وذكر السيوطي في اللألئ سند الأبزاري فقال: أخبرنا يحيى بن المدبر أبو منصور، أنبأنا محمد بن محمد بن عبد العزيز العكبري، أنبأنا أبو أحمد عبيد الله بن محمد بن أحمد الفرضي، حدثنا جعفر بن محمد الخوصي، حدثنا الحسن بن عبيد الله الأبزاري، حدثنا إبراهيم بن سعد، حدثني المأمون، حدثني الرشيد، حدثني المهدي، حدثني المنصور، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، سمعت عمر بن الخطاب يقول: كفوا عن علي فلقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه خصالا إلى آخر الحديث كما مر، وإلى آخر كلام ابن عباس السابق ذكره.
ثم قال عن ابن الجوزي: باطل عمله الأبزاري، فظهرت مجازفة ابن الجوزي في الحكم بالوضع، ونسبة ذلك إلى الأبزاري على القطع بلا حجة.
ثم قال: وقد رواه أبو بكر بن مردويه عن أبي بكر بن كامل، عن علي بن المبارك الربيعي، عن إبراهيم بن سعيد، قال: ولعل ابن المبارك أخذه من الأبزاري. انتهى.
قلت: هذا التجويز لا يلتفت إليه بدون حجة. فأما أن يجرح علي بن المبارك بنفس هذه الرواية، ثم يدعي عليه أنه سرقها بناء على جرحه، فذلك دور وتحكم وتقَوّل بلا مستند.
والحديث في ترجمة الإمام علي عليه السلام من تاريخ ابن عساكر ( ج 1 ص 132 ) من طريق بشر بن إبراهيم الأنصاري، وفي الصفحة التي بعدها بسند آخر وإليك نصه: أخبرنا أبو العز أحمد بن محمد بن عبيد الله السلمي، أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي، أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن نصير، أنبأنا محمد بن إبراهيم الصلحي ( كذا )، أنبأنا أبو سعيد عمرو بن عثمان بن راشد السواق، أنبأنا عبد الله بن مسعود الشامي، أنبأنا ياسين بن محمد بن أيمن، عن أبي حازم مولى ابن

عباس، عن ابن عباس، قال: قال عمر بن الخطاب: (( كفوا عن علي فإني سمعت ( كذا ) رسول الله فيه خصالا لو أن خصلة منها في جميع آل الخطاب كان أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، إني كنت ذات يوم وأبو بكر، وعبد الرحمن، وعثمان بن عفان، وأبو عبيدة ابن الجراح، في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فانتهينا إلى باب أم سلمة [ و ] إذا نحن بعلي متكئ على نجف الباب، فقلنا: أردنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: هو في البيت يخرج عليكم الآن. قال: فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فثرنا حوله فاتكأ على علي ثم ضرب يده على منكبيه، وقال: أكس ( يا ) ابن أبي طالب فإنك مخاصم، فتخصم بسبع ليس لأحد بعدهن إلا فضلك ( كذا ) (1)، إنك أول المؤمنين معي إيمانا، وأعلمهم بأيام الله، وأوفاهم بعهده، وأرأفهم بالرعية، وأقسمهم بالسوية، وأعظمهم عند الله مزية )).
قال ابن عساكر: وسقطت منه واحدة.
وفي الكتاب المذكور ( ج 1 ص 361 ) شاهد لبعض هذا الحديث بسند آخر فقال في ترجمة الإمام علي: وأخبرنا أبو غالب ابن البناء، أنبأنا أبو الحسين ابن الأبنوسي، أنبأنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن سعيد ابن محارب بن عمرو الأنصاري الأوسي الاصطخري، أنبأنا أبو محمد عبد الله بن أذران الخياط بشيراز سنة أربع وثلاث مائة، أنبأنا إبراهيم بن سعيد الجوهري وصي المأمون، حدثني أمير المؤمنين المأمون، حدثني أمير المؤمنين الرشيد، حدثني أمير المؤمنين المهدي، حدثني أمير المؤمنين المنصور، عن أبيه، عن جده، عن عبد الله بن عباس، قال: سمعت عمر بن الخطاب وعنده جماعة فتذاكروا السابقين إلى الإسلام، فقال عمر: أما علي
__________
(1) المعنى مستقيم، ليس لأحد بعدهن إلا فضلك. أي: ما فضل بعدك، أي الفضلة والسؤر. ( المؤلف ).

فسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول فيه ثلاث خصال لوددت أن لي واحدة منهن فكان أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، كنت أنا، وأبو عبيدة، وأبو بكر، وجماعة من الصحابة، إذ ضرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيده على منكب علي فقال له: يا علي أنت أول المؤمنين إيمانا، وأول المسلمين إسلاما، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى. فهذه الطريق تلاقي طريق علي بن المبارك في إبراهيم بن سعيد.
قال محقق ترجمة الإمام علي من تاريخ ابن عساكر على قول ابن عساكر، عن إبراهيم بن سعيد الجوهري، ورواه أيضا بسنده عنه أبو أحمد الحاكم في الكنى ( ج 4/ الورق 18/ ب ) قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن المبارك بن المسرور ( ظ ) ببغداد، أنبأنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال: حدثني أمير المؤمنين المأمون، قال: حدثني أمير المؤمنين الرشيد، قال: حدثني أمير المؤمنين المهدي، قال: حدثني أمير المؤمنين المنصور، قال: حدثني أبي، عن جدي، عن عبد الله بن عباس، قال: يعني ... إلخ.
هذا وقد ظهر من الروايات السابقة اتفاقها على إثبات سبع فضائل لعلي عليه السلام، رواية بشر بن إبراهيم، عن ثور، عن خالد، عن معاذ، ورواية يحيى بن سعيد الأنصاري، عن ابن المسيب، عن أبي سعيد الخدري، ورواية الأبزاري، عن إبراهيم بن سعد، عن المأمون، عن آبائه، عن ابن عباس، والظاهر أنه إبراهيم بن سعيد كما في الروايات الأخيرة، ورواية علي بن المبارك عن إبراهيم بن سعيد، كذلك فهذه الطرق يقوي بعضها بعضا، ويظهر بجملة ذلك أن دعوى الوضع باطلة.
قال مقبل : قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: (( أنت أول من آمن بي، وأنت أول من يصافحني يوم القيامة، وأنت الصديق الأكبر، وأنت

الفاروق الأكبر، تفرق بين الحق والباطل، وأنت يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الفجار )).
( ج ) أي: ابن الجوزي موضوع فيه عباد بن يعقوب.
قال ابن حبان: يروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك، وفيه علي بن هاشم، قال ابن حبان: كان يروي عن المشاهير المناكير، وكان غاليا في التشيع، وفيه محمد بن عبيد، قال يحيى: ليس بشيء.
فالجواب :: قد قررنا فيما مضى تعصب ابن حبان ومجازفته في جرح خصومه ولا شك أنه متهم، وقد تقرر أنه لا يقبل الجرح مع عداوة المذهب، وكل ذلك قد بسطنا فيه القول فيما مضى، كما أنا قد جربنا ابن حبان يدعي على خصومه مثل هذه الدعاوي، ويَظَهر بطلانها كما قدمنا كلامه في حسين بن علوان، وظهر أنه لا يتعين الحمل عليه لاحتمال أن سماعه من هشام متأخر، وقد ذكروا أن هشاما تغير في آخر أمره كما مر، ومثل جرحه في عيسى بن عبد الله، فأورد رواية الحمام الأحمر وقد رواها ابن حبان عن غيره، فخرج عيسى من عهدتها وبقية الروايات ليس فيها منكر.
قال في كتاب المجروحين والضعفاء ( ج 2 ص 121، وص 122 ): عيسى بن عبد الله ابن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب من أهل الكوفة، يروي، عن أبيه، عن آبائه أشياء موضوعة لا يحل الاحتجاج به، كأنه كان يهم ويخطي حتى كان يجيء بالأشياء الموضوعة عن أسلافه، فبطل الاحتجاج بما يرويه لما وصفت، روى عن أبيه، عن جده، عن علي، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعجبه النظر إلى الحمام الأحمر والأترج.
وبإسناده عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من زعم أنه يحبني ويبغض عليا فقد كذب )).

وبإسناده قال: كان أحب الشاة إلى رسول الله الذراع.
وبإسناده عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من صنع إلى أحد من أهل بيتي يدا كافأته عنه يوم القيامة )).
وبإسناده عن علي قال: جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوما فوجدته في ملأ من قريش فنظر إلي وقال: (( يا علي إنما مثلك في هذه الأمة كمثل عيسى بن مريم أحبه قوم فأفرطوا فيه، وأبغضه قوم فأفرطوا فيه. قال: فضحك الملأ الذي عنده وقالوا: انظروا كيف شبه ابن عمه بعيسى. قال: ونزل القرآن، { ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون } )).
وبإسناده عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( حق علي على كل المسلمين كحق الوالد على الولد )).
أخبرنا بهذه الأحاديث كلها إسحاق بن أحمد القطان بتنيس، قال: حدثنا يوسف بن موسى القطان، قال: حدثنا عيسى بن عبد الله، قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده علي ابن أبي طالب، في نسخة كتبناها عنه أكثرها معمولة. انتهى.
فهذه ترجمته عنده، وهذه الأحاديث التي ذكرها مدعيا نكارتها محتجا بها، على أنه يجيء بالأشياء الموضوعة ليس فيها شيء منكر، وإنما النواصب ينكرون الفضائل فيتهمون رواتها، ولهذه التي أوردها شواهد من رواية غير عيسى بن عبد الله، وحديثه: يعجبه النظر إلى الحمام الأحمر والأترج.
أخرجه ابن حبان نفسه في ترجمة أبي سفيان الأنماري ( ج 3 ص 148 ) من كتاب المجروحين فقال فيه: وهو الذي روي عن حبيب بن عبد الله بن أبي كبشة، عن أبيه، عن جده قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعجبه النظر إلى الأترج والحمام الأحمر. انتهى.

مع أن هذا ليس منكرا، لأنه لا يخالف الكتاب ولا السنة، ولا معنى لإنكار القوم ما يجهلونه من حديث أهل البيت وشيعتهم، لأن السبب إعراضهم عنهم، فلا عجب أن يخفى عليهم بعض السنة بسبب إعراضهم عن أهلها، واعتقاد القوم أنهم مع ذلك قد أحاطوا بالسنة جهل مركب، لأنه لا دليل لهم على ذلك، بل الأولى بهم أن يعتقدوا أن قد فاتهم بعض السنة، لأنه لم يحصل لهم من حديث علي عليه السلام إلا قليل جدا، لأنهم أعرضوا عنه في عهد الأموية رغبا أو رهبا، وجرحوا في عدد من أصحابه وأعرضوا عن ذريته، كذلك وجرحوا في عدد من أصحابهم، فكيف لا يفوتهم علم كثير من علم علي عليه السلام ؟! وكيف يعتقدون الإحاطة بالسنة وحالهم هذه ؟! ثم يجزمون بنفي ما ليس عندهم ويكذبون من رواه، كأنهم هم مدينة العلم أو كأنهم قد لازموا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طول حياته، وعلموا أنهم قد أحاطوا بكل ما جاء به، فظهر بهذا أنهم إنما يتحاملون على الشيعة ويكذبونهم محاربة للفضائل،: { إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى } [النجم:23].
هذا وقول ابن حبان في عباد بن يعقوب: يروي المناكير عن المشاهير، دعوى من خصم على خصمه بدون بينة، فهي مردودة.
وقد ذكره في كتاب المجروحين والضعفاء ( ج 2 ص 172 ) فلم يأت بحجة على دعواه، إنما قال: وهو الذي روى عن شريك، عن عاصم بن زر ( صححته من الميزان من ترجمة عباد عن ابن حبان، عن عبد الله ) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه.
أخبرناه الطبري، قال: حدثنا محمد بن صالح، قال: حدثنا عباد بن يعقوب عن شريك. انتهى.

وليس في هذا نكارة، بل هو موافق للحديث المشهور بين الأمة في عمار، تقتله الفئة الباغية، ولقول الله تعالى: { فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } [الحجرات:9]. وكيف يكون الأمر بقتله منكرا ؟! وقد قتل بسببه خمسة وعشرون ألفا من أنصار الحق المقاتلين للفئة الباغية أو نحو هذا العدد، مع أن الحديث لم يتفرد به عباد، بل قد رواه غيره، فقد أورد الذهبي في الميزان في ترجمة سفيان بن محمد الفزاري المصيصي، روى عن منصور بن سلمة ولا بأس بمنصور، عن سليمان بن بلال، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر حديث: (( إذا رأيت فلانا على منبري فاقتلوه )).
وأورده في الميزان في ترجمة عبد الرزاق فقال فيه ابن عدي: حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا ابن راهويه، حدثنا عبد الرزاق، عن ابن عيينة، عن علي بن يزيد ( كذا ) بن جذعان ( كذا )، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، مرفوعا: (( إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه )).
قال: وحدثناه محمد بن سعيد بن معاوية بنصيبين، حدثنا سليمان بن أيوب الصريفيني، حدثنا ابن عيينة، وحدثناه محمد بن العباس الدمشقي، عن عمار بن رجاء، عن ابن المديني، عن سفيان، وحدثناه محمد بن إبراهيم الأصبهاني، حدثنا أحمد بن الفرات، حدثنا عبد الرزاق، عن جعفر بن سليمان، عن أبي جذعان ( كذا ) نحوه. انتهى.
فظهر تحامل ابن حبان على من يخالفه في العقيدة، ومجازفته بهذه العبارة، يروي المناكير، عن المشاهير ونحوها بدون تثبت ولا إنصاف من ابن حبان، هذا وعباد لم نعلم أحدا من المحدثين جرحه في حديثه إلا ابن حبان ومن قلده.

قال الذهبي في ترجمته في الميزان: عباد بن يعقوب ( خ ت ق) أي: أخرج حديثه البخاري، والترمذي، وابن ماجة.
ثم قال الأسدي الرواجني الكوفي: من غلاة الشيعة ورؤوس البدع، لكنه صادق في الحديث، عن شريك، والوليد بن أبي ثور، وخلق.
وعنه البخاري حديثا في الصحيح مقرونا بآخر، والترمذي، وابن ماجة، وابن خزيمة، وابن أبي داود.
وقال أبو حاتم: شيخ ثقة.
وقال ابن خزيمة: حدثنا الثقة في روايته المتهم في دينه عباد. انتهى المراد.
ودعواهم فيه الغلو والابتداع، مبني على دعواهم أن مذهبهم هو السنة، وما خالفه هو البدعة، وهي دعوى باطلة، لأن المقدمين لعلي عليه السلام هم المستندون إلى الحديث، المعتمدون على السنة على حديث الغدير، وحديث المنزلة، وغير ذلك كما هو محقق في محله.
أما القائلون بتقديم الثلاثة، فمعظم اعتمادهم على دعوى إجماع الصحابة، وهي دعوى باطلة عند من أنصف وحرر فكره، لأن الخلاف متحقق قد رواه المخالفون، والإجماع بعد ذلك لم يثبت وإن روى المخالفون في ذلك رواية تنصر مذهبهم، فهم تفردوا بها وليست متواترة، ولا رواتها المختلفين في المذهب من الشيعة وخصومهم، وليس عجيبا أن تروي فرقة ما ينصر مذهبها وإن كان باطلا، فكثير من الفرق كذلك.
وإذا كانت العثمانية حجة فيما رووه وتفردوا بروايته، لزم أن تكون الشيعة حجة فيما رووه وتفردوا بروايته، وإن لم يكن مما كثرت أسانيده واشتهر بين الأمة

بتعدد طرقه، فالقوم في تسميتهم تقديم علي عليه السلام بدعة، وتقديم الثلاثة سنة، على غير حق ولا إنصاف.
فأما تطورهم إلى سب من خالفهم بضروب من السب، وطرح بعضهم لروايته، واستحلال الكذب عليه، مع علمهم أنه معتمد على ما يعتقده سنة، وأنه يرى نفسه هو المتمسك بالسنة، فبغضهم له ومحاولة بعضهم لتطلب سبب لجرحه وتعنتهم عليه، ونحو ذلك عدول عن النصرة للسنة، وميل مع العاطفة لمذهب الأسلاف، كما قال ابن الأمير:

مذاهب من رام الخلاف لبعضها ... يُعضّ بأنياب الأساود والأسْدِ
يصب عليه سوط ذمّ وغيبة ... ويجفوه من قد كان يهواه عن عمدِ
ويعزى إليه كل مالا يقول‍ه ... لتنقيصه عند التهامي والنجدي

هذا وقول الذهبي وعنه البخاري حديثا في الصحيح مقرونا بآخر، يعني: الذي رواه عنه بلا واسطة، وقد حقق هذا ابن حجر في مقدمة شرح البخاري، فقال: روى عنه البخاري في كتاب التوحيد حديثا واحدا مقرونا، وهو حديث ابن مسعود، أي العمل أفضل، وله عند البخاري طرق أخرى من رواية غيره. انتهى.
وأما قول مقبل ( 148 ) عن ابن الجوزي وفيه: علي بن هاشم، قال ابن حبان: كان يروي عن المشاهير المناكير، وكان غاليا في التشيع.
فالجواب :: قد ذكر هذا ابن حبان، ولم يحتج لدعواه رواية المناكير إلا بقوله: هو الذي روى عن إسماعيل بن مسلم، عن عطاء، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( من توضأ فليتمضمض وليستنشق، والأذنان من الرأس )).
أخبرناه الحسن بن سفيان، قال: حدثنا زكريا بن يحيى الواسطي، قال: حدثنا علي بن هاشم، عن إسماعيل بن مسلم، وليس في هذا نكارة يجرح بها الراوي، بل

الجرح بمثل هذا هو المنكر الدال على التعنت، لأن الروايات بهذا المعنى كثيرة، وقد روي مثل هذا عن أبي هريرة من غير طريق علي بن هاشم، ومن أراد معرفة ذلك فلينظره في نصب الراية، مع أن بعضهم ضعّف إسماعيل بن مسلم المكي الذي روى عنه علي بن هاشم، فلو كان الحديث منكرا فلا يحمل على علي بن هاشم، لاحتمال أن إسماعيل بن مسلم غلط فيه لضعفه، والمنكر هو سند ابن حبان الذي جرح به عددا من الشيعة، فيقول: أخبرنا مكحول قال: سمعت جعفر بن أبان يقول: سمعت فلانا قال في فلان كذا، فتراه يكرر هذا السند عند حاجته إليه في جرح الرواة أو تضعيفهم، حتى جرح به عددا من الشيعة، وابن حبان متهم في روايته، فقد روى، عن شعبة، عن قتادة، سمعت أنس بن مالك قال: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فلم أسمع أحدا يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. انتهى.
فخالف الرواة في إثبات سماع قتادة من أنس في رواية شعبة، فابن حبان متهم بها، فهو متهم بوضع السند المذكور، أي: أخبرنا مكحول ... إلخ. كما هو متهم بوضع السند هذا في بسم الله الرحمن الرحيم بذكر السماع، وهو متهم بزيادة في رواية لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم، فزاد ابن حبان ويجهرون بالحمد لله رب العالمين، أفاد زيادته ذلك الزيلعي في نصب الراية ( ص 326 من ج 1 )، فظهر بطلان الاعتماد على ابن حبان في جرح علي بن هاشم، وقد قال الذهبي في الميزان في ترجمة علي بن هاشم، عن هشام وجماعة، وعنه أحمد وأبنا أبي شيبة وخلق، وثقه ابن معين وغيره، قال أبو داود: ثبت يتشيع.
وقال البخاري: كان هو وأبوه غاليين في مذهبهما.

11 / 63
ع
En
A+
A-