ثم قول مقبل عن السيوطي أنه حَسَن الحديث، هو نوع من التدليس جرى فيه مقبل على طريقة سلفه في التدليس، لأن الذي استقر عليه رأي السيوطي هو تصحيح الحديث كما حكاه عنه في كنز العمال ( ج 15 ص 130 )، حيث قال السيوطي بعد أن حكى كلام ابن حجر: وترجيحه إن الحديث حَسَن، قال السيوطي فيما حكاه عنه: وقد كنت أجيب بهذا الجواب دهرا، إلى أن وقفت على تصحيح ابن جرير لحديث علي في تهذيب الآثار، مع تصحيح الحاكم لحديث ابن عباس، فاستخرت الله وجزمت بارتقاء الحديث من مرتبة الحَسَن إلى مرتبة الصحة، والله أعلم. انتهى.
ولابن الأمير كلام مفيد في الروضة الندية، شرح التحفة العلوية في شرح قوله:

باب علم المصطفى إن تأته ... فهنيئا لك بالعلم مريا

( ص 137 )، ووقع هناك في اللفظ.
وقال العلامة الحافظ الكبير المجتهد محمد بن جرير الطبري: هذا حديث عندنا صحيح سنده، وقال مالك في حديث ابن عباس: صحيح الإسناد، وذكر مالك غلط من النساخ، وسببه نقل حكاية السيوطي في الأصل برمز الكاف، والأصل وقال [ ك ] في حديث ابن عباس صحيح، فتوهموا أن الكاف رمز مالك، كما هو في كتب الفقه.
والصواب أنه الحاكم، لأنه رمز السيوطي، والكلام أصله نقل كلام السيوطي، وقد حكاه عنه صاحب كنز العمال ( ج 15 ) في فضائل علي عليه السلام في قسم الأفعال.

والفضائل جملة في حرف الفاء من كنز العمال، ونحوه في الروض النضير ( ج 1 ص 184 )، وهناك ترجمة صغيرة للسيد أحمد بن يوسف الحديثي، شارح بعض المجموع قبل صاحب الروض النضير، وأتم البحث في تصحيح الحديث في ( ص 185 )، وأضاف إلى ذلك ما يناسب الحديث، ويؤكد صحته، فراجعه فإنه مفيد. وقد رجح ابن الأمير في الروضة الندية القول بالصحة، ونقلت كلامه في جوابي على رياض مقبل، وقواه صاحب الروض النضير ( ج 1 ص 182، وص 183 ).
قال مقبل ( ص 151 ): ولا يخفى أن هذا الحديث - أي حديث: (( أنا مدينة العلم وعلي بابها ... )) إلى آخره قال: - قد خالف الواقع، فلو كانت الشريعة جاءتنا من قبل رسول الله عن علي، لاحتمل أن هذا الحديث له أصل، ولكن ما دام أن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه لم يحط بالشريعة كلها، وقد كان يطلب من الصحابة الحديث، كما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه رفع الملام عن الأئمة الأعلام، قال رحمه الله في سياق: أنه ما من أحد إلا وقد فاته شيء من العلم، وكذلك علي رضي الله عنه قال: كنت ( إذا ) سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديثا نفعني الله بما شاء أن ينفعني منه، وإذا حدثني غيره استحلفته، فإذا حلف صدقته. وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر، وذكر حديث التوبة المشهور.
والجواب وبالله التوفيق: أما قوله: أن الحديث قد خالف الواقع، لأن الشريعة لم تأتهم عن النبي من طريق علي، فالدعوى باطلة والتعليل لا يفيد، لأنا لا نسلّم أن الشريعة جاءتهم كلها، بل قد فاتهم منها خير كثير لإعراضهم عن علي عليه السلام وشيعته الذين أخذوا الدين عنه عليه السلام، ولو سلّمنا أنها جاءتهم كلها فالشريعة الأحكام الشريعة، وذلك بعض العلم لا كله، لأن من العلم العلم بأخبار الماضين، والعلم بما يكون في الآخرة، وعلم الملاحم والحوادث المستقبلة العظيمة، التي تأتي قبل القيامة وغير ذلك.

وأما وصول بعض العلم من طريق غيره من الصحابة، فذلك لا ينافي أن عليا عليه السلام باب مدينة العلم، لأن وصول بعض العلم من طريق غيره لا يدل على أن ذلك الغير باب للعلم كله، وإنما هو طريق لبعضه بخلاف علي عليه السلام فهو باب للعلم كله، بدلالة هذا الحديث وهذا معنى الحديث، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محيط بالعلم الذي ينبغي طلبه، وعلي عليه السلام طريق ذلك العلم كله، فكان باب مدينة العلم، لأنه طريق إليه كله بخلاف غيره من الصحابة.
وأما قوله: إن عليا عليه السلام لم يحط بالشريعة كلها فهو باطل، بل قد أحاط بها بدلالة الحديث، فهو دليل واضح لمن أنصف.
وأما قوله: وقد كان يطلب من الصحابة الحديث. فإن أراد بعد موت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهي دعوى باطلة ولا دليل عليها، فكيف يعارض الحديث الصحيح بالدعوى ؟! وهل هذا إلا رد الدليل بمذهب الأسلاف، فهو يعارض الحديث الثابت، بدعوى ابن تيمية الكاذبة أن عليا كان يطلب الحديث من الصحابة.
وأما قوله: وكذلك علي قال كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديثا نفعني الله ... إلخ. فهذا لا نسلّم صحته عن علي عليه السلام، ولو سلّم فهو محمول على وقت سابق، قبل أن يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( أنا مدينة العلم وعلي بابها )). ويؤكد هذا قوله: كنت، فهو محمول على زمن سابق، كقوله تعالى: { وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا } [آل عمران:103]. وقوله تعالى في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: { مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ } [الشورى:52].

قال مقبل ( ص 151 ): عن ابن تيمية وأفتى هو وابن عباس وغيرهما بأن المتوفى عنها زوجها، إذا كانت حاملا تعتد أبعد الأجلين، ولم تكن قد بلغتهم سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سبيعة، وقد توفي عنها زوجها سعد بن خولة، حيث أفتاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن عدتها وضع حملها.
والجواب وبالله التوفيق: قد سبق مبسوطا وحاصله لا نسلّم أنهم جهلوا الحديث في سبيعة، بل هذه دعوى بلا دليل.
فأما قول ابن تيمية: فالاحتجاج به لترك السنة، دليل الخذلان نعوذ بالله.
فأما اعتمادهم للقرآن في عدة المتوفى عنها، فلا يدل على جهلهم بالحديث في سبيعة، لاحتمال أنهم عرفوه خاصا بسبيعة كما قدمنا تحقيقه.
وأما قوله: حيث أفتاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن عدتها وضع حملها، فلا نسلّم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفتاها بهذا اللفظ، لأن الرواية جاءت بألفاظ مختلفة كما قدمنا، فلا نسلّم أن اللفظ الذي ذكره هو الواقع، بل حُمل راويه على أنه غلط، وروى الحديث على المعنى الذي يعتقده أولى من حمل علي عليه السلام وابن عباس على الجهل. فالمشهور من الحديث أن سبيعة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تشكو وتستفتي أو تستأذن، فأمرها أن تتزوج، ودل بذلك على أنه قد جاز لها الزواج، ولا نسلّم أنه قال: إنها حلت بالوضع، وإذا لم يكن غير أذنه لها بالزواج كان جعله خاصا بها أولى، حيث لم يثبت تعليق الحكم على الوضع، بل ترتيبه على مجيئها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشكواها، أو نحو ذلك هو المشهور المتفق عليه بين كثير من الروايات، فظهر أنه خاص بها، ولعله يعترض برواية الزهري تعليق الحكم على الوضع، والزهري عندنا متهم في هذا وأمثاله، كما حققناه مبسوطا في كتبانا <الزهري> ولو سلم أن هذا اللفظ صحيح، فلا يدل ذلك على أن عليا عليه السلام ومن معه

جهلوه، بل يحتمل أنهم عرفوا أنه خاص بسبيعة بدليل خاص، فمن أين علم ابن تيمية أنهم جهلوا هذا الحديث ؟! لقد جازف واتبع هواه ؟ ثم كيف يعارض حديث: (( أنا مدينة العلم )) بهذه الأوهام والظنون ؟ ولو أنصف لجعل حديث: (( أنا مدينة العلم وعلي بابها )) دليلا على أن الصواب قول علي في مسألة الحامل المتوفى عنها، وأن ذلك دليل على أن حديث سبيعة خاص بها، وأن عليا عليه السلام علم في ذلك دليلا لا يبطله جهلنا به، ولا يسوغ لنا نفيه لعدم علمنا به، للفرق الواضح بين من هو باب مدينة العلم وغيره.
فلا يجب لابن تيمية أن ينفي دليل الخصوصية لعدم علمه به، لأنه في ذلك يكون قد جعل نفسه باب مدينة العلم، وادعا لنفسه الإحاطة بالكتاب والسنة لفظا ومعنى، وهو لا يرضى هذه المنزلة لعلي عليه السلام، فكيف يدعيها لنفسه ؟! فانظر هذا العناد من ابن تيمية ومن قلده نعوذ بالله من الخذلان.
قال مقبل ( ص 151 ): عن ابن تيمية وأفتى هو - أي: علي عليه السلام - وزيد وابن عمر، وغيرهم رضي الله عنهم، بأن المفوضة إذا مات عنها زوجها فلا مهر لها، ولم تكن بلغتهم سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بروع بنت واشق.
والجواب :: أن هذا رجم بالغيب، وتحقيقه قد مر في الجواب عن هذا، لما ذكره مقبل في رياضه، وحاصله أن الرواية في بروع بنت واشق مركبة من نفي وإثبات.
أما النفي فقول الراوي: بأن زوجها لم يكن دخل بها.
وأما الأثبات فهو: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى لها بالمهر.
فالنفي - أي: نفي الدخول - لا نسلمه، لاحتمال أن الراوي استند فيه إلى موت الزوج قبل زفافها إليه، لأن العادة عندهم أن لا يكون الدخول إلا بعد

الزفاف، وهذا ظن منه لا يصح اعتماده لمخالفة القرآن. بل يحتمل أن زوجها كان دخل بها قبل الزفاف، وكان ذلك خفية فلم يشعر به الذي رووا الحديث من قومه.
وأما الأثبات وهو أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى لها بالمهر فمسلَّمٌ، ولكنه لا يفيد الخصم مطلوبه لاحتمال أنه قضى لها بالمهر لأنها مدخولة، وإن لم تكن قد زفت إلى بيت زوجها ولم يسم لها مهر، وحمل الراوي على الغلظ في نفي الدخول، وعلى أنه جَهَلَ الدخول مع كونه من أهل البادية ليس من العلماء المحققين هو أقرب من حمل علي عليه السلام على الجهل بالسنة في بروع، لأن الدخول مظنة أن يخفى لأن العادة أن يكون سرا، والراوي مظنة أن يعتقد عدمه لعدم الزفاف، ومظنة أن ينفيه بناء على هذا الاعتقاد، فقول ابن تيمية: ولم تكن بلغتهم سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بروع تحامل على أمير المؤمنين، وتعصب لمذهب العثمانية، وقذف بالغيب من مكان بعيد، لأن تمسكهم بالقرآن في هذه المسألة وعدم اعتمادهم للرواية في بروع لا يدل على جهلهم بالرواية، لأن الإطلاع عليها لا يستلزم اعتمادها لما ذكرنا فيها من العلة. فعدم اعتمادها لا يدل على الجهل بها، لاحتمال أنهم تركوها لعدم الثقة بالراوي في نفيه للدخول، وقد روي عن علي عليه السلام رواية في سنن البيهقي نحو هذا، وهي وإن لم تثبت فاحتمالها كاف في إبطال قول ابن تيمية: إنها لم تكن بلغتهم سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بروع، ويكفي في إبطاله الحديث الذي نحن بصدده (( أنا مدينة العلم وعلي بابها ))، واعتماد كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أولى من اعتماد كلام ابن تيمية.
قال مقبل ( ص 152 ): ومما يدلنا أن الحديث - أي (( أنا مدينة العلم وعلي بابها )) قال:- قد خالف الواقع ذكر ما رواه أمير المؤمنين عليه السلام رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الحديث، فقد ذكر بعض

المترجمين له رضي الله عنهم ( كذا )، أنه روى خمس مائة وستة وثمانين حديثا، فهذا يدل دلالة واضحة أن الحديث ليس بصحيح، لأنه قد نقل إلينا عن سائر الصحابة أضعاف ما رواه علي رضي الله عنه.
والجواب :: أن هذا كلام لا يقوله إلا جاهل أو متجاهل، لأن الاعتماد على كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أولى من اعتماد كلام المترجم، وخصوصا والمترجم لم ينف علم علي عليه السلام بغير تلك الأحاديث، إنما ذكر ما بلغه عنه وسكت عن نفي العلم بغيره، فمعارضة الحديث بكلامه ظلمات بعضها فوق بعض. ولو لم يكن قد ورد في سعة علمه عليه السلام ما ورد، لكانت معرفة تاريخه تدل على بطلان هذا الحصر، لأنه عليه السلام صحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثا وعشرين سنة، ولازمه ملازمة الولد لأبيه، وهو مع ذلك في شبابه، وكمال قوته، وقوة حواسه، وكمال قواه الباطنة، عقله وفهمه وحفظه، وكمال حرصه على العلم بالدين، لقوة باعث الإيمان على معرفة الدين، فإذا فرقنا حساب أحاديثه التي ذكرها المترجم، كان للسنة خمسة وعشرون حديثا، وزاد في رأس الثلاث والعشرين السنة حديث واحد، وإذا كان للسنة خمسة وعشرون حديثا، كأن للشهر حديثان، وزاد في رأس السنة حديث واحد، فهل يتصور عاقل منصف سليم القلب من تلبيس النواصب محرر لفكره، أن لا يكون يعلم من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أقواله وأفعاله، وتروكه وتقريراته في العبادات، والمعاملات والغزوات، والسيرة وأخبار الماضين، وأخبار ما سيكون والمواعظ، والحكم والآداب، والكتب والرسائل، والقضاء، وغير ذلك لا يعلم في الشهر إلا حديثين ونصف سدس حديث، وجزء من الحديث الزائد في رأس ثلاث وعشرين سنة هل يتصور هذا منصف ؟!!! ونحن نشاهد من يجالس عالما من صغار العلماء لا يكاد يمر يوم واحد إلا ويستفيد منه فائدة واحدة على الأقل، فكيف بمن

يلازم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المؤمنين الحراص على معرفة الدين من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأين بركات النبوة ؟!! أكان علي أصم لا يسمع، أم أعمى لا يرى، أم لم يكن يعقل ؟!! أم النواصب يحسبونه من الذين قال الله فيهم: { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ } [محمد:16]. لا والله إنه من الذين قال الله فيهم: { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } [محمد:17]. بل التحقيق أن القوم سدوا عن أنفسهم باب مدينة العلم بالجرح في أصحاب علي عليه السلام، كما هو مذكور في مقدمة صحيح مسلم عن مغيرة وغيره، وبالجرح في أصحاب ذريته، وبترك الملازمة لأهل البيت في عهد الأموية والعباسية، وانضاف إلى ذلك قلة الرواية عن علي عليه السلام في عهد يزيد ومن بعده من الغلمة، الذين كانت على يديهم هلكة الأمة، كما حققناه في الجواب على رياض مقبل، ومن عرف تاريخ الأموية وجِدّهم واجتهادهم في طمس معالم أهل البيت، وصرف الناس عنهم كما هو مقتضى السياسة، لم يستبعد خوف الناس من الرواية عنهم، وإن ذلك كان سببا لقلة حديثهم عند العامة، فكيف يجعل مقبل كلام المترجم الحاصر لحديث علي عليه السلام دليلا على قلة علمه ؟!! إن هذا لا يقوله إلا جاهل أو متجاهل !!!!
قال مقبل ( ص 152 ): ولسنا نحسد أمير المؤمنين على ما أعطاه الله من النظر الثاقب، والرأي الصائب، والفهم الصحيح، ولكنا نريد أن نبين للناس الأحاديث الموضوعة.
والجواب وبالله التوفيق: قال ابن حجر في شرحه على البخاري ( ج 8 ص 357 ): والعلة في اختصاص علي وأسامة بالمشاروة، أن عليا كان عنده - أي عند

النبي صلى الله عليه وآله وسلم - كالولد، لأنه رباه من حال صغره ثم لم يفارقه، بل وازداد اتصاله بتزويج فاطمة، فلذلك كان مخصوصا بالمشاورة فيما يتعلق بأهله، لمزيد أطلاعه على أحواله أكثر من غيره. انتهى المراد.
فأضف أيها المطلع المنصف هذا القول إلى قول مقبل: ولسنا نحسد أمير المؤمنين على ما أعطاه الله من النظر الثاقب، والرأي الصائب، والفهم الصحيح، وانظر إذا اجتمع الأمران الملازمة البالغة، والفهم الصحيح، والنظر الثاقب، والرأي الصائب، ومع ذلك الإيمان الذي لا خلاف فيه بيننا وبين مقبل، والإيمان هو سبب الهدى بل والإحسان، والله تعالى يقول: { وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ } [يوسف:22].
فانظر مع هذا هل يستقيم حصر علمه في خمس مائة وستة وثمانين حديثا، حتى يكون الحاصل له في الشهر نحو حديثين، وهو بحضرة أنوار النبوة وبركات الرسالة ؟!!
فاعجب لمقبل إذ يقول: وهذا يدل دلالة واضحة أن الحديث ليس بصحيح، بل اعتقد أن كلامه هذا يدل دلالة فاضحة على أنه متصنع لأسياده الوهابية، يقول: ما يراه يرضيهم وإن كان خلاف ما يضمر، أو أنه قد هوى به الخذلان في مكان سحيق.
- - -
[ حديث: (( رد الشمس ... )) ]
قال مقبل ( ص 152): قول أسماء رضي الله عنها: (( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوحى إليه ورأسه في حجر علي رضي الله عنه فلم يصل العصر حتى غربت الشمس، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: صليت ؟ قال: لا. قال: اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك، فاردد عليه الشمس. قالت: فرأيتها غربت، ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت )). (ج) - أي ابن الجوزي -

هذا حديث موضوع بلا شك، فقد اضطرب الرواة فيه... إلى أن قال: وأحمد بن دواد ليس بشيء - وهو أحد رواة الحديث هذا - قال الدارقطني: متروك كذاب، وقال ابن حبان: كان يضع الحديث، قال: وفيه عمار بن مطر، قال فيه العقيلي: كان يحدث بالمناكير، وقال ابن عدي: متروك الحديث، وفضيل بن مرزوق ضعفه يحيى، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات، ويخطئ على الثقات. ثم قال ابن الجوزي (رح): قلت: ومن تغفيل واضع هذا الحديث أنه نظر إلى صورة فضيلة، ولم يتلمح إلى عدم الفائدة، فإن صلاة العصر بغيبوبة الشمس صارت قضاء، فرجوع الشمس لا يعيدها أداء، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الشمس لم تحبس على أحد إلا ليوشع. ا هـ.
والجواب وبالله التوفيق: قال الطحاوي في مشكل الآثار (ج2/ص8) وما بعدها: حدثنا أبو أمية، حدثنا عبيد الله بن موسى العبسي، حدثنا الفضيل بن مرزوق، عن إبراهيم بن الحسن، عن فاطمة ابنة الحسين، عن أسماء ابنة عميس، قالت: (( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوحى إليه ورأسه في حجر علي فلم يصل العصر حتى غربت الشمس، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: صليت يا علي ؟ قال: لا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس ))، قالت أسماء: فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت.
حدثنا علي بن عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة، حدثنا أحمد بن صالح، حدثنا بن أبي فديك، حدثني محمد بن موسى، عن عون بن محمد، عن أُمه أُم جعفر، عن أسماء ابنة عميس، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى الظهر بالصهباء، ثم أرسل عليا عليه السلام في حاجة فرجع وقد صلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم العصر فوضع النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأسه في حجر علي، فلم يحركه حتى غابت الشمس، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( اللهم إن عبدك عليا احتبس بنفسه على نبيك فرد عليه شرقها، قالت أسماء: فطلعت الشمس حتى

19 / 63
ع
En
A+
A-