قال أبو أحمد - أي ابن عدي -: هذا حديث أبي الصلت، عن أبي معاوية، وسرقه غيره من الضعفاء ( وبالسند المتقدم ) قال: أنبأنا أبو أحمد، أنبأنا عبد الرحمن بن سليمان بن موسى بن عدي الجرجاني بمكة، أنبأنا أحمد بن سلمة أبو عمرو الجرجاني، أنبأنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأتها من قِبَل بابها )).
قال أبو أحمد - أي ابن عدي -: وهذا الحديث يعرف بأبي الصلت الهروي، عن أبي معاوية، سرقه منه أحمد بن سلمة، هذا ومعه جماعة ضعفاء. انتهى.
قال المحقق: ( ونعم ما قال ) إن ما ذكره من أن الحديث سرقه من أبي الصلت أحمد بن سلمة، وجماعة من الضعفاء من باب الرجم بالغيب، والاختلاق من أين ثبت لابن عدي أن أحمد بن سلمة سرقه من أبي الصلت ؟! فإن كان له طريق إلى هذه السرقة فلماذا لم يُبَيِّنه ؟!
وكذا قوله: ومعه جماعة من الضعفاء أيضا، كذب على كذب، فقد رواه يحيى بن معين، وهل هو من الضعفاء ؟! ورواه القاسم بن سلام فهل هو من السّرقة والضعفاء ؟! ورواه محمد بن جعفر الفيدي، وصححه ابن معين والحاكم وبعض من تأخر عنهم، أفهؤلاء عند ابن عدي من السُراق ؟! ورواه أيضا الطبراني في مسند عبد الله بن العباس من المعجم الكبير ( ج 3 ص 108/ أو 110 ) قال: حدثنا الحسن بن علي المعمري، ومحمد بن علي الصائغ المكي، قالا: حدثنا عبد السلام بن صالح الهروي، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأته من بابه )).
قال المحقق: ورواه عنه - أي، عن أبي معاوية - أيضا في الحديث الرابع من كتاب فتح الملك العلي ( ص 23 ط 2 وفي ط 1 ص 4 ).
وقال أيضا: أخرج الحافظ أيضا أبو محمد الحسن بن أحمد السمرقندي المتوفي 490 في كتاب بحر الأسانيد قال: أنبأنا أبو طالب حمزة بن محمد الحافظ، أنبأنا أبو صالح الكرابيسي، أنبأنا صالح بن محمد، أنبأنا أبو الصلت الهروي، أنبأنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد بابها فليأت عليا )).
هذا هو الحديث الأول من الكتاب، وقد رواه أيضا في الحديث الثاني منه، قال: وقال ابن جرير في كتاب تهذيب الآثار: حدثنا محمد بن إسماعيل الضراري، حدثنا عبد السلام بن صالح الهروي، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها )).
ورواه أيضا عن ابن جرير في الحديث ( 378 ) من باب فضائل علي عليه السلام من كنز العمال ( ج 15 ص 129 ط 2 )، ثم قال نقلا عن ابن جرير: حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي وليس بالفراء، حدثنا أبو معاوية بإسناد مثله، هذا الشيخ لا أعرفه، ولا سمعت منه غير هذا الحديث. انتهى.
وقد ذكرنا هذا تتميما للفائدة، وكان الأولى تقديمه، حيث ذكرنا الروايات عن أبي الصلت، قال في ترجمة الإمام علي من تاريخ ابن عساكر ( ج 2 ص469 ) وما بعدها: وأخبرناه أبو علي الحسن بن المظفر، وأبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبد الوهاب، وأم أبيها فاطمة بنت علي بن الحسين، قالوا: أنبأنا أبو الغنائم محمد بن علي الدجاجي، أنبأنا أبو الحسن علي بن عمر بن محمد الحربي، أنبأنا
الهيثم بن خلف الدوري، أنبأنا عمر بن إسماعيل بن مجالد، أنبأنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد الباب ( كذا ) فليأت عليا )).
قال في الروض النضير ( ج 1 ص 177 ): وفي هامش تحرير المقاصد الحسنة عن الحافظ العلائي أنه قد ثبت رواية الحديث عن أبي معاوية من غير أبي الصلت، فزال المحذور ممن هو دونه، ثم قال - أي العلائي -: وأبو معاوية ثقة حافظ، محتج بأفراده، كابن عيينة وغيره، فمن حكم على الحديث مع ذلك بالكذب فقد أخطأ. انتهى.
قلت: ذكر السيوطي في كتاب اللألئ كلاما طويلا للعلائي ( ج 1 ص 332، وص 334 ) ننقل بعضه هنا، وإن أدى إلى قليل من التكرار لبعض ما سبق، وذلك للفوائد المرتبطة به، قال في أبي الصلت: ومع ذلك فقد قال الحاكم: حدثنا الأصم، حدثنا عباس - يعني: الدوري - قال: سألت يحيى بن معين عن أبي الصلت ؟ فقال: ثقة. فقلت: أليس قد حدّث عن أبي معاوية حديث: (( أنا مدينة العلم )) ؟ فقال: حدّث [ به ] محمد بن جعفر الفيدي وهو ثقة عن أبي معاوية.
وكذلك روى صالح جزرة أيضا، عن ابن معين، ثم ساقه الحاكم من طريق محمد بن يحيى الضريس وهو ثقة حافظ، عن محمد بن جعفر الفيدي، عن أبي معاوية، قال العلائي: فقد برئ أبو الصلت عبد السلام من عهدته، وأبو معاوية ثقة مأمون، من كبار الشيوخ وحفاظهم، المتفق عليهم، وقد تفرد به، عن الأعمش فقال: ماذا ؟ ( كذا )، وأي استحالة في أن يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل هذا في حق علي رضي الله عنه، ولم يأت كل من تكلم في هذا الحديث وجزم [ بـ ] وضعه بجواب عن هذه الروايات الصحيحة عن ابن معين، ومع ذلك فله
شاهد، رواه الترمذي في جامعه عن إسماعيل بن موسى الفزاري، عن محمد بن عمر الرومي، عن شريك بن عبد الله، عن سلمة بن كهيل، عن سويد بن غفلة، عن أبي عبد الله الصنابحي، عن علي، مرفوعا: (( أنا دار الحكمة وعلي بابها )).
ورواه أبو مسلم الكجي ( كذا )، وفي الروض الكشي انظر ( ج 1 ص 183 ) وغيره، عن محمد بن عمر الرومي وهو ممن روى عنه البخاري في غير الصحيح، وقد وثقه ابن حبان وضعفه أبو داود، وقال أبو زرعة فيه: لين.
وقال الترمذي بعد إخراج الحديث: هذا حديث غريب، وقد روى بعضهم هذا، عن شريك ولم يذكر فيه الصنابحي، ولا نعرف هذا عن أحد عن ( كذا ) الثقات غير شريك النخعي القاضي برئ ( كذا ) محمد بن عمر الرومي من التفرد به.
وشريك هو: ابن عبد الله النخعي القاضي، احتج به مسلم، وعلق له البخاري، ووثقه يحيى بن معين، وقال العجلي: ثقة حَسَن الحديث.
وقال عيسى بن يونس: ما رأيت أحدا قط أورع في علمه من شريك. فعلى هذا يكون تفرده حسنا، فكيف إذا انضم إلى حديث أبي معاوية، ولا يرد عليه رواية من أسقط منه الصنابحي، لأن سويد بن غفلة تابعي مخضرم، أدرك الخلفاء الأربعة وسمع منهم، وذكر الصنابحي فيه من المزيد في متصل الأسانيد، ولم يأت أبو الفرج ولا غيره بلة ( كذا ) [ بعلة ] قادحة في حديث شريك سوى دعوى الوضع دفعا بالصدر. انتهى كلام الحافظ العلائي، نقلته من اللألئ، وفي نسختها غلط يعرفه من اطلع على النسخة وتأملها، ولا يخفى أن صواب الكلام ما نقله في الروض ( ج 1 ص 183 ) عن الشارح الذي قبله السيد أحمد بن يوسف الحديثي، حيث ذكر محمد بن عمر الرومي، ثم قال: ولم يتفرد بروايته للحديث عن شريك،
فقد أخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب المناقب له ما لفظه: حدثنا إبراهيم بن عبد الله وهو أبو مسلم الكشي أحد الحفاظ، مؤلف كتاب السنن، وثقه الدارقطني وغيره، وتركه في الميزان لجلالته، قال عن محمد بن عبد الله الرقاشي، قال: حدثنا شريك فذكره بإسناده ومتنه. ومحمد بن عبد الله الرقاشي ثقة ثبت، روى له البخاري ومسلم، والنسائي وابن ماجة، وقد رواه سويد بن سعيد وهو من رجال مسلم، عن شريك، كما روياه. انتهى.
قلت: يعني كما رواه محمد بن عمر الرومي، ومحمد بن عبد الله الرقاشي، وقد مرت رواية سويد نقلتها من ترجمته من ميزان الذهبي بإسناد الذهبي إليه، وإسناده إلى علي عليه السلام، وإذا قارنت بين كلام السيد أحمد بن يوسف، وكلام العلائي، عرفت أنه قد سقط بعض كلام العلائي، وأنه مثل كلام السيد أحمد بن يوسف. وقول العلائي: وقد تفرد به - أي: أبو معاوية، عن الأعمش - دعوى ممنوعة. لأنه لا يصح أن يدعي التفرد مع وجود الرواية، عن الأعمش، من غير طريق أبي معاوية، ولو كانت عند العلائي لم تصح إلا عن أبي معاوية، لأن عدم الصحة لا يدل على صحة العدم، والاحتمال كافٍ في فساد دعوى التفرد، وقد قال الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل، عند ذكر قول الله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة:31] بعد أن أسند الحديث: هذا من طريق أبي الصلت، كما قدمناه في الجواب على رياض مقبل.
قال الحاكم: وقد رواه جماعة عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي، وهو ثقة أثنى عليه يحيى بن معين، وقال: هو صدوق.
وقد روى هذا الحديث جماعة سواه عن أبي معاوية محمد بن خازم الضرير الثقة، منهم أبو عبيد القاسم بن سلام، ومحمد بن الطفيل، وأحمد بن خالد بن
موسى، وأحمد ابن عبد الله بن حكيم، وعمر بن إسماعيل، وهارون بن حاتم، ومحمد بن جعفر الفيدي، وغيرهم، ورواه، عن سليمان بن مهران الأعمش جماعة، كرواية أبي معاوية، فيهم يعلى بن عبيد، وعيسى بن يونس، وسعيد بن عقبة. انتهى المراد.
وقد مرت رواية، عن الأعمش من طريق سعيد بن عقبة، وذلك فيما نقلناه من اللألئ المصنوعة ( ج 1 ص 330 )، عن ابن عدي، حدثنا أحمد بن حفص السعدي، حدثنا سعيد بن عقبة أبو الفتح الكوفي، عن الأعمش به. انتهى.
وقد روي الحديث من طريق جابر بن عبد الله الأنصاري.
قال الحاكم ( ج 3 ص 127 ) بعد ذكره لحديث ابن عباس الماضي: ولهذا الحديث شاهد من حديث سفيان الثوري صحيح، حدثني أبو بكر محمد بن علي الفقيه الإمام الشاشي القفال ببخارى وأنا سألته، حدثني النعمان بن الهارون البلدي ببلد من أصل كتابه، ثنا أحمد بن عبد الله بن يزيد الحراني، ثنا عبد الرزاق، ثنا سفيان الثوري، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي، قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (( أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب )).
وفي تاريخ الخطيب في ترجمة محمد بن عبد الصمد الدقاق ( ج 2 ص 377 ): حدثنا يحيى بن علي الدسكري بحلوان، حدثنا أبو بكر محمد بن المقرئ بأصبهان، حدثنا أبو الطيب محمد بن عبد الصمد الدقاق البغدادي، حدثنا أحمد بن عبد الله أبو جعفر المكتب، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا سفيان، عن عبد الله بن عثمان بن خيثم ( كذا )، عن عبد الرحمن بن بهمان، قال: سمعت جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الحديبية وهو آخذ بيد علي
يقول: (( هذا أمير البررة وقاتل الفجرة، منصور من نصره مخذول من خذله، يمد بها صوته، أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد البيت ( كذا ) فليأت الباب )).
وفي مناقب ابن المغازلي ( ج 71 ): أخبرنا أبو الحسن أحمد بن المظفر بن أحمد العطار الفقيه الشافعي رحمه الله بقراءتي عليه، فأقر به سنة أربع وثلاثين وأربع مائة.
قلت له: أخبركم أبو محمد عبد الله بن محمد بن عثمان المزني الملقب بابن السقاء الحافظ الواسطي رحمه الله، حدثنا عمر بن الحسن الصيرفي رحمه الله، حدثنا أحمد بن عبد الله بن يزيد، حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا سفيان الثوري، عن عبد الله بن عثمان، عن عبد الرحمن بن بهمان، عن جابر بن عبد الله، قال: أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعضد علي فقال: (( هذا أمير البررة وقاتل الكفرة، منصور من نصره مخذول من خذل، ثم مد بها صوته فقال: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب )).
وفيه ( ص 72، وص 73 ): أخبرنا الحسن بن أحمد بن موسى، قال: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الصلت القرشي، حدثنا علي بن محمد المصري، حدثنا محمد بن عيسى بن شيبة البزار، حدثنا أحمد بن عبد الله بن يزيد المؤدب، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن عبد الله بن عثمان، عن عبد الرحمن، قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم الحديبية وهو آخذ بصبع علي بن أبي طالب عليه السلام: (( هذا أمير البررة وقاتل الفجرة، منصور من نصره مخذول من خذله، ثم مد بها صوته فقال صلى الله عليه وآله وسلم: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب )). انتهى.
وفي اللألئ المصنوعة للسيوطي ( ج 1 ص 330 ) ابن عدي: حدثنا النعمان بن بكرون البلدي، ومحمد بن أحمد بن المؤمل، وعبد الملك بن محمد، قالوا: حدثنا أحمد بن عبد الله أبو جعفر المكتب، أنبأنا عبد الرزاق، أنبأنا سفيان، عن عبد الله بن عثمان بن خيثم ( كذا )، عن عبد الرحمن بن بهما ( كذا )، سمعت جابر بن عبد الله، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم الحديبية وهو آخذ بيد علي يقول: (( هذا أمير البررة وقاتل الفجرة، منصور من نصره مخذول من خذله، يمد بها صوته أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب )). تابعه أحمد بن طاهر بن حرملة بن يحيى المصري، عن عبد الرزاق. انتهى.
وفي ترجمة الإمام علي من تاريخ ابن عساكر ( ج 2 ص 476 ): أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي، أنبأنا أبو القاسم بن مسعدة، أنبأنا حمزة بن يوسف، أنبأنا أبو أحمد بن عدي، أنبأنا النعمان بن هارون البلدي، ومحمد بن أحمد بن المؤمل الصيرفي، وعبد الملك بن محمد، قالوا: أنبأنا أحمد بن عبد الله بن يزيد المؤدب، أنبأنا عبد الرزاق، عن سفيان، عن عبد الله بن عثمان بن خيثم ( كذا )، عن عبد الرحمن بن بهمان، قال: سمعت جابرا يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم الحديبية وهو آخذ بصبع علي بن أبي طالب وهو يقول: (( هذا أمير البررة وقاتل الفجرة، منصور من نصره مخذول من خذله، ثم مد بها صوته وقال: أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد الدار فليأت الباب )). انتهى.
تكلم في هذا الحديث ابن عدي، والخطيب، والذهبي من أجل أن في سنده أحمد بن عبد الله بن يزيد، وقد مر الجواب عليهم في سياق الرد على مقبل، حيث قال في رياضه ( ص 81 ): أليس من التلبيس أن يقوم خطيبكم يبث الأحاديث
الضعيفة والموضوعة، مثل: (( أهل بيتي كسفينة نوح )) ... إلى قوله: (( أنا مدينة العلم )). الحديث.
وخلاصة الرد عليهم إبطال جرحهم لأحمد بن عبد الله، وترجيح تصحيح الحاكم لحديثه، فراجعه فإنه مفيد.
قال مقبل( ص 150 ): وثَّمَ طرق أُخر تركتها اختصارا، وكلها قد قدح ابن الجوزي وغيره من الحفاظ في صحتها.
والجواب :: أن كلامهم لا حجة فيه، والطريق إذا لم تصح مفردة فالطرق الأخر تعضدها، ويصح المجموع بكثرة الطرق.
وقال مقبل : وقد أطال الكلام أهل العلم على هذا الحديث، فمنهم من حكم عليه بالوضع كابن الجوزي.
الجواب :: قد اتضح بطلان هذا الحكم، مع أن ابن الجوزي فيه كلام قد سبق، في أول الكلام على أحاديث الطليعة.
وقال مقبل أيضاً : ومنهم من قال بصحته كالحاكم، ولا يخفى تساهله في تصحيح الأحاديث الضعيفة بل والموضوعة، ولذلك لا يعتمد المحدثون على تصحيحه.
فالجواب :: أن دعوى التساهل على الحاكم إنما هي دعاية من العثمانية ومن قلدهم، وقد قدمنا الجواب عليها والتحقيق أنهم هم الذين يتساهلون في الجرح والتضعيف، إذا كان المجروح أو المضعف ممن يخالفهم في بعض العقائد كالشيعة، ثم بعد هذا الجرح لبعض الرواة أو التضعيف يعترضون على الحاكم في تصحيح حديث من قد رجحوه أو ضعفوه، ويدعون عليه أنه قد صحح من لا يصح حديثه، ثم لا يكفيهم ذلك حتى يوهموا أن جرح الراوي أو تضعيفه، أمر مفروغ منه لا نزاع فيه، تدليسا على المطلع القاصر والمقلد، ومن هنالك يرمون الحاكم بالتساهل في التصحيح، بمعنى أنه لا يتثبت في التصحيح، ولو أنصفوا لاعتبروا
الراوي مختلفا فيه بين الحاكم المصحح لحديثه وبين من جرحه أو ضعفه، وتركوا للناظر نظره حتى يعرف مَن المتساهل، إن كان هناك تساهل في توثيق، أو جرح، أو تضعيف، أو حتى يترجح له أحد الأمرين بالنظر وتحرير الفكر، لا بالتقليد.
وأما قوله: ولذلك لا يعتمد المحدثون على تصحيحه، فالمجتهدون في الجرح والتعديل لا يعتمدون على تصحيح أحد بدون حجة، بل يعتمدون ما يعرفونه بالحجة من صحة أو عدمها، وكلام مقبل يوهم رميهم بتقليد غير الحاكم، وإنما هي طريقة المقلدين، ولا يُحتج بالمقلدين وخصوصا المتعصبين لمذاهب العثمانية، فإنهم لا يعتمدون تصحيح الحاكم، لأنه يصحح أحاديث في فضائل علي عليه السلام وأهل البيت لا توافق هواهم، فهم يقلدون الذهبي فيما انتقده على الحاكم.
وأما إيهام مقبل أنهم لا يعتمدون على تصحيح الحاكم أصلا، فهو غير صحيح، وقد صرح السيوطي بأنه صحيح، وذكره المتقي في الجزء الأول من كنز العمال في مقدمة الكتاب، فجعل كل ما صححه الحاكم في المستدرك صحيحا، لم يستثن منه إلا ما تعقب لنظره في ( ج 1 ص 7 )، ومن العجيب أن يدعي مقبل أنهم لا يعتمدون على تصحيحه، وهو يروي الخلاف فيه عن ابن الأمير على ثلاثة أقوال.
قال مقبل ( ص 151 ): أما ابن حجر والسيوطي، فقد حكما على الحديث أنه من قسم الحَسَن لكثرة طرقه.
والجواب :: أن هذا فيه تغطية للحق، فالحديث صححه عدد من المحدثين منهم السيوطي وابن جرير، كما لا يخفى على الباحث، بل الظاهر تصحيح ابن معين له على الإطلاق، لأن الخطيب روى عنه أنه قال هو صحيح كما قدمنا، وتأويل الخطيب أنه أراد هو صحيح عن أبي معاوية لا يدفع ذلك، لأنه إذا صح عن أبي معاوية فلا إشكال في صحته كما قدمنا.