بن أبي طالب، ليس بذلك المشهور، ولم يرو له أحد من أصحاب الكتب المعتمدة، ولا روى عنه غير الفضيل بن مرزوق هذا، ويحيى بن المتوكل قاله أبو حاتم، وأبو زرعة الرازيان، ولم يتعرضا لجرح ولا تعديل.
قلت: أما عدم شهرته بالحديث، فسببها عند القوم إعراضهم عن أهل البيت جملة، وقد كان في عهد الأموية، فقلّ حديثه لذلك.
ألا ترى أن حديث سيد العابدين قليل عندهم، وهو بحر العلوم بل حديث علي بن أبي طالب بالنسبة إلى غزارته ليس عندهم منه إلا قليل، فليست قلة حديث إبراهيم وقلة الرواة عنه لقلة الثقة به، وإنما هي لإعراض الناس عنه، وعن أهله في عهد سلطان بني أمية، ويكفيه قول المنصور بالله عبد الله بن حمزة عليه السلام:

والله ما بيني وبين محمد ... إلا امرؤ هاد نماه هادي

فهو من أجداده وكل ما رواه الزيدية عن الهادي، عن آبائه عليهم السلام فهو من طريقه، لأنه من آبائه عليهم السلام، وفي لسان الميزان ما لفظه: وذكره ابن حبان في الثقات، فقال: روى، عن أبيه، وفاطمة بنت الحسين، قلت: هي أُمه. انتهى.
وقد ترجم له ابن عنبة في كتاب عمدة الطالب، وترجم له صاحب طبقات الزيدية، وفي الجداول للسيد عبد الله بن الهادي خلاصة ما في الطبقات، وجاء في ترجمته في طبقات الزيدية ما لفظه: ويقال له: الغمر لجوده، قال ابن عنبة: كان سيداً شريفاً، وفي الطبقات وهو صاحب الصندوق بالكوفة، يزار قبره. وفيها قال ابن حابس: اختُلفَ في إمامته، فعده في الأئمة عمران بن الحسن، وشعلة، قال: وهو الأصح لتجرده لمنابذة الظالمين ودعا الناس إلى ذلك، مع شروط الإمامة المعتبرة، قال صاحب الطبقات: - أي طبقات الزيدية - والأصح أنه كان إماماً،

قَبَضَ عليه أبو جعفر المنصور مع أخيه عبد الله بن الحسن وعمه، وتوفي في الحبس سنة خمس وأربعين ومائة، قال أبو الفرجك وله سبع أو تسع وستون سنة، وقبره بالكوفة.
وفي عمدة الطالب: أنه قبض عليه أبو جعفر المنصور وتوفي في حبسه، قلت: وذلك من دلائل جلالته، لأن المنصور العباسي حبسهم خوفاً منهم، و قد ترجم له ابن حجر في كتابه تعجيل المنفعة في رجال الأربعة في ترجمته، ذكره ابن حبان في الثقات وقال: ذكره ابن حاتم فلم يذكر فيه جرحاً، وذكره الذهبي في المغني في الضعفاء، ولم يذكر لذلك فيه مستنداً، ثم ذكر ابن حجر قصتهم مع المنصور، وقال: إنه قتل الذين في الحبس أبي عبد الله بن الحسن وإخوته وأقاربهما، و ذلك في سنة خمس وأربعين ومائة.
قلت: الذهبي متعصب ضد أهل البيت وشيعتهم، ولعله ضعفه من أجل روايته للحديث في الرافضة، فقد ضعف به في الميزان عدداً من الرواة منهم: كثير النوا، وتليد، وداود بن أبي عوف وأبو بكر بن أبي عياش، ويحيى بن أبي حية، وقد أفاد في الميزان تعدد طرق الحديث، ولا وجه للجرح به.
ثم قال ابن كثير: وأما فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب، وهي أخت زين العابدين، فحديثها مشهور، روى لها أهل السنن الأربعة، وكانت فيمن قدم بها مع أهل البيت، بعد مقتل أبيها إلى دمشق، وهي من الثقات، ولكن لا يدري أسمعت هذا الحديث من أسماء أم لا، فالله أعلم.
قلت: إذا كانت في زمنها وبلدها فمثل هذا يحمل على الاتصال، وكيف لا يمكن سماعها منها، وقد روى، عن أسماء سعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وبنت ابنها أم عون بنت محمد بن جعفر، كما ذكره في تهذيب التهذيب

(ج12/ص399)، وفاطمة قد عدها في تهذيب التهذيب من الرواة عن أسماء، فالظاهر السماع مع قوة الاتصال، والعلاقة بينهما من حيث أن أسماء كانت من نساء جدها علي عليه السلام.
قال ابن كثير: ثم رواه هذا المصنف - يعني الحسكاني - من حديث أبي حفص الكناني.
حدثنا محمد بن عمر القاضي هو الجعابي، حدثني محمد بن القاسم بن جعفر العسكري من أصل كتابه، ثنا أحمد بن محمد بن يزيد بن سليم، ثنا خلف بن سالم، ثنا عبد الرزاق، ثنا سفيان الثوري، (، عن أشعث بن الشعثاء، عن أمه فاطمة - يعني بنت الحسين - )، عن أسماء، (( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعا لعلي حتى ردت عليه الشمس )). ثم قال ابن كثير: ثم ساقه هذا المصنف من طريق محمد بن مرزوق، ثنا حسين الأشقر، وهو شيعي وضعيف كما تقدم، عن علي بن هاشم بن الثريد ( البريد)، وقد قال فيه ابن حبان: كان غالياً في التشيع، يروي المناكير عن المشاهير، عن عبد الله الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن علي بن الحسين (كذا) بن الحسن، عن فاطمة بنت علي، عن أسماء بنت عميس، فذكره.
قلت: أظن الصواب علي بن الحسن بن الحسن، وهو والد الفخي الحسين بن علي الشهيد، المقتول بفخ، وعلي بن الحسن من أهل الفضل، وهو ممن حبسهم المنصور العباسي من أهل البيت، وكانوا في السجن لا يعرفون أوقات الصلاة إلا بتسبيحه. قال ابن كثير: ثم أسنده من طريق عبد الرحمن بن شريك، عن أبيه، عن عروة بن عبد الله، عن فاطمة بنت علي، عن أسماء بنت عميس، فذكر الحديث كما قدمنا إيراده من طريق ابن عقدة، عن أحمد بن يحيى الصوفي، عن عبد الرحمن بن شريك، عن عبد الله (كذا) النخعي.

قلت: كذا، والصواب شريك بن عبد الله النخعي لأنه هو، وهو يرويه كما مر عنه عروة بن عبد الله بن قشير الجعفي، ثم قال ابن كثير (ص83): ثم أورد هذا المصنف من طريق أبي العباس بن عقدة، حدثنا يحيى بن زكريا، ثنا يعقوب بن سعيد، ثنا عمرو بن ثابت، قال: سألت عبد الله بن الحسن بن الحسين (كذا) بن علي (بن أبي طالب) عن حديث: (( رد الشمس على علي بن أبي طالب ))، هل يثبت عندكم ؟ فقال لي: ما أنزل الله في كتابه أعظم من رد الشمس. قلت: صدقت ( جعلني الله فداك )، ولكني أحب أن أسمعه منك. فقال: حدثني أبي الحسن، عن أسماء بنت عميس أنها قالت: (( أقبل علي بن أبي طالب ذات يوم، وهو يريد أن يصلي العصر مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فواقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد انصرف ونزل عليه الوحي، فأسنده إلى صدره ( فلم يزل مسنده إلى صدره ) حتى أفاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: أصليت العصر يا علي ؟ قال: جئت والوحي ينزل عليك، فلم أزل مسندك إلى صدري حتى الساعة، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القبلة وقد غربت الشمس، وقال: اللهم إن عليا كان في طاعتك فأرددها عليه. قالت أسماء: فأقبلت الشمس ولها صرير كصرير الرحى، حتى كانت في موضعها وقت العصر، فقام علي متمكنا فصلى، فلما فرغ رجعت الشمس ولها صرير كصرير الرحى، فلما غابت اختلط الظلام وبدت النجوم )).
ثم قال ابن كثير: قال هذا المصنف: - المنصف أي الحسكاني - وأما حديث أبي هريرة فأخبرنا عقيل بن الحسن العسكري، أنا أبو محمد صالح بن الفتح النسائي، ثنا أحمد بن عمير بن حوصاء، ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، ثنا يحيى بن يزيد بن عبد الملك النوفلي، عن أبيه، ثنا داود بن فراهيج، وعن عمارة بن برد

(كذا)، وعن أبي هريرة فذكره، ثم قال ابن كثير: قال - أي الحسكاني -: وأما حديث أبي سعيد فأخبرنا محمد بن إسماعيل الجرجاني كتابة أن أبا طاهر محمد بن علي الواعظ أخبرهم، أنا محمد بن أحمد ين متيم، أنا القاسم بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، ( حدثني أبي، عن أبيه محمد، عن أبيه عبد الله، عن أبيه عمر قال:) قال الحسين بن علي: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: (( دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإذا رأسه في حجر علي، وقد غابت الشمس فانتبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: يا علي أصليت العصر ؟ قال: لا يا رسول الله ما صليت، كرهت أن أضع رأسك من حجري وأنت وجع. فقال: يا علي ادع يا علي أن ترد عليك الشمس. فقال علي: يا رسول الله ادع أنت وأنا أؤمن. فقال: يا رب إن عليا في طاعتك وطاعة نبيك فأردد عليه الشمس. قال أبو سعيد: فوالله لقد سمعت للشمس صريراً كصرير البكرة، حتى رجعت بيضاء نقية )).
ثم قال ابن كثير: قال - أي الحسكاني -: وأما حديث أمير المؤمنين فأخبرنا أبو العباس الفرغاني، أنا وأبو الفضل الشيباني، ثنا رجاء بن يحيى الساماني، ثنا هارون بن سعدان بسامراء سنة أربعين ومائتين، ثنا عبد الله بن عمرو الأشعث، عن داود بن الكميت، عن عمه المستهل بن زيد، عن أبيه زيد بن سلهب، عن جويرية بنت شهر، قالت: (( خرجت مع علي بن أبي طالب، فقال: يا جويرية إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يوحى إليه ورأسه في حجري ))، فذكر الحديث. انتهى والحمد لله.
وأنت أيها المطلع إذا قابلت بين الأسانيد التي أوردها الحاكم الحسكاني، والأسانيد التي أوردها السيوطي في اللألئ ونقلناها عنه، تجد أن الرواية قوية جدا،

وأن الأسانيد يقوي بعضها بعضا، وإن جادل فيها من جادل، وهذا في حديث أسماء بنت عميس رضي الله عنها. وكلام الذهبي في التذكرة ظاهره تصحيحه، لحديث: رد الشمس على علي عليه السلام، لأنه قال في ترجمة الحاكم الحسكاني ( ج 3 ص 368 ): ورأيت له كلاما يدل على تشيعه وخبرته بالحديث، وهو تصحيح خبر رد الشمس لعلي رضي الله عنه، فجعل تصحيحه دليلا على الخبرة بالحديث، وذلك يشير إلى تصويبه له في تصحيحه، وتصويبه له تصحيح من الذهبي لما صححه الحاكم الحسكاني.
وأما جرح الرواة له من الشيعة فالجارح لهم من أعدائهم، وهو متهم في ذلك فلا حكم لجرحه لهم.
قال ابن حجر في أوائل لسان الميزان ( ج 1 ص 16 ) فصل: وممن ينبغي أن يتوقف في قبول قوله في الجرح، من كان بينه وبين من جرحه عداوة سببها الاختلاف في الاعتقاد، فإن الحاذق إذا تأمل ثلب أبي إسحاق الجوزجاني لأهل الكوفة رأى العجب، وذلك لشدة انحرافه في النصب وشهرة أهلها بالتشييع، فتراه لا يتوقف في جرح من ذكره منهم بلسان ذلقة، وعبارة طلقة، حتى أنه أخذ يلين مثل الأعمش، وأبي نعيم، وعبيد الله بن موسى، وأساطين الحديث، وأركان الرواية. انتهى المراد.
قلت: وقد سلك طريقة الجوزجاني كثير من أتباعه في جرح الشيعة، وكأنهم يرون ذلك الجرح مصلحة دينية لدفع فساد ما يروون من فضائل علي عليه السلام وأهل البيت عليهم السلام، بزعم النواصب الذين يعتقدون في تلك الروايات فسادا، لأنها في اعتقادهم تجر إلى الرفض على حد تعبيرهم، فكان جرحهم دفعا

لتلك التي يرونها مفسدة لئلا يغتر بها الناس، وقد ظهر من مذهب بعض القوم جواز الكذب للمصلحة، كالكذب في الصلح وغيره.
قال ابن حجر في شرحه على البخاري ( ج 5 ص 220 ) في شرح حديث: (( ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا أو يقول خيرا )).
قال الطبري: ذهبت طائفة إلى جواز الكذب لقصد الإصلاح، وقالوا: إن الثلاثة المذكورة - أي: الصلح والحرب وكذب الرجل لزوجته - كالمثال.
وقالوا: الكذب المذموم إنما هو فيما فيه مضرة أو ما ليس فيه مصلحة.
وقال آخرون: لا يجوز الكذب في شيء مطلقا، وحملوا الكذب المراد هنا على التورية والتعريض، كمن يقول للظالم: دعوت لك أمس، وهو يريد قوله: اللهم اغفر للمسلمين، ويعد امرأته بعطية شيء، ويريد إن قدر الله ذلك وإن يظهر من نفسه قوة.
قال ابن حجر: وبالأول - أي: جواز الكذب لقصد الإصلاح مطلقا - جزم الخطابي وغيره، وبالثاني جزم المهلب والأصيلي وغيرهما، وسيأتي في باب الكذب في الجهاد مزيد لهذا إن شاء الله تعالى.
واتفقوا على أن المراد بالكذب في حق المرأة والرجل، هو فيما لا يسقط حقا عليه أو عليها أو أخذ ما ليس له أو لها، وكذا في الحرب في غير التأمين.
واتفقوا على جواز الكذب عند الاضطرار، كما لو قصد ظالم قتل رجل وهو مختف عنده، فله أن ينفي كونه عنده، ويحلف على ذلك ولا يأثم، والله أعلم. انتهى.
وقال ابن حجر أيضا في شرحه على البخاري ( ج 6 ص 111 ) في شرح قول البخاري باب الكذب في الحرب: وقد جاء من ذلك صريحا ما أخرجه

الترمذي من حديث أسماء بنت يزيد مرفوعا: (( لا يحل الكذب إلا في ثلاث، تحدث الرجل امرأته ليرضيها، والكذب في الحرب، وفي الإصلاح بين الناس )). ثم قال: قال النووي: الظاهر إباحة الكذب في الأمور الثلاثة لكن التعريض أولى.
وقال ابن العربي: الكذب في الحرب من المستثنى الجائز بالنص رفقا بالمسلمين لحاجتهم إليه، وليس للعقل فيه مجال، ولو كان تحريم الكذب بالعقل ما انقلب حلالا. انتهى.
قال ابن حجر: ويقويه ما أخرجه أحمد، وابن حبان من حديث أنس في قصة الحجاج بن علاط الذي أخرجه النسائي وصححه الحاكم، في استئذانه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول عنه ما شاء لمصلحة، في استخلاص ما له من أهل، وأذن له النبي صلى الله عليه وآله وسلم. انتهى المراد.
قلت: فلعلهم يرون الكذب في الجرح نوعا من الكذب في الإصلاح، حيث المقصود به جمع الناس على مذهب العثمانية ومحاربة التفرق، بسبب خلاف الشيعة بسبب أحاديث الفضائل، إذا عرفت هذا، عرفت أنه لا يبيعد من بعضهم تعمد الكذب في جرحهم لبعض الشيعة، وإن كان الجارح ممن يظهر النسك والعبادة ويقرأ القرآن ويصلي في الليل، لأنه يعتقد الحق ما هو عليه من العقيدة، ويعتقد في أحاديث الفضائل المعارضة لمعتقده أنها مفسدة، وسبب للتفرق بين المسلمين، ولاغترار من يقبل تلك الأحاديث على زعمه فهو مع تعصبه لمذهبه وتشدده فيه، يرى أن الجرح لبعض الشيعة نوع من الكذب للإصلاح بين الناس، ولا سيما مع بغضه للشيعة وسوء ظنه فيهم، واعتقاده في رواة تلك الفضائل أنهم مفسدون، فإنه لا يبعد عنه أن يتسرع إلى الكذب عليهم للمصلحة التي يتوهمها، والرخصة التي يظنها، فعبادته ونسكه لا يعتبر قرينة صارفة عن اتهامه بالكذب، بل ربما كان حمله

على الكذب مع ذلك أقرب لشدة تمسكه بمذهبه وتدينه بالدعوة إلى بدعته، واعتقاده أن محاربة تلك الروايات والسعي في تحذير الناس من الاغترار بها في ظنه من أفضل القرب، بل ربما كان يرى ذلك من الجهاد، لأنه بزعمه نصرة للحق ومحاربة للباطل، فالكذب فيه كالكذب في الحرب، فلهذا يظهر أن أهل النسك منهم والعبادة الذين يظهر منهم التصلب في مذهبهم، والتشدد فيه، والجد في نصرته، والعناية في الدفاع عنه، هم أقرب إلى أن يكونوا كاذبين في الجرح لخصومهم، وإن التهمة فيهم أقوى من غيرهم، إلا من يتعمد الكذب ولا يبالي بإثمه، وهو مع ذلك متعصب لمذهبه.
هذا وأما جرحهم بالأعاريض، والتدليس دون الكذب الصريح، فمقتضى ما بيناه من أصولهم أنه مجمع عليه بينهم إذا كان للمصلحة في الإصلاح بين الناس أو للحرب كما مر، وعلى هذا فينبغي الحذر، ثم الحذر منهم جميعا من يرى جواز الكذب الصريح، ومن يرى جواز التدليس فهم مظنة الخداع، ولا ينجو من شرهم إلا من عصمه الله.
ومن العجيب أن يسمى المقلدون لهم مجتهدين، ويعدّ المنقادون لهم منصفين، وأن يجري المقلدون لهم مجراهم في الجرح لا يخافون الله رب العالمين، ويدعو لأنفسهم أنهم متمسكون بالسنة اتباعا للحق وحرصا على الدين، وهم كاذبون.
قال السيوطي في اللألئ المصنوعة في إثبات حديث: رد الشمس لعلي عليه السلام: ومما يشهد بصحة ذلك قول الإمام الشافعي رضي الله عنه وغيره: ما أوتي نبي معجزة إلا أوتي نبينا صلى الله عليه وآله وسلم نظيرها أو أبلغ منها.

وقد صح أن الشمس حُبِست على يوشع ليالي قاتل الجبارين، فلا بد أن يكون لنبينا نظير ذلك فكانت هذه القصة نظير تلك والله أعلم. انتهى كلام السيوطي.
وبهذا تبين أن ابن الجوزي قد جازف في رد هذا الحديث، وأن مقبلا في تقليده له قد قلده في محاربة السنة، لأن أسانيد الحديث قد كثرت، وقوي بعضها ببعض مع قوة السندين الذين أوردهما أبو جعفر الطحاوي، وليس فيهما من الرجال اللذين تكلم فيهم إلا فضيل، وقد ظهر أن الغالب توثيقه وأنه أرجح. أما تضعيف ابن معين فلم يثبت لأنه من رواية ابن حبان، ولم نجد التضعيف مسندا من غير طريقه، وقد عارضتها رواية ابن أبي حاتم بإسناده، عن ابن معين أنه قال في فضيل: ثقة، كما قدمنا، مع أن التضعيف لا حجة له، بل الراجح أنه من أجل رواية فضيلة لعلي عليه السلام أو فضائل، وأنكرها ابن حبان وحاول تضعيفه على التفصيل السابق دفعا لما رواه من الفضائل، ولا التفات إلى ابن حبان، لأنه يقارب الجوزجاني أو هو مثله في بغض الشيعة، والجد في محاربة من يخالفه في الاعتقاد، والدعوة إلى بدعته بطريقة التحامل على من يخالفه.
ألا ترى أنه تكلم في مصدع أبي يحيى المعرقب.
قال ابن حجر في ترجمته في تهذيب التهذيب: إنما قيل له المعرقب، لأن الحجاج أو بشر بن مروان عرض عليه سب علي فأبى فقطع عرقوبه.
قال ابن المديني: قلت لسفيان: في أي شيء عرقب ؟ قال: في التشيع. ثم قال: وقد ذكره الجوزجاني في الضعفاء فقال: زائغ جائر عن الطريق، يريد بذلك: ما نسب إليه من التشيع. انتهى.

22 / 63
ع
En
A+
A-