وقد يدعا أن النخل كان يسمى صيحانيا من قبل البعثة، فإن صح ذلك فلا يمتنع أن الله تعالى سماه صيحانيا عند وضع اللغة العربية وإلهام العرب لها، لعلمه تعالى بما سيكون من صياحه بفضل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفضل علي عليه السلام، ثم سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما صاح للدلالة على أنه سمي صيحانيا لذلك، ولا يلزم من تسميته عند ذلك أن لا يكون سمي قبل ذلك، وليس في الحديث أنه لم يكن يسمى صيحانيا قبل ذلك، فلا نكارة فيه من هذه الجهة.
أما من حيث عدم اشتهاره فلابن الأمير كلام جيد في أن مثل هذا لا ينكر، وموضوعه حديث رد الشمس لعلي عليه السلام، ولكنه صالح في كثير من المعجزات التي رويت ولم تشتهر، قال في الروضة الندية شرح التحفة العلوية ( ص 117 ) قال: فإن المعجزات الرسولية لا انحصار لها، ولا نقل كل ما وقع منها تواترا، وهذا انشقاق القمر في كمه قبل الهجرة قد وقع ولا شك فيه، وما كان في الشهرة إلا قريبا من هذه الرتبة - أي: رتبة رد الشمس لعلي عليه السلام - ومع ذكره في القرآن اختلف المفسرون هل المراد ذلك أو غيره ؟ وكم من معجزات نبوية ما نقلت إلا نقل الآحاد، والسبب أنه لما ثبتت نبوته صلى الله عليه وآله وسلم وظهرت معجزاته اقتصر الناس على أعظم المعجزات وأدومها وأبقاها وهو القرآن الكريم، فانغمرت المعجزات ولم ينقل منها بالتواتر إلا البعض، ولم ينقل نقل القرآن ... إلخ.
- - -

[ حديث: (( من أراد أن ينظر آلى آدم في علمه ... )) ]
قال مقبل( 155 ): حديث: (( من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، ونوح في فهمه، وإبراهيم في حكمه، ويحيى بن زكريا في زهده، وموسى في بطشه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب )). ( ج ) - أي: ابن الجوزي - موضوع، وأبو عمر متروك.
والجواب :: أما سنده فهو هكذا كما ذكره السيوطي في اللألئ عن ابن الجوزي ( ج 1 ص 355 )، الحاكم حدثنا أحمد بن سعيد الرازي، حدثنا محمد بن مسلم بن وارة، حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا أبو عمر الأزدي، عن أبي راشد الحبراني، عن أبي الحمراء، مرفوعا: (( من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ... )) الحديث.
وأخرجه صاحب فرائد السمطين ( ج 1 ص 170 ) بسنده إلى البيهقي قال: أنبأنا الإمام الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله، حدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن سعيد، حدثنا محمد بن مسلم بن وارة، حدثنا عبيد الله بن موسى العبسي، حدثنا أبو عمر الأزدي، عن أبي راشد الحبراني، عن أبي الحمراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى يحيى بن زكريا في زهده، وإلى موسى بن عمران في بطشه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب )).
قلت: ولعل هذا هو الصواب في الرواية لقول الله تعالى: { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } [التوبة:114]. والله أعلم. فلعله تصحيف في كتاب ابن الجوزي حلمه إلى حكمه.
وفي شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني تحت ذكر قول الله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا } [البقرة:31]. ثم جعله المصطفى شبه آدم في علمه فيما أخبرناه الشيخ، حدثني أبو نصر بقراءتي عليه من أصل سماعه غير مرة، حدثنا أبو عمرو

محمد بن جعفر المزكى إملاء، حدثني محمد بن حمدون بن عيسى الهاشمي، حدثني جدي، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، قال: حدثنا أبو عثمان الأزدي، عن أبي راشد، عن أبي الحمراء، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأقبل علي، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( من سره أن ينظر إلى آدم في علمه، ونوح في فهمه، وإبراهيم في حلمه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب )). رواه جماعة عن عبيد الله بن موسى العبسي وهو ثقة من أهل الكوفة.
قال: حدثنا الحاكم أبو عبد الله الحافظ إملاء، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد الرازي، قال: حدثنا محمد بن مسلم بن وارة، قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، قال: حدثنا أبو عمر، عن أبي راشد، عن أبي الحمراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى يحيى في زهده، وإلى موسى في بطشه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب )). انتهى.
وهذا الحديث في ترجمة الإمام علي بن أبي طالب ( ج 2 ص 280 ) بإسناده عن عبيد الله بن موسى، أنبأنا أبو عمرو الأزدي، عن أبي راشد الحبراني عن أبي الحمراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى يحيى بن زكريا في زهده، وإلى موسى بن عمران في بطشه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب )). انتهى.
وفي شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني عند ذكر قول الله تعالى: { يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ } [البقرة:269]. أخبرنا علي بن أحمد، قال: أخبرنا أحمد بن عتبة، قال: حدثنا أبو يوسف يعقوب بن إسحاق، قال: حدثنا يحيى الحماني، عن أبي مالك الجنبي، عن بلال بن أبي مسلم، عن أبي صالح الحنقي، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من أراد أن ينظر إلى إبراهيم في حلمه، وإلى نوح في حكمته، وإلى يوسف في اجتماعه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب )). انتهى.
وفي أمالي المرشد بالله عليه السلام ( ج 1 ص 133 ) قال: أخبرنا أبو القاسم عبد العزيز بن علي بن أحمد الأزجي بقراءتي عليه، قال: أخبرنا أبو القاسم عمر بن

محمد بن إبراهيم بن سنبك، قال: حدثنا أبو الحسين عمر بن الحسين بن علي بن مالك الأشناني، قال: حدثنا أبو بكر محمد بن زكريا المروروذي، قال: حدثنا موسى بن إبراهيم المروزي الأعور، قال: حدثني موسى بن جعفر بن محمد، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي عليهما السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من أراد أن ينظر إلى موسى في شدة بطشه، وإلى نوح في حلمه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب )). انتهى.
قال السيد عبد الله بن الهادي الحسن بن يحيى في حاشية كرامة الأولياء في شرح حديث أحمد بن حنبل: إن فيك من عيسى بن مريم مثلا. وأخرجه المرشد بالله بسند صحيح، رجاله من أهل البيت وشيعتهم، بلفظ: (( يا علي إن فيك مثلا من عيسى بن مريم ...)) الحديث أتمه، وقد مر ذكره وذكر السند في الجواب عن رياض مقبل، والغرض هنا بيان صحة حديث علي عليه السلام: (( من أراد أن ينظر إلى موسى ...)) الحديث، لأن السند واحد، وقد أفاد السيد عبد الله أنه صحيح، يعني على قواعد الأصحاب.
وفي مناقب ابن المغازلي ( ص 147 ) أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب، حدثنا الحسين بن محمد بن الحسين العدل العلوي، حدثنا محمد بن محمود، حدثنا إبراهيم بن مهدي الأبلي، حدثنا إبراهيم بن سليمان بن رشيد، حدثنا زيد بن عطية، حدثنا أبان بن فيروز، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من أراد أن ينظر إلى علم آدم، وفقه نوح، فلينظر إلى علي بن أبي طالب )). انتهى.
قال السيوطي في اللألئ المصنوعة ( ج 1 ص 355، وص 356 ) ردّا على ابن الجوزي، قلت: له طريق آخر عن أبي سعيد، قال ابن شاهين: قال الديلمي: أخبرنا أبي، حدثنا علي بن دكين القاضي، حدثنا علي بن محمد بن يوسف، حدثنا الفضل الكندي، حدثنا عبد الله بن محمد بن الحسن مولى بني هاشم بالكوفة، حدثنا علي بن الحسين، حدثنا محمد بن أبي هاشم النوفلي، حدثنا عبد الله (1) بن موسى،
__________
(1) 11) يأتي عن الخوارزمي عبيد الله.

حدثنا العلاء، عن (1) أبي إسحاق السبيعي، عن أبي داود مقنع (2)، عن أبي الحمراء به، أي: بحديث أبي الحمراء السابق ذكره، الذي أورده ابن الجوزي ونقله مقبل ونقلناه من كتاب مقبل (( من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ...)) الحديث.
قال السيوطي في اللألئ: وورد عن أبي سعيد، قال ابن شاهين في السنة: حدثنا محمد بن الحسين بن حميد بن الربيع، حدثنا محمد بن عمران بن حجاج، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن أبي راشد - يعني الحماني - عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري قال: كنا حول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأقبل علي بن أبي طالب فأدام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم النظر إليه ثم قال: (( من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في حكمه، وإلى إبراهيم في حلمه، فلينظر إلى هذا )) والله أعلم. انتهى.
وقال محقق ترجمة الإمام علي من تاريخ ابن عساكر ( ج 2 ص 281 ): وأيضا رواه الخوارزمي في الحديث ( 31 ) من الفصل ( 19 ) من مناقبه ( ص 219 ) ط الغري عن شهردار الديلمي، عن أبيه، عن مكي بن دلير القاضي، عن علي بن محمد بن يوسف، عن علي بن الفضل(3) الكندي، عن عبد الله بن محمد بن الحسن مولى بني هاشم، عن علي بن الحسين، عن أحمد(4) بن أبي هاشم النوفلي، عن عبيد الله بن موسى، عن كامل أبي العلاء، عن أبي إسحاق السبيعي، عن داود نفيع، عن أبي الحمراء مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى موسى في شدته، وإلى عيسى في زهده، فلينظر إلى هذا المُقبل )) فأقبل عليٌ. انتهى.
فظهر بهذه الجملة فساد قول ابن الجوزي موضوع.
__________
(1) في سند الخوارزمي عن كامل أبي العلاء، والظاهر أن السند واحد.
(2) يأتي عن الخوارزمي نفيع.
(3) لعله: عن، كما في سند الديلمي راجعه في أعلى الصفحة. ( مؤلف ).
(4) في سند الديلمي: محمد. (مؤلف).

[ حديث: (( وصيي وموضع سري ... )) ]
قال مقبل في ( ص 157): حديث (( وصيي، وموضع سري، وخليفتي في أهلي، وخير من أخلف بعدي علي بن أبي طالب )).
خبر: قلت لسلمان الفارسي: (( سل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من وصيه، فقال له سلمان: يا رسول الله من وصيك ؟ قال: من كان وصي موسى ؟ قال: يوشع بن نون. قال: فإن وصيي ووارثي يقضي ديني، وينجز موعدي، وخير من أخلف بعدي علي بن أبي طالب )).
ذكر ابن الجوزي لهذا الحديث أربع طرق، ثم قال: هذا حديث لا يصح، أما الطريق الأول: ففيه إسماعيل بن زياد. قال ابن حبان: لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه، وقال الدارقطني: متروك، وقال عبد الغني بن سعيد الحافظ: أكثر رواة هذا الحديث مجهولون وضعفاء.
وأما الطريق الثاني: ففيه مطر بن ميمون قال البخاري منكر الحديث، وقال أبو الفتح الأزدي: متروك الحديث. وفيه جعفر، وقد تكلموا فيه.
وأما الطريق الثالث: ففيه خالد بن عبيد، قال ابن حبان: يروي عن أنس نسخة موضوعة، لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب.
وأما الطريق الرابع: فإن قيس بن ميناء من كبار الشيعة ولا يتابع على هذا الحديث.
قال مقبل: قال في الميزان: قيس بن ميناء عن سلمان بحديث: (( علي وصيي ))، وهذا كذب انتهى.
والجواب وبالله التوفيق: أن هذا الجرح غير مقبول لأنه من خصوم في خصومهم، ولأن الجارحين يعتمدون في الجرح على رواية الرواي هذه الأحاديث.
ألا ترى أن الذهبي جعل الحديث في ترجمة ميناء للدلالة على جرحه بأنه روى ما هو كذب بزعم الذهبي، فلا يقلدهم في هذا إلا من هو مثلهم في العقائد، والتعصب ضد الشيعة، والتساهل في جرحهم.

وقوله: فيه إسماعيل بن زياد، أقول: ذكره ابن حبان في كتاب المجروحين والضعفاء ( ج1 ص 129 ) فقال: شيخ دجال لا يحل ذكره في الحديث إلا على سبيل القدح فيه، وهذه دعوى من ابن حبان تحتاج إلى بينة، ولم يبين صحتها بحجة إلا دعواه أنه روى عن غالب القطان، عن المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( أبغض الكلام إلى الله الفارسية، وكلام الشياطين الخوزية، وكلام أهل النار البخارية، وكلام أهل الجنة العربية )).
قال ابن حبان: رواه عنه أبو عصمة عاصم بن عبد الله البلخي، وهذا موضوع لا أصل له... إلخ، فهذه دعوى على إسماعيل لا نسلم أنه رواه، ولو كان رواه لكان ينبغي إسناده من ابن حبان إليه. وابن حبان متهم بالحقد على إسماعيل، وتطلب جرحه بالكذب عليه من أجل روايته حديث الوصية لعلي عليه السلام، لأنهم يحاربون روايات الوصية لعلي عليه السلام، وكلام ابن حبان نقله ابن حجر في لسان الميزان وتهذيب التهذيب، فقال: رواه عنه أبو عصمة عامر بن عبد الله البلخي، نقله في الميزان بلفظ عاصم، وقد بسط ترجمته وأفاد أنه أخرج له ابن ماجة، وذلك يدل على أنه يراه مقبولا في الشواهد على أقل تقدير، وزاد الذهبي روايتين مرسلتين عن إسماعيل فلا حجة فيهما، هذا وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة إسماعيل بن زياد ( ج 1 ص 300 ) بعد أن أورد كلام ابن حبان في هذا الحديث: (( أبغض الكلام ... )) إلخ. حيث قال: حديث موضوع لا أصل له ... إلخ، كذا قال - أي ابن حبان - واتهم به إسماعيل، هذا وإسماعيل هذا بلخي من شيوخ البخاري خارج الصحيح، ذكره الخطيب فقال: روى عن حسين الجعفي، وزيد بن الحباب، ثم أسند من طريق البخاري في التاريخ الكبير للبخاري قال: حدثنا إسماعيل بن زيد ( كذا ) أبو إسحاق البلخي، ثنا حسين الجعفي، فذكر حديثا موقوفا على علي رضي الله عنه في زكاة الركاز، ثم قال البخاري: مات سنة 247. انتهى.
فلعل الآفة في الحديث، يعني حديث: (( أبغض الكلام ... )) ممن هو دون البلخي. انتهى المراد.

وابن حبان متهم بحذف السند إلى إسماعيل، لئلا يرد عليه بالكلام فيمن هو دون إسماعيل البلخي من رجال السند إليه إن كان له سند إلى إسماعيل، والراجح أنه ليس له سند، وإنما ألزقه ابن حبان بإسماعيل ليحتج به على جرحه، ولو كان له سند لكان ابن حجر مظنة أن يطلع عليه لسعة اطلاعه، ولو اطلع عليه لتكلم في أحد رجاله أو كلهم، ولم يكتف بقوله فلعل الآفة ممن هو دون البلخي، وقد سبق أن اتهمنا ابن حبان وذلك في بسم الله الرحمن الرحيم، فتبين فساد اعتماد ابن الجوزي على كلام ابن حبان.
وأما قوله: وقال الدارقطني: متروك، فهذه رواية مرسلة عن الدار قطني ولا نسلم صحتها عنه، وقد حقق ابن حجر في تهذيب التهذيب أن الذي تكلم فيه الدار قطني غير هذا، وهو إسماعيل بن أبي زياد السكوني، واحتج لذلك في تهذيب التهذيب في ترجمة إسماعيل بن زياد البلخي، وقال: وتبين لي أن الذي تكلم فيه الدار قطني هو السكوني.
وأما كلام عبد الغني فهو كلام في السند الأول، لأن فيه عن جرير بن عبد الحميد عن أشياخ من قومه، ولكنه قد دل ذلك على تأكد الرواية لكون الأشياخ جماعة، ولا نسلم صحة التضعيف لأنه متهم بالتعصب لمحاربة حديث الوصية. وإن سلم في السند الذي تكلم فيه، فالأسانيد يشهد بعضها لبعض لتعددها في رواية هذا الحديث.
وأما مطر بن ميمون فقد سبق الجواب فيه بما فيه كفاية، وهو مطر بن أبي مطر، ولنذكر أسانيد الحديث، قال السيوطي في اللألئ المصنوعة ( ج 1 ص 358 ) حاكيا عن ابن الجوزي: أخبرنا محمد بن ناصر، أنبأنا المبارك بن عبد الجبار، أنبأنا أبو عبد الله الصوري، حدثنا عبد الغني بن سعيد، أنبأنا أبو بكر أحمد بن محمد النرسي، حدثنا محمد بن الحسين الأشناني، حدثنا إسماعيل بن موسى السدي، حدثنا عمر بن سعيد، عن إسماعيل بن زياد، عن جرير بن عبد الحميد الكندي، عن أشياخ من قومه، قال (كذا): أتينا سلمان فقلنا: من وصي رسول الله صلى الله

عليه وآله وسلم ؟ قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من وصيه ؟ فقال: (( وصيي وموضع سري وخليفتي في أهلي وخير من أخلف بعدي علي )).
ثم قال السيوطي حاكيا عن ابن الجوزي، عن الأزدي: حدثنا الهيثم بن خلف، حدثنا محمد بن أبي عمر الدورقي، حدثنا أسود بن عامر بن شاذان، حدثنا جعفر بن أحمد، عن مطر، عن أنس قال: قلت لسلمان سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من وصيه ؟ فقال له سلمان. قال: من كان وصي موسى ؟ قال: يوشع. قال: (( فإن وصيي ووارثي يقضي ديني وينجز موعدي وخير من أخلف بعدي علي )).
ثم قال السيوطي عن ابن الجوزي، عن ابن حبان: حدثنا عبد الله بن محمود بن سليمان، حدثنا العلام بن عمران، عن خالد بن عبيد العتكي أبي عاصم ( كذا )، عن أنس، عن سلمان، مرفوعا: (( علي وصيي وموضع سري وخير من أترك بعدي )). ثم قال خالد: روى عن أنس نسخة موضوعة. انتهى.
قلت: نسخة اللألئ فيها غلط، والذي في كتاب المجروحين والضعفاء في ترجمة خالد بن عبيد هكذا، خالد بن عبيد العتكي من أهل البصرة، كنيته أبو عصام سكن مرو، روى عن أنس بن مالك، روى عنه أبو عاصم، والعلاء بن عمران، وأهل مرو، يروي عن أنس بن مالك بنسخة موضوعة ما لها أصل يعرفها من ليس الحديث صناعته أنها موضوعة، منها: عن أنس عن سلمان، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعلي بن أبي طالب عليه السلام: (( هذا وصيي وموضع سري وخير من أترك بعدي )). حدثناه عبد الله بن محمود بن سليمان، ثنا العلاء بن عمران عنه.
ثم قال ابن حبان: لا تحل كتابة حديثه إلا على جهة التعجب.
والجواب :: أنه لم يورد حجة على دعواه في هذه إلا رواية هذا الحديث، ولا دلالة فيها على كذب الراوي، لأنها لا تخالف الكتاب ولا السنة، ومع ذلك لم ينفرد بالرواية عن أنس، بل تابعه مطر كما مر.

وقال السيوطي ( ج 1 ص 357 ) عن ابن الجوزي، عن العقيلي: حدثنا إبراهيم بن محمد، حدثنا عبد العزيز بن الخطاب، حدثنا علي بن هاشم، عن إسماعيل، عن جرير بن شراحيل، عن قيس بن مينا، عن سلمان قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( وصيي علي بن أبي طالب )).
ثم قال السيوطي عن ابن الجوزي: أنبأنا علي بن عبيد الله الزاغوني، أنبأنا أحمد بن محمد السمسار، حدثنا عيسى بن علي الوزير، حدثنا البغوي، حدثنا محمد بن حميد الرازي، حدثنا علي بن مجاهد، حدثنا محمد بن إسحاق، عن شريك بن عبد الله، عن أبي ربيعة الأياذي، عن ابن بريدة، عن أبيه، مرفوعا: (( لكل نبي وصي وإن عليا وصيي ووراثي )).
ثم قال السيوطي عن ابن الجوزي، عن الحاكم: أنبأنا محمود بن محمد المطوعي، أنبأنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن زاذية أبو عبد الرحمن أحمد بن عبد الله الفرياني ( كذا )، حدثنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، عن شريك بن عبد الله، عن أبي ربيعة الأيادي، عن ابن بريدة، عن أبيه، مرفوعا: (( إن لكل نبي وصيا ووارثا، وإن وصي ووارثي علي بن أبي طالب )).
وفي مناقب المغازلي ( ص 141 ): أخبرنا أبو نصر الطحان إجازة، عن أبي الفرج الخيوطي، حدثنا عبد الحميد بن موسى، حدثنا محمد بن أحمد بن سعيد، حدثنا محمد بن حميد الرازي، حدثنا سلمة بن الفضل، عن أبي إسحاق، عن شريك بن عبد الله، عن أبي ربيعة الأيادي، عن عبد الله بن بريدة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( لكل نبي وصي ووارث، وإن وصيتي ( كذا ) ووارثي علي بن أبي طالب )). انتهى.
والروايات في إثبات وصاية أمير المؤمنين كثيرة، وقد جمع جملة منها المؤلفون في فضائله، ومن أحسنها حاشية كرامة الأولياء للسيد العلامة عبد الله بن الهادي رحمه الله. وترجمة الإمام علي من تاريخ ابن عساكر، وما عليها من تحقيق المحمودي في ثلاثة مجلدات مطبوعة منشورة في أول طبعة وثاني طبعة، يمكن تحصيل نسخة منها بسهولة، وهو ينقل من كتب المحدثين ينقل الحديث بإسناده، ويذكر الكتاب

29 / 63
ع
En
A+
A-