عباس قال: وسرد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديثا كبيرا وفيه: (( يا أم سلمة هذا - يعني عليا عليه السلام - سيد المسلمين، وأمير المؤمنين... )) الحديث.
ثم قال: وأخرج نحوه عبد الله بن طاهر، ثم قال السيد: وأخرج محمد بن يوسف، ثم ساق سندا آخر عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأم سلمة: (( هذا علي بن أبي طالب لحمه من لحمي، ودمه من دمي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، يا أم سلمة هذا أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، ووعاء علمي، ووصيتي ( كذا )، وبابي الذي أوتى منه، أخي في الدنيا والآخرة، ومعي في المقام الأعلى، يقتل القاسطين والناكثين والمارقين )).
وأخرجه محمد بن سليمان قال: قال أبو أحمد: أخبرنا محمد بن عبد الملك الكوفي، عن علي بن قادم الكوفي، قال: حدثنا الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس بنحوه مع اختلاف يسير... (1) إلى أن قال: وفي رواية أخرى أخرجها محمد بن منصور(2) قال: حدثنا محمد بن أبي البهلول القرشي، عن إسماعيل بن زياد الحمصي، عن أبان بن أبي عياش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس وفيه: (( اشهدي يا أم سلمة أنه سيد المسلمين من بعدي، وأمير المؤمنين، وقائد الغر المحجلين، وإمام المتقين )) (3).
وأخرج الخطيب في تاريخه ( ج 12/ ص 133 )، في ترجمة المفضل بن سلم بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( ليس في القيامة راكب غيرنا ونحن أربعة، قال: فقام عمه العباس فقال له: فداك أبي وأمي أنت ومن. قال: أما أنا فعلى دابة الله البراق، وأما أخي صالح فعلى ناقة الله التي عقرت، وعمي حمزة أسد الله وأسد رسوله على ناقتي العضباء، وأخي وابن عمي وصهري علي بن أبي طالب على ناقة من نوق الجنة، مدبجة الظهر، رحلها من زمرد أخضر مضبب بالذهب الأحمر، رأسها من الكافور الأبيض، وذنبها من العنبر
__________
(1) المناقب 1/354(281).
(2) أي: محمد بن سليمان عن محمد بن منصور. ( مؤلف ).
(3) المناقب 1/366(293).
الأشهب، وقوائمها من المسك الأذفر، وعنقها من لؤلؤ، وعليها قبة من نور الله، باطنها عفو الله، وظاهرها رحمة الله، بيده لواء الحمد فلا يمر بملأ من الملائكة إلا قالوا: هذا ملك مقرب أو نبي مرسل أو حامل عرش رب العالمين، فينادي مناد من لدنان العرش - أو قال: من بطنان العرش -: ليس هذا ملكا مقربا، ولا نبيا مرسلا، ولا حامل عرش رب العالمين، هذا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين إلى جنان رب العالمين، أفلح من صدقه، وخاب من كذبه، ولو أن عابدا عبد الله بين الركن والمقام ألف وألف عام حتى يكون كالشن البالي، لقي الله مبغضا لآل محمد أكبه الله على منخره في نار جهنم )). انتهى.
وذكره السيد عبد الله بن الهادي في حاشية كرامة الأولياء عن محمد بن يوسف الكنجي بسند غير سند الخطيب، يلتقي السندان في الأعمش، فأما عند الخطيب فعن الأعمش، عن عباية الأسدي، عن الأصبغ بن نباتة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ...
وأما عند الكنجي فعن الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، وفي لفظ رواية الكنجي: (( هذا علي بن أبي طالب وصي رسول رب العالمين، وأمير المؤمنين، وقائد الغر المحجلين إلى جنات النعيم )).
قال السيد عبد الله: قال محمد بن يوسف: هذا سياق الحافظ في فضائله.
قلت: لعله يعني ابن عساكر، لأن السند من طريقه.
قال السيد عبد الله: قال الخطيب: هذا حديث منكر، تفرد بروايته أهل بخارى، ورجاله فيهم غير واحد مجهول، وآخرون معروفون بغير الثقة.
قال السيد عبد الله: دعوى تفرد أهل بخارى به جهل، وقد ساق محمد بن يوسف سنده بغير هذه الطريق.
قال السيوطي: ووجدت له طريقا أخرى، قال: قال شاذان في فضائل علي عليه السلام: حدثنا أبو طالب عبد الله بن محمد بن عبد الله الكاتب بعكبرى، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن غياث الحراسي، حدثني أحمد بن عامر بن سليم الطائي، حدثنا علي بن موسى الرضى، عن آبائه مرفوعا: (( ليس في القيامة
راكب غيرنا ونحن أربعة... إلى قوله: هذا الصديق الأكبر علي بن أبي طالب )). انتهى.
وليس فيه الكلمات الثلاث التي في الروايات السابقة.
قال السيد عبد الله بن الهادي في حاشية كرامة الأولياء: (الثامن عشر) أخرج محمد بن سليمان (1) - يعني: الكوفي صاحب الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليه السلام - عن محمد بن منصور قال: حدثنا إسماعيل بن لبيد، عن أبي الجحاف قال: ولا أعلمه إلا عن رجل قد سماه عن أسماء بنت عميس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: وساق الحديث... إلى إن قال: - أي: لفاطمة عليها السلام -: (( زوجتك أقدم هذه الأمة سلما، وأعظمهم حلما، وأكثرهم علما، سيد المسلمين، وأمير المؤمنين، وقائد الغر المحجلين )). انتهى المراد.
وقد روى السيد عبد الله روايات غير ما ذكرت، فمن أرادها فليطالع حاشية كرامة الأولياء فإنها عظيمة الفائدة، لأن مؤلفها كان بحرا في علم الحديث والجرح والتعديل، وغير ذلك، لا يتقيد بالتقليد كما يفعل كثير من علماء الحديث، ومع ذلك كان السيد رحمه الله مظنة التوفيق والتسديد، لما له من الفضل والورع والعبادة، مع كونه من ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكتابه عظيم الفائدة على صغر حجمه، وهكذا تكون كتب علماء الحق ولا ينبئك مثل خبير.
وللسيد عبد الله بن الهادي الحسن بن يحيى القاسمي المؤيدي الهادوي الحسني مؤلفات كثيرة غير حاشية كرامة الأولياء، منها: نجوم الأنظار وتخريجها مواهب الغفار في الفقه وأدلته، ومنها: الجداول الصغرى مختصر الطبقات الكبرى في علم الرجال، ومنها: الجواهر المضية في تراجم رجال الزيدية، ومنها: الهدايات إلى حل إشكال شيء من الآيات، ومنها: سك السمع في حسن التوقيت وجواز الجمع،: ومنها جلاء الأبصار لذوي العقول شرح تبصرة العقول في أصول الفقه، ومنها التقريب شرح التهذيب في النحو، ومطلب الساغب شرح منية الراغب في الحروف
__________
(1) المناقب 1/274(186).
العربية في النحو أيضا. والجواب الأسد في شفاعة قارىء سورة الصمد، جمع فيه أربع مائة حديث في الوعيد على المعاصي وغير ذلك، وقد كتبت إليه سؤالا في مسألة الصف بين السواري، وأجابني بجواز ذلك، ورد على من يمنع ذلك وتكلم في الرواية، وأخذت منه إجازة فأجازني بواسطة ابنه الثقة إبراهيم بن عبد الله، وقد أجاز لي ابنه العلامة الولي الحسن بن عبد الله بن الهادي أن أروي عنه مؤلفات والده، هذه التي ذكرتها، وكرامة الأولياء وحاشيتها، وجميع مؤلفات والده، وهو يرويها عن والده بالسماع وبالإجازة، وكانت وفاة السيد عبد الله بن الهادي في نصف شهر رجب سنة خمس وسبعين وثلثمائة وألف هجرة في بلده المسمى: (باقم)، من بلاد صعدة.
- - -
[ حديث: (( الصديقون ثلاثة ... )) ]
قال مقبل( ص 187 ): حديث (( الصديقون ثلاثة: حبيب النجار مؤمن آل ( يس ) الذي قال: { يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ } [يس:20]. وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال: { أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ } [غافر:28]. وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم )).
قال الألباني: موضوع... إلى أن قال شيخ الإسلام ابن تيمية: هذا حديث كذب، وأقره الذهبي في مختصر المنهاج، وكفى بهما حجة.
والجواب وبالله التوفيق: أن الله تعالى يقول: { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ } [الأعراف:3]. فلم يرخص في ترك ما أنزل تقليدا لابن تيمية والذهبي، ولا لابن حبان والجوزجاني، ولا لأحد من هؤلاء المحاربين للسنة، وهم ينتحلون اسم السنة، وهم يحاربون بعض السنة إتباعا للهوى وتعصبا للمذهب، فلا يستحقون اسم السنة إن كانت النسبة إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن كانت النسبة إلى سنة بني أمية فغير بعيد عنهم ذلك، لأنهم قد سنوا لهم محاولة محو نور فضائل أمير المؤمنين عليه السلام وطمس معالمها، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. وقد نقلت في الجواب عن رياض مقبل كلام ابن الأمير في بني أمية، ومبالغتهم في هدم شرفه الرفيع، ومحله في الروضة الندية شرح التحفة العلوية في شرح البيتين:
كتمت أعداؤه من فضله ... ما هو الشمس فما يغنون شيا
زعموا أن يطفئوا أنواره ... وهو نور الله ما انفك مضيّا
انظر ( ص 241 ) من شرح التحفة العلوية.
وقد مر لمقبل ذكر حديث (( أنا وهذا حجة الله على أمتي )) ( ص 168 ) في كتابه، وذكر أنه موضوع، ثم قال: وبهذا الحديث والحديث الذي بعده وما أشبههما من الموضوعات، استدل غلاة الشيعة على أن قول علي رضي الله عنه
حجة، وأنه معصوم لا يجوز مخالفة قوله، وهذان القولان أحقر من أن يشتغل بالجواب عنهما، وكفى بهما دلالة على سخافة عقول الرافضة القائلين بهما.
والجواب :: انظر كيف هجن القول بأن عليا عليه السلام حجة، وبالغ وأفرط وسخط، مع ما ورد في أمير المؤمنين عليه السلام من الفضائل التي لا ينكرها، التي لا يبعد معها القول بأنه حجة، مع كونه من كبار الصحابة، وقد روى فيهم مقبل الرواية التي زعمها: (( خير الناس قرني ))، وحديث (( وأصحابي أمنة لأمتي )). ومع كونه عليه السلام كبير أهل البيت، وقد جاء فيهم حديث الثقلين الذي أخرجه مسلم وغيره، ومع ذلك كله يجعل القول بأنه حجة، دليلا على سخافة عقول الرافضة بزعمه، مع أن الحجج في ذلك كثيرة لو أنصف. ثم لما قال ابن تيمية والذهبي ما يعجب مقبلا، قال: وكفى بهما حجة، ولم يعتمد في ذلك دليلا ولا شبهة، فيا عجباه أيكون ابن تيمية والذهبي حجة ولا يكون علي عليه السلام حجة؟! بل يعد القائل بأن عليا حجة سخيف عقل، أما القائل بأن ابن تيمية والذهبي حجة فلا يقال فيه شيء، أين الإنصاف؟! بل أين العقل الذي يميز بين الحسن والقبيح؟!
ترى مقبلا لما روي عن علي عليه السلام بعض المسائل التي لا توافقه قال: وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم هو تارة يحتج بابن تيمية، وتارة بابن حبان، وتارة بغيرهما من أتباع ابن القطان، ولا يرى ذلك غلوّا أن يجعلهم حججا في الدين، ولا دليلا على سخافة العقل ولا مخالفة، لقول الله تعالى: { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ } [الأعراف:3]. وهو يترك الأحاديث المشهورة تقليدا لهم، بل ويترك بعض الآيات القرآنية تقليدا لهم في قولهم: إن السنة حاكمة على القرآن، ونحو هذه من قواعدهم التي ما أنزل الله بها من سلطان، كتوثيقهم الناصبي غالبا، وتضعيفهم الشيعي مطلقا.
ومن ذلك كلامه في هذا الحديث: (( الصديقون ثلاثة ))، حيث قال: وإنما زاده القطيعي عن الكديمي، حدثنا الحسن بن حمد الأنصاري، حدثنا عمرو بن
جميع، حدثنا ابن أبي ليلى، عن أبيه عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه مرفوعا، فعمرو هذا قال فيه ابن عدي الحافظ: يتهم بالوضع، والكديمي معروف بالكذب، فسقط الحديث.
فنقول: كيف يسقط الحديث لهذا القول الذي ليس لقائله مستند إلا الظن؟! وليس حجة يجب اتباعه؟! ولا شك أنه يتهم الشيعة بسبب رواية الفضائل هو وأمثاله من القطانية، يحيى بن سعيد القطان واتباعه الدعاة إلى بدعتهم، فكيف يسقط الحديث المخالف لمذهبهم بقول أحدهم وهم يحامون عن مذهبهم؟! وكيف يقبل قولهم في الشيعة وهم خصومهم؟! وكيف لا يكونون متهمين في الشيعة الرواة لما يهدم مذهب القطانية؟! وقد جرت عادة القطانية بجرح أو تضعيف كل شيعي يروي فضيلة ينكرونها.
هذا ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال فيه السيد العلامة عبد الله بن الهادي في أول الباب الرابع من حاشية كرامة الأولياء هو: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الزيدي الثبت قال - أي: الذهبي - في التذكرة مناقبه كثيرة. وقال أبو يوسف: ما ولي القضاء أحد أفقه في دين الله، ولا أقرأ لكتاب الله، ولا أقوم حقا، ولا أعف عن الأموال، من ابن أبي ليلى. خرج له الأربعة ومن أئمتنا الأربعة عليهم السلام، وعمرو بن جميع هو ممن صحح له الناصر عليه السلام في البساط الذين روى عنهم أحاديث في الإيمان وصححها.
والجواب فيه كالجواب في حسين بن علوان، وقد مر في الجواب عن رياض مقبل.
وأما الكديمي محمد بن يونس فقد مر الجواب فيه قريبا، وللحديث شاهد بلفظ: (( السُّبَّق ثلاثة ))، والمعنى عندي واحد، لأن المراد التفضيل لهم على غيرهم في الصدق، لأجل سبقهم الذي امتازوا به على غيرهم، وإن كان كل مؤمن صديقا متى صح إيمانه وصدق، لقول الله تعالى: { وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ } [الحديد:19]. فالسابقون في الإيمان هم:
السابقون إلى هذه الفضيلة، فكأنهم هم الصديقون خاصة، مثل: الصيد كل الصيد في الفراء.
فأما الرواية بلفظ السبق فأخرجها الطبراني، وذكرها ابن كثير في تفسيره في تفسير سورة يس، قال ابن كثير: فأما الحديث الذي رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني، حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، حدثنا الحسين بن أبي السري العسقلاني، حدثنا حسين الأشقر، حدثنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( السّبّق ثلاثة: فالسابق إلى موسى يوشع بن نون، والسابق إلى عيسى صاحب يس، والسابق إلى محمد علي بن أبي طالب )). فإنه حديث منكر، لا يعرف إلا من طريق حسين الأشقر، وهو شيعي متروك. انتهى.
قلت: ابن كثير عثماني شيعي في أبي بكر وعمر وعثمان مبالغ في ذلك، كما يدل عليه كلامه في تفسيره، داعية إلى تفضيلهم على علي عليه السلام، فلذلك أنكر هذا الحديث وليس منكرا ولا وجه لإنكاره، وأما حسين الأشقر فصحيح أنه شيعي لكن التشيع علامة حسنة، لأن عليا عليه السلام لا يحبه إلا مؤمن، وأما تركه فإنما تركه بعض القطانية لروايته فضائل أهل البيت، كتفسير آية المودة بعلي وفاطمة وولدها، وكهذا الحديث في السُّبَّق وغير ذلك كما في ترجمته في تهذيب التهذيب، وزعموا أنه صنف كتابا في معائب الشيخين، وذلك لا يوجب جرحا إذا لم يذكر فيه إلا الصدق، وإلا لزم جرح البخاري، لأنه روى حديث غضب فاطمة على أبي بكر وموتها على ذلك، ومع ذلك روى حديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يغضبه ما يغضبها كما مر، ولا يوجب تركه.
وقد روى عنه أحمد بن حنبل، كما ذكره ابن أبي حاتم في ترجمته في كتاب الجرح والتعديل، وصحح له الحاكم في المستدرك ( ج 3/ ص 130 ) في فضائل علي عليه السلام، وفي ترجمته في تهذيب التهذيب أنه روى عنه أحمد بن حنبل، وابن معين، والفلاس، وابن سعد، وأحمد بن عبدة الضبي، ومحمد بن خلف
الحدادي، وعبد الرحمن بن محمد بن منصور الحارثي، والكديمي وغيرهم، فكيف يكون متروكا؟!
وقال ابن حجر في ترجمته: ذكره العقيلي في الضعفاء، وأورد عن أحمد بن محمد بن هاني، قال: قلت لأبي عبد الله - يعني أحمد بن حنبل -: تحدث عن حسين الأشقر، قال: لم يكن عندي ممن يكذب... إلخ القصة. وفيها: أن العباس بن عبد العظيم جادله فيه بأنه روى في معائب الشيخين، فقال: ليس هذا بأهل أن يحدث عنه، وروى عن حجر المدري أن عليا قال له: إنك ستعرض على سبي فسبني، وتعرض على البراءة مني فلا تتبرأ مني. فاستعظمه أحمد وأنكره، قال: ونسبه إلى طاووس، أخبرني أربعة من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي: (( اللهم وال من والاه وعاد من عاداه )). فأنكره جدا وكأنه لم يشك أن هذين كذب. انتهى المراد.
قلت: هذه الرواية عن أحمد ضعيفة، لأنه هو رواه في مسنده، في حديث الغدير: (( اللهم وال من والاه وعاد من عاداه )) من طرق عديدة، فإن كان استعظمه، لأن حسينا تفرد به عن طاووس، فالتفرد في هذا الباب لا ينكر، لأن طاووسا كان في عهد بني أمية، فكيف يجرأ على إظهار الحديث ونشره بين المحدثين، ولا ينكر غرابة ما شأنه الغرابة، إنما ينكر غرابة ما شأنه إن لو كان لظهر، كما لا يخفى! نعم في هذه القصة ما يفيد أن أحمد يعتقد في حسين أنه صاحب صدق، وإن فرض أنه ارتاب بعدما ذكرت له هذه الثلاث الخصال، فهي عندنا لا توجب الريب في صدق حسين، وفي آخر ترجمته وقال ابن الجنيد: سمعت ابن معين ذكر الأشقر، فقال: كان من الشيعة الغالية.
قلت: فكيف حديثه؟ قال: لا بأس به. قلت: صدوق. قال: نعم، كتبت عنه. انتهى المراد.
قلت: فالأمر ما صحح له الحاكم، ولم يلتفت إلى تعصب المتعصبين من القطانية.
وقد ذكر الحديث في ترجمة الإمام علي من تاريخ ابن عساكر ( ج 1/ ص 91، وص 92 )، وتخريجها عن عمرو بن جميع، وذلك بلفظ: (( الصديقون ثلاثة ))، وفي بعض طرقه عن عمرو بن جميع بلفظ: (( سباق الأمم ثلاثة )).
ورواية ابن عساكر عن عمرو بن جميع من غير طريق الكديمي، وكذلك بعض الأسانيد التي ذكرها المحقق هناك، بل هي إحدى طريقين في كتاب الفضائل.
وقول مقبل : وإنما زاده القطيعي عن الكديمي غير مسلم، لأن فيها طريقين أحدهما من غير طريق الكديمي، فبطل دعوى مقبل أنه إنما زاده القطيعي عن الكديمي، لأن هذا يعني أنه ليس في الفضائل إلا من طريق الكديمي، ولأن في لفظ سند الرواية التي من طريق الكديمي، حدثنا عبد الله، حدثنا محمد، قال: حدثنا الحسن بن عبد الرحمن الأنصاري... إلخ. وعبد الله هو عبد الله بن أحمد. والقطيعي ليس اسمه عبد الله، بل هو أحمد بن جعفر، فبطل دعوى أنه إنما زادها القطيعي، لأن راويها عبد الله بن أحمد بن حنبل.
والحديث أخرجه الحاكم الحسكاني، عند ذكر قول الله تعالى: { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } [الواقعة:10] من سورة الواقعة. وعنه ذكر قول الله تعالى: { وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ } [الحديد:19]. فالسابقون إلى الإيمان وفي الإيمان هم: السابقون إلى أنهم هم الصديقون، وهم في ذلك أبلغ من غيرهم، فكأنهم هم الصديقون خاصة، مثل: الصيد كل الصيد في الفراء.
قال مقبل: ثم قد ثبت في الصحيح تسمية غير علي صديقا.
والجواب :: أنه غير ثابت، وإن كان في الصحيح كما يأتي بيانه.
قال مقبل: ففي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صعد أُحدا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( اثبت أحد فما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان )).
والجواب وبالله التوفيق: أن هذه الرواية هي من طريق شيعة أبي بكر وعمر وعثمان المتعصبين البصريين، المتهمين في هذا بمحاربة فضائل علي عليه السلام