فلا ترى نزاعا بين المحدثين، في أن أبا الصلت رواه، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، ولا ترى نزاعا في أن رجال السند غير مجاهيل، ولهذا يجزمون أن أبا الصلت رواه، ولا نزاع أن الذين رواه عنهم ليسوا مجاهيل، بل هم من أئمة الحديث، إنما النزاع في أبي الصلت ولا ترى أحدا يدعي أنه مجهول، ولو ادعا أحد أنه مجهول لكان قوله مردودا بتعريف من قد عرّفه، هذا وقد عُيِّب عليه روايات عن عبد الرزاق، أو عن الإمام الرضى علي بن موسى، وقد قدمنا العذر في التفرد عن أهل البيت، والعذر في الروايات التي تنفر عنها العثمانية، لمخالفتها عقيدتهم في الصحابة أو نحو ذلك، فلا ينبغي لمنصف أن يجعل التفرد تهمة على الإطلاق، ولكن القوم إذا اتهموا روايا تطلبوا جرحه لسوء ظنهم فيه وبغضهم، ولم يتثبتوا في ذلك.
ألا ترى أن بعضهم صرح باتهام أبي الصلت بوضع حديث: (( الإيمان قول باللسان، وعمل بالجوارح، واعتقاد بالجنان ))، مع معرفة صلاحه كما وصفه به الذهبي في الميزان، وزهده وقشافته، كما وصفه به الخطيب في ترجمته، ومع تصريح ابن معين بتوثيقه وهو قد عرفه وجالسه، ثم لم يتورع من صرح باتهامه بوضع هذا الحديث، مع أن الحديث الواحد لا يوجب التهمة، لأنه ولو كان منكرا، يحتمل أن الراوي غلط برفعه، وهو موقوف، أو توهمه حديثا وهو من كلام بعض الحكماء، الذين يسند من طريقهم، أو انتقل ذهنه من محدث، إلى محدث مقارن له في خياله، أو سمعه من راو عن شيخه، فنسي أنه لم يسمعه من شيخه، وإنما سمعه من الراوي عنه، أو غير ذلك من أسباب الغلط التي لا يكاد ينجو منها محدث إلا من عصم الله.

ألا ترى أنهم رووا عن عكرمة بن عمار، عن أبي زميل، عن ابن عباس، كان الناس لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه، فقال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( ثلاث أعطيكهن. قال: نعم. قال: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها. قال. نعم )). الحديث.
قال ابن حزم: هذا موضوع لا شك فيه، والآفة فيه من عكرمة بن عمار.
قال النووي في شرح مسلم: واعلم أن هذا الحديث من الأحاديث المشهورة بالاشكال، لأن أبا سفيان إنما أسلم عام الفتح، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما تزوج أم حبيبة قبل ذلك بزمن طويل، ذكر هذا في تنقيح الأنظار وشرحه ( ج 1 ص 128، وص 129 )، ثم قال: قلت: قد رد الحفاظ على ابن حزم ما ذكره، وجمع ابن كثير الحافظ جزءا منفردا في بيان ضعف كلامه، وفي الحديث غلط ووهم في اسم المخطوب لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهي عزة أخت أم حبيبة ... إلى أن قال: وقد ذكر له تأويلات كثيرة، هذا أقربها. انتهى.
فانظر كيف تأولوا له، لما كان من رجال مسلم، ولم يكن شيعيا.
أما عبد السلام فحاول بعضهم جرحه، لأجل روايته عن الإمام الرضى علي بن موسى بن جعفر، حدثنا علي بن موسى الرضى، حدثنا أبي موسى بن جعفر، حدثنا أبي جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( الإيمان معرفة بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالأركان )). هذا الحديث رواه عنه الخطيب بإسناد إليه في ترجمته من كتابه تاريخ بغداد ( ج 11 ص 47 )، ومن الواضح أنه لا نكارة في معناه، لأنه موافق لقول الله تعالى في الصلاة إلى بيت المقدس قبل نسخها لما نسخت: { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ }[البقرة:143].

وقول الله تعالى: { وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ }[الأنعام:92]. وقول الله تعالى: { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ }[التوبة:71].
فأما التفرد به فلا عجب أن يتفرد علي عليه السلام، ثم ذريته من بعده، بما ليس عند العامة الذين لم يلازموهم حتى يحيطوا بما عندهم، بل لم يبلغهم من حديثهم إلا قليل، وإلا ما جرحوا رواته وأنكروه، فلا عجب أن يتفرد الرواة عن آل الرسول بما تفرد به أئمتهم، وهذا واضح لمن أنصف زعم أن أبا الصلت لم يتفرد بهذا، فقد رواه أبو أحمد داود بن سليمان بن يوسف بن عبد الله ابن الغازي، قال: حدثنا علي بن موسى الرضى به سندا ومتنا، بلفظ: (( الإيمان معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان )). رواه المرشد بالله في الأمالي ( ج 1 ص 23، وص 24 )، وهو أيضا في الصحيفة رواية عبد الله بن عامر الطائي، قال: حدثني علي بن موسى الرضى به سندا ومتنا، بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( الإيمان إقرار باللسان، ومعرفة بالقلب، وعمل بالأركان )).
قال السياغي في الروض النضير ( ج 1 ص 178 ) قال المزي: وقد تابعه الحسن بن علي التميمي الطبرستاني، عن محمد بن صدقة العنبري، عن موسى بن جعفر، وتابعه أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن عباد بن صهيب، عن جعفر بن محمد. انتهى. أي كلام المزي نقلته من الروض النضير.

فأما دعوى بعضهم أن أبا الصلت وضعه ومن رواه غيره، فإنما سرقه منه فهي خرص وسوء ظن بلا حجة، ولو جاز مثل هذا لذهب كثير من السنة بتكذيب الروايات بالوهم، وجرح الرواة بناء على ذلك.
هذا والحديث: (( أنا مدينة العلم )). رواه الخطيب عن أبي الصلت من طريقين، فقال في ترجمته ( ج 11 ص 48 ): أخبرنا محمد بن عمر بن قاسم النرسي، أخبرنا محمد بن عبد الله الشافعي، حدثنا إسحاق بن الحسين بن ميمون الحربي، حدثنا عبد السلام بن صالح - يعني: الهروي - حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( أنا مدينة العلم وعلي بابها )).
والسند الثاني قد مر ذكره وهو قوله في ترجمته ( ص 49 ): فأخبرنا محمد بن أحمد بن رزق، أخبرنا أبو بكر مكرم بن أحمد بن مكرم القاضي، حدثنا القاسم بن عبد الرحمن الأنباري، حدثنا أبو الصلت الهروي، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت بابه )).
أما محمد بن أحمد بن رزق شيخ الخطيب، فترجم له الخطيب في تاريخه ( ج 1 ص 351 ) وقال فيه: وكان ثقة صدوقا، كثير السماع والكتابة، حَسُن الاعتقاد، جميل المذهب، مديما لتلاوة القرآن، شديدا على أهل البدع ... إلى أن قال: وهو أول شيخ كُتِبَ عنه، وأول ما سمعت منه في سنة ثلاث وأربع مائة ... إلى أن قال في ترجمته: وسمعت أبا بكر البرقاني يسأل عنه فقال:ثقة. وأما أبو بكر مكرم بن أحمد، فترجم له الخطيب أيضا في تاريخه ( ج 13 ص 221 ) وذكر

عددا روى عنهم، ثم قال: حدثنا عنه أبو الحسن بن رزقويه، وأبو الحسين بن الفضل القطان، وأبو علي بن شاذان، وكان ثقة.
وأما القاسم بن عبد الرحمن الأنباري، فترجم له الخطيب أيضا في تاريخه ( ج 12 ص 437 ) وقال: حدّث عن يحيى بن هاشم السمسار، وأبي جعفر النفيلي، ويحيى بن معين، وأبي الصلت الهروي، روى عنه أبو عمرو السماك، ومكرم بن أحمد القاضي، وعبد الصمد بن علي الطستي، ثم روى حديثا من طريقه، ثم ذكر تاريخ وفاته سنة أربع وثمانين ومأتين. انتهى.
فأفاد هذا أن رجال السند معروفون لم يذكر في أحد منهم أنه مجهول، بل ذكر عددا رووا عنهم.
وأما السند الأول، فترجم الخطيب لشيخه محمد بن عمر بن قاسم النرسي في التاريخ ( ج 3 ص 37 ) وقال فيه: يعرف بابن عدسية، ثم قال: كتبنا عنه وكان شيخا صالحا صدوقا من أهل السنة، معروفا بالخير.
وأما محمد بن عبد الله الشافعي، فترجمته في تاريخ الخطيب ( ج 5 ص 456، وص 457، وص 458 )، وذكر جماعة روى عنهم، ثم قال: وجماعة يطول ذكرهم، وكان ثقة ثبتا كثير الحديث، حسن التصنيف، ثم ذكر جماعة رووا عنه، ثم قال: وجماعة، وفي ترجمته أخبرنا الأزهري، أخبرنا أبو الحسن الدارقطني، قال شيخنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي: كان يقول لنا: إنه جبلي، وكان ثقة مأمونا، حدثني علي بن محمد بن نصر قال: سمعت حمزة بن يوسف السهمي يقول: وسئل الدارقطني عن محمد بن عبد الله الشافعي، فقال أبو بكر: جبلي ثقة مأمون، ما كان في ذلك الزمان أوثق منه.

وأما إسحاق بن الحسن بن ميمون الحربي، فترجمته في تاريخ الخطيب ( ج 6 ص 382، وص 383 )، ذكر فيها عددا روى عنهم ثلاثة عشر شيخا، وعددا رووا عنه تسعة من الرواة، ثم قال: أخبرنا أحمد بن أبي جعفر القطيعي، حدثنا محمد بن العباس الخزاز، أخبرنا أبو أيوب سليمان بن إسحاق الجلاب، قال: سئل إبراهيم الحربي عن إسحاق الحربي هل سمع من حسين المروذي ؟ قال: هو أكبر مني بثلاث سنين، وأنا قد لقيت حسينا لا يلقاه هو وقال سليمان: سألت إبراهيم عن إسحاق الحربي ؟ فقال لي: هو ثقة، لو أن الكذب حلال ما كذب إسحاق.
قال أبو أيوب: وسألت عبد الله بن أحمد عن إسحاق ؟ فقال: ثقة، أخبرني الأزهري، عن أبي الحسن الدارقطني، قال: إسحاق بن الحسن الحربي ثقة.
فهذا يفيد صحة السند إلى أبي الصلت، وأن رجاله معروفون من أهل الصدق والأمانة.
فأما أبو الصلت فقد مر الكلام، فيه ولنذكر هنا مشائخه والآخذين عنه، الذين ذكرهم الخطيب في ترجمته، لتعرف مكانته في علم الحديث.
قال الخطيب عبد السلام بن صالح بن سليمان بن أيوب بن ميسرة: أبو الصلت الهروي مولى عبد الرحمن بن سمرة القرشي، نسبه أحمد بن سيار المروزي، رحل في الحديث إلى البصرة والكوفة، والحجاز واليمن، وسمع حماد بن زيد، ومالك بن أنس، وعبد الوارث بن سعيد، وجعفر بن سليمان، وشريك بن عبد الله، وعبد الله بن إدريس، وعباد بن العوام، وأبا معاوية الضرير، ومعتمر بن سليمان التيمي، وسفيان بن عيينة، وعبد الرزاق بن همام، وقَدِمَ بغداد فحدّث بها، فروى عنه من أهلها أحمد بن منصور الرمادي، وعباس بن محمد الدوري، وإسحاق

بن الحسين الحربي، ومحمد بن علي المعروف بفستقة، والحسن بن علويه القطان، وعلي بن أحمد بن النظر الأزدي وغيرهم. انتهى المراد.
وقد مرت أسانيد الحاكم التي ذكر في المستدرك، ونعيد بعض ذلك للنظر في السند، قال الحاكم في المستدرك ( ج 3 ص 126 ): حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن عبد الرحيم الهروي بالرملة، ثنا أبو الصلت عبد السلام بن صالح، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب )). هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأبو الصلت ثقة مأمون، فإني سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب في التاريخ يقول: سمعت العباس بن محمد الدوري يقول: سألت يحيى بن معين عن أبي الصلت الهروي ؟ فقال: ثقة. فقلت: أليس قد حدّث عن أبي معاوية، عن الأعمش (( أنا مدينة العلم )) ؟ فقال: قد حدّث به محمد بن جعفر الفيدي، وهو ثقة مأمون.
سمعت أبا نصر أحمد بن سهل الفقيه القباني، إمام عصره ببخاري يقول: سمعت صالح بن محمد بن حبيب الحافظ يقول: وسئل عن أبي الصلت الهروي ؟ فقال: دخل يحيى بن معين ونحن معه على أبي الصلت، فسلّم عليه فلما خرج تبعت بعده، فقلت: ما تقول رحمك الله في أبي الصلت ؟ فقال: هو صدوق. فقلت له: إنه يروي حديث الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأتها من بابها )). فقال: قد روى هذا ذاك الفيدي عن أبي معاوية، عن الأعمش، كما رواه أبو الصلت، حدثنا بصحة ما ذكره الإمام أبو زكريا يحيى بن معين، ثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن تميم القنطري، حدثنا الحسين بن فهم، ثنا محمد بن يحيى بن الضريس، ثنا محمد بن

جعفر الفيدي، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأت الباب )).
قال الحسين بن فهم: حدثناه أبو الصلت الهروي، عن أبي معاوية، قال الحاكم: ليعلم المستفيد لهذا العلم أن الحسين بن فهم بن عبد الرحمن ثقة مأمون حافظ. انتهى المراد هنا.
أما الحاكم فترجمته في تاريخ الخطيب ( ج 5 ص 473، و 474 )، نذكر هنا ما تيسر منها وهذا نصه: محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم بن الحكم الضبي، يعرف بابن البيع من أهل نيسابور، كان من أهل الفضل والعلم، والمعرفة والحفظ، وله في علوم الحديث مصنفات عدة، [ ورد ] بغداد في شبيبته فكتب بها، عن أبي عمرو بن السماك، وأحمد بن سليمان النجاد، وأبي سهل بن زياد، ودعلج بن أحمد، ونحوهم من الشيوخ، ثم وردها وقد علت سنه فحدّث بها، عن أبي العباس الأصم، وأبي عبد الله بن الآخرم، وأبي علي الحافظ، ومحمد بن صالح بن هاني، وغيرهم من شيوخ خراسان. روى عنه الدارقطني، وحدثنا عنه محمد بن أبي الفوارس، والقاضي أبو العلاء الواسطي وغيرهما، وكان ثقة، ولد سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة، وأول سماعه في سنة ثلاثين وثلاث مائة، ثم قال في آخر الترجمة: حدثني الأزهري، ومحمد بن يحيى بن إبراهيم المزكي، قالا: مات أبو عبد الله بن البيع بنيسابور سنة خمس وأربع مائة. انتهى.
وأما أبو العباس محمد بن يعقوب شيخ الحاكم، فترجم له الذهبي في التذكرة ترجمة طويلة أولها هكذا: الأصم الإمام الثقة، مُحدّث المشرق أبو العباس محمد بن يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان الأموي، مولاهم المعقلي النيسابوري، وكان

يكره أن يقال له: الأصم، وذكر فيها سماعه من مشائخ، ورحلاته إلى أصبهان ومكة، ومصر وعسقلان، وبيروت ودمشق، وحمص وطرسوس والرفة، والكوفة وبغداد.
وقال في التذكرة ( ج 3 ص73 ) في ترجمته عن الحاكم أبي عبد الله الراوي، عن أبي العباس محمد قال: وكان - أي أبو العباس - محدّث عصره بلا مدافعة، وسمعته يقول: ولدت سنة سبع وأربعين ومأتين، ثم ذكر مشائخه، ثم ذكر تلاميذ كثيرا رووا عنه، ثم قال الذهبي: قلت حدّث عنه الحاكم، وابن مندة فأكثر، وأبو عبد الرحمن السلمي، ويحيى بن إبراهيم المزكي، وأبو بكر الخيري، وأتم ذكر الرواة عنه الذين سردهم الذهبي نحو اثنين وعشرين راويا، سوى من ذكرهم الحاكم، ثم قال: قال الحاكم: حدّث في الإسلام ستا وسبعين سنة ولم يختلف في صدقه وصحة سماعه، وهو بضبط والده أذّن سبعين سنة، وكان حسن الخلق سخي النفس... إلى أن قال الذهبي: قال: - أي الحاكم - وسمعت محمد بن الفضل بن خزيمة، قال: سمعت جدي إمام الأئمة، وسئل عن كتاب المبسوط للشافعي فقال: اسمعوه من أبي العباس الأصم، فإنه ثقة قد رأيته يُسمَع بمصر ... إلى أن قال حاكيا عن الحاكم: وتوفي في ربيع الآخر سنة ست وأربعين وثلاث مائة. انتهى المراد. وهي ترجمة طويلة.
وأما محمد بن عبد الرحيم الهروي، فقد صحح له الحاكم وأقره الذهبي، إذ لم يعترض تصحيح السند إلا بأبي الصلت، ومع هذا فقد قرر الحاكم في أول المستدرك، أن تصحيح السند توثيق لرجاله، وكذا وثّقه السيد أحمد بن يوسف الحديثي، أحد رجال الجرح والتعديل، ترجم له صاحب الروض في أول الروض، وذكر أنه مجتهد في هذا الفن، ولم يذكر محمد بن عبد الرحيم الذهبي في الميزان، ولا

ابن حجر في لسان الميزان، ولو كان ضعيفا لذكر في ذلك لشدة حرصهم على تضعيف رواة فضائل علي عليه السلام، مع كون الرجل قد روى عنه الحاكم وصحح له، فكيف يسكتون عنه لو كان ضعيفا ؟! هذا ولم أجد ترجمة بهذا الاسم، وهذه النسبة بلفظ الهروي، والأقرب أنه محمد بن عبد الرحيم الملقب صاعقة.
قال الذهبي في التذكرة ( ج 2 ص 120 ): صاعقة الحافظ الكبير أبو يحيى محمد بن عبد الرحيم بن أبي زهير العدوي العمري، مولاهم الفارسي، ثم البغدادي.
وكذا قال الخطيب في تاريخه ( ج 2 ص 363 ) فقال: يعرف بصاعقة، وأصله فارسي.
قلت: وفي القاموس في باب الواو والياء فصل الهاء، وهراة ( د ) بلد بخراسان، و ( ة ) قرية بفارس، والنسبة هروي محركة. انتهى.
وعلى هذا فلا تنافي بين قول الحاكم الهروي، وقول الذهبي الفارسي، فيكون فارسيا هرويا.
قال الخطيب: سمع عبد الوهاب بن عطاء، وعبيد الله بن موسى، وأسود بن عامر، وروح بن عبادة، وأبا المنذر إسماعيل بن عمر، وأحمد بن يونس، وقبيصة بن عقبة، وسعيد بن سليمان سعدويه ونحوهم، وكان متقنا ضابطا، عالما حافظا، حدّث عنه محمد بن يحيى الذهلي، ومحمد بن إسماعيل البخاري في صحيحه، وأبو داود السجستاني، وعبد الله بن أحمد بن حنبل ... إلخ. ذكر عددا من الرواة عنه، ثم قال: وغيرهم. وروى هناك بإسناده عن النسائي أنه قال: محمد بن عبد الرحيم، صاعقة بغدادي ثقة. وروى مثله عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، وعن يحيى بن محمد بن صاعد، ثم قال الخطيب: قرأت على أبي بكر البرقاني، عن إبراهيم بن محمد المزكي، أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج، قال أبو يحيى محمد بن عبد

16 / 63
ع
En
A+
A-