فبالأولى من لا يبلغ درجة الحسن عندهم ولا يقاربها، أن يجرحوه لمخالفته مذهبهم في التشيع، والخروج على الظالم، وترجمته في تهذيب التهذيب فيها كثير من الجرح، وأنا أظن بعض العثمانية يعتمدون الكذب على بعض كبار الشيعة كهذا، وكجابر الجعفي، وقد أشار بعضهم إلى أن السبب مذهبه.
ففي ترجمته في تهذيب التهذيب: وقال الساجي: متروك الحديث، وكان ضعيفا جداً لفرطه في التشيع.
وفي ترجمته: وقال الدوري عن يحيى بن يعلى المحاربي، قيل لزائدة: ثلاثة لا تروي عنهم، ابن أبي ليلى، وجابر الجعفي، والكلبي، قال: أما ابن أبي ليلى فلست أذكره، وأما جابر فكان والله كذابا يؤمن بالرجعة، وأما الكلبي وكنت أختلف إليه، فسمعته يقول: مرضت مرضة فنسيت ما كنت أحفظ، فأتيت آل محمد فتفلوا في فيّ، فحفظت ما كنت نسيت فتركته. انتهى.
قلت: هذا إن صح عن زائدة يدل على احتقاره لآل محمد، لأنه جعل هذا الكلام خرافة، وعلى نصبه لأنه نفر عنه بسببه، هذا وزائدة متهم في الشيعة، فقد ظهر منه الإكثار من جرحهم، ولكن الكثير من ذلك يروونه مرسلا عن يحيى بن يعلى عن زائدة، ولعلهم ينقلونه من كتاب الضعفاء للجوزجاني، وهو يرويه فيه عن شيخه يحيى بن يعلى، ويكتمون الواسطة أعني الجوزجاني، لأنه متهم في الشيعة لا يوثق به في ذلك، وهذه القضية تدل دلالة واضحة على مجازفته في ذلك، لأنه لا يُستبعَد كرامة الله لأخيار أوليائه.
وقد روي كثير من الكرامات عندنا وعند المخالفين، لكثير من الصالحين، فكيف ينكر ذلك لآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ وفي تهذيب التهذيب في ترجمته وقال ابن عدي: له غير ما ذكرت أحاديث صالحة وخاصة عن أبي صالح، وهو معروف بالتفسير، وليس لأحد أطول من تفسيره، وحدث عنه ثقات من الناس ورضوه في التفسير. وأما في الحديث ففيه مناكير، ولشهرته فيما بين الضعفاء يكتب حديثه. انتهى.
قلت: وفائدة كتابة حديثه أن يعتبر به في الشواهد، فقد تعاضدت الأسانيد في هذا الباب، فبطل حكم ابن الجوزي بوضع الحديث، وسند الرواية عن علي عليه السلام في ترجمة الإمام علي عليه السلام من تاريخ ابن عساكر (ج2/ص409) في الأصل، وفي حاشية المحقق (ص410)، وهناك تخريج للراوية عن علي عليه السلام، ورواية سلمة بن كهيل وابن عباس.
وفي أمالي المرشد بالله (ج1/ص137) بسند آخر عن علي عليه السلام أنه تصدق بخاتمه وهو راكع، فنزلت فيه هذه الآية { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا } [المائدة:55].
وفي (ص138) سند عن أبي رافع أنها نزلت في علي عليه السلام، وهناك السند عن عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، وسند الكلبي، والأبيات عن حسان بن ثابت، فأما الحاكم الحسكاني فإنه خرجها من طرق كثيرة عن ابن عباس، وأنس، وعمار بن ياسر، وجابر بن عبد الله، وأمير المؤمنين علي عليه السلام، وسنده يوافق سند ابن عساكر عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن علي.
ورواه عن المقداد بن الأسود وأبي ذر الغفاري، ثم زاد رواية عن ابن عباس، عند ذكر قوله تعالى: { وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ } [المائدة:56]. فمن أسانيده عن ابن عباس رواية ابن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس، أوردها من وجوه.
ومن أسانيده عن ابن عباس من غير طريق ابن مجاهد، قوله عند ذكر الآية من سورة المائدة: أخبرنا السيد عقيل بن الحسين العلوي، قال: أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد بن الفضل الطبري من لفظه بسجستان، قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد الله المزني، قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عبد الله، حدثنا الفهم بن أسعد (سعيد بن الفهم نسخة) بن سليك بن عبد الله الغطفاني صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: حدثنا عبد الرزاق بن همام،
عن معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه قال: كنت جالسا مع ابن عباس، إذ دخل عليه رجل فقال: أخبرني عن هذه الآية : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا } [المائدة:55]. فقال ابن عباس: نزلت في علي بن أبي طالب.
ورواه بأسانيد عن عبد الرزاق، عن ابن مجاهد، عن أبيه، عن ابن عباس.
ومنها: سند الضحاك عن ابن عباس، أخبرنا عقيل بن الحسين، قال: أخبرنا علي بن الحسين، قال: حدثنا محمد بن عبيد الله، قال: حدثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقاق ببغداد، عن ابن السماك، قال: حدثنا عبد الله بن ثابت المقرئ، حدثني أبي، عن الهذيل، عن مقاتل، عن الضحاك، عن ابن عباس (به).
وحدثنا الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي بالبصرة، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان، قال: حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، قال: حدثنا سفيان الثوري، عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال سفيان: وحدثني الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ } [المائدة:55]. يعني: ناصركم الله ورسوله، يعني محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال: { وَالَّذِينَ آمَنُوا } [المائدة:55] فخص من بين المؤمنين علي بن أبي طالب، فقال: { الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ } [المائدة:55] يعني: يتمون وضوءها وقراءتها، وركوعها وسجودها، وخشوعها في مواقيتها، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى يوما بأصحابه صلاة الظهر، وانصرف هو وأصحابه، فلم يبق في المسجد غير علي قائما يصلي بين الظهر والعصر، إذ دخل فقير من فقراء المسلمين فلم ير في المسجد أحدا خلا عليا، فأقبل نحوه فقال: يا ولي الله بالذي تصلي له أن تصدق عليَّ بما أمكنك، وله خاتم عقيق يماني أحمر، يلبسه في الصلاة في يمينه، فمد يده فوضعها إلى ظهره وأشار إلى السائل ينزعه فنزعه ودعا له ومضى، وهبط جبريل فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: لقد باها الله بك ملائكته اليوم ثم قرأ: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ } [المائدة:55].
ثم قال الحاكم الحسكاني: قول أنس فيه عليه السلام أخبرنا عبد الله بن يوسف إملاء وقراءة (في الفوائد)، قال: أخبرنا علي بن محمد بن عقبة، قال: حدثنا الخضر بن أبان، قال: حدثنا إبراهيم بن هدية، عن أنس أن سائلا أتى المسجد وهو يقول: من يقرض المليَّ الوفي وعلي عليه السلام راكع، يُقَوِّل بيده خلفه للسائل، أي: اخلع الخاتم من يدي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا عمر وجبت. فقال: بأبي أنت وأُمي يا رسول الله ما وجبت؟ قال: وجبت له الجنة، والله ما خلعه من يده حتى خلعه من كل ذنب ومن كل خطيئة. قال: بأبي وأُمي يا رسول الله هذا بهذا. قال: هذا لمن فعل هذا من أُمتي.
أخبرنا الحاكم الوالد ومحمد بن القاسم أن عمر بن أحمد بن عثمان الواعظ أخبرهم أن محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت المقرئ حدثهم، قال: حدثنا أحمد بن إسحاق وكان ثقة، قال: حدثنا أبو أحمد زكريا بن رويد (دويد نسخة) بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي، قال: حدثنا حميد الطويل عن أنس قال: خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى صلاة الظهر فإذا هو بعلي يركع ويسجد، فإذا سائل يسأل فأوجع قلب علي كلام السائل، فأوما بيده اليمنى إلى خلف ظهره فدنى السائل منه فسل الخاتم عن إصبعه، فأنزل الله تعالى فيه آية من القرآن وانصرف علي إلى المنزل، فبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليه فأحضره، فقال: أي شيء عملت يومك هذا بينك وبين الله تعالى؟ فأخبره، فقال: هنيئا لك يا أبا الحسن، قد أنزل الله فيك آية من القرآن: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ...} الآية [المائدة:55]. اختصرته.
ثم رواه الحاكم عن عمار بن ياسر فقال: أخبرنا أبو بكر الحارثي، أخبرنا أبو الشيخ، حدثنا الوليد بن أبان، حدثنا سليمان (سلمة نسخة) بن محمد، حدثنا خالد بن يزيد، قال: حدثنا إسحاق بن عبد الله بن محمد بن علي بن الحسين بن علي، عن الحسن بن زيد، عن أبيه زيد بن الحسن، عن جده قال: سمعت عمار بن ياسر يقول: وقف لعلي بن أبي طالب عليه السلام سائل وهو راكع في صلاة التطوع، فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعلمه
ذلك، فنزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم الآية:{ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ...} إلى آخر الآية. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من كنت مولاه فإن عليا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه )).
رواه أبو نصر العباسي في كتابه وفي تفسيره، قال: حدثنا سلمة بن محمد بذلك.
قال الحاكم: ومنهم جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، حدثنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ غير مرة، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن جعفر (1) بن زيد (يزيد نسخة) الأدمي الفارسي ( الغارمي نسخة) ببغداد، قال: حدثنا أحمد بن موسى بن يزيد الطوشي، قال: حدثنا إبراهيم بن إبراهيم هو أبو إسحاق الكوفي، قال: حدثنا إبراهيم بن الحسن الثعلبي، قال: حدثنا يحيى بن يعلى، عن عبيد الله بن موسى، عن أبي الزبير، عن جابر قال: جاء عبد الله بن سلام وأُناس معه يشكون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مجانبة الناس إياهم منذ أسلموا. فقال: النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابتغوا لي سائلا فدخلنا المسجد فوجدنا فيه مسكينا، فأتينا به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسأله هل أعطاك أحد؟ قال: نعم، مررت برجل يصلي فأعطاني خاتمه، قال: اذهب فأرهم إياه، فانطلقنا وعلي قائم يصلي، قال: هو ذا، فرجعنا وقد نزلت هذه الآية: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ...} الآية.
قال الحاكم: ومنهم أمير المؤمنين علي عليه السلام، أخبرنا أبو بكر التميمي بقراءتي عليه من أصله، قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد، قال: حدثنا سعيد بن سلمة الثوري، قال: حدثنا محمد بن يحيى العبدي، قال: حدثني عيسى بن عبد الله (عبيد الله نسخة) بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن علي قال: نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله
__________
(1) 33) لعله الذي ذكره الخطيب في تاريخه (ج2/ص126) على أن الأصل محمد بن جعفر بن راشد، فصحف راشد زيد والله أعلم، والذي ذكره الخطيب قال فيه محمد بن جعفر بن راشد أبو جعفر الفارسي يلقب لقلوق، ثم قال: وكان ثقة. (مؤلف) وفقه الله.
وسلم في بيته:{ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ...} الآية. فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودخل المسجد وجاء الناس يصلون بين راكع وساجد وقائم، فإذا سائل، فقال: يا سائل هل أعطاك أحد شيئا؟ قال: لا، إلا ذاك الراكع أعطاني خاتمه.
قال الحاكم: ومنهم المقداد بن الأسود الكندي، أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد الحيري، قال: حدثنا أبر بكر أحمد بن محمد المدني، قال: حدثنا الحسن بن إسماعيل، قال: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الفهري، حدثني أبي، عن علي بن صدقة، عن هلال، عن مقداد بن الأسود الكندي قال: كنا جلوسا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ جاء أعرابي بدوي متنكب على قوسه، وساق الحديث بطوله حتى قال: وعلي بن أبي طالب قائم يصلي وسط المسجد ركعات بين الظهر والعصر، فناوله خاتمه، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: بخ بخ بخ لك وجبت الغرفات. فأنشأ الأعرابي يقول: يا ولي المؤمنين كلهم، وسيد الأوصياء من آدم، قد فزت بالنيل يا أبا حسن، إذ جادت الكف منك بالخاتم، فالجود فرع وأنت مغرسه، وأنتم سادة لذا العالم، فعندها هبط جبريل بالآية: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ...} الآية [المائدة:55].
قال الحاكم: ومنهم أبو ذر الغفاري رضي الله عنه، حدثني أبو الحسن محمد بن القاسم الصيدلاني، قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد الشعراني، قال: حدثنا أبو علي أحمد بن علي بن رزين القاشاني، قال: حدثنا المظفر ابن الحسن الأنصاري، قال: حدثنا السيري (السدي نسخة) بن علي الوراق، قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني، عن قيس بن الربيع، عن الأعمش، عن عباية بن ربعي قال: بينما عبد الله بن عباس جالس على شفير زمزم يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذ أقبل رجل متلثم بعمامة، فجعل ابن عباس لا يقول: قال رسول الله صلى الله إلا قال الرجل: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال ابن عباس: سألتك بالله من أنت؟ فكشف العمامة عن وجهه وقال: يا أيها
الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا جندب ابن جنادة البدري، أبو ذر الغفاري، صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: بهاتين وإلا فصمّتا ورأيته بهاتين وإلا فعميتا، وهو يقول: (( علي قائد البررة، وقاتل الفجرة، منصور من نصره، ومخذول من خذله، أما إنني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوما من الأيام صلاة الظهر، فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئا، فرفع السائل يديه إلى السماء، وقال: اللهم أشهد أني سألت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يعطني أحد شيئا، وكان علي راكعا فأوما إليه بخنصره اليمنى، وكان يتختم فيها، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره، وذلك بعين النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم من صلاته رفع يده إلى السماء وقال: اللهم إن أخي موسى سألك فقال : { رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي ، يَفْقَهُوا قَوْلِي ، وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي ، هَارُونَ أَخِي ، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي } [طه:25-32]. فأنزلت عليه قرءانا ناطقا: (( سنشد عضدك بأخيك، اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك، اللهم فاشرح لي صدري ويسر لي أمري، واجعل لي وزيرا من أهلي، عليا أخي أشدد به أزري ))، قال أبو ذر رضي الله عنه: فوالله ما استتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الكلام حتى هبط عليه جبريل من عند الله وقال: يا محمد هنيئا لك ما وهب الله لك في أخيك، قال: وما ذاك يا جبريل. قال: أمر الله أمتك بموالاته إلى يوم القيامة، وأنزل عليك قراءنا: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } [المائدة:55]. انتهى المراد.
وقد رواه الحاكم الحسكاني أيضا، بإسناده عن محمد بن الحنفية عليه السلام، وعطاء، وابن جريج.
ورواه ابن المغازلي في المناقب ( ص 193 ) عن ابن عباس من طريق عبد الوهاب بن مجاهد، ومن طريق أخرى عن السدي، عن أبي عيسى، عن ابن عباس،
ومن طريق الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس. ورواه عن علي عليه السلام فقال: أخبرنا أبو نصر أحمد بن موسى بن الطحان إجازة عن القاضي أبي الفرج الخيوطي، قال: حدثنا عبد الحميد بن موسى العباد، حدثنا محمد بن إسحاق الخزاز حدثنا عبد الله بن بكار، حدثنا عبيد بن أبي الفضل، عن محمد بن الحسن، عن أبيه، عن جده، عن علي عليه السلام، في قوله عز وجل: { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ } [المائدة:55]، قال: الله ورسوله والذين آمنوا علي بن أبي طالب.
وروى ابن المغازلي نزولها في علي عليه السلام عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، فقال في المناقب ( ص 194 ): أخبرنا أحمد بن محمد بن طاوان أذنا، أن أبا أحمد عمر بن عبد الله بن شوذب أخبرهم، قال: حدثنا محمد بن جعفر بن محمد العسكري، حدثنا محمد بن عثمان، حدثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون، حدثنا علي بن عابس قال: دخلت أنا وأبو مريم على عبد الله بن عطاء، قال أبو مريم: حدث علي بالحديث الذي حدثتني عن أبي جعفر، قال: كنت عند أبي جعفر جالسا إذ مر عليه ابن عبد الله بن سلام قلت: جعلني الله فداك هذا ابن الذي عنده علم من الكتاب قال: لا، ولكنه صاحبكم علي بن أبي طالب، الذي نزلت فيه آيات من كتاب الله عز وجل، الذي عنده علم من الكتاب (1) { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ ? [هود:17]، و { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ ...} الآية [المائدة:55]. انتهى.
وروى بعض هذا الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل، عند ذكر قول الله تعال : { وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ } [الرعد:43] من سورة الرعد. بطريق آخر عن أبي مريم، قال: حدثنا عبد الله بن عطاء، قال: كنت جالسا مع أبي جعفر في
__________
(1) هذا غلط من الراوي، والمراد: { ومن عنده علم الكتاب }. لأنه قيل: إنه عبد الله بن سلام ، فقال أبو جعفر في أصل هذه الرواية: بل هو علي، فأما الذي عنده علم من الكتاب فهو صاحب سليمان المذكور في سورة النمل. ( مؤلف ).
المسجد فرأيت ابنا لعبد الله بن سلام جالسا في ناحية، فقلت لأبي جعفر: زعموا أن أبا هذا عنده علم الكتاب عبد الله بن سلام، قال: لا، إنما ذلك علي بن أبي طالب.
قال الحاكم: ورواه عن أبي مريم واسمه عبد الغفار بن القاسم أبو نعيم الملائي في العتيق. انتهى.
وقد أفادت هذه الرواية إن الآية هي { وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ } [الرعد:43]، وأن رواية الذي عنده علم من الكتاب غلط في الرواية الأولى.
وأما قول ابن كثير في قول الله تعالى: { وَهُمْ رَاكِعُونَ } [المائدة:55]. قد توهم بعض الناس أن هذه الجملة في موضع الحال من قوله: { وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ } [المائدة:55]. أي: في ( حال ) ركوعهم، ولو كان هذا كذلك لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره، لأنه ممدوح، وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء ممن نعلمه من أئمة الفتوى، وحتى إن بعضهم ذكر في هذا أثرا عن علي بن أبي طالب أن هذه الآية نزلت فيه، أنه مر به سائل في حال ركوعه.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الربيع بن سليمان المرادي، حدثنا أيوب بن سويد، عن عتبة بن أبي حكيم، في قوله : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا } [المائدة:55]، قال: هم علي بن أبي طالب والمؤمنون. ثم ساق ابن كثير الروايات في هذا، وقد مر ذكرها عنه.
والجواب :: أنه إذا ثبت نزولها في علي عليه السلام كما يدل عليه تظاهر الروايات وكثرتها، فلا ينبغي لمنصف أن يعارض السمع بالرأي، ولا أن يشترط في حكم القرآن أن يفتي به المفتون، ومن الجائز أنهم سكتوا عن ذلك، لأن الآية في صدقة التطوع، وفعلها بدون عمل كثير، كما روي عن علي عليه السلام حيث لم يذهب إلى السائل فيعطيه الخاتم، إنما أشار إليه لينزعه، كما في أكثر الروايات، فقوله: لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل، نقول فيه: هذا ملتزم ولا مانع من ذلك، لا عقلي ولا شرعي، ولو سلمنا فلا يمنع ذلك نزول الآية في علي عليه السلام، لكونه راكعا لله، أي: خاشعا خاضعا.
قال مقبل(ص 175 ): وقال العلامة الشوكاني: وقوله { وَهُمْ رَاكِعُونَ } [المائدة:55]. جملة حالية من فاعل الفعلين قبله، والمراد بالركوع: الخشوع والخضوع، أي: يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم خاشعون خاضعون لا يتكبرون.
والجواب :: أما رجوعه إلى قوله: { يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ } [المائدة:55]. فهي دعوى بلا دلالة، لأن وصفهم بإقامة الصلاة وصف بفضيلة مستقلة، لا تحتاج إلى زيادة ذكر الركوع، لأن الخشوع والخضوع في الصلاة من إقامتها، فأغنى عن زيادة التقييد به دلالة قوله: { يُقِيمُونَ } [المائدة:55]، ولهذا لا تجد في القرآن الوصف بإقامة الصلاة إلا مستقلا، غير مقيد بذكر الخشوع، وإنما ذكر الخشوع حيث لم تذكر الإقامة، ولا يمتنع زيادة التصريح به لكنه دعوى لا دليل عليها، ولا يستدعيها السياق لكمال قوله:{ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ } [المائدة:55]، واستغنائه عن القيد، فكان الظاهر رجوع الحال إلى العامل القريب والصاحب القريب، في قوله تعالى: { وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ } [المائدة:55]. فقوله: { وَهُمْ رَاكِعُونَ } [المائدة:55] حال منه، هذا هو الظاهر فلا يعدل عنه بلا دليل.
قال مقبل عن الشوكاني وقيل: هو حال من فاعل الزكاة، والمراد بالركوع هو المعنى المذكور، أي يضعون الزكاة في مواضعها، غير متكبرين على الفقراء ولا مترفعين عليهم.
الجواب :: أن هذا والذي قبله لا ينافي نزول الآية في علي عليه السلام، فلا معنى للجدال به، لأنه حين آتى الزكاة وهو راكع، كان خاشعا لله متواضعا له، بل هو في حال الصلاة والركوع فيها في حالة من أعظم حالات الخشوع والتواضع لله سبحانه والخضوع له، فهو راكع له بالمعنيين في حالة واحدة، فسواء كان المراد في الآية الركوع بمعنى الخضوع لله تعالى، أو الركوع بمعنى الانحناء لله تعبدا له وتذللا وخضوعا، بل الركوع بالمعنى الثاني من أجلى مظاهر الركوع بالمعنى الأول، فعلى كلا المعنيين يستقيم جعلها في علي عليه السلام، وأنه سبب نزولها حين آتى الزكاة وهو راكع في الصلاة.