ومنهم: (يحيى بن سعيد القطان) ذكر في تهذيب التهذيب بترجمة همام بن يحيى بن دينار: أن أحمد بن حنبل قال: شهد يحيى بن سعيد شهادة في حداثته فلم يعدله همام فَنَقَمَ عليه.
وفي ميزان الاعتدال: قال أحمد: ما رأيت ابن سعيد أسوأ رأيا منه في حجاج وابن إسحاق وهمام، لا يستطيع أحد أن يراجعه فيهم ))، وبالضرورة إن تفسيق المسلم والحقد عليه مستمراً لأمر معذور فيه، أعظم ذنب مسقط لفاعله، ومانع من الاعتبار بقوله، في الجرح والتعديل.
ومنهم (يحيى بن معين) ذكر ابن حجر في تهذيب التهذيب، والذهبي في ميزان الاعتدال كلاهما بترجمة ابن معين: أن أبا داود كان يقع فيه، وإن أحمد بن حنبل قال: أكره الكتابة عنه.
وقال ابن حجر أيضا: قال أبو زرعة: لا ينتفع به لأنه يتكلم في الناس، ويروى هذا عن علي بن المديني من وجوه.
وقال أيضا في ترجمة شجاع بن الوليد: قال أحمد بن حنبل: لقي ابن معين شجاعا فقال له: يا كذاب، فقال له: شجاع إن كنتُ كذاباً وإلا فهتكك الله، قال أحمد: أظن أن دعوة الشيخ أدركته.
ونحوه في ميزان الاعتدال أيضا، وقد تقدم تناقض كلامه في قضية أبي الأزهر، فإنه نسبه إلى الكذب، أولا ثم ما برح حتى صدَّقه، ونسب الكذب إلى ثقات علمائهم.
ومنهم (ابن المديني أبو الحسن علي بن عبد الله بن جعفر) فإن أحمد بن حنبل كذبه كما ذكره ابن حجر والذهبي في الكتابين المذكورين بترجمة ابن المديني، وقال ابن حجر: قيل لإبراهيم الحربي: أكان ابن المديني يتهم بالكذب، قال: لا إنما حدث بحديث فيه كلمة ليرضي ابن أبي داود، قيل له: فهل كان يتكلم في أحمد؟ قال: إنما كان إذا رأى في كتبه حديثا عن أحمد قال: اضرب عليه ليرضى ابن أبي داود.
وليت شعري كيف لا يتهم بالكذب وقد زعم أنه زاد في الحديث إرضاءً لصاحبه؟! وهل يتصور عدم كلامه في أحمد وقد فعل معه ما هو أشد من الكلام،

وهو الضرب على حديثه، وبالضرورة إن من يزيد في الحديث كذبا ويضرب على ما هو معتبر، ويبطل الصحيح المقبول عندهم، طلبا للدنيا ورضا أهلها، لا يؤمن أن يوافق الهوى في توثيق الرجال وتضعيفهم، وإن شئت قلت: إن ضربه على أحاديث أحمد طعن في أحدهما وهو من المطلوب.
ومنهم (الترمذي) ذكر الذهبي في الميزان بترجمة إسماعيل بن رافع: أن جماعة من علمائهم ضعفوا إسماعيل، وجماعة قالوا: متروك. ثم قال: ومن تلبيس الترمذي قال: ضعفه بعض أهل العلم.
وذكر أيضا بترجمة يحيى بن يمان حديثا وقال: حسَّنه الترمذي مع ضعف ثلاثة فيه، فلا يغتر بتحسين الترمذي، فعند المحاقة غالبها ضعاف.
وقال أيضا بترجمة كثير بن عبد الله المزني: لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي.
ومنهم (الجوزجاني إبراهيم بن يعقوب السعدي) فإنهم ذكروا أنه ناصبي معلن به. ومن المعلوم أن الناصب فاسق منافق، لما سبق في رواية مسلم أن مبغض علي منافق، ولا ريب أن النفاق أعظم الفسق، وقد قال تعالى: { إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا }، بل النفاق نوع من الكفر، بل أشده، فلا يقبل قول مثله في الرجال، وشهادته فيهم مردودة، وتوثيقه وتضعيفه غير مسموع.
ومنهم (محمد بن حبان) قال في الميزان بترجمته: قال الإمام أبو عمرو بن الصلاح: غلط الغلط الفاحش في تصرفه، وصدق أبو عمرو، وله أوهام كثيرة. ثم قال: قال أبو إسماعيل الأنصاري شيخ الإسلام: سمعت عبد الصمد بن محمد يقول: سمعت أبي يقول: أنكروا على ابن حبان قوله: النبوة العلم والعمل، وحكموا عليه بالزندقة وهجروه، وكتبوا فيه إلى الخليفة فأمر بقتله. وقال أبو إسماعيل الأنصاري: سألت يحيى بن عمار عنه، فقال: رأيته ونحن أخرجناه من خراسان، كان له علم كثير ولم يكن له كبير دين.
ومنهم (ابن حزم) وهو علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، قال ابن خلكان في ترجمته من وفيات الأعيان: كان كثير الوقوع في العلماء المتقدمين، لا يكاد أحد

يسلم من لسانه، فنفرت منه القلوب، واستهدف لفقاء وقته، فتمالئوا على بغضه وردوا قوله، واجتمعوا على تضليله وشنعوا عليه... إلى أن قال: وفيه قال العباس بن العريف: لسان ابن حزم وسيف الحجاج بن يوسف شقيقان. مضافا إلى أنه كان شبيها بابن تيمية في شدة النصب لآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولذا كان يستشهد بأقواله في نقص أمير المؤمنين عليه السلام وإمام المتقين، كما يعرف شدة نصبه مَن له إلمام بكتابه (الفصل في الملل والأهواء والنحل).
ومنهم (الذهبي) صاحب كتاب (ميزان الاعتدال) محمد بن أحمد بن عثمان، فإنه كان ناصبيا ظاهر النصب لآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بَيِّن التعصب على من احتمل فيه ولاء أهل البيت عليهم السلام، كما يشهد به كتابه المذكور، فإنه ما زال يتحامل فيه على كل رواية في فضل آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلى رواتها، وكل من أحس منه حبهم، وقد ذكر هو في تذكرة الحفاظ الحافظ بن خراش وأطراه في الحفظ والمعرفة، ثم وصفه بالتشيع واتهمه بالرواية في مثالب الشيخين، ثم قال مخاطبا له وسابا إياه بما لفظه: (( فأنت زنديق معاند للحق، فلا رضي الله عنك، مات ابن خراش إلى غير رحمة الله سنة ثلاث وثمانين بعد المائتين ))، وما رأيناه قال بعض هذا فيمن سب أمير المؤمنين عليه السلام ومرق عن الدين، بل رأيناه يسدد أمره ويرفع قدره، ويدفع القدح عنه بما تمكن، كما هو ظاهر لمن يرى يسيرا من ميزان الاعتدال، وقد نقل السيد الأجل السيد محمد بن عقيل في كتابه (العتب الجميل /113) عن السبكي تلميذ الذهبي أنه وصف شيخه الذهبي بالنصب، ونقل أيضا عن المقبلي قوله من قصيدة:

وشاهدي كتب أهل الرفض أجمعهم
والناصبين كأهل الشام كالذهبي

ولنكتف بهذا القدر من ذكر علماء الجرح والتعديل، المطعون فيهم بالنصب واتباع الهوى ونحوهما، فالعجب ممن يستمع لأقوالهم ويصغي لآرائهم، ويجعلهم الحجة بينه وبين الله تعالى في ثبوت سنة رسول الله صلى الله عليه وآله!!!

الأمر الثاني من الأمرين الموجبين لإلغاء مناقشتهم في السند، أن ابن روزبهان قال في آخر مطالب الفضائل متصلا بالمطاعن: اتفق العلماء على أن كل ما في الصحاح الستة سوى التعليقات لو حُلف بالطلاق أنه من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو من فعله وتقريره، لم يقع الطلاق ولم يحنث. فإن مقتضى هذا الإجماع أنهم يلغون أقوال علمائهم في تضعيف رجال الصحاح الستة، لا سيما صحيحي البخاري ومسلم، فإنهم جميعا يحتجون بأخبارهما بلا نكير، وبالضرورة أنه لم يرد نص ولم تقم حجة على استثناء رجال صحاحهم، فيلزم إلغاء أقوال علمائهم في الرجال مطلقا، وإلا فالفرق تحكُّمٌ.

- - -

مناقشة الصحاح الستة
(المطلب الثالث): أن أخبارهم غير صالحة للاستدلاال بها على شيء من مطالبهم، لأن منتقى أخبارهم ما جمعته الصحاح الستة، وهي مشتملة على أنواع من الخلل، ساقطة عن الاعتبار البتة لأمور:
الأمر الأول: أنهم ذكروا في كيفية جمعها وفي جامعيها ما يقضي بوهنها، ذكر ابن حجر في تهذيب التهذيب بترجمة سويد بن سعيد الهروي: أن إبراهيم بن أبي طالب قال لمسلم: كيف استجزت الرواية عن سويد. قال: ومن أين آتى بنسخة حفص بن ميسرة؟! ومثله في ميزان الاعتدال، فهل ترى أن هذا عذر في الرواية عن الضعفاء؟‍‍! وهو يدعي أنه لا يروي في صحيحه إلا عن ثقة، فيكون غارا خائنا، فيسقط كتابه عن الاعتبار.
ونقل الذهبي في الميزان بترجمة أحمد بن عيسى بن حسان المصري: أن أبا زرعة ذكر عنده صحيح مسلم فقال: هؤلاء قوم أرادوا التقدم قبل أوانه، فعملوا شيئا يتشرفون به. وقال: يروي عن أحمد بن عيسى في الصحيح ما رأيت أهل مصر يشكون في أنه!! وأشار إلى لسانه.
وذكر ابن حجر بترجمة عمرو بن مرزوق: أن الأزدي قال: كان علي بن المديني صديقا لأبي داود، وكان أبو داود لا يحدث حتى يأمره علي، وكان ابن معين يطري عمرو بن مرزوق ويرفع ذكره، ولا يصنع ذلك بأبي داود لطاعته لعلي. وهذا يدل على أن اعتبارهم للرجال تبع للهوى لا للحق.
وذكر ابن حجر بترجمة أحمد بن صالح المصري: أن الخطيب قال: احتج بأحمد بن صالح جميع الأئمة إلا النسائي فإنه نال منه جفاء في مجلسه، فذلك السبب الذي أفسد الحال بينهما، وقال العقيلي: كان أحمد بن صالح لا يحدث أحدا حتى يسأل عنه، فجاءه النسائي فأبى أن يأذن له فشنع عليه. انتهى ملخصا.
وذكر ابن حجر بترجمة ابن ماجة محمد بن يزيد ابن ماجة: أن في كتابه السنن أحاديث ضعيفة جدا، حتى بلغني أن السري كان يقول: مهما انفرد بخبر فهو

ضعيف غالباً، ووجدت بخط الحافظ شمس الدين محمد بن علي الحسيني ما لفظه: سمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول: كل ما انفرد به ابن ماجة ضعيف.
وذكر كل من الذهبي وابن حجر او في كتابيهما المذكورين: أن البخاري احتج بجماعة في صحيحه ضعفهم بنفسه. كما يعلم من تراجمهم في الكتابين، كأيوب بن عائد، وثابت بن محمد العابد، وحصين بن عبد الرحمن السلمي، وحمران بن أبان، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي، وكهمس بن المنهال، ومحمد بن يزيد الحزامي، ومقسم بن بجرة، وإنما خصصنا البخاري بهذا لأنه أعظم أرباب الصحاح عندهم، وإلا فكلهم على هذا النمط، بل وجدنا أبا داود كذب نعيم بن حماد الخزاعي، والوليد بن مسلم مولى بني أمية، وهشام بن عمار السلمي، وروى عنهم في سننه، وقال في حق صالح بن بشير: لا يكتب حديثه. وكذا في حق عاصم بن عبيد الله، وروى عنهما، مع أنه كان يزعم أنه لا يروي إلا عن ثقة!! كما ذكره في تهذيب التهذيب بترجمة داود بن أمية، ووجدنا النسائي قال في حق كل من عبد الرحمن بن يزيد بن تميم الدمشقي، وعبد الرحمن بن أبي المخارق، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف متروك، وروى عنهم في سننه، وكذا الترمذي قال في حق سليمان بن أرقم أبي معاذ البصري، وعاصم بن عمرو بن حفص متروك، وروى عنهما في سننه.
وذكروا في حق البخاري ومسلم اللذين هما أجل أرباب الصحاح عندهم وأصحهم خبرا ما يخالف الإجماع، وهو احتجاجهما بجماعة لا تحصى، مجهولة الحال، لرواية جماعة عنهم بل لرواية الواحد عنهم، مع أن هذا الواحد لم ينص على قدح أو مدح في المروي عنه، ولنذكر بعض من اكتفيا في الاحتجاج بخبره بمجرد رواية الواحد عنه، لتراجع تهذيب التهذيب فترى صدق ما قلناه، فمنهم محمد بن عثمان بن عبد الله بن موهب، ومحمد بن النعمان بن بشير، فإن البخاري ومسلما احتجا بهما ولم يرو عن كل منهما سوى الواحد، ومنهم عطاء أبو الحسن السوائي، وعمير بن إسحاق، ومالك بن جشعم، ومبارك بن سعيد اليماني، ونبهان الجمحي، فإن البخاري أخرج عنهم في صحيحه، ولم يرو عن كل منهم غير

الواحد، ومنهم قرفة بن بهيس العبدي، ومحمد بن عبد الله بن أبي رافع الفهمي، ومحمد بن عبد الرحمن بن غنج، ومحمد بن عبد الرحمن مولى بني زهرة، ومحمد بن عمرو اليافعي، ونافع مولى عامر بن سعيد بن أبي وقاص، ووهب بن ربيعة الكوفي، وأبو شعبة المري مولى سويد بن مقرن، فإن مسلما احتج بهم في صحيحه، ولم يرو عن كل منهم غير الواحد، ولا موثِّق لهم أصلا، وليسوا من أهل زمن الشيخين حتى يقال: إنهما يعرفان وثاقتهم بالاطلاع.
نعم ذكر ابن حبان بعضهم في الثقات كما هي عادته في مجاهيل التابعين فلا عبرة به، مع أنه متأخر الزمان عن البخاري ومسلم، فلا يمكن أن يعتمدوا على توثيقه، وهذا النحو كثير جدا في الصحيحين وبقية صحاحهم، وكم رووا عمن نُص على جهالته كما ستعرف أقل القليل منهم قريبا عند ذكر الأسماء.
وقال في ميزان الاعتدال بترجمة حفص بن بعيل بعد ما ذكر قول ابن القطان فيه لا يعرف له حال قال: لم أذكر هذا النوع في كتابي، فإن ابن القطان يتكلم في كل من لم يقل فيه إمام عاصر ذلك الرجل وأخذ ممن عاصره، ما يدل على علاته، وهذا شيء كثير، ففي الصحيحين من هذا النمط خلق كثير مستوون، ما ضعفهم أحد ولا هم بمجاهيل. أي: ليسوا بمجاهيل النسب وإن كانوا مجاهيل الأحوال كما قال ابن القطان، وأنت تعلم انه لا يكفي في اعتبار الرجل والاحتجاج بخبره مجرد عدم تضعيف أحد له، بل لا بد من ثبوت وثاقته، وأما حكمه باستوائهم فغير مستو بعد فرض الجهالة بأحوالهم، على أنه غير نافع في الاحتجاج بأخبارهم ما لم تثبت وثاقتهم.
الأمر الثاني: أن جملة من أخبار الصحاح مشتملة على أمور عظيمة، كتجسيم الله سبجانه، وإثبات المكان والانتقال والتغيير له، وكعروض العوارض عليه من الضحك ونحوه، إلى غير ذلك مما يوجب الإمكان، حتى رووا أن الله سبحانه يدخل رجله في نار جهنم فينزوي بعضها لبعض، وتقول: قط قط، ومشتملة على وهن رسل الله ورسالاتهم، حتى أنهم صيروا سيد النبيين جاهلا في

أول البعثة بأنه رسول مبعوث، فعلَّمه النصراني وزوجته خديجة أنه رسول الله، ومشتملة على ما يوجب كذب آي من القرآن وعلى المناكير والخرافات.
الأمر الثالث: أن أكثر رواتهم مدلسون في رواياتهم، ملبسون فيها، ومظهرون خلاف الواقع، كما لو كانت الرواية عن شخص مقبول بواسطة شخص غير مرضي، فيتركون الواسطة ويروونها عن المقبول ابتداء، أو يروونها عن ضعيف ويأتون باللفظ المشترك بين الضعيف والثقة، ليوهم الراوي على القارئ أن المراد الثقة، لأنه يُظهر أنه لا يروي إلا عن ثقة، إلى غير ذلك من أنواع التدليس، ولا يكاد يسلم أحد من رواتهم عنه، قال شعبة: ما رأيت من لا يدلس من أصحاب الحديث إلا عمرو بن مرة: وابن عون. كما نقله عنه في ميزان الاعتدال وتهذيب التهذيب بترجمة عمرو بن مرة: الجملي، ويكفيك أن البخاري ومسلما كانا من المدلسين.
قال الذهبي في الميزان بترجمة عبد الله بن صالح بن محمد الجهني المصري: روى عنه البخاري في الصحيح ولكنه يدلسه، فيقول: حدثني عبد الله ولا ينسبه. وبمعناه في تهذيب التهذيب بترجمة عبد الله أيضا. وقد كان البخاري يدلس أيضا في صحيحه محمد بن سعيد المصلوب الكذاب الشهير، لكن الذهبي حمله على الخطأ، قال بترجمة ابن سعيد: أخرجه البخاري في مواضع وظنه جماعة. وهو حملٌ بعيد، ولو سُلِّم فهو يقتضي عيباً آخر في صحيح البخاري، وسيأتي ذكر هذين الرجلين في الأسماء.
ونقل ابن حجر عن ابن مندة: أنه قال في كلام ل‍ه: أخرج البخاري قال فلان وقال لنا فلان، وهو تدليس، ثم قال ابن حجر: الذي يظهر لي أنه يقول فيما لم يسمع قال وفيما سمع، لكن لا يكون على شرطه أو موقوفا قال لي أو قال لنا، وقد عرفت ذلك بالاستقراء من صنيعه.
ونقل ابن حجر أيضا عن ابن مندة: أنه قال في حق مسلم: كان يقول فيما لم يسمعه من مشائخه قال: لنا فلان وهو تدليس.

فإذا كان هذا حال الصحيحين وصاحبيهما، وهما بزعمهم أصح الكتب، فكيف حال غيرهما، وكيف تعتبر أخبارهم، وبأي شيء يحصل الأمن لمن يريد الاحتجاج بها؟! والتدليس طريقة شائعة مستمرة بين جميع طبقاتهم، على أنه كذب في نفسه غالبا، والكذب موجب لفسق صاحبه.
قال ابن الجوزي: من دلس كذابا فالإثم له لازم، لأنه آثر أن يؤخذ في الشريعة بقول باطل. كما نقله عنه في ميزان الاعتدال بترجمة محمد بن سعيد المصلوب، والأولى لابن الجوزي أن لا يخصص بالكذاب، لأن الإثم لازم أيضا لمن دلس ضعيفا من غير جهة الكذب، لأن الضعيف مطلقا لا يجوز الاحتجاج به، بل من دلس ثقة عنده كان آثما، لأن الثقة عنده ربما لا يكون ثقة في الواقع وعند السامع وغيره، فكيف يوقعه بالغرور ويدلس عليه ما ليس له الأخذ به؟! وسيمر عليك إن شاء الله تعالى ذكر بعض من عرف بالتدليس عندهم.
الأمر الرابع: أن أكثر رجال السند في أخبار الصحاح الستة مطعون فيهم عندهم بغير التدليس أيضا، من الكذب ونحوه، حتى قال يحيى بن سعيد القطان وهو أكبر علمائهم وأعلمهم بأحوال رجالهم: لو لم أرو إلا عمن أرضى ما رويت إلا عن خمسة. كما حكى عنه في الميزان بترجمة إسرائيل بن يونس، ولنذكر لك جماعة ممن طعنوا بهم من غير الصحابة، مرتبا أسماءهم على حروف المعجم.
واشترطت على نفسي أن أذكر من رواة الصحاح من طعن به عالمان أو أكثر، وأن يكون الطعن شديدا، كقولهم: كذاب، أو متهم بالكذب، أو متروك، أو هالك، أو لا يكتب حديثه، أو لا شيء، أو ضعيف جدا، أو مجمع على ضعفه، أو نحو ذلك، ولم أذكر من قيل فيه: إنه ضعيف، أو منكر الحديث، أو غير ضابط، أو كثير الخطأ، أو لا يحتج به، أو نحو ذلك، وأن أسقط روايته عن الحجية طلبا للاختصار، ولكفاية من جمع الشروط المذكورة في الدلالة على سقم الصحاح.
وربما ذكرت بعض المجاهيل والمدلسين وبعض النصاب، لتعرف اشتمال الصحاح على أنواع الوهن، ولا يخفى أن النصب أعظم العيوب، لأن الناصب منافق كما عرفت، والمنافق كافر بل أشد منه، لأنه يسر الكفر ويظهر الإيمان،

فيكون أضر على الإسلام من الكافر الصريح، وقد ذم الله المنافقين وأعد لهم الدرك الأسفل من النار، كما أخبر به في كتابه العزيز، ولعنهم في عدة مواطن من الكتاب، وكذلك لعنهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما لا يحصى من المواطن، ومن المعلوم أن الكافر لا تقبل روايته أصلا في الأحكام وغيرها حتى لو وثقه جماعة.
وقد أخذت ما ذكرته هنا في أحوالهم من ميزان الاعتدال للذهبي وجعلت رمزه (ن)، ومن تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني وجعلت رمزه (يب)، فإن اتفقا على نقل ما قيل في صاحب الترجمة ذكرته بعد اسمه بلا نسبة لأحدهما، وإن اختص أحدهما بالنقل ذكرته بعد رمز الناقل منهما، على أن يكون كل ما بعد رمزه من خواصه في النقل إلى أن تنتهي الترجمة أو أنقل عن الآخر.
كما أني رمزت إلى أهل الصحاح برموزهم المتداولة عندهم، فللبخاري (خ)، ولمسلم (م)، وللنسائي (س)، ولأبي داود (د)، وللترمذي (ت)، ولابن ماجة القزويني (ق)، ولهم جميعا (ع)، ولمن عدى مسلم والبخاري (4)، وقد جعلت قبل اسم صاحب الترجمة رمز الراوي عنه من أهل هذه الصحاح متبعا تهذيب التهذيب، إلا قليلا فإني قد أعول على الميزان في الرمز، هذا وربما كان لي كلام أو نقل عن غير هذين الكتابين أذكره بعد قولي (أقول)، فنقول وبالله المستعان:
حرف الألف
ت د ق (إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة) قال ابن معين: ليس بشيء. (يب): قال الدراقطني متروك. وقال ابن حبان: يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل.
ت ق (إبراهيم بن عثمان أبو شيبة العبسي الكوفي) قاضي واسط كذبه شعبة، وقال (س) متروك الحديث. (يب) قال أبو حاتم: تركوا حديثه. وقال الجوزجاني: ساقط، وقال صالح جزرة: لا يكتب حديثه.
ت ق (إبراهيم بن الفضل المخزومي) قال ابن معين: ليس بشيء. (ن) قال ابن معين أيضا: لا يكتب حديثه. وقال (س) وجماعة: متروك. (يب) قال (س): لا يكتب حديثه. وقال الدارقطني والأزدي: متروك.

2 / 63
ع
En
A+
A-