( أبو طالب ) بن غيلان في فرائد تخريج الدارقطني، أنبأنا إبراهيم بن محمد المزكي، حدثنا عبد الله بن أحمد بن عاصم، أنبأنا أحمد بن الأحجم المروزي، حدثنا أبو معاذ النحوي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: (( قلت: يا رسول الله ما لك إذا قبلت فاطمة جعلت لسانك في فمها كأنك تريد أن تلعقها عسلا. قال: يا عائشة إنه لما أسري بي إلى السماء أدخلني جبريل الجنة فناولني تفاحة فأكلتها، فصارت نطفة في صلبي، فلما نزلت من السماء واقعت خديجة، ففاطمة من تلك النطفة، كلما اشتقت إلى الجنة قبلتها )).
أحمد بن الأحجم كذاب.
قلت: ليس بين الرجل وبين أن يرمى بأنه كذاب إلا أن يروي هذا الحديث، أو ما يماثله مما ينكره ابن الجوزي والذهبي وأضرابهما، فلا التفات إلى قولهم كذاب، لأنه دعوى بلا دليل.
ثم قال في اللألئ، عن ابن الجوي: ابن حبان، أنبأنا محمد بن العباس الدمشقي، حدثنا عبد الله بن ثابت بن حسان الهاشمي، حدثنا عبد الله بن واقد أبو قتادة الجراحي، عن سفيان الثوري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، (( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان كثيرا ما يقبل نحر(1) فاطمة فقلت: يا رسول الله أراك تفعل شيئا لم تفعله. قال: أو ما علمت يا حميراء أن الله عز وجل لما أسري بي إلى السماء أمر جبريل فأدخلني الجنة ووقفني على شجرة ما رأيت أطيب منها رائحة ولا أطيب ثمرا، فأقبل جبريل يفرك ويطعمني، فخلق الله في صلبي منها نطفة فلما صرت إلى الدنيا واقعت خديجة فحلمت بفاطمة، كلما اشتقت إلى الجنة ورائحة تلك الشجرة شممت نحر فاطمة فوجدت رائحة تلك الشجرة منها، وأنها ليست من نساء أهل الدنيا، ولا تضل كما يضل نساء أهل الدنيا )).
عبد الله بن واقد متروك - أي قال ابن الجوزي ذلك - ثم قال عن ابن الجوزي: أخبرنا يحيى بن علي المدبر، أنبأنا أبو منصور محمد بن محمد بن عبد العزيز العكبري، حدثنا أبو أحمد عبيد الله بن أحمد الفرضي، أنبأنا جعفر بن محمد
__________
(1) في الأم - نحو - وهو غلط. ( مؤلف ).
الخواص، حدثني الحسين بن عبد الله الأبزاري، حدثنا إبراهيم بن سعيد، حدثنا المأمون، عن الرشيد، عن المهدي، عن المنصور، عن أبيه، عن جده، عن ابن عباس قال: (( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكثر قُبَلَ فاطمة، فقالت له عائشة: يا نبي الله إنك تكثر قُبَل فاطمة. فقال: إن جبريل ليلة أسري بي أدخلني الجنة فأطعمني من جميع ثمارها فصار ماء في صلبي فحملت خديجة بفاطمة، فإذا اشتقت إلى تلك الثمار قبلت فاطمة فأصيب من رائحتها تلك الثمار التي أكلتها )).
الأبزاري كذاب وضاع. انتهى.
فهذه خمس طرق عن هشام بن عروة.
وروى الحديث بطريق سادسة صاحب فرائد السمطين ( ج 2/ ص 50، وص 51 )، والسند طويل يقول في أثنائه قال: حدثني الشيخ العارف أبو بكر بن إسحاق بن إبراهيم الكلابادي رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن علي بن الحسين، قال: حدثنا صالح بن منصور بن نصر، قال: حدثنا عبد الله بن بشر المديني، قال: حدثنا أحمد بن محمد الهاشمي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة (رض) قالت: (( قلت: يا رسول الله ما لك إذا قبلت فاطمة أدخلت لسانك في فيها كأنك تريد أن تلعقها في العسل. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا عائشة ليلة أسري بي إلى السماء فأدخلني جبريل عليه السلام الجنة ناولني تفاحة فأخذتها فأكلتها فصارت نطفة ونورا في صلبي، فنزلت فواقعت خديجة ففاطمة منها، فكلما اشتقت إلى الجنة قبلتها، يا عائشة فاطمة حوراء إنسية )). انتهى.
ورواه ابن المغازلي في المناقب ( ص 222 ) من طريق الحسين بن عبيد الله أبي عبد الله وهو الأبزاري، وقد مر الكلام فيه أنه تكلم فيه أحمد بن كامل القاضي، وأن أحمد بن كامل رمي بالتساهل، وأنه متهم بالتساهل في جرح الأبزاري.
وأما عبد العزيز بن عبد الله الهاشمي غلام خليل فلم أجد له ترجمة، وغلام الخليل الذي تكلموا فيه هو زاهد بغداد أحمد بن محمد بن غالب الباهلي كما في لسان الميزان والميزان، فالذي في اللألئ لا بد أنه غلط.
وأما أحمد بن الأحجم، فذكره في لسان الميزان وقال: ذكر ابن الجوزي له في الموضوعات هذا - يعني: حديث التفاحة - ثم قال ابن حجر: وأحمد هذا قال فيه ابن الجوزي قالوا: كان كذابا. انتهى.
وهؤلاء القائلون مجهولون، ولم يذكر حجة لجرحه إلا الحديث المذكور، بزعمه أنه حجة فهي دعوى مردودة.
وأما عبد الله بن واقد أبو قتادة، ففي ترجمته في تهذيب التهذيب والميزان ما يفيد أنهم اختلفوا فيه، واختلفت فيه الرواية عن ابن معين.
وأما أحمد بن حنبل، فرووا عنه أنه قال فيه: ثقة. وقال: كان أبو قتادة يتحرى الصدق وأثنى عليه، وفي ترجمته أنهم يقولون: لم يكن يفصل بين سفيان ويحيى بن أنيسة، فقال: لعله اختلط، أما هو فكان ذكيا. انتهى المراد.
وقوله: لعله اختلط، إنما هو على فرص صدق قولهم، وليس يدل على أنه هو يثبت ذلك، لأنه إنما قاله جوابا على قولهم: لم يكن يفصل بين سفيان ويحيى بن أنيسة، ولعلها كانت غلطة من أبي قتادة فاتخذوها عليه وسيلة لرميه بالتخليط، وفي أول ترجمته عن أحمد: ثقة، إلا أنه كان ربما أخطأ، وكان من أهل الخير يشبه النساك، وكان له ذكاء. انتهى المراد.
فأما الذين تكلموا فيه، فلم يذكر لهم حجة، ولعلهم تكلموا فيه من أجل حديث التفاحة، وقد حققنا أنه لا يوجب جرح الرواة، وعلى هذا تكون روايته من الحسن على أقل تقدير، فإذا انضافت إليها الأسانيد الخمسة قويت قوة جلية لمن أنصف، ويزيده تأكيدا ويقوية ما أخرجه الحاكم في المستدرك ( ج 3/ ص 156 ) عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام بسفرجلة من الجنة فأكلتها ليلة أسري بي فعلقت خديجة بفاطمة، فكنت إذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رقبة فاطمة )).
قال الحاكم: هذا حديث غريب الإسناد والمتن، وشهاب بن حرب مجهول، والباقون ثقات. انتهى.
فهذا يقوي ما سبق وإن كان قال: سفرجلة، فمثل هذا يكون فيه الغلط من تفاحة إلى سفرجلة، لتقاربهما في الذهن، وبهذه الجملة ظهر غلط ابن الجوزي في الحكم بوضع الحديث. وبالله التوفيق.
[حديث: (( لما خلق الله آدم وحواء تبخترا ... )) ]
قال مقبل: حديث (( لما خلق الله آدم وحواء تبخترا في الجنة... )) إلى آخره، وساقه في فضل فاطمة وعلي والحسنين عليهم السلام، ثم قال ( ج ) - أي: ابن الجوزي - هذا حديث موضوع، والحسن بن علي صاحب العسكر هو الحسن بن علي بن محمد بن موسى بن جعفر أبو محمد العسكري، آخر من تعتقد فيه الشيعة الإمامة، قلت: آخر الإثني عشر هو محمد بن الحسن المذكور.
قال ابن الجوزي: روى هذا الحديث عن آبائه وليس بشيء. هكذا في كتاب مقبل، والذي في اللألئ المصنوعة عن ابن الجوزي موضوع، الحسن العسكري، ليس بشيء. انتهى.
والجواب وبالله التوفيق: كأن النواصب يشتهون لحوم العترة الزكية، فيتوسلون إليها بأدنى سبب، وقد يمكن ابن الجوزي أن يرد الحديث بدون جرح في الحسن، لأنه يمكن أن يكون أحد الرواة عنه ضعيفا.
وسنده إليه هكذا: أبو الحسين بن المهتدي بالله في فوائده، أنبأنا أبو الفرج الحسن بن أحمد بن علي الهمداني، حدثنا أبو عبد الله بن محمد بن جعفر بن شاذان، حدثنا أحمد بن محمد بن مهران بن جعفر الرازي بحضرة أبي خيثمة، حدثني مولاي الحسن بن علي صاحب العسكر... إلخ.
أفلا يمكن أن الغلط من أحد هؤلاء الرواة عن الحسن ؟! أما الحسن فقد ترجم له من القوم ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة ( ص 207 )، ترجمة تدل على علم غزير وفضل كبير.
أما ابن حجر، فذكره في لسان الميزان فقال: ضعفه ابن الجوزي في الموضوعات. انتهى.
ولم يرد عليه، فلا رحم الله ابن الجوزي ولا من قلده.
[ حديث: (( اشتد غضب الله على من أهراق دمي ... )) ]
قال مقبل( ص 212 ): (( اشتد غضب الله على من أهراق دمي وأذاني في عترتي )).
( الشوكاني ) قال في المختصر: موضوع.
والجواب وبالله التوفيق: أن إيراد مقبل لهذا، تقليد على ضلال، لأن الحكم بوضع هذا الحديث حكم بلا دليل، وذلك لأن معناه صحيح، موافق للكتاب والسنة، وما كان كذلك فالحكم بأنه موضوع حكم بغير حجة. ولو فرض أنه ورد بسند غير معتمد، فإن ضعف السند لا يدل على أنه موضوع، لأنه لا يبعد أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاله، وإن لم يرو عنه بسند صحيح، لأنه لا يجب في كل ما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ينقل إلينا بسند صحيح، بل يجوز في بعض ما قاله أن لا ينقل بسند صحيح، ويكون في غيره من الأدلة ما يكفي عن نقله بسند صحيح.
والمنصف في مثل هذا، إنما يتكلم على السند دون الحديث، فلا يحكم بوضعه بل يتوقف فيه لاحتمال ثبوته، ولعدم الدليل على صحة نفيه.
فحكم الشوكاني إن كان حكم بوضعه مجازفة وضلال، وتقليد مقبل له بإيراده في طليعته ضلال على ضلال.
أما موافقة الحديث لكتاب الله، فإن الله تعالى يقول: { وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } [النساء:93]. ويقول تعالى: { مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا } [المائدة:32]. وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا } [الأحزاب:57]. وقال تعالى: ? إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ
وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ، أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } [آل عمران:21-22].
فدلت هذه الجملة على أن قتل آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أذية لله ورسوله، لأنه بغير حق، وأن من فعل ذلك فقد اشتد غضب الله عليه، لأنه لعنه في الدنيا والآخرة وأعد له عذابا مهينا.
وكيف يشك عاقل في أن قتل آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أذية له ؟! وفي أن أذيته بقتلهم لا توجب على الفاعل شدة غضب الله ؟! مع ما ورد في فضلهم، وما ورد في القاتلين لحمزة رحمه الله، وعلي عليه السلام، والحسين عليه السلام، وما روي من بكاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين أخبره الملك بقتل الحسين وأشباه ذلك، فالباب واسع.
ولو لم يكن في الدلالة على خصوصيتهم إلا حديث الثقلين، الذي رواه مسلم وغيره، وفيه: (( أذكركم الله في أهل بيتي ثلاثا )). وحديث: (( نزوله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في الخطبة للحسن والحسين حين رءاهما يمشيان ويعثران )). وحديث: (( الولد مبخلة مجبنة ))، وهي أحاديث رواها القوم ولكن البحث يطول بإكمال البحث فيها، وهي تستدعي كتابا مستقلا، وفي (الذرية المباركة) جملة من تلك الأحاديث مخرجة، منسوبة إلى مواضعها من كتب الحديث.
هذا ولا نسلم أنه لا يصح سند حديث: (( اشتد غضب الله على من أهراق دمي )). ولكن الأمر أوضح من أن يعتمد فيه على هذه الرواية الأحادية.
والحديث في صحيفة الإمام علي بن موسى الرضى بلفظ: (( اشتد غضب الله وغضب رسوله على من أهرق دم ذريتي أو آذاني في عترتي )).
وقد مر الكلام في الصحيفة وذكر صحتها.
وأخرج ابن المغازلي في المناقب ( ص 183 ) قال: أخبرنا القاضي أبو جعفر محمد بن إسماعيل العلوي، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عثمان المزني
الحافظ، حدثنا علي بن العباس البجلي، حدثنا محمد بن عبد الملك، حدثنا بشر بن الهذيل الكوفي أبو حوالة، حدثني أبو إسرائيل، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( اشتد غضب الله على اليهود، واشتد غضب الله على النصارى، واشتد غضب الله على من آذاني في عترتي )).
وأخرجه في المناقب أيضا ( ص 46 )، أخبرنا أبو الحسن أحمد بن المظفر، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الملقب بابن السقاء الحافظ، قال: أخبرنا محمد بن محمد، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه، عن جده علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( اشتد غضب الله تعالى وغضبي على من أهراق دمي أو آذاني في عترتي )). انتهى.
وهذا شاهد لحديث الصحيفة، يلاقي سندها في موسى بن جعفر عليهما السلام، وللحديث شواهد معنوية ذكر بعضها السيد عبد الله بن الهادي في حاشية كرامة الأولياء، في شرح حديث أحمد بن حنبل في قتل الحسين، من ذلك قوله: وروى الإمام أبو طالب بسند صحيح إلى أمير المؤمنين عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي وقاتلهم، وعلى المعين عليهم، أولئك لا خلاف لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم )). انتهى. وهذا في أمالي أبي طالب ( ص 121 ).
وهو في صحيفة علي بن موسى الرضى ( ص 14 )، فظهر بهذه الجملة أنه لا وجه للحكم بوضع الحديث، بل هو تعصب واضح.
- - -
[ حديث: (( أربعة أنا شفيع لهم ... )) ]
قال مقبل( ص 212 ): حديث: (( أربعة أنا شفيع لهم يوم القيامة: المكرم لذريتي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في أمورهم ما اضطروا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه )).
( الشوكاني ) هو موضوع، كما في المختصر.
والجواب وبالله التوفيق: هكذا يكون التقليد، ظلمات بعضها فوق بعض، فالشوكاني يقلد الذهبي، ومقبل يقلد الشوكاني، والأصل باطل، والأساس منهار، لكن المقلد يستمر على باطله، لأنه لا ينظر في الأصل الذي اعتمده المتبوع الذي يقلده، ولو نظر وحرر فكره لعرف أن القوم تعصبوا ضد الشيعة، وقاموا لحرب باردة ضدهم، وأنه لا يوثق بجرحهم لخصومهم، وأن قبول قولهم يسبب طرح جملة كبيرة من السنة، فهم في ذلك محاربون للسنة، محاماة عن بدعتهم في رفض أهل البيت، ونصرة النواصب، وتهوين ظلمهم لأهل البيت، وعلى هذا الأساس جرحوا الشيعة وضعفوهم، لأنهم وجدوا في حديثهم ما يهدم أصول العثمانية، ويؤدي إلى تأثيم معاوية وغيره ممن يحاربون عنه، ويحاربون السنة الواردة في أهل البيت نصرة لهم.
فكيف يقبل منصف جرحهم للشيعة وهم خصومهم في العقائد، وأعداؤهم المبغوضون لهم؟! ثم كيف يقبل ما فرعوا على ذلك من الحكم بوضع حديثهم بلا حجة؟! وإنما هي عصبية وعداوة، مع أن أسلافهم الذين يقلدونهم كابن عدي وابن حبان يضعفونهم من أجل رواياتهم هذه، ثم يأتي المقلدون لهم فيردون الروايات، احتجاجا بأن رواتها قد ضعفهم بعض أسلافهم، وكأن ضعفهم أمر قد نزلت فيه آية قرآنية أو جاء فيه حديث نبوي، والتحقيق أنه لا أساس له من الصحة بهذه الصفة التي يزعمونها، بحيث يحكمون على حديثهم بالوضع، ولا يعتبرون له وزنا، ولا يعيرونه اعتبارا، ولا يعتبرونه حسنا أو مقبولا في الشواهد والمتابعات، بل هو
عندهم كلا شيء، إلا أنهم يتفكهون برده وجرح راويه، { إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ ، وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ، وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ ، وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ ، وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ } [المطففين:29-33].
هذا والحديث رواه الإمام أبو طالب في الأمالي، ومحله الباب الثالث والستون ( ص 356 ) بالسند الذي صححه السيد عبد الله بن الهادي، وهو في الصحيفة ( ص 16 ) ولفظ أمالي أبي طالب: (( ثلاثة أنا شفيع لهم يوم القيامة: الضارب بسيفه أمام ذريتي، والقاضي لهم حوائجهم عندما اضطروا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه )).
ولفظ الصحيفة: (( أربعة أنا شفيع لهم يوم القيامة: المكرم لذريتي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في أمورهم عندما اضطروا إليها، والمحب لهم بقلبه ولسانه )). انتهى.
وله شاهد معنوي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من اصطنع صنيعة إلى واحد من أولاد عبد المطلب ... )) الحديث.
أخرجه الخطيب في تاريخه ( ج 10/ ص 103 )، في ترجمة عبد الله بن محمد الفزاري، أخبرنا عبد الغفار بن محمد بن جعفر المؤدب، أخبرنا محمد بن أحمد بن الحسن الصواف، حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي كامل الفزاري، حدثنا داود بن رشيد، حدثنا يوسف بن نافع، مولى لبني هاشم بصري، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن أبان بن عثمان قال: سمعت عثمان بن عفان يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (( من صنع صنيعة إلى أحد من خلف عبد المطلب في الدنيا فعليَّ مكافأته إذا لقيني )). انتهى.
وفي الصواعق المحرقة لابن حجر الهيتمي، أنه أخرجه ابن عساكر عن علي عليه السلام، والخطيب عن عثمان، وفي كنز العمال في الفضائل، في قسم الأقوال في فضائل بني هاشم من فضائل القبائل ( ج 13/ ص 35 ) أنه أخرجه أبو نعيم
عن عثمان بلفظ: (( ما من أحد أسدى إلى رجل من بني هاشم حسنة لم يكافئه عليها إلا كنت أنا مكافيه يوم القيامة )).
وأنه أخرجه الطبراني في الأوسط، والخطيب، والضياء في المختارة، عن عثمان ابن عفان بلفظ: (( من صنع إلى أحد من خلف ولد عبد المطلب يدا فلم يكافه بها في الدنيا فعليَّ مكافأته إذا لقني )).
وأنه أخرجه أبو نعيم في الحلية، عن عثمان بن بشير بلفظ: (( من أولى رجلا من بني عبد المطلب معروفا في الدنيا فلم يقدر المطلبي على مكافأته فأنا أكافيه عنه يوم القيامة )). انتهى.
والحديث في صحيفة الإمام علي بن موسى الرضى.
ومن الدلائل على وجوب نصرتهم ومساعدتهم عند الاضطرار، الحديث الذي أخرجه مسلم وغيره، وفيه: (( أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي ))، فإنه يدل على وجوب احترامهم وتحريم قتالهم، وبالتالي يدل على وجوب معاونتهم على أعدائهم، لقول الله تعالى: { فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي } [الحجرات:9]، وقوله تعالى: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [المائدة:2]. وهذه دلالة واضحة لمن أنصف.
فأما من تعصب فباب الجدال واسع، ومثل هذه المسائل لا يطلب فيها حجة تفحم الخصم وتسكته عن الجدال بالباطل، إنما يطلب فيها إيضاح الحق لطالب الحق، وبعد ذلك، من أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها، وما ربك بظلام للعبيد. وبالله التوفيق.