بعد وفاة أبيه، قال ( حدثني هبيرة بن بريم كذا )، وحدثني محمد بن محمد الباغندي، ومحمد بن حمدان الصيدلاني، قالا: حدثنا إسماعيل بن محمد العلوي، قال: حدثني عمي علي بن جعفر بن محمد، عن الحسين بن زيد بن علي، [عن] زيد بن الحسن، عن أبيه، دخل حديث بعضهم في حديث بعض والمعنى قريب، قالوا: (( خطب الحسن بن علي بعد وفاة أمير المؤمنين علي عليه السلام، فقال: لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأولون بعمل ولا يدركه الآخرون بعمل، ولقد كان يجاهد مع رسول صلى الله عليه وآله وسلم فيقيه بنفسه، ولقد كان يوجهه برايته فيكتنفه جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، فلا يرجع حتى يفتح الله عليه، ولقد توفي في هذه الليلة التي عرج فيها بعيسى بن مريم، ولقد توفي فيها يوشع بن نون وصي موسى، وما خلف صفراء ولا بيضاء إلا سبع مائة درهم بقيت من
عطائه، أراد أن يبتاع بها خادما لأهله، ثم خنقته العبرة فبكى وبكى الناس معه، ثم قال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أنا ابن البشير، أنا ابن النذير، أنا ابن الداعي إلى الله عز وجل بإذنه، وأنا ابن السراج المنير، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، والذين افترض الله مودتهم في كتابه، إذ يقول: { وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا } [الشورى:23]، فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت )). انتهى المراد.
وقد سقط من الخطبة هنا قوله: (( { قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } [الشورى:23] ))، ولكن يدل عليه قوله: (( والذين افترض الله مودتهم في كتابه إذ يقول ))، ولا يخفى أن قوله: { وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً } ليس فيه افتراض، وإنما هو ترغيب، فظهر أن قد سقط من هذه الرواية دليل الافتراض، وهو قوله: { قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى }. وبالله التوفيق.
والروايات السابقة تدل على ذلك، ويحتمل أنه سقط من المطبوعة لا من أصل مقاتل الطالبيين، فالنسخة هذه فيها غلط كثير.
وقال الإمام أبو طالب يحيى بن الحسين الهاروني في الأمالي ( ص 179 ): حدثنا أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني رحمه الله تعالى، قال: أخبرنا عبد الرحمن بن الحسن بن عبيد، قال: حدثنا علي بن العباس بن الوليد الحميري، قال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق الراشدي، قال: حدثنا إسماعيل بن يحيى بن عبد الله، عن فطر بن خليفة (( أن الحسن بن علي عليه السلام لما أصيب علي عليه السلام قام في الناس خطيبا فقال: الحمد لله وهو للحمد أهل... إلى قوله: من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأنا ابن البشير النذير، وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه السراج المنير، ونحن أهل البيت الذي كان
جبريل فيهم ينزل ومنهم يصعد، ونحن الذين افترض الله مودتنا وولايتنا، فقال: { قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } )). انتهى المراد.
اختصرته من الخطبة أنا.
قال محقق شواهد التنزيل: وهو المحمودي ( ص 143 ) وورد، عن الإمام الحسين عليه السلام أيضا كما في الحديث ( 361 ) من ترجمة معاوية من أنساب الأشراف ( ج 2/ الورق 79/ أ / أو ص 754 ) قال: حدثني محمد بن سعد، عن الواقدي، عن عبد الله بن جعفر، عن أم بكر بنت المسور، عن أبيها قال: (( كتب معاوية إلى مروان وهو على المدينة أن يخطب زينب بنت عبد الله بن جعفر، وأمها أم كلثوم بنت علي، وأمها فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ابنه يزيد ويقضي دينه، وكان خمسين ألف دينار ويعطيه عشرة آلاف دينار، ويصدقها أربع مائة، ويكرمها بعشرة آلاف دينار، فبعث مروان إلى ابن جعفر فقال: نعم، واستثنى رضاء الحسين بن علي فأتى الحسين فقال له: إن الخال والد وأمر هذه الجارية بيدك، فأشهد عليه الحسين بذلك، ثم قال للجارية: يا بنية إنَّا لم تخرج منا غريبة قط أفأمرك بيدي ؟ قالت: نعم، فأخذ بيد القاسم بن محمد بن جعفر بن أبي طالب فأدخله المسجد وبنو هاشم وبنو أمية وغيرهم مجتمعون، فتكلم الحسين فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إن الإسلام دفع الخسيسة وتمم النقيصة، وأذهب اللائمة، فلا لوم على مسلم إلا في أمر مأثم، وإن القرابة التي عظم الله حقها وأمر برعايتها، وأن يسأل نبيه الأجر له بالمودة لأهلها، قرابتنا أهل البيت... )) إلخ (1).
__________
(1) القصة من مناقب ابن شهراشوب هكذا: عبد الملك بن عمير، والحاكم، والعباس قالوا: خطب الحسن عائشة بنت عثمان فقال مروان: أزوجها عبد الله بن الزبير، ثم إن معاوية كتب إلى مروان وهو عامله على الحجاز يأمره أن يخطب أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر لابنه يزيد، فأبى عبد الله بن جعفر فأخبره بذلك، فقال عبد الله: إن أمرها ليس إليّ إنما هو إلى سيدنا الحسين وهو خالها، فأخبر الحسين بذلك فقال: أستخير الله تعالى، اللهم وفق لهذه الجارية رضاك من آل محمد، فلما اجتمع الناس في مسجد رسول الله أقبل مروان حتى جلس إلى الحسين عليه السلام وعنده من الجلة وقال: إن أمير المؤمنين أمرني بذلك، وأن اجعل مهرها حكم أبيها بالغا ما بلغ مع صلح ما بين هذين الحيين مع قضاء دينه، واعلم أن من يغبطكم بيزيد أكثر ممن يغبطه بكم، والعجب كيف يستمهر يزيد وهو كفؤ من لا كفؤ له، وبوجهه يستسقي الغمام؟! فرد خيرا يا أبا عبد الله.
فقال الحسين عليه السلام: الحمد الله الذي اختارنا لنفسه، وارتضانا لدينه، واصطفانا على خلقه ... إلى آخر كلامه ثم قال: يا مروان قد قلت فسمعنا، أما قولك: مهرها حكم أبيها بالغا ما بلغ، فلعمري لو أردنا ذلك ما عدونا سنة رسول الله في بناته ونسائه وأهل بيته وهو اثنتا عشرة أوقية يكون أربعمائة وثمانين درهما.
وأما قولك: مع قضاء دين أبيها، فمتى كن نساؤنا يقضين عنا ديوننا، وأما صلح ما بين هذين الحيين، فإنا قوم عاديناكم في الله ولم نكن نصالحكم للدنيا، فلعمري فلقد أعيى النسب فكيف السبب.
وأما قولك: العجب ليزيد كيف يستمهر، فقد استمهر من هو خير من يزيد ومن أب يزيد ومن جد يزيد.
وأما قولك: إن يزيد كفؤ من لا كفؤ له، فمن كان كفؤه قبل اليوم فهو كفؤه اليوم، ما زادته إمارته في الكفاءة شيئا.
وأما قولك: بوجهه يستسقي الغمام، فإنما كان ذلك بوجه رسول اله صلى الله عليه وآله وسلم.
وأما قوله: من يغبطنا به أكثر ممن يغبطه بنا، فإنما يغبطنا به أهل الجهل، ويغبطه بنا أهل العقل. ثم قال بعد كلام: فاشهدوا جميعا أني قد زوجت أم كثلوم بنت عبد الله بن جعفر من ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر على أربعمائة وثمانين درهما، وقد نحلتها ضيعتي بالمدينة. أو قال أرضى بالعقيق، وإن غلتها في السنة ثمانية آلاف دينار ففيها لهما غنى إن شاء الله.
قال: فتغير وجه مروان وقال: أغدراً يا بني هاشم تأبون إلا العداوة، فذكّره الحسن عليه السلام خطبة الحسن عائشة وفعله ثم قال: فأين موضع الغدر يا مروان؟ فقال مروان:
أردنا صهركم لنجدَّ ودا ... قد أخلقه به حدث الزمان
فلما جئتكم فجبهتمونى ... وبحتم بالضمير من الشنان
فأجابه ذكوان مولى بني هاشم:
أماط الله منهم كل رجس ... وطهرهم بذلك في المثاني
فما لهم سواهم من نظير ... ولا كفؤ هناك ولا مداني
أيجعل كل جبار عنيد ... إلى الأخيار من أهل الجنان
مناقب ابن شهراشوب 4/38.
ورواه أيضا ابن عساكر في ترجمة مروان في تاريخ دمشق. انتهى.
وفي تفسير ابن جرير الطبري ( ج 25/ ص 16 ) حدثني محمد بن عمارة، حدثنا إسماعيل بن أبان قال: حدثنا الصباح بن يحيى المري، عن السدي، عن أبي الديلم قال: (( لما جيء بعلي بن الحسين رضي الله عنهما أسيرا فأقيم على درج دمشق، قام رجل من أهل الشام فقال: (( الحمد لله الذي قتلكم وأستأصلكم، وقطع قرني الفتنة، فقال له علي بن الحسين رضي الله عنه: أقرأت القرآن ؟ قال: نعم. قال: أقرأت آل حم ؟ قال: قرأت القرآن ولم أقرأ آل حم. قال: ما قرأت { قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } ، قال: وإنكم لأنتم هم. قال: نعم )). انتهى.
وهذا ذكره ابن كثير في تفسيره وسكت عليه.
وذكر ابن حجر في الصواعق أنه أخرجه الطبراني، عن زين العابدين - يعني: علي بن الحسين عليهما السلام -.
وقال زيد بن علي في كتاب الصفوة: (( ثم قال عز وجل: { قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ } [الشورى:23]. ثم قال تعالى: { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ } [الإسراء:26]، فنحن ذوو قرباه دون الناس ))(1).
وقال الهادي عليه السلام في كتاب الزهد والآداب في باب القول في معاونة الظالمين في أواخر كتابه الأحكام (2): وبلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (( من سود علينا فقد شرك في دمائنا )).
قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه: التسويد هاهنا هو التكثير، فمن كثر بنفسه أو بقوله أو أعان بماله على مُحقّ من آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد شرك في دمه، ووتر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ابنه، وأنه
__________
(1) مجموع رسائل الإمام زيد /193 بتحقيق محمد يحيى عزان.
(2) الأحكام 2/538.