الرحمن، قال: قرئ على العباس ( بن محمد ) الدوري، عن يحيى بن معين أنه قال: الأصبغ بن نباتة ليس بشيء. انتهى.
وهذا السند جرح به عدد من الشيعة في مواضع متفرقة من كتاب الجرح والتعديل، وهو كما ترى لم يصرح فيه ابن أبي حاتم بالسماع، إنما قال قرئ ولم يقل قرأت، ولا قال قرئ وأنا أسمع، ويمكن أن يكون بلغه ذلك من واسطة غير مذكور، وقد وثق بالواسطة فلم يذكره، ولا يقال: يلزم في سائر الروايات التي لم يذكر فيها السماع، وإن كانت ممن قد لقي من الرواية عنه، لأن تجويزه في قوله: قال فلان تقدير الواسطة بدون ذكر لأحد في الرواية غير القائل: قال فلان وغير فلان، مع أن هذه إذا صدرت من مدلس فهي محتملة للواسطة، أما إذا قال: سمع فلان من فلان أو قريء على فلان، ولم يقل: وأنا أسمع، فلا يتعين أن القائل ذلك قد سمع لأنه قد ذكر غيره، وفرق بين حالة ذكر من يصلح واسطة وحالة عدم ذكره.
ألا ترى إنك إذا قلت: روى زيد عن عمرو لم يجب أن تكون أنت سمعت الرواية من عمرو الراوي الأول، وإن كنت قد لقيته، وإن جعل الظاهر السماع من زيد إذا كنت قد لقيته، فكذلك إذا قلت: سمع فلان من فلان ولا يجب أن تكون سمعت معه من الراوي الأول، وكذلك قرأ فلان على فلان، فكذلك قول ابن أبي حاتم قرئ على العباس، لأن عبد الرحمن قد أفهم قارئا غيره، ويحتمل أن ذلك هو الواسطة الذي روى لعبد الرحمن ذلك وهو مجهول.
فإن كان المحدثون قد أسسوا لأنفسهم في مصطلح الحديث خلاف هذا بدون حجة فلا نسلم لهم لأنا لا نقلدهم، وأيضا هذا السند لم يقل فيه: إن العباس بن محمد الدوري قال: قال يحيى بن معين، إنما ذكر أنه قرئ عليه أن يحيى قال، فالراوي هو القاريء لا العباس، لأنه لم يقل: قال العباس، قال يحيى، ومن الجائز أن يكون قرئ على العباس عن يحيى وهو لا يرويه وإنما سكت عليه، لأنه يرى أنه غير مسؤول عنه حديث لم يروه، وقد يكون سكت مجاملة أو خوفا من حكومة أو غيرها، وذلك لأنه لا يبعد أن تجعل الحكومة من عملائها من يضع جملة من جرح

الشيعة لغرض سياسي، ولا سيما في عصر المتوكل العباسي، ثم تأمر بقراءته على العباس وتأمره بالسكوت، وهذا إن لم يكن العباس مدلسا فأما إن كان مدلسا فلا حكم لسكوته مع أنه من الجائز أن يسكت، لأنه لا يعلم صحة الرواية عن ابن معين ولا فسادها، فلا يحمل سكوته على أنه تقرير للرواية عن ابن معين وخصوصا والرواية غير مؤرخة، وهي تحتمل أن القراءة على العباس كانت قبل ملازمته لابن معين، فجعله القاريء في صورة واسطة في السند تدليسا والله أعلم.
هذا وقد ظهر من مذهب يحيى بن معين أن من روى حديثا يدل على تقديم علي عليه السلام في الإمامة فلا يروى عنه، وأنه يقول فيه: ليس بشيء، لأنه يرى أنه ليس أهلا أن يروى عنه ،وذلك لا يدل على أنه يعتقد الراوي كذابا في غير تلك الرواية التي أنكرها، وإنما هو يرى أنه مسلوب الأهلية للرواية لأجل روايته ما يدل على سب الصحابة بزعمه كما بيناه في الرد على رياض مقبل ،يؤكد هذا قول ابن حبان فيه: فتن بحب علي فأتى بالطامات ... إلخ.
ثم قال: وهو الذي روى عن أبي أيوب الأنصاري قال: (( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين. قلت: يا رسول الله مع من؟ قال: مع علي بن أبي طالب )) .
حدثناه محمد بن المسيب، ثنا علي بن المثنى الطهوري، ثنا يعقوب بن خليفة، عن صالح بن أبي الأسود، عن علي بن الحزور، عن الأصبغ بن نباتة، عن أبي أيوب. انتهى.
ولم يذكر غير هذا من الطامات التي زعمها، ولعله عنده أعظم ما رواه، والأصبغ بن نباتة من الشيعة من أصحاب علي عليه السلام، وقد روي عنه ما ذكرنا من تلك الروايات التي ينفر عنها ابن معين وأصحابه ويجرحون راويها، هذا وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن أصبغ بن نباتة؟ فقال: لين الحديث. انتهى.
وترجمته في التاريخ الكبير للبخاري ولم يذكر فيها عن ابن معين شيئا، وفي ترجمته في تهذيب التهذيب وقال ابن عدي: عامة ما يرويه عن علي لا يتابعه أحد عليه وهو بين الضعف. ثم قال: وإذا حدث عنه ثقة فهو عندي لا بأس بروايته،

وإنما أتى الإنكار من جهة من روى عنه. وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة. ثم قال ابن حجر عن التهذيب: روى له ابن ماجة حديثا واحدا في الحجامة. ثم قال: قلت: وقال ابن سعد: كان شيعيا وكان يُضعَّف وكان على شرطة علي. انتهى المراد.
وقد ظهر أن سبب تضعيفه روايته لما لا يوافق مذهبهم، فأنكروه وليس منكرا في الحقيقة، وأما حديث الأمر بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين فله طرق عديدة عن أمير المؤمنين عليه السلام، وابن مسعود وأبي أيوب وأبي سعيد الخدري، انظر ذلك في ترجمة الإمام علي من تاريخ ابن عساكر ( ج 3/ ص 200 ) وما بعدها.
وأما محمد بن كثير، ففي كتاب الجرح والتعديل في ترجمته: نا عبد الرحمن، قال: قرئ على العباس بن محمد الدوري قال: سمعت يحيى بن معين يقول: محمد بن كثير الكوفي الذي يحدث عن ليث هو شيعي لم يكن به بأس، قد حدث عنه سعدويه وسمعت أنا منه. نا عبد الرحمن قال: سألت أبي عن محمد بن كثير الكوفي أبو إسحاق؟ فقال: ضعيف الحديث، وكان يحيى يحسن القول فيه. انتهى.
قلت: يحيى أعلم به إذا كان قد سمع منه، وهو مع ذلك كبير القوم، وهو مع ذلك غير متهم في تحسين القول في شيعي بخلاف المضعِّف، فهو متهم بالتعصب لمذهبه. وأما أبو عبد الله السمرقندي فإن كان لا يوثق به لسبب معروف فليذكره مقبل وأصحابه، وليس في ترجمتة في الميزان شيء إلا دعوى أنه مجهول، وإن كان لأجل روايته للحديث في علي وفاطمة عليهما السلام فجرحه بذلك مصادرة.
أما قولهم: إنه مجهول فلا نسلم، لأنه موصوف بالزهد وذلك في معنى التعديل، وللحديث طرق كثيرة يقوي بعضها بعضا، قال الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل: ومن سورة الإنسان فيها قوله جل ذكره: { إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ ... } [الإنسان:5]. إلى آخر الآيات ثماني عشرة آية.

رواية أمير المؤمنين عليه السلام فيه، أخبرنا أحمد بن الوليد بن أحمد بقراءتي عليه من أصله، أخبرني أبي أبو العباس(1) الواعظ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن الفضل(2) النحوي ببغداد في جانب الرصافة إملاء سنة إحدى وثلاثين وثلث مائة حدثنا الحسن بن علي بن زكريا البصري، حدثنا الهيثم بن عبد الله الرماني، (3) حدثنا علي بن موسى الرضى، حدثنا أبي موسى عليه السلام، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد ،عن أبيه علي، عن أبيه الحسين، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: لما مرض الحسن والحسين عليهما السلام عادهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لي: يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك لله نذرا أرجو أن ينفعهما الله به. فقلت: عليَّ لله نذر لئن برئيا حبيباي ( كذا ) من مرضهما لأصومن ثلاثة أيام. فقالت فاطمة عليها السلام: عليَّ لله نذر لئن برئا ولداي من مرضهما لأصومن ثلاثة أيام. وقالت جاريتهم فضة: وعليَّ لله نذر لئن برئا سيداي من مرضهما لأصومن ثلاثة أيام. فألبس الله الغلامين العافية فأصبحوا وليس عند آل محمد قليل ولا كثير، فصاموا يومهم وخرج علي إلى السوق وإذا شمعون اليهودي وكان له صديقا فقال: يا شمعون أعطني ثلاثة أصواع شعيرا وجزة صوف تغزله فاطمة، فأعطاه ما أراد، فأخذ الشعير في ردائه والصوف تحت حضنه، ودخل منزله واُفرغ الشعير وألقى الصوف، وقامت فاطمة إلى صاع من الشعير فطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص، وصلى علي عليه السلام مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المغرب ودخل منزله ليفطر، فقدمت إليه فاطمة خبز الشعير وملحا جريشا وماء قراحا، فلما دنوا ليأكلوا وقف مسكين بالباب فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد، مسكين من أولاد المسلمين أطعمونا أطعمكم الله على موائد الجنة. فقال علي عليه السلام:
__________
(1) في نسخة الاعتصام عن شواهد التنزيل: أخبرني أبي أبو العباس.
(2) كذا في النسختين الخطية والمطبوعة من شواهد التنزيل، وفي الاعتصام عن شواهد التنزيل أبو عمر عبد الله بن محمد بن الفضل. ( مؤلف ).
(3) الرماني صح الاعتصام عن شواهد التنزيل ونسخة مطبوعة. ( مؤلف ).

فاطم ذات الرشد واليقين ... يا بنت خير الناس أجمعين
أما ترين البائس المسكين ... جاء إلينا جائعا(1) حزين
قد قام بالباب ل‍ه حنين ... يشكو إلى الله ويستكين

كل بكسبه رهين
فأجابته فاطمة عليها السلام وهي تقول:

أمرك عندي يا ابن عم طاعة ... مابي لوم لا ولا ضراعة
فأعطه ولا تدعه ساعة ... نرجو ل‍ه الغياث في المجاعة
ونلحق الأنصار والجماعة ... وندخل الجنة بالشفاعة

فدفعوا إليه أقراصهم وباتوا ليلتهم لم يذوقوا إلا الماء القراح، فلما أصبحوا عمدت فاطمة صلوات الله عليها إلى صاع آخر فطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص وصاموا يومهم، وصلى علي عليه السلام مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المغرب ثم دخل ليفطر، فقدمت إليه فاطمة خبز شعير وملحا جريشا وماء قراحا، فلما دنوا ليأكلوا وقف يتيم بالباب فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد، يتيم من أولاد المسلمين استشهد والدي مع رسول الله صلى الله عليه وآله يوم أحد، أطعمونا أطعمكم الله على موائد الجنة، فدفعوا إليه أقراصهم وباتوا يومين وليلتين لم يذوقوا إلا الماء القراح، فلما أن كان في اليوم الثالث عمدت فاطمة إلى الصاع الثالث فطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص وصاموا يومهم وصلى علي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المغرب ثم دخل منزله ليفطر، فقدمت فاطمة عليها السلام خبز شعير وملحا جريشا وماء قراحا فلما دنوا ليأكلوا وقف أسير بالباب فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد، أطعمونا أطعمكم الله، فأطعموه أقراصهم وباتوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا إلا الماء القراح، فلما أن كان اليوم الرابع عمد علي والحسن والحسين يرعشان كما يرعش الفرخ وفاطمة وفضة
__________
(1) في المطبوعة: جائع. ( مؤلف ).

معهم، ولم يقدروا على المشي من الضعف، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: إلهي هؤلاء أهل بيتي يموتون جوعا فارحمهم يا رب واغفر لهم، هؤلاء أهل بيتي فاحفظهم ولا تنسهم، فهبط جبريل عليه السلام وقال: يا محمد إن الله تعالى يقرأ عليك السلام ويقول: قد استجبت دعاءك فيهم، وشكرت لهم ورضيت عنهم، وأقرأه: { إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ ...} إلى قوله: { إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا } [الإنسان:5-22].
قال الحاكم: اختصرته في مواضع.
ورواه الحسن بن مهران، عن مسلمة بن جابر، عن جعفر بن محمد وله طرق عن مسلمة، ورواه روح بن عبد الله، عن جعفر الصادق، ورواه معاوية ابن عمار، عن جعفر الصادق.
فرات بن إبراهيم الكوفي: حدثنا محمد بن إبراهيم بن زكريا الغطفاني، حدثنا أبو الحسن هاشم بن أحمد بن معاوية بمصر، عن محمد بن بحر، عن روح بن عبدالله، حدثني جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده قال: مرض الحسن والحسين عليهما السلام مرضا شديدا فعادهما محمد صلى الله عليه وآله وأبو بكر وعمر، فقال عمر لعلي عليه السلام: لو نذرت لله نذرا واجبا وساق الحديث بطوله...إلى قوله: فقال جبريل: يا محمد أقرأه: { إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ ...} إلى آخر الآيات.
وفي الباب عن ابن عباس، ورواه جماعة عنه منهم مجاهد بن جبر، أخبرناه إسماعيل بن إبراهيم بن محمد الواعظ، أخبرنا عبد الله بن عمر بن أحمد الجوهري بمر وسنة ست وستين، أخبرنا محمود بن دالاف(1)، حدثنا جميل بن يزيد الحنوجردي (2) ، حدثنا القاسم بن بهرام، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عباس في قول الله تعالى: { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ } [الإنسان:7]. قال: مرض الحسن والحسين عليهما السلام فعادهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعادهما عموم العرب فقالوا:
__________
(1) في المطبوعة: ابن والان. ولعل الصواب: دالان.
(2) في المطبوعة: الحنوحردي، بحائين بينهما نون ثم واو. ( مؤلف ) .

يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك نذرا، فقال عليّ: إن برئا صمت ثلاثة أيام شكرا. فقالت فاطمة كذلك. وقالت جارية لهم نوبية، يقال لها: فضة كذلك. فألبس الله الغلامين العافية وليس عند آل محمد قليل ولا كثير، فانطلق علي عليه السلام إلى شمعون الخيبري فاستقرض منه ثلاثة أصواع من شعير، فجاء به فقامت فاطمة عليها السلام إلى صاع فطحنته وخبزته، وصلى علي عليه السلام مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم المغرب، ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم مسكين فأعطوه الطعام، فلما كان يوم الثاني قامت إلى صاع فطحنته واختبزته، وصلى علي عليه السلام مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم أتى المنزل، فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم يتيم ... فساق الحديث بطوله أنا اختصرته.
قلت: يعني حذف بقيته في اليتيم والأسير.
قال الحاكم: ورواه عن القاسم بن بهرام جماعة، منهم: شعيب ابن واقد، ومحمود بن حميد البصري، ومحمد بن حمدويه أبو رجاء، حدثنيه أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب المفسر، أخبرنا أبو أحمد محمد بن محمد الحافظ، حدثنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ، حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب الخوارزمي، حدثنا أحمد بن حماد المروزي، حدثنا محبوب بن حميد البصري، حدثنا القاسم بن بهرام، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس.
قال الحاكم: وساقه بطوله إلى آخره أنا اختصرته.
وحدثني أبو الحسن الماوردي، حدثني أبو الطيب الذهلي، حدثنا عبد الله بن محمد بن أحمد بن نصر المقرئ، حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب به إلا ما عبّرت.
ورواه جماعة عن أبي حامد بن الشرفي، وجماعة عن أحمد المروزي، ورواه عن ليث بن سليم جماعة كرواية القاسم، منهم: القعقاع بن عبد الله السعدي، وجرير بن عبد الله، أخبرناه أبو نصر المفسر، عن عمي(1) أبو حامد إملاء ( كذا )، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الوراق، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن الحسن بن
__________
(1) في المطبوعة: أخبرنا عمي أبو حامد أخبرنا أبو الحسن ... إلخ.

مشير(1) الترمذي، حدثنا أبو بكر بن يسار، عن يسار، عن سهل بن خاقان، قال: حدثنا القعقاع بن عبد الله السعدي، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قول الله تبارك وتعالى: { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ } [الإنسان:7].
قال الحاكم: وساق الحديث بطوله أنا اختصرته.
ورواه جماعة عن علي الوراق كذلك. انتهى كلامه في هذه الرواية الخالية عن الشعر والأسجاع.
وذكرها الزمخشري في الكشاف في تفسير سورة ? هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ ?. فقال ابن حجر في تخريجه: أخرجه الثعلبي من رواية القاسم بن بهرام، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عباس. انتهى المراد.
قال الحاكم الحسكاني: ورواه حبان بن علي أبو علي العنزي، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس. ورواه الضحاك عن ابن عباس، ورواه ابن جريج عن عطاء، عن ابن عباس، ورواه عبد الله بن المبارك، عن يعقوب بن القعقاع، عن مجاهد، عن ابن عباس. ورواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.
قلت: هذا كله في رواية ابن عباس السابقة.
قال الحاكم: محمد بن أحمد بن علي الهمداني، حدثني جعفر بن محمد العلوي، حدثنا محمد بن محمد بن عبيد الله، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، في قوله تعالى: { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا } [الإنسان:8]. نزلت في علي وفاطمة عليها السلام، أصبحا وعندهم ثلاثة أرغفة فأطغموا مسكينا ويتيما وأسيرا فباتوا جياعا، فنزلت فيهم هذه الآية.
أبو النصر في تفسيره: حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد بن روح الطرسوسي، حدثنا محمد بن خالد العباسي، حدثنا إسحاق بن نجيح، عن عطاء، عن ابن عباس، في قوله تعالى: { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ }. قال: مرض الحسن والحسين عليهما
__________
(1) كذا، وفي المطبوعة: ابن بشير. ( مؤلف ).

السلام مرضا شديدا حتى عادهما جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان فيهم أبو بكر وعمر، فقالا: يا أبا الحسن لو نذرت لله نذرا، فقال علي: لئن عافا الله سبطي نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم مما بهما من سقم لأصومنّ لله نذرا ثلاثة أيام، وسمعته فاطمة فقالت: لله علي مثل ما ذكرته، وسمعه الحسن والحسين فقالا: يا أبه لله علينا مثل الذي ذكرت، فأصبحا وقد عافاهما الله تعالى، فغدا علي عليه السلام إلى جار له فقال له: أعطنا جزة من صوف تغزلها لك فاطمة، وأعطنا كراه ما شئت، فأعطاه جزة من صوف وثلاثة أصواع من شعير ... وذكر الحديث بطوله مع الأشعار...إلى قوله: إذ هبط جبريل عليه السلام فقال: يا محمد يهنيك ما أنزل فيك وفي أهل بيتك { إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ ... } إلى آخر الآيات. فدعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليا وجعل يتلوها وعلي عليه السلام يبكي ويقول: الحمد لله الذي خصنا بذلك.
قال الحاكم: أنا اختصرته.
أخبرنا عقيل، أخبرنا علي بن الحسين، حدثنا محمد بن عبيد الله، حدثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك ببغداد، حدثنا عبد الله بن ثابت المقرئ، حدثني أبي، عن الهذيل، عن مقاتل، عن الأصبغ بن نباتة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قول الله تعالى: { إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ ... }. قال: الصديقون في إيمانهم: علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، يشربون في الآخرة من كأس خمرا كان مزاجها من عين تسمى: الكافور، ثم قد علا وفشا، وعمّ نزلت في: علي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله تعالى عليهم، وذلك أنهما مرِضا مرَضا شديدا فعادهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر وعمر، فقال يا علي: أنذر أنت وفاطمة نذرا أن عافى الله ولديك أن تفي به، وساقه بطوله.
أخبرني أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني كتابة، أخبرنا سليمان الطبراني، حدثنا بكر بن سهل الدمياطي، أخبرنا عبد العزيز بن سعيد، عن موسى بن عبد

الرحمن، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، في قوله: { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ } [الإنسان:8]. وذلك أن علي بن أبي طالب أَجَّر نفسه ليسقي نخلا بشيء من شعير ليلة حتى أصبح، فلما أصبح وقبض الشعير طحن ثلثه وجعلوا منه شيئا ليأكلوه، يقال له: الخزيرة، فلما تم إنضاجه أتى مسكين فأخرجوا له الطعام، ثم عملا الثلث الثاني فلما تم إنضاجه أتى يتيم فسأله فأطعموه، ثم عملا الثلث الثالث فلما تم إنضاجه أتى الأسير من المشركين فسأل فأطعموه، وطووا يومهم ذلك.
أخبرنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قراءة عليه ببغداد من أصله، حدثنا أبو عبد الله محمد بن عمران بن موسى بن عبيد المرزباني قراءة عليه في شعبان سنة [ ثلاث مائة و ] إحدى وثمانين، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن عبيد الحافظ قراءة عليه في قطيعة جعفر، حدثني الحسين بن الحكم الحبري، حدثنا الحسن بن حسين، حدثنا حبان بن علي، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، في قوله تعالى: { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ ...} [الإنسان:8]. الآيات نزلت في علي بن أبي طالب أطعم عشاءه وأفطر على القراح.
حدثونا عن أبي العباس المعقلي، حدثنا الحسن بن علي، حدثنا أبو معاوية، عن سفيان، عن سالم الأفطس، عن مجاهد، في قوله تعالى: { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ } [الإنسان:9]. قال: لم يقولوا حين أطعموهم: { نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ } ، ولكن علمه الله من قلوبهم فأثنى به عليهم ليرغب فيه راغب.
حدثني سعيد الحيري، أخبرنا أبو الحسن بن مقسم المقري، قال: سمعت أبا إسحاق الزجاج يقول في قوله: { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ }. الهاء - أي: الضمير - تعود على الطعام، المعنى: يطعمون الطعام على أشد ما تكون حاجتهم إليه، وصفهم الله تعالى بالأثرة على أنفسهم. انتهى.

36 / 63
ع
En
A+
A-