قال المحقق في ( ج 2/ ص 105 ): ومما يجدر بالذكر أن هذا الحديث أيضا مما أفرده بالتأليف جماعة من الحفاظ، مع كونه هادما لكثير مما اعتقده شيعة آل أمية، والمنحرفين عن أهل البيت عليه السلام.
قال ابن كثير في البداية والنهاية ( ج 7/ ص 350 ): وهذا الحديث قد صنف الناس فيه، وله طرق متعددة، وساق الكلام... إلى أن قال في ( ص 353 ): وقد جمع الناس في هذا الحديث مصنفات، منهم أبو بكر بن مردويه الحافظ، وأبو طاهر محمد بن أحمد بن حمدان فيما رواه الذهبي في ترجمة الرجل من تذكرة الحفاظ ( ج 3/ ص 1112 ).
قلت: هو في الطبعة الأولى طبعة الهند في ( ص 292 )، قال المحقق: عن ابن كثير ورأيت فيه مجلدا في جمع طرقه، وألفاظه لأبي جعفر بن جرير الطبري المفسر، صاحب التاريخ.
قال المحقق: أقول: الرابع ممن أفرد هذا الحديث بالتأليف، الحافظ الكبير أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد المعروف، بابن عقدة، كما نقله عنه الحافظ السروي في مناقب آل أبي طالب.
الخامس الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، صاحب حلية الأولياء وغيرها من الكتب القيمة، كما في حديث الطير من عبقات الأنوار ( ص 46 ) نقلا، عن ابن تيمية في منهاج السنة ( ج 4/ ص 99/ ط العام 1333 ).
السادس ممن أفرد الحديث بالتصنيف الحاكم النيسابوري، صاحب المستدرك وغيره من الكتب الممتعة، كتاريخ نيسابور، والأربعين، ومعرفة علوم الحديث وغيرها.
قال السبكي في كتاب الطبقات الشافعية ( ج 4/ ص 165/ ط 2 ): ذكر ابن طاهر أنه رأى بخط الحاكم حديث الطير في جزء ضخم جمعه.
السابع الحافظ الذهبي، قال في ترجمة الحاكم أيضا من كتاب تذكرة الحفاظ ( ج 3/ ص 1042/ ط 4 ): وأما حديث الطير فله طرق كثيرة جداً، قد أفردتها بمصنف، ومجموعها هو يوجب أن يكون الحديث له أصل.

أقول: ويكفينا هذا المقدار وفيه القول الفصل، وهذا الاعتراف من الذهبي صدر في أيام كان شرع في النضج، ولو بقي حتى يبلغ تمام النضج لاعترف بكثير من الخصوصيات الواردة في الموضوع، لثقة رواته وكثرة شواهده، وعليك بالتنقيب والبحث عن الحديث، وعن الرسائل المصنفة فيه، فإن فيه الضآلة المنشودة، وهدم ما أسسه علماء السوء، والأقلام المستأجرة. انتهى.
ومن تأمل طرقه وكثرتها، عرف أن ابن الجوزي قد أخطأ بإيراده في الموضوعات، وحمله على ذلك التعصب لمذهبه في تفضيل الثلاثة.
قال مقبل عن الشوكاني: وأما الحاكم، فأخرجه في المستدرك وصححه، واعترض كثير من أهل العلم.
والجواب :: أن هذه العبارة تفيد تقوية جانب المعترضين، وهم تعصبوا لمذهبهم، فإسناد الاعتراض إلى العلم تدليس من الشوكاني، وكان صواب العبارة لو أنصف، واعترضه كثير من المتعصبين.
ولننقل هنا كلام الحاكم في المستدرك واعتراض الذهبي عليه.
قال الحاكم في المستدرك ( ج 3/ ص 130 ): حدثني أبو علي الحافظ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أيوب الصفار، وحميد بن يونس بن يعقوب الزيات، قالا: ثنا محمد بن أحمد بن عياض بن أبي طيبة، ثنا أبي، ثنا يحيى بن حسان، عن سليمان، عن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقدم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرخ مشوي فقال: (( اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير. قال: فقلت: اللهم اجعله رجلا من الأنصار، فجاء علي رضي الله عنه فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على حاجة، ثم جاء فقلت: إن رسول الله على حاجة، ثم جاء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: افتح، فدخل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: علي ( كذا ) فقال: إن هذه آخر ثلاث كرات يردني أنس، يزعم أنك على حاجة فقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقلت: يا رسول الله سمعت دعاءك فأحببت أن يكون رجلا من قومي،

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الرجل قد يحب قومه )). هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. انتهى.
واعترضه الذهبي في تلخيصه، فقال ابن عياض: لا أعرفه، ولقد كنت زمانا طويلا أظن أن حديث الطير لم يجسر الحاكم أن يودعه في مستدركه.
والجواب :: أن الحاكم بنى تصحيحه على معرفته برجال السند، وليس ينقض عليه عدم معرفة المعترض، فلا وجه لاعتراض الذهبي بأنه لا يعرف ابن عياض، وكان اللائق بحاله التوقف لا الاعتراض، وقد رد الذهبي على نفسه في الميزان في ترجمة محمد بن أحمد بن عياض، فقال: روى عن أبيه أبي غسان أحمد بن عياض بن أبي طيبة المصري، عن يحيى بن حسان، فذكر حديث الطير، وقال الحاكم: هذا على شرط البخاري ومسلم.
قلت: الكل ثقات، إلا هذا فأنا أتهمه به، ثم ظهر لي أنه صدوق، روى عنه الطبراني، وعلي بن محمد الواعظ، ومحمد بن جعفر الرافعي، وحميد بن يونس الزيات، وعدة، يروي عن حمزة، وطبقته ( كذا في نسخة لسان الميزان عن الميزان، وفي نسخة الميزان يروي عن حرملة وطبقته ): ويكنى أبا علامة ( كذا في نسخة لسان الميزان وفي نسخة الميزان ): ويكنى أبا علانة، مات في سنة إحدى وتسعين ومائتين، وكان رأسا في الفرائض، وقد روى عن مكي بن عبد الله الرعيني، ومحمد بن سلمة المرادي، وعبد الله بن يحيى بن معبد صاحب ابن لهيعة. انتهى من الميزان.
قال الذهبي بعد ذلك: فأما أبوه فلا أعرفه، وهذا يخالف قوله في ترجمة الابن محمد بن أحمد الكل ثقات إلا هذا... إلخ، فإنه يدل على معرفته به وأنه ثقة، وقد ذكر ابن حجر في لسان الميزان ما يفيد أنه معروف، فقال بعد أن حكى قول الذهبي: فأما أبوه فلا أعرفه. قلت: ذكره ابن يونس في تاريخ مصر.
قال: أحمد بن عياض بن عبد الملك بن نصر الفرضي، مولى حبيب من ذا ( كذا ) يكنى أبا غسان، يروي عنه ( كذا ) يحيى بن حسان، توفي سنة ثلاث وتسعين ومائتين، هكذا ذكره ولم يذكر فيه جرحا، ثم أسند له حديثا فقال: حدثني المعافا بن عمر بن حفص الرازي، ثنا أبو غسان أحمد بن عياض المحسبي، ثنا يحيى بن

حسان، عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( لا يلام الرجل على قومه )). وهذا طرف من حديث الطير. انتهى من لسان الميزان لابن حجر.
قلت: روى عنه الحاكم من طريق ابنه محمد بن أحمد، وهذا من طريق المعافا بن عمر بن حفص، فحصل له راويان ودلت ترجمته على أنه معروف، فلا اعتراض على الحاكم في معرفته لهذا، كما قد بان فساد الاعتراض عليه في معرفته لابنه محمد، وأنه انكشف للذهبي أنه صدوق، ولم يكن يعرفه، إذ { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } [يوسف:76].
قال الحاكم في المستدرك ( ج 3/ ص 131 ): وقد رواه، عن أنس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفسا، ثم صحت الرواية، عن علي، وأبي سعيد الخدري، وسفينة.
وفي حديث ثابت البناني عن أنس زيادة ألفاظ، كما حدثنا به الثقة المأمون أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسين بن إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علية بن خالد السكوني بالكوفة من أصل كتابه، ثنا عبيد بن كثير العامري، ثنا عبد الرحمن بن دبيس، وحدثنا أبو القاسم، ثنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي، ثنا عبد الله بن عمر بن أبان بن صالح، قالا: ثنا إبراهيم بن ثابت البصري القصار، ثنا ثابت البناني، أن أنس بن مالك رضي الله عنه كان شاكيا فأتاه محمد بن الحجاج يعوده في أصحاب له، فجرى الحديث حتى ذكروا عليا رضي الله عنه، فتنقصه محمد بن الحجاج، فقال أنس: من هذا؟ أقعدوني، فأقعدوه، فقال: يا ابن الحجاج ألا أراك تنقص علي بن أبي طالب، والذي بعث محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بالحق لقد كنت خادم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين يديه، وكان كل يوم يخدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غلام من أبناء الأنصار فكان ذلك اليوم يومي، فجاءت أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بطير فوضعته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا أم أيمن ما هذا الطائر؟ قالت: هذا الطائر أصبته فصنعته لك،

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( اللهم جئني بأحب خلقك إليك وإلي يأكل معي من هذا الطائر، وضرب الباب فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا أنس انظر من على الباب، فقلت: اللهم اجعله رجلا من الأنصار، فذهبت فإذا علي بالباب، قلت: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على حاجة، فجئت حتى قمت مقامي فلم البث أن ضرب الباب، فقال: يا أنس انظر من على الباب، فقلت: اللهم اجعله رجلا من الأنصار، فذهبت فإذا علي بالباب، قلت: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على حاجة، فجئت حتى قمت مقامي فلم ألبث أن ضرب الباب، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا أنس اذهب فأدخله، فلست بأول رجل أحب قومه، ليس هو من الأنصار، فذهبت فأدخلته فقال: يا أنس قرب إليه الطير، قال: فوضعته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأكلا جميعا )).
قال محمد بن الحجاج: يا أنس كان هذا بمحضر منك ؟
قال: نعم.
قال: أعطي بالله عهدا أن لا أنتقص عليا بعد مقامي هذا، ولا أعلم أحدا ينتقصه إلا أشنت له وجهه. انتهى.
اعترض الذهبي بهذا، فقال: إبراهيم بن ثابت ساقط.
والجواب :: أن هذه دعوى بلا بينة، وقد ذكره في الميزان فلم يزد على ما في السند، وأنه روى حديث الطير، ثم قال: ماذا بعمدة ولا أعرف حاله جيدا. انتهى بلفظه.
وهذا يفيد أنه حكم بسقوطه، لأنه روى حديث الطير ولا يعرف غير ذلك لأنه لا يعرفه جيدا، ولو كانت عنده حجة لذكرها لحرصه على إبطال حديث الطير في ذلك الأوان، ولعدم معرفته به جيدا، أو عدم معرفته بما يوجب سقوطه، اقتصر في الميزان على قوله: ماذا بعمدة، وهو يمكن أن لا يكون عمدة عنده، لأنه لا يعرفه جيدا، وعلى هذا فمرجع هذا الاعتراض كالاعتراض على الذي قبل هذا.

والجواب :: أنه لا يعترض بعدم المعرفة جيدا على من عرف كما مر، وهذا مع تأكد الروايتين بالشواهد الكثيرة.
من ذلك ما أخرجه النسائي في الخصائص ( ص 5 ) في صفحات مطبعة التقدم بالقاهرة، قال: أخبرنا زكريا بن يحيى، قال: حدثنا الحسن بن حماد، قال: أخبرنا مسهر بن عبد الملك، عن عيسى بن عمر، عن السدي، عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان عنده طائر فقال: (( اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي، فجاء أبو بكر فرده، ثم جاء عمر فرده، ثم جاء علي فأذن له )).
قال ابن حجر في لسان الميزان، في ترجمة إبراهيم بن ثابت: وحديث الطير الذي أشار إليه، أخرجه الحاكم في المستدرك من حديث هذين عن إبراهيم وصححه، وخالفه العقيلي فذكره في ترجمة إبراهيم بن ثابت هذا، وقال: لا أعلم فيه شيئا ثابتا. انتهى كلام العقيلي. وكذا قاله البخاري، وقد جمع طرقـ [ه] الطبراني، [و] ابن مردويه، والحاكم، وجماعة، وأحسن شيء فيها طريق أخرجه النسائي في الخصائص. انتهى.
ومن شواهد الحديث القوية، ما أخرجه في ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق ( ج 2 ص 1190 ) وما بعدها، قال: أخبرنا أبو محمد الأكفاني بقراءتي [ظ]، أنبأنا أبو محمد عبد العزيز بن أحمد، أنبأنا أبو الحسن علي بن موسى بن الحسين، أنبأنا أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني، أنبأنا محمد بن مخلد بن حفص العطار، أنبأنا حاتم بن الليث الجوهري، أنبأنا عبد السلام بن راشد، أنبأنا عبد الله بن المثنى، عن ثمامة، عن أنس قال: أتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بطير فقال: (( اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي منه، فجاء علي عليه السلام فأكل معه )).
ورواه غيره عن [ عبد الله ] بن المثنى، عن عبد الله بن أنس، أخبرتنا به [به] أم المجتبى بنت ناصر، قالت: قرأ على إبراهيم بن منصور، أنبأنا أبو بكر المقرئ، أنبأنا أبو يعلى، أنبأنا قطن بن نسير، أنبأنا جعفر بن سليمان الضبعي، أنبأنا عبد الله بن المثنى، عن عبد الله بن أنس، عن أنس بن مالك قال: أهدي لرسول الله صلى الله

عليه وآله وسلم حجل مشوي بخبزة وصنابة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطعام... إلى قوله: فخرجت فإذا هو علي، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته، فقال: ائذن له فدخل علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم وإلي اللهم وإلي )) (1) .
قال المحقق على السند الأول، ورواه أيضا ابن مردويه، كما رواه عنه في حديث الطير من عبقات الأنوار (ص 274 )، قال: أنبأنا فهد بن إبراهيم البصري، قال: أنبأنا محمد بن زكريا، قال: أنبأنا العباس بن بكار الضبي، قال: أنبأنا عبد الله بن المثنى الأنصاري، عن عمه ثمامة بن عبد الله، عن أنس بن مالك فذكره.
وقال المحقق: وقال ابن عدي في ترجمة جعفر بن سليمان الضبعي من الكامل ( ج 1/ الورق 214 ): حدثنا عبدان، حدثنا قطن بن نسير، حدثنا جعفر بن سليمان، حدثنا عبد الله بن المثنى، عن عبد الله بن أنس بن مالك قال: قال أنس بن مالك أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجلا مشويا ( كذا ) فذكر حديث الطير.
ثم قال ابن عدي: وهذا الحديث يرويه جعفر، عن عبد الله بن المثنى، ( أي: كما رواه راشد بن عبد السلام، عن عبد الله بن المثنى والله أعلم ).
قال المحقق: ورجال الحديث رجال الصحاح.
قال الذهبي في تاريخه الإسلام (ج 2 ص 197): ولحديث الطير طرق كثيرة عن أنس متكلم فيها، وبعضها على شرط السنن، ومن أجودها حديث قطن بن نسير شيخ مسلم، [قال]: حدثنا جعفر بن سليمان، حدثنا عبد الله بن المثنى، عن عبد الله بن أنس بن مالك، عن أنس، هكذا رواه عنه العلامة الطباطبائي. انتهى.
وقال ابن حجر في لسان الميزان، عن ميزان الذهبي: عبد السلام بن راشد، عن عبد الله بن المثنى بحديث الطير، لا يعرف والخبر لا يصح. انتهى.
__________
(1) قوله: وإلي، عطف على: إليك، في قوله: أحب خلقك إليك. ( مؤلف ).

قال ابن حجر: وقد تابعه على رواية حديث الطير عن عبد الله بن المثنى، جعفر بن سليمان الضبعي وهو مشهور من حديثه. انتهى.
وله من الشواهد القوية غير هذا، راجع ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق وما عليها من التخريج.
وقول مقبل عن الشوكاني أو عن نفسه: وقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات حكاية غير مسلمة، ولو ذكره ابن الجوزي لذكره السيوطي في اللألئ المصنوعة، لأنه ألف اللألئ لمثل هذا كما يفيده كلامه في أول اللألئ، وقد جرت عادته باستدراك ما له أسانيد عديدة بذكر ما له من سند يستدرك به على ابن الجوزي، ولم أجده في اللألئ المصنوعة، فظهر أن ابن الجوزي لم يذكره في الموضوعات.
وقال محقق ترجمة الإمام علي من تاريخ ابن عساكر ( ج 2/ ص 152 ): قال أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي المكي في المنح المكية شرح القصيدة الهمزية، ورد في مناقب علي حديث كثر كلام الحفاظ فيه، فأردت أن ألخص المعتمد منه، ولفظه: عن أنس ( قال ): كان عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي [من] هذا الطير [قال]: فجاء علي فأكل معه... )) إلى قوله: وأما قول بعضهم: أنه موضوع، وقول ابن طاهر: طرقه كلها باطلة معلولة، فهو الباطل، وابن طاهر معروف بالغلو الفاحش، وابن الجوزي مع تساهله في الحكم بالوضع كما هو معلوم، ذكر في كتابه العلل المتناهية له طرقا كثيرة واهية، ولذلك لم يذكره في موضوعاته، فالحق أنه حسن يحتج به. هكذا نقله عنه في الوجه ( 79 ) من حديث الطير من عبقات الأنوار (ص462 )... إلى إن قال المحقق: وما ذكره ابن حجر من أن كثرة طرقه صيرته حسنا يحتج به صحيح في نفسه، ولكن الأمر في المقام أوضح وأجلى، إذ بعض طرقه على شرط السنن وبنفسه حجة، والمشترك من طرق الحديث متواتر، وقلَّما يوجد في الموارد التي يدَّعون فيها التواتر مثله، فراجع الموارد المشار إليها من طريقهم، تجد صدق ما ذكرناه، والذي أوجب خفاء الأمر

على ابن حجر عدم عثوره على طرق الحديث بحد وافر، وعدم تجاوز الطرق الموجودة عنده من سبعة إلى عشرة، إذ القوم إلا من عصمه الله منهم قد أصروا على إخفائه، وتفريق ما جمع فيه وتمزيقه وتحريقه. انتهى المراد.
قلت: قد بسط تخريج هذه الأحاديث في ترجمة الإمام علي، وتخريجها في التحقيق بسطا وافيا من طرق كثيرة، ثم قال في أواخر البحث في ( ج 2/ ص 151 ): فهذه بضعة وتسعون حديثا من طريق القوم، عن عشرة من أجلاء الصحابة، مع كثرة اهتمام القوم على إخفائه وشدة نكيرهم على من أفشاه، وسلطان الدنيا الإسلامية كان بيدهم، فامتنع الناس من نقل أمثاله خوفا وطمعا... إلخ.
قلت: صدق الله العظيم { والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون }، وقد ظهر أن ابن الجوزي لم يذكره في الموضوعات، فظهر أن في الحكاية مجازفة، وأنها لم تصدر عن تثبت، وقد سبق أن قلنا في الشوكاني: إنه متهم بالمجازفة وقلة التثبت في الرواية، والظاهر أن الحكاية هنا منسوبة إلى الشوكاني، لأن عبارة كتاب مقبل هكذا ( ش )، قال في المختصر: له طرق كثيرة كلها ضعيفة، وقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات. انتهى المراد.
وقد ذكر مقبل في أول كتابه الطليعة ( ص 145 ) أنه قد رمز لمصنفي الأصول التي ينقل منها (ش ) الفوائد المجموعة للشوكاني، ( ط ) اللألئ للسيوطي، ( ج ) الموضوعات لابن الجوزي. انتهى.
فظهر أنه أراد نسبة ذلك إلى الشوكاني عن ابن الجوزي، فالتهمة لاصقة بالشوكاني مؤكِّدة لما سبق فيه. ثم قال بعد ذلك: وأما الحاكم فأخرجه في المستدرك وصححه، واعترض كثير من أهل العلم، ومن أراد استيفاء البحث فلينظر ترجمة الحاكم في النبلاء.
والجواب وبالله التوفيق: أن النبلاء للذهبي وليس عندي النبلاء، ولكن عندي التذكرة وهي للذهبي أيضا، فلنورد ترجمة الحاكم منها، قال الذهبي في التذكرة ( ج 3/ ص 227 ) وما بعدها طبعة الهند الطبعة الأولى عدد (32) رجلا

من رجال الطبقة الثالثة عشر: الحاكم الحافظ الكبير إمام المحدثين، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم الضبي الطهماني النيسابوري المعروف بابن البيع صاحب التصانيف، ولد سنة إحدى وعشرين وثلثمائة في ربيع الأول، طَلَب الحديث من الصغر باعتناء أبيه وخاله فسمع سنة ثلاثين، ورحل إلى العراق وهو ابن عشرين، وحج ثم جال في خراسان وما وراء النهر، فسمع بالبلاد من ألفي شيخ أو نحو ذلك، وقد رأى أبوه مسلما، روى عن أبيه، ومحمد بن علي بن عمر المذكور، وأبي العباس الأصم، وأبي جعفر محمد بن صالح بن هاني، ومحمد بن عبد الله الصفار، وأبي عبد الله بن الأخرم، وأبي العباس بن محبوب، وأبي حامد بن حيويه، والحسن بن يعقوب البخاري، وأبي النضر بن محمد بن حمد بن يوسف، وأبي الوليد حسان بن محمد، وأبي عمرو بن السماك، وأبي بكر النجاد، وابن درستويه، وأبي سهل بن زياد، وعبد الرحمن بن حمدان الجلاب، وعلي بن محمد بن عقبة الشيباني، وأبي علي الحافظ وانتفع بصحبته، وما زال يسمع حتى سمع من أصحابه، حدث عنه الدارقطني، وأبو الفتح بن أبي الفوارس، وأبو العلاء الواسطي، ومحمد بن أحمد بن يعقوب، وأبو ذر الهروي، وأبو يعلى الخليلي، وأبو بكر البيهقي، وأبو القاسم القشيري، وأبو صالح المؤذن، والزكي عبد الحميد البحيري، وعثمان بن محمد المحمي، وأبو بكر أحمد بن علي بن خلف الشيرازي.
وقد قرأ القراءات على ابن الإمام، ومحمد بن أبي منصور الصرام، وأبي علي بن النقار الكوفي، وأبي عيسى بكار البغدادي، وقرأ المذهب على أبي علي بن أبي هريرة، وأبي سهل الصعلوكي، وأبي الوليد حسان بن محمد، وكان يذاكر الجعابي والدارقطني ونحوهما، وقد سمع منه من شيوخه أحمد بن أبي عثمان الحيري، وأبي (كذا) إسحاق المزكي، وأعجب ما رأيت أن أبا عمر الطلمنكي وسيأتي في هذه الطبقة قد كتب في علوم الحديث للحاكم بن البيع في سنة تسع وثمانين وثلثمائة عن شيخ له، عن آخر، عن الحاكم.
أخبرنا أبو الفضل بن تاج الأُمناء، أنبأنا أبو المظفر ابن السمعاني، أنبأنا الحسين بن علي الشحامي، وعبد الله بن محمد الصاعدي، قالا: أنا أبو الفضل محمد بن

45 / 63
ع
En
A+
A-