حاتم من طريق الحميدي بزيادة من شأن ابن حبان أن يتمناها، فلو كانت معروفة عنده لأثبتها.
ذكرها ابن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل ( ج 1 ص 43 ) ولفظها: حدثنا عبد الرحمن، نا الحميدي، نا سفيان، نا يزيد بن أبي زياد بمكة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب قال: (( رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه )). قال سفيان: فلما قدمت الكوفة سمعته يحدث به، فزاد فيه (( ثم لا يعود ))، فظننت أنهم لقنوه، وكان بمكة أحفظ منه يوم رأيته بالكوفة، وقالوا لي: إنه قد تغير حفظه. انتهى.
فالحميدي متهم، بزيادة قوله: وكان بمكة أحفظ منه يوم رأيته بالكوفة، وقالوا لي: إنه قد تغير حفظه. لأنها لو كانت صحيحة عن سفيان لكانت مظنة أن تذكر في رواية ابن حبان، لارتباطها بالرواية وكونها متممة للمقصود وموضحة له، وحجة يحتجون بها لطرح الزيادة.
هذا والزيادة التي ظن أنهم لقنوه لا وجه لإنكارها، لأنها في المعنى حديث مستقل لا يخل حذفها بأول الحديث، الذي هو إثبات الرفع عند الدخول في الصلاة، فلا يلزم أن يذكر قوله ثم لا يعود، لأن تركه لا يغير المعنى، فلهذا قلنا: إنه بمنزلة حديث مستقل، أما سكوته عنه فلعله عرف من أهل مكة التشدد في الرفع في جوف الصلاة، وأنه لو رواه لآذوه أو اتهموه، فرجح السكوت عنه، فلما صار إلى الكوفة رواه لأنه رآهم ينتفعون به، ولذلك فلا ينكر زيادة (( ثم لم يعد ))، ولا وجه لدعوى تغير حفظ يزيد بن أبي زياد، ومن العجيب أن يتهم يزيد من أجل هذه الزيادة، ولا يتهم الحميدي من أجل تلك الزيادة، وهي الزيادة التي لو صحت لكان ينبغي ذكرها، لارتباطها بما قبلها وشدة الحاجة إليها عندهم، فلذلك قلنا: إن الحميدي متهم في زيادتها بقصد تضعيف يزيد بن أبي زياد، هذا ولو صحت الرواية عن سفيان تفسير جابر {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ } [يوسف:80] لما كانت حجة، لأن سفيان يكون فسر كلام جابر بظنه وهو لا يكون حجة على غيره، لأنه فسره بما لا يدل عليه من جهة اللغة من حيث زاد على ما يفهم من الكلام في لغة العرب، ولا

يبعد من ابن عيينة أن يتحامل على من يتهمه في مذهبه بما يسمونه الرفض، فقد روي عن ابن عيينة ما يدل على أن ذلك لا يبعد منه.
أخرج ابن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل ( ج 1 ص 37 ): نا صالح بن أحمد، نا علي بن المديني قال: سمعت سفيان يقول: ذهبت إلى زياد بن علاقة... إلى قوله: قال سفيان: لم نلق أحدا لقي مثل ما لقي زياد، لقي المغيرة بن شعبة، ولقي جرير بن عبد الله ... إلخ.
فهذا يدل على بُعد مذهب سفيان عن مذهب الشيعة، لأنهم لا يرون لحديث المغيرة هذا المعنى، وإن كان بعضهم قد يقبل حديث المتأول الموافق في معناه، فهم لا يعتبرونه مفضلا على غيره، بحيث يقال لمن لقيه: لم يلق أحدا مثل ما لقي، وكذا جرير.
روى عنه ابن أبي حاتم في ( ج 1 ص 41 ) أنه قال: ذات يوم ما بقي أحد أروى عن محمد بن المنكدرمني، فقيل له: إبراهيم بن أبي يحيى. فقال: إنما نريد أهل الصدق.
وروى عنه في ( ص 44 ): كنت إذا سمعت الحسن بن عمارة يروي عن الزهري وعمرو بن دينار، جعلت إصبعي في أذني، فهذا يدل على تشدده على من يخالفه في المذهب، لأن الحسن بن عمارة حنفي.
وروى في ( ص 52 ) عن علي بن المديني ما في أصحاب الزهري أتقن من ابن عيينة. انتهى.
فهذا يؤكد بعده عن الشيعة، لأن الزهري من العثمانية المائلين إلى النواصب.
وروى في ( ص 34 ) عن سفيان: جالست الزهري وأنا ابن ستة عشر وثلاثة أشهر. انتهى.
وأما ما في الرواية عنه أنه قال: وكذب جابر إنما كانت في أخوة يوسف. فهذا تحامل واضح لأن قوله لم يجيء تأويلها بعد، ليس فيه نفي نزولها في أخوة يوسف، لأنه إنما أراد بتأويلها معنى يستفاد منها، لا سبب نزولها ولا صريح تنزيلها، وغير بعيد أن يكون جابر أراد أن ملك بني أمية لا بد أن يبقى إلى نهاية

ألف شهر، فكان الرأي عنده ترك الجهاد قبل ذلك، لئلا يتعرض العلماء ورجال الدين للهلكة دون أن يحصل الغرض الذي هو إزالة دولة الأموية، وكان الرأي عنده انتظار موعد زوال ملكهم لتقوم دولة آل محمد عند ذلك. فالانتظار لذلك في رأيه يشبه انتظار ابن يعقوب القائل: { فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي }.
ويحتمل أنه أراد أنه لا يكون الجهاد إلا عند قيام قائم من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه في انتظاره له يشبه ابن يعقوب في الانتظار الذي تخلف عن العودة إلى أبيه وهو يؤسفه، ولكن ابن يعقوب يرى لنفسه العذر في ذلك، وهكذا جابر يرى لنفسه العذر في ترك الجهاد للظالمين ما لم يقم قائم من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم يدعو إلى الجهاد، أو يحدث أمر يوجب الجهاد وترك الانتظار، فكان انتظار جابر للفرج كانتظار ابن يعقوب للفرج، وكان انتظار جابر جائزا عنده للعذر كما جاز انتظار ابن يعقوب للعذر، وكان حكم هذا القياس يعد من تأويل الآية عنده، لأنه يستفاد منها جملة، والله اعلم.
قال مقبل( ص 159 ) : عن مسلم حدثني سلمة، حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان قال: سمعت جابرا يحدث بنحو من ثلاثين ألف حديث ما أستحل أن اذكر منها شيئا وأن لي كذا وكذا. اهـ.
والجواب :: أن سند هذا عن ابن عيينة غير صحيح عندنا كما مر، ثم لو صح فهو يدل على أن سفيان ابن عيينة لا يستجيز أن يحدث عنه، لأنه في اعتقاده مبتدع داعية إلى بدعة في اعتقاد سفيان، فهو يرى أنه لا يجوز التحديث عنه لهذه العلة، ونحن لا نقلد سفيان في هذا، لأن التشيع ليس بدعة والدعوة إليه ليست دعوة إلى بدعة، والقول بالرجعة إن صح عن جابر فهو محمول على أنه اعتمد رواية في ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو عن علي عليه السلام اعتقد صحتها، وقد بيِّنا فيما مر أن القول بها لا يخالف أصلا من أصول الدين، فلا يجب أن يعتبر القائل بما مبتدعا، لأنه من كبار العلماء، فيحمل على السلامة لأنه لا وجه للقطع بأنه قال ذلك بدون مستند. وإذا كان قاله بناء على مستند يراه

صحيحا شرعيا فلا يسمى مبتدعا وإن كان مخطئا، لقول الله تعالى: { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ } [الأحزاب:5]. فلهذا لا نرى رأي سفيان بن عيينة إن صح عنه هذا الكلام.
قال مقبل( ص 159 ): أما الإمام الذهبي ( ج ) فقد أطال الكلام في الميزان على جابر الجعفي.
والجواب :: أن مقبلا تجنب إيراد كلام الذهبي في الميزان، لأنه يصدق حكاية شرف الدين، فبان أن مقبلا قد كذّب شرف الدين متعمدا للكذب عليه، لأنه كذّبه وهو يعلم أنه صادق، وتكذيب الصادق كذب.
قال مقبل: ومما قال - أي الذهبي - قال ابن حبان: كان سبئيا من أصحاب عبد الله بن سبأ، كان يقول: إن عليا يرجع إلى الدنيا. اهـ.
قال مقبل: وهذا يفسر ما تقدم من أنه يؤمن بالرجعة.
والجواب وبالله التوفيق: أما تفسيره بأنه يقول إن عليا يرجع إلى الدنيا فهو سائغ بالنسبة إلى اشتقاق اسم الرجعة إن صح عنه القول بالرجعة، وكلام ابن حبان دعوى لا حجة لها.
وأما قوله: كان سبئيا، فلا نعلم أحدا قاله غير ابن حبان، وهو معروف بالمجازفة في جرح الشيعة، وهو متهم بالكذب، وقد أتهمه الذهبي نفسه وهو من أصحابه، فذكره في الميزان وقال فيه في ترجمة عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي: وأما ابن حبان فإنه يقعقع كعادته، فقال فيه: يروي عن قوم ضعاف أشياء، يدلسها عن الثقات حتى إذا سمعها المستمع لم يشك في وضعها، فلما كثر ذلك في أخباره ألتزقت به تلك الموضوعات، وحمل عليه الناس في الجرح، فلا يجوز عندي الاحتجاج به.
ثم قال الذهبي: قلت: لم يرو ابن حبان في ترجمته شيئا ولو كان عنده له شيء موضوع لأسرع بإحضاره، وما علمت أن أحدا قال في عثمان بن عبد الرحمن هذا

أنه يدلس عن الهلكى، إنما قالوا يأتي عنهم بالمناكير، والكلام في الرجال لا يجوز إلا لتامّ المعرفة تام ّ الورع. انتهى المراد.
قلت: هذا يفيد أنه اتهمه، حيث لم يذكر شيئا موضوعا مما ادعاه، وعرض به في قوله: لا يجوز إلا لتام المعرفة تام الورع، يعني أنه قليل الورع، فدل ذلك على أنه قد اتهمه كما لا يخفى على منصف.
قال بعضهم: إن الذهبي قد غمز ابن حبان في معرفته وفي ورعه.
والجواب :: أن كلام الذهبي غير متعين حمله على الغمز في كلا الأمرين، لأنه لا يخفى عليه سعة اطلاع ابن حبان، وإنما يعني أن الكلام في الرجال يحتاج صاحبه إلى أن يكون جامعا بين كمال المعرفة وكمال الورع، فلا يكفيه أحدهما لأنها إن نقصت المعرفة أخطأ وإن نقص الورع تعدى، فهو قد غمز ابن حبان بأنه لم يجمع الأمرين، لا بأنه لم يحصل له أحدهما.
وقال الذهبي في الميزان في ترجمة أفلح بن سعيد المدني: وقال ابن حبان: يروي عن الثقات الموضوعات، لا يحل الاحتجاج به ولا الرواية عنه بحال.
قال الذهبي: قلت: ابن حبان ربما قصب الثقة، حتى كأنه لا يدري ما يخرج من رأسه. انتهى المراد.
وترجم له الذهبي في الميزان، فقال في ترجمته: وقال الإمام أبو عمرو بن الصلاح، وذكره في طبقات الشافعية غلط الغلط الفاحش في تصرفه، وصدق أبو عمرو له أوهام كثيرة يتبع ( كذا ) بعضها الحافظ ضياء الدين، وقد بدت من ابن حبان هفوة فطعنوا فيه بها، قال أبو إسماعيل الأنصاري شيخ الإسلام: سألت يحيى بن عمار عن أبي حاتم بن حبان ؟ فقال: رأيته ونحن أخرجناه من سجستان كان له علم كثير ولم يكن له كبير دين... إلى أن قال الذهبي: قال أبو إسماعيل الأنصاري: سمعت عبد الصمد بن محمد يقول: سمعت أبي يقول: أنكروا على ابن حبان قوله: النبوة العلم والعمل، وحكموا عليه بالزندقة، وهجروه، وكتب فيه إلى الخليفة فأمر بقتله، وسمعت غيره يقول: لذلك أخرج إلى سمرقند. انتهى.

وقال المحقق لكتاب ابن حبان المجروحين والضعفاء: لا شك أن ابن حبان وقع في صراع مع الأحناف، وكاد لهم وكادوا له في كل مكان تواجدوا فيه، وهذا هو التعليل الوحيد لتحامله على أبي حنيفة هذا التحامل الذي دفعه إلى أن يصنف فيه كتابين مطولين من أطول كتبه، فقد صنف كتاب علل مناقب أبي حنيفة ومثالبه في عشرة أجزاء، وكتاب علل ما استند إليه أبو حنيفة في عشرة أجزاء، وهذا بخلاف تناوله وتناول أصحابه ومذهبهم في غيرهما من الكتب، وليس هناك من سبب لهذه الحملة التي حملها ابن حبان على الأحناف وإمامهم، سوى العصبية... إلى أن قال: فهو يلتزم الصحة فيما يقبله من أخبار، إلا في أبي حنيفة فهو يقبل فيه الثقات والضعفاء والوضاعين، وعقد له (1) أعظم ترجمة في الكتاب الذي بين يديك، ورماه بالأرجاء والدعوة إليه، والأخذ بالرأي، وإطراح السنة، والإمام الأعظم براء من ذلك. انتهى.
وقد مر في ابن حبان زيادة على ما هنا وفي حاشية كتاب مقبل على قول ابن حبان: كان سبئيا، قوله: سبئيا، نسبة إلى عبد الله ابن سبأ، وهو يهودي من صنعاء، تظاهر بالإسلام من أجل أن يتوصل إلى أغراض له، من إشعال الفتن بين المسلمين وإفساد الإسلام، وهو من الذين غلوا في علي عليه السلام، فبلغ ذلك عليا رضي الله عنه فطلبه ليقتله فهرب إلى قرقيسا. انتهى المراد.
والجواب :: هذه خرافة لا يعول عليها، ويمكن أن يقال مثلها في أهل الشام إذا صحت الدعاوي بدون بينة، فيقال: إنهم أسلموا كرها بالسيف في عهد عمر، فلما قتل عثمان عرف معاوية بغضهم للمسلمين، وأنهم لا يبالون بسفك دمائهم، لما في نفوسهم من البغض لهم، من حين افتتح المسلمون بلادهم، وعرف أنهم لا يبالون بتفريق كلمة المسلمين وإشعال نار الفتنة، فدعاهم لنصرته على حرب أمير المؤمنين، وشق عصى المسلمين، فصادف عندهم استعدادا كاملا، لأنهم يعرفون معاوية حيث قد تولى عليهم من عهد عمر، فكان أحب إليهم أن يتولى
__________
(1) في المخطوط: لهم. ولعل الصواب ما أثبت.

عليهم من غيره، لقول الله تعالى: { الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ } [التوبة:67]، وهذا أقرب إذا ادعيناه، لما حفه من القرائن،وما ارتكبوه من الجرائم، الدالة على عدم المبالاة بحرمة الإسلام.
قال مقبل( ص 159 ) : خبر مرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قلت: نورده بسنده.
قال السيوطي في اللألئ المصنوعة ( ج 1 ص 361 ) عن ابن الجوزي: أخبرنا عبد الله بن أحمد الخلال، أنبأنا علي بن الحسين بن أيوب، أنبأنا أبو علي بن شاذان، أنبأنا أبو الحسين علي بن محمد الزبير ( كذا )، حدثنا علي بن الحسن بن فضال الكوفي، حدثنا الحسين بن نصر بن مزاحم، حدثني أبي، حدثنا أبو عرفجة، عن عطية قال: (( مرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المرض الذي توفي فيه، وكانت عنده حفصة وعائشة فقال لهما: أرسلا إلى خليلي فأرسلتا إلى أبي بكر فجاء فسلم ودخل فجلس فلم يكن للنبي صلى الله عليه وآله وسلم حاجة ثم قام فخرج، ثم نظر إليهما ثم قال: أرسلا إلى خليلي فأرسلتا إلى عمر فجاء فسلم ودخل ولم يكن للنبي صلى الله عليه وآله وسلم حاجة فقام فخرج، ثم نظر إليهما فقال: أرسلا إلى خليلي فأرسلتا إلى علي فجاء فسلم فلما جلس أمرهما فقامتا، فقال: يا علي ادع بصحيفة ودواة فأملى، وكتب علي وشهد جبريل، ثم طويت الصحيفة، فمن حدثكم أنه يعلم ما في الصحيفة إلا الذي أملاها أو كتبها أو شهدها، فلا تصدقوه )).
قال مقبلعن ابن الجوزي: هذا الحديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو منقطع من حيث أن عطية تابعي، ثم قد ضعفه الثوري وهشيم، وأحمد ويحيى، ونصر بن مزاحم قد ضعفه الدارقطني.
وقال إبراهيم بن يعقوب: كان نصر زائغا عن الحق مائلا، وأراد بذلك في الرفض، فإنه كان غاليا، وكان يروي عن الضعفاء مناكير.
والجواب وبالله التوفيق: أنه كان يكفيه لرد الرواية هذه أو بيان عدم صحتها أن السند منقطع، ولكن عداوته للشيعة وبغضه لهم لا يدعه يسكت عن

تضعيفهم وسبهم، وقد ذكرت هذا للذب عنهم لا لتصحيح الرواية، فالسند منقطع وإذا لم تصح الرواية فلا يتعين الحمل على عطية ولا على نصر، بل يحتمل أن السبب من الواسطة الذي روى عنه عطية، أو من أحد رجال السند غير عطية وغير نصر بن مزاحم. أما عطية فلا نسلم أنه ضعفه الثوري ولا هشيم ولا يحيى. أما الرواية عن سفيان وهشيم فهي مرسلة ولا تصح، حتى تسند ويعرف رجال السند وأنهم ثقات. وأما عن يحيى فلا نسلم صحتها، لأنها مرسلة وقد عارضتها رواية ابن أبي حاتم أنه قال في عطية: صالح. وأما تضعيف أحمد فإن صح عنه فلا يجب تقليده، لأنه قد ظهر منه أنه يضعف بناء منه على إنكار الروايات التي تخالف اعتقاده، كما مر من تضعيفه لأبي الصلت الهروي بناء على ذلك، وهذا ظن منه لا يجب اتباعه فيه، ومثله أبو حاتم، لأنه ينكر بعض الفضائل ويضعف راويها من أجلها، وهذا خطأ إذا لم تكن الرواية مخالفة للمعلوم المتيقن من الكتاب والسنة.
هذا وعطية قال فيه ابن سعد في الطبقات: ثقة إن شاء الله، وقال ابن جرير في ذيل المذيل المطبوع في آخر تاريخه(ص95) قال فيه: منهم - أي من التابعين الذين هلكوا في سنة (111) - عطية بن سعد بن جنادة العوفي من جديلة قيس، ويكنى أبا الحسن.
قال ابن سعد: أخبرنا سعيد بن محمد بن الحسن بن عطية، قال: جاء سعد بن جنادة إلى علي بن أبي طالب عليه السلام وهو بالكوفة فقال: يا أمير المؤمنين إنه ولد لي غلام فسمه، فقال: هذا عطية الله، فسمي عطية وكانت أُمه رومية، وخرج عطية مع ابن الأشعث هرب عطية إلى فارس وكتب الحجاج إلى محمد بن القاسم الثقفي أن ادع عطية، فإن لعن علي بن أبي طالب عليه السلام وإلا فاضربه اربعمائة سوط، واحلق رأسه ولحيته، فدعاه وأقراه كتاب الحجاج وأبى عطية أن يفعل، فضربه أربعمائة سوط وحلق رأسه ولحيته... إلى أن قال: توفي سنة (111)، وكان كثير الحديث ثقة إن شاء الله، ومثل هذا حكاه ابن حجر في تهذيب التهذيب عن ابن سعد، وزاد عنه وله أحاديث صالحة، ومن الناس من لا يحتج به. انتهى.

قلت: ومعنى هذا أن الراجح أنه ثقة، وقد أكثر عنه ابن كثير في تفسيره مما يدل على أنه من كبار العلماء في التفسير، وفي كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم روى عنه الأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد، ومسعر، وابن أبي ليلى، وقرة بن خالد سمعت أبي يقول ذلك.
وفي أول ترجمته في تهذيب التهذيب روى عنه ابناه الحسن وعمر، والأعمش، والحجاج بن أرطأة، وعمرو بن قيس الملائي، ومحمد بن جحادة، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، ومطرف بن طريف، وإسماعيل بن أبي خالد، وسالم بن أبي حفصة، وفراس بن يحيى، وأبو الجحاف، وزكريا بن أبي زائدة، وإدريس الأودي، وعمران البارقي، وزياد بن خيثمة الجعفي، وآخرون.
وفي آخر ترجمته: قال أبو بكر البزار: كان يعده (كذا) في التشيع، روى عنه جلة الناس.
وقال الساجي: ليس بحجة، وكان يُقَدِّم عليا على الكل. انتهى.
قلت: يظهر أن السبب في تضعيفه هو التشيع وما رواه من الفضائل، فهم متهمون فيه وخصوصا إذا كان يُقَدِّم عليا على الكل، فإنه عندهم حينئذ رافضي.
فأما ابن حبان فإنه لشدة حنقه عليه وبغضه له، لجأ إلى كذبة غريبة يجرحه بها، وذكرها مرسلة بدون إسناد، فقال: سمع من أبي سعيد الخدري أحاديث، فلما مات أبو سعيد جعل يجالس الكلبي ويحضر قصصه، فإذا قال الكلبي: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكذا فيحفظه، وكناه أبا سعيد، ويروي عنه، فإذا قيل له: من حدثك بهذا ؟ فيقول: حدثني أبو سعيد، فيتوهمون أنه يريد أبا سعيد الخدري، وإنما أراد به الكلبي، فلا يحل الاحتجاج به ولا كتابة حديثه إلا على جهة التعجب، ومات عطية سنة سبع وعشرين ومائة. انتهى.
نقلته من كتابه كتاب المجروحين والضعفاء، وقد أوردته هنا لتعلم أن ابن حبان لا يوثق به، لشدة تحامله على من يخالف مذهبه.

قال ابن حجر في ترجمة عطية: قال ابن حبان في الضعفاء بعد أن حكى قصته مع الكلبي بلفظ مستغرب فقال: سمع من أبي سعيد أحاديث فلما مات جعل يجالس الكلبي، إلى آخر كذبة ابن حبان.
وزاد ابن حجر عن ابن حبان فقال: ثم أسند إلى أبي خالد الأحمر، قال لي الكلبي، قال لي عطية كنيتك بأبي سعيد، فأنا أقول حدثنا أبو سعيد. انتهى.
قلت: هذه الرواية بهذا اللفظ - أعني بزيادة فأنا أقول -: حدثنا أبو سعيد لا نسلم صحتها، بل ابن حبان متهم بها لتقوية كذبته، ولم يذكرها ابن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل، ولا البخاري في التاريخ الكبير، والذي في كتاب الجرح والتعديل عن أحمد أنه بلغه أنه كان يأخذ التفسير من الكلبي فقط - أعني بدون الزيادة المذكورة - فبان أنها موضوعة، والمتهم بها ابن حبان، وقد قال الذهبي في الميزان في ترجمة أيوب بن عبد السلام: قال ابن حبان: كأنه كان زنديقا، يروي عن أبي بكرة، عن ابن مسعود: إن الله إذا غضب انتفخ على العرش حتى يثقل على حملته. رواه حماد بن سلمة كان كذابا، قال الذهبي: بئس ما فعل حماد بروايته مثل هذا الضلال، فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع )). بل ولا أعرف له إسنادا عن حماد، فليتأمل هذا فإن ابن حبان صاحب تشنيع وتشغب. انتهى.
يعني ينظر في صحة الرواية التي رواها ابن حبان، فإنه متهم فيها، لأنه صاحب تشينع بالباطل.
هذا وأما نصر بن مزاحم فقد مر الجواب فيه، وقد ظهر أن المهم عند ابن الجوزي جرح الشيعة لا اسقاط الرواية، لما ذكر من أنها مرسلة، ولعله لو شاء لقال: إن علي بن الحسن بن فضال مجهول، فلم تثبت الرواية عن حسين بن نصر وأبيه وعطية.
وإنما قلت ذلك، لأني لم أجد لعلي بن الحسن هذا ترجمة لا في تهذيب التهذيب ولا الميزان، ولا لسان الميزان، ولا كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ولا غيرها، فظهر أنه مجهول.

32 / 63
ع
En
A+
A-