رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( أنا دار العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأتها من بابها )).
قال: وكنت اسمع عليا كثيرا ما يقول: إن ما بين أضلاعي هذا لعلم كثير. هذا لفظ ابن فارس.
ورواه جماعة عن شريك وهو ابن عبد الله النخعي قاضي الكوفة، وأخرجه أبو عيسى الترمذي في جامعه، وله طرق عن أمير المؤمنين عليه السلام، وفي الباب عن عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، وعقبة بن عامر الجهمي، وأبي ذر الغفاري، وأنس، وسلمان غيرهم. انتهى.
وقد مرت رواية الحاكم الحسكاني لحديث ابن عباس وذكره لرواته وذلك في الجواب عن رياض مقبل في البحث الثاني من أبحاث هذا الحديث، وفي شواهد التنزيل عند تفسير قول الله تعالى: { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }[النحل:43] قال: حدثنا عبد ربه ( وفي المطبوعة عبدويه ) بن محمد الشيرازي، قال: حدثنا سهل بن نوح بن يحيى (1) بن الحسين الحباري قال: حدثنا يوسف بن موسى القطان، عن وكيع، عن سفيان، عن السدي، عن الحارث قال: سألت عليا في هذه الآية: { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }[الأنبياء:7]. قال: والله إنا لنحن أهل الذكر، نحن أهل العلم، ونحن معدن التأويل والتنزيل، ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (( أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأته من بابه )). انتهى.
__________
(1) في المطبوعة: بعد قوله بن يحيى: حدثنا أبو الحسن الحبابي... إلى آخره، وذلك مكان بن الحسين الحباري ( مؤلف ).

وفي شواهد التنزيل أيضا في تفسير قوله تعالى: { وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ }[الحاقة:12] أخبرنا أبو الحسن الأهوازي، أخبرنا أبو بكر البيضاوي، حدثنا أبو محمد القاسم بن محمد بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، حدثني أبي، عن أبيه، عن محمد بن عبد الله، عن أبيه عبد الله، عن أبيه محمد، عن أبيه عمر ،عن أبيه علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: (( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك، وأعلمك لتعي، وأنزلت هذه الآية { وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ }، فأذنك الواعية لعلمي يا علي، وأنا المدينة وأنت الباب، ولا تؤتى المدينة إلا من بابها )). انتهى.
وفي مناقب ابن المغازلي ( ص 72 ) أخبرنا محمد بن أحمد بن عثمان، أخبرنا أبو الحسين محمد بن المظفر بن موسى بن عيسى الحافظ البغدادي، حدثنا الباغندي محمد بن سليمان، حدثنا محمد بن مصفى، حدثنا حفص بن عمر العدني، حدثنا علي بن عمر، عن أبيه، عن جرير ( كذا )، عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( أنا مدينة العلم وعلي بابها ولا تؤتى البيوت إلا من أبوابها )). انتهى.
وفيه ( ص 73 ) أخبرنا أبو غالب محمد بن أحمد بن سهل النحوي رحمه الله فيما أذن لي في روايته عنه أن أبا طاهر إبراهيم بن عمر بن يحيى يحدثهم، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن المطلب، حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى سنة عشر وثلاث مائة، حدثنا محمد بن عبد الله بن عمر بن مسلم اللاحقي الصفار بالبصرة سنة أربع وأربعين ومأتين، حدثنا أبو الحسن علي بن موسى الرضي، قال: حدثني أبي، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله

عليه وآله وسلم يا علي: (( أنا مدينة العلم وأنت الباب، كذَب من زعم أنه يصل إلى المدينة إلا من الباب )). انتهى.
وفي اللألئ المصنوعة للسيوطي ( ج 1 ص 334 ) قال الخطيب في تلخيص المتشابه: أنبأنا علي بن أبي علي، حدثنا محمد بن المظفر الحافظ، حدثنا محمد بن الحسين الخثعمي، حدثنا عباد بن يعقوب، حدثنا يحيى بن بشار الكندي، عن إسماعيل بن إبراهيم الهمداني، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي، وعن عاصم بن ضمرة، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب )).
وقال السيوطي في اللألئ عقيب هذا: وقال ابن النجار في تاريخه: حدثتنا رقية بنت معمر بن عبد الواحد، أنبأتنا فاطمة بنت محمد بن أبي سعد البغدادي، أنبأنا سعيد بن أحمد النيسابوري، أنبأنا علي بن الحسن بن بندار بن المثنى، أنبأنا علي بن محمد بن مهرويه، حدثنا داود بن سليمان الغازي، حدثنا علي بن موسى الرضي، عن آبائه، عن علي مرفوعا مثله. انتهى.
وهو موافق لما رواه ابن المغازلي بسند آخر عن الإمام علي بن موسى الرضا، عن آبائه كما مر.
قال السيوطي في اللألئ ( ج 1 ص 335 ) وقال أبو الحسن، عن ابن عمر ( كذا ولعل الأصل علي صحفت فصارت، عن والله أعلم ) الحربي في أماليه، حدثنا إسحاق بن مروان، حدثنا أبي، حدثنا عامر بن كثير السراج، عن أبي خالد، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( أنا مدينة العلم وأنت بابها، يا علي كذَب من زعم أنه يدخلها من غير بابها )). انتهى.

وأما قول ابن الجوزي، عن الدارقطني في إعلال هذا الحديث فهي حكاية مرسلة، مع أنهم قد ذكروا عنه جرح كثير من الشيعة، أما إعلال الحديث فإن كان مذكورا في كتاب العلل، فالمتهم به البرقاني الراوي، عن الدارقطني، كما أنه متهم في رواية جرح كثير من الشيعة، عن الدارقطني والنسائي، ولعل البرقاني كان يبلغ به التعصب لمذهبه، إلى حد أن يعتقد الجرح فيهم مصلحة دينية، لأنه يعتقد أن حديثهم مفسدة ويرى أن دفع فساده مصلحة يجوز الكذب لأجلها، كما يجوّز بعض أصحابه الكذب للإصلاح، أو الكذب على الزوجة للمصلحة، فبالأولى أن يرى جواز الكذب على الدارقطني والنسائي، لاعتقاده المصلحة في ذلك.
قال ابن حزم في الفصل ( ج 4 ص 5 ): أما الحديث أنه - أي: إبراهيم عليه السلام - كذَب ثلاث كذبات، فليس كل كذب معصية، بل منه ما يكون طاعة لله عز وجل، وفرضا واجبا يعصي من تركه، وصح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ليس الكذّاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا. وقد أباح عليه السلام كذب الرجل لامرأته فيما يستجلب به مودتها، وكذلك الكذب في الحرب. انتهى المراد.
فظهر أنهم يرون جواز الكذب للمصلحة، فكيف لا يرى بعضهم جواز الكذب للمصلحة الدينية حسب اعتقاده ؟! فيجرح من يروي رواية في الفضائل أو يروي جرحه، لئلا يغتر الناس بحديثه، بناء منه على ظنه أن قبوله اغترار وفساد في الدين. ولهذا قلنا: لعل البرقاني يكذب على الدارقنطي، والنسائي في جرح الشيعة لهذا المعنى، وكذلك في العلل فيروي إعلال الدارقطني، لحديث: (( أنا مدينة العلم ))، ظنا منه أن ذلك مصلحة دينية يجوز في مذهبه الكذب لأجلها، وفي مقدمة سنن

الدارقطني قال الخطيب: سألت البرقاني هل كان أبو الحسن يملي عليك العلل من حقظه ؟ قال: نعم وأنا الذي جمعتها، قرأها الناس من نسختي. انتهى.
قلت: فلا يبعد أن البرقاني كان يكتب ما أملاه عليه الدارقطني، وكان يضيف إليه كلاما من نفسه ولا يميز بينهما، لأنه لا يكره أن ينسب الناس الكل إلى الدارقطني ليقبلوه، لما في ذلك من المصلحة في ظنه، وتلقاها أصحابه بالقبول لموافقتها لغرضهم، وجعلوها كلها للدارقطني، وأثنوا على البرقاني لموافقته لهم في العقيدة، ونصرته لمذهبهم بما يرويه.
هذا مع أنا قد قررنا في الجرح إن الاتباع فيه من دون اعتماد على حجة تقليد، وكذلك الاتباع في العلل، بل التقليد فيه يكون أظهر أنه تقليد، لأنه يبنى على الظن بناء واضحا جليا، أوضح وأجلى من بناء الجرح على الظن، فلكون ذلك نظريات تختلف فيها الأنظار، لا يقلد فيه الدارقطني ولا غيره، لجواز الخطأ عليهم، والبناء على أصل فاسد.
ولنرجع إلى ذكر الحديث، قال السياغي في الروض النضير شرح مجموع زيد بن علي عليهما السلام، ناقلا عن الجامع الكبير للسيوطي وهو في الروض ( ج 1 ص 182 ): قال الترمذي وابن جرير معا: حدثنا إسماعيل بن موسى السدي، قال: أنا محمد بن عمر الرومي، عن شريك، عن سلمة بن كهيل، عن سويد بن غفلة، عن الصنابحي، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( أنا دار الحكمة وعلي بابها )).
وهكذا حكاه في كنز العمال ( ج 15 ص 129 ) ثم بعد ذكر كلام الترمذي في هذا الحديث، قال: وقال ابن جرير: هذا خبر عندنا صحيح سنده، وكذا حكاه ابن الأمير في شرح التحفة العلوية ( ص 137 )، وقال هناك: وقال

الحافظ السيوطي: وقد كنت أجبت بهذا الجواب، يعني أنه من قسم الحسن دهر إلى أن وقفت على تصحيح ابن جرير، لحديث علي في تهذيب الآثار، مع تصحيح الحاكم لحديث ابن عباس، فاستخرت الله تعالى، وجزمت بارتقاء الحديث إلى رتبة الصحة. انتهى.
وقد مر الكلام في ذكر من صحح الحديث في الجواب عن رياض مقبل.
وفي الروض النضير ( ج 1 ص 402 ) قال الشارح رحمه الله أي السيد أحمد بن يوسف الحديثي الذي وصفه صاحب الروض بالاجتهاد في علم الجرح والتعديل: ومحمد بن عمر الرومي، المذكور في حديث الترمذي السابق، قال فيه الذهبي في الكاشف: ضعفّه أبو داود وقواه غيره، واقتصر في الميزان على تضعيفه.
قلت: بل قد أشار إلى قوته، وأنه في درجة إسماعيل بن موسى أو شريك، لأنه قال في ترجمته قال أبو زرعة فيه: لين. وقال أبو داود: ضعيف، وقد روى عنه البخاري في غير صحيحه، وأخرج الترمذي، عن إسماعيل بن موسى الفزاري، عن محمد بن عمر الرومي، عن شريك حديث: (( أنا دار الحكمة وعلي بابها )) فما أدري من وضعه ؟! انتهى.
فدل هذا على قوة محمد بن عمر، بالنسبة إلى إسماعيل وشريك، لأنه لو كان ساقطا عند الذهبي لما تردد في تعيين من وضعه بزعمه، ولكان هو الأولى بالحمل عليه بلا تردد.
وأما حكاية ابن الجوزي، عن ابن حبان، أنه قال في محمد بن عمر: كان يأتي عن الثقات بما ليس من حديثهم... إلى آخره، فلم أجد ذلك في كتاب ابن حبان في المجروحين والضعفاء، ولا حكاه عنه الذهبي في الميزان في ترجمة محمد بن عمر، فينظر في صحة حكاية ابن لجوزي، بل الأقرب أنها غلطة من غلطاته، وقد ذكر

الذهبي أنه يغلط، ونرجع إلى كلام الروض النضير في محمد بن عمر، قال: ولم ينفرد بروايته للحديث عن شريك، فقد أخرج عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب المناقب له ما لفظه: حدثنا إبراهيم بن عبد الله، وهو أبو مسلم الكشي ( كذا )، أحد الحفاظ مؤلف كتاب السنن، وثقه الدارقطني وغيره، وتركه في الميزان لجلالته، قال عن محمد بن عبد الله الرقاشي، قال: حدثنا شريك، فذكره بإسناده ومتنه، ومحمد بن عبد الله الرقاشي ثقة ثبت، روى له البخاري ومسلم، والنسائي وابن ماجة، وقد رواه سويد بن سعيد، وهو من رجال مسلم كما روياه، قلت - يعني: محمد بن عمر الرومي - ومحمد بن عبد الله الرقاشي، وقد ذكر ذلك الذهبي في الميزان في ترجمة سويد بن سعيد، فقال: أخبرنا محمد بن عبد السلام، أنبأنا عبد المنعم بن القشيري، أنبأنا أبو سعيد، حدثنا محمد بن بشر، حدثنا الوليد السرخسي، حدثنا سويد، حدثنا شريك، عن سلمة، عن الصنابحي، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأت باب المدينة )). انتهى.
والسند من الذهبي إلى سويد، روى به الذهبي عنه عدة أحاديث منها هذا، فقال: وبه أي بالسند المذكور، حدثنا شريك ... إلخ. فجمعته هنا لانفراد الحديث هنا.
وفي ترجمة الإمام علي من تاريخ ابن عساكر المسمى تاريخ دمشق ( ج 2 ص 464 )، أخبرنا أبو المظفر عبد المنعم بن عبد الكريم، وأبو القاسم زاهر بن طاهر، قالا: أنبأنا أبو سعد محمد بن عبد الرحمن، أنبأنا أبو سعيد محمد بن بشر بن العباس، أنبأنا أبو الوليد محمد بن إدريس، أنبأنا سويد بن سعيد، أنبأنا شريك، عن سلمة بن

كهيل، عن الصنابحي، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت باب المدينة )). انتهى.
وله طريق آخر، عن سويد، وهو رواية عبد الحميد بن بحر البصري، وقد مرت فيما نقلناه عن اللألئ، وشواهد التنزيل أول البحث من طريقين.
وقال في الروض النضير حاكيا عن السيد أحمد بن يوسف الحديثي: وأخرجه السيد الشريف أبو عبد الله محمد بن علي الحسني في كتاب من روى، عن زيد بن علي من التابعين، وذلك من طريق الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( أنا دار الحكمة وعلي بابها )). وهذا الحسن بن زيد الراوي، عن أبيه، عن زيد بن علي، هو والد الشريفة نفيسة المصرية التي يتبرك بقبرها أهل مصر، وقد روى له النسائي، وروى عنه مالك وزيد بن الحباب، ذكره الذهبي في ترجمته. انتهى.
وقد مرت للحديث طرق تقوي هذه الطريق غير طريق شريك.
قال في اللألئ المصنوعة ( ج 1 ص 333 ):، عن الحافظ العلائي وشريك هو بن عبد الله النخعي القاضي، احتج به مسلم، وعلق له البخاري، ووثقه يحيى بن معين، وقال: العجلي ثقة حسن الحديث. وقال عيسى بن يونس: ما رأيت أحدا قط أورع في علمه من شريك، فعلى هذا يكون تفرده حسنا، فكيف إذا انضم إلى حديث أبي معاوية، ولا يرد عليه رواية من أسقط منه الصنابحي، لأن سويد بن غفلة تابعي مخضرم، أدرك الخلفاء الأربعة وسمع منهم، وذكر الصنابحي فيه من المزيد في متصل الأسانيد، ولم يأت أبو الفرج - أي: ابن الجوزي - ولا غيره بلة ( بعلة ) قادحة في حديث شريك، سوى دعوى الوضع دفعا بالصدر. انتهى.

قال مقبل( ص 150 ) حاكيا عن ابن الجوزي، وفي الطريق الخامس مجاهيل قال: وهو رقم ( 19 ) كذا قال مقبل ، ومعناه الحديث هذا بلفظ: (( أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب )).
وهذا تدليس من مقبل وتغرير على القاصرين، لأنه روى من طرق عديدة ليست طريقا واحدة، وليس في كلها مجاهيل، وقد ذكر الحاكم في المستدرك أسانيد للحديث وصححه، فلم يعترضه الذهبي بدعوى جهالة السند، إنما ادعا جرح أبي الصلت الراوي له، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، وادعا الذهبي جرح أحمد بن عبد الله الحراني الراوي له بسند آخر، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، وسكت على سند ثالث، فلم يجرح أحد رواته، ولا ادعا جهالة السند، ولو كان فيهم مجهول لذكره، لعنايته في رد الفضائل لعلي عليه السلام وأهل البيت، حيث يجد وجها في رأيه لإبطال الرواية، كما لا يخفى على من طالع تلخيصه وميزانه، هذا وقد مر جواب في أبي الصلت وذلك في الجواب، عن رياض مقبل، وكذلك مر جواب هناك في أحمد بن عبد الله بن يزيد الحراني، ونزيد هنا ما تيسر في أبي الصلت وتصحيح روايته.
قال الخطيب في تاريخه ( ج 11 ص 49، وص 50 ): وأما حديث الأعمش ( يعني، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( أنا مدينة العلم وعلي بابها ... )) الحديث، فإن أبا الصلت كان يرويه، عن أبي معاوية عنه - أي، عن الأعمش - فأنكره أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، من حديث أبي معاوية، ثم بحث يحيى عنه فوجد غير أبي الصلت قد رواه، عن أبي معاوية، فأخبرنا محمد بن أحمد بن رزق، أخبرنا أبو بكر مكرم بن أحمد بن مكرم القاضي، حدثنا القاسم بن عبد الرحمن الأنباري، حدثنا أبو الصلت الهروي، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد العلم فليأت بابه )).

قال القاسم: سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث. فقال: هو صحيح.
قال الخطيب: أراد أنه صحيح من حديث أبي معاوية وليس بباطل، إذ قد رواه غير واحد عنه، أخبرنا محمد بن علي المقرئ، أخبرنا محمد بن عبد الله النيسابوري، قال: سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب الأصم يقول: سمعت العباس بن محمد الدوري يقول:سمعت يحيى بن معين يوثق أبا الصلت عبد السلام بن صالح، فقلت: أو قيل له أنه حدّث عن أبي معاوية، عن الأعمش: (( أنا مدينة العلم وعلي بابها )) ؟ فقال: ما تريدون من هذا المسكين أليس قد حدث به محمد بن جعفر الفيدي، عن أبي معاوية ؟! هذا أو نحوه.
قرأت على البرقاني، عن محمد بن العباس، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن مسعدة، حدثنا جعفر بن درستويه، حدثنا أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز، قال: سألت يحيى بن معين، عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي ؟ فقال: ليس ممن يكذب. فقيل له: في حديث أبي معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس: (( أنا مدينة العلم وعلي بابها )). فقال: هو من حديث أبي معاوية أخبرني ابن نمير قال: حدّث به أبو معاوية قديما ثم كف عنه، وكان أبو الصلت رجلا مؤسرا، يطلب هذه الأحاديث ويكرم المشايخ وكانوا يحدثونه بها. أخبرني أبو العلاء محمد بن علي الواسطي، أخبرنا أبو مسلم بن مهران، أخبرنا عبد المؤمن بن خلف النسفي، قال: سألت أبا علي صالح بن محمد، عن أبي الصلت الهروي ؟ فقال: رأيت يحيى بن معين يحسن القول فيه، ورأيت يحيى بن معين عنده، وسئل عن هذا الحديث الذي روي عن أبي معاوية حديث: (( أنا مدينة العلم وعلي بابها )). فقال: رواه أيضا الفيدي. قلت: ما اسمه ؟ قال: محمد بن جعفر. انتهى.

15 / 63
ع
En
A+
A-