أحدٌ غيره حتى نُسخت (1)، وهو الذي تصدق بخاتمه راكعاً فنزلت فيه الآية (2) وهو المراد بقوله تعالى: {أجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدَ الحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ}[االتوبة:19] (3).
__________
(1) ـ روي عن الإمام علي بن أبي طالب (ع) أنه قال: في كتاب الله آية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي: {يا أيها الذين أمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة}. كان لي دينار فبعته بدراهم وكنت إذا جئت الرسول تصدقت بدرهم حتى نفد فنسخت الآية. انظر أسباب النزول للواحدي 413.
(2) ـ قد تقدم الكلام على هذا الحديث عند آية: {إنما وليكم الله ورسوله}.
(3) ـ روي عن الحسن والشعبي أن هذه الأية نزلت في على والعباس وطلحة بن شيبة وذلك أنهم افتخروا فقال طلحة: أنا صاحب البيت بيدي مفاتيحه ولو أشاء بت فيه وإلي ثياب بيته. وقال العباس: أنا صاحب السقاية والقائم عليه. وقال علي: ما أدري ما أقول لأني قد صليت ستة أشهر قبل الناس وأنا صاحب الجهاد فأنزل الله هذه الأية. أسباب النزول للواحدي 244، وتفسير الحبري 473.
وهو المراد بقوله تعالى: {وَيُطْعِمُوْنَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيْناً وَيَتِيْماً وَأَسِيْراً}[الإنسان:8] (1). وهو الذي أعطاه الراية يوم خيبر بعد أن قال: (( لأعطين الراية.. )) الخبر(2)، وصاحب الطير(3). وأنه لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق (4)، وهو أقضى الصَّحابة (5)، وهو باب مدينة العلم(6)
__________
(1) ـ قال الواحدي في أسباب النزول 448: عن ابن عباس: إن علي بن أبي طالب أجر نفسه يسقي نخلا بشيء من شعير، ثم طحن ثلثه فجعلوا منه شيئاً ليأكلوه، فلما تم إنضاجه أتى مسكين فأخرجوا إليه الطعام، ثم عمل الثلث الباقي فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين فأطعموه وطووا يومهم ذلك فنزلت فيه هذه الآية. وانظر شواهد التنزيل 2/ 298 ـ 315.
(2) ـ أخرج البخاري 5/87 ـ 88، ومسلم 4/1871 رقم (2406)، والحاكم 3/309 عن سهل بن سعد، أن رسول الله (ص) قال يوم خيبر: لأعطين الراية غداً رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. ثم أعطاها علي وأخرج نحوه أبو طالب 48 عن جابر.
(3) ـ أخرج الحاكم 3/130 وصححه، وأبو يعلى 7 رقم (4052)، والنسائي في الخصائص رقم (12) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: إن رسول الله (ص) أتى بطير فقال اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير. فجاء علي رضي الله عنه. واللفظ للحاكم. وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وأخرجه الترمذي 5 رقم (3721).
(4) ـ أخرج مسلم 1/86 رقم (78) عن علي قال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي (ص) إلي أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق. وأخرج أبو طالب 54 عن أم سلمة أنها سمعت رسول الله (ص) يقول: لا يحب علياً إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق.
(5) ـ روى البخاري 6/46، والحاكم 3/305، وأحمد 5/113 عن عمر أنه قال: أقضانا علي. وروى الهادي في كتاب العدل والتوحيد 69 عن النبي (ص) مرسلا: علي أقضى الخلق وأعلمهم.
(6) ـ أخرجه الحاكم 3/ 126 من طرق وصححه، والطبراني في الكبير 11/ 65 رقم (11061)، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 6/99 وقال: سألت أبي فقال: ما أراه إلا صدقاً. ورواه الهادي في كتاب العدل والتوحيد 69 مرسلا. وانظر: تخريجه مستكملا في هامش مرقاة الوصول 26 بتحقيقنا.
، ولم يجمع أحد بين قرب النسب وقرب الصَّهارة والصحبة غيره، وسَدَّ صلى الله عليه وآله وسلم الأبواب التي إلى المسجد إلا باب علي عليه السلام (1)، وهو حامل لواء الحَمْد(2) وصاحب ذي الفقار، ومعصوم لا يفارق الحق(3)، ولم يقتل أحد مثل ما قَتَل، وكان يُرْجَعُ إليه ولايَرْجِعُ إلى أحد: {أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَنْ لاْ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى}[يونس:35].
__________
(1) ـ كان لنفر من أصحاب رسول الله (ص) أبواب شارعة إلى المسجد فقال رسول الله (ص): (( سدوا هذه الأبواب إلا باب علي )) . أخرجه أحمد 3/58، والترمذي 5رقم (3733) عن سعد. وأخرجه أحمد 4/369، والحاكم 3/125 وقال: صحيح الإسناد. قال ابن حجر في القول المسدد 52: هو حديث مشهور له طرق متعددة، كل طريق منها على انفرادها لاتقصر عن رتبة الحسن، ومجموعها مما يقطع بصحته على طريق كثير من أهل الحديث.
(2) ـ أخرج ابن المغازلي الشافعي في المناقب 42 ـ 43، ومحب الدين الطبري في الذخائر 75 من حديث طويل عن علي أن النبي (ص) قال له: وإني أخبرك ياعلي أن أمتي أول الأمم يحاسبون ثم إنه أول من يدعى بك لقرابتك مني ومنزلتك عندي ويرفع إليك لوائي وهو لواء الحمد.
(3) ـ أخرج الإمام أبو طالب في الأمالي 39 عن أم سلمة أنها سمعت رسول الله (ص) يقول: علي مع الحق والقرآن والحق والقرآن مع علي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض. وروى نحوه الهادي في كتاب العدل والتوحيد 69 مرسلا.
ولما هاجر صلى الله عليه وآله وسلم لم يستخلف لرد الودائع وغيرها إلا إياه عليه السلام، ولما كان غزوه إلى الروم أطول أسفاره وأبعدها شُقَّة، والحاجة إلى الخليفة واختيار الأكمل والأفضل، ليست كالحاجة إلى الخليفة في السفر القصير والمدة القصيرة، فلم يستخلف غيره عليه السلام، ولم يختلف أحد من العلماء بعده في إمامته عليه السلام، حين انْتُهِيَ بها إليه بخلاف غيره، وردَّت له الشمس بعد الأفول ولم تُرَدّ لغيره (1)، وأسهم له في غزوة تبوك سهمين أحدهما سهم جبريل عليه السلام (2)، (وهو الذي صبر يوم المهرا س وانهزم الناس كلهم غيره، وهو الذي غَسَّلَه وأدخله قبره صلوات الله عليه وسلامه) (3)، وهو أفضل أهل البيت، وأهل البيت أفضل من غيرهم، فهم أفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والأفضل هو الأحق بالإمامة
__________
(1) ـ في الغدير 3/126: قال ابن حجر في الفتح: روى الطحاوي والطبراني في الكبير والحاكم والبيهقي في الدلائل عن أسماء بنت عميس أنه صلى الله عليه وآله وسلم دعا لما نام على ركبة علي ففاتته صلاة العصر فردت الشمس حتى صلى ثم غربت. وهذا ابلغ في المعجزة وقد أخطأ ابن الجوزي لإيراده له في الموضوعات، وكذا ابن تيمية في كتاب الرد على الروافض في زعم وضعه.. وقال السيوطي في مناهل الصفا 119: أخرجه الطبراني بأسانيد رجال بعضها ثقات.
(2) ـ روى الإمام أبو طالب في الأمالي 49 أنه لما عاد الناس من غزوة تبوك قسم رسول الله للناس ودفع لعلي سهمين فأنكر عليه بعض القوم فقال لهم رسول الله (ص): (( إن جبريل كان معنا وإنه قال لي: إن لي سهماً قد جعلته لابن عمك علي )) .
(3) ـ ما بين القوسين مقطوع من كلام لابن عباس، رواه عنه أبو طالب في الأمالي34 . والمهراس: صخرة منقورة تسع كثيراً من الماء، وقيل: المهراس أسم ماء بأحد، روي أن النبي (ص) عطش يوم أحد فجاءه علي بماء من المهراس فعافه وغسل به الدم عن وجهه. انظر: النهاية 5/ 259.
بإجماع الصحابة، واحتجوا على الأنصار به (1) وصَدَقُوا؛ ولكنه أخص منهم بذلك، وأولاهم به.
[العترة]
وانحصرت العترة المأمور بالتمَسُّك بها مع الكتاب في الحسن والحسين عليهم السلام، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيهما: (( الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا وأبوهما خير منهما )) (2)، وانحصرت في ذريتهما من بعدهما، فآية الوراثة لهم شاهدة (3)، وآية المودة (4) والتَّطهير(5) عليهم عائدة، فهم الشهداء على الناس بدليل قوله تعالى: {مِلَّةَ أَبِيْكُمْ إِبْرَاهِيْمَ هُوَ سَمَّاكُم الْمُسْلِمِيْنَ مِنْ قَبْلُ وَ فِيْ هَذَا لِيَكُوْنَ الرَّسُوْلُ شَهِيْداً عَلَيْكُمْ وَتَكُوْنُوْا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}[الحج: 78].
__________
(1) ـ أي بالفضل.
(2) ـ الحديث مشهور عند أصحابنا ولكن لم أقف له على أصل. وروى الهادي في كتاب العدل والتوحيد 69 وأبو عبدالله العلوي وابن عساكر والحاكم:(( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما )) .
(3) ـ المقصود بآية الوراثة قول الله تعالى: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا}. ذكر بعض المفسرين أنها نزلت في شأن أهل البيت انظر: تفسير الحبري 353، شواهد التنزيل 2/ 104، تفسير فرات الكوفي 128.
(4) ـ أخرج الطبراني كما في المجمع 9/ 168، وأحمد في المناقب كما في ذخائر العقبى 28 عن ابن عباس قال: لما نزلت: {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى}.قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين آمر الله بمودتهم؟ قال: علي وفاطمة وولدهما.
(5) ـ آية التطهير هي قول الله تعالى: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}. وقد تقدم الكلام حولها.
ولم يختلف أحد في أن غيرهم من سائر ولد إبراهيم من اليهود والنصارى وقريش ليسوا بمرادين، فتعين المراد فيهم، فكانوا هم الأحق بها والأولى ولأنه لا خلاف في أنهم يصلحون لها بخلاف غيرهم ففيهم الخلاف، فكان أهليتهم لها بالدليل القاطع بخلاف غيرهم، وأنه لا يستحقها منهم إلا من كان جامعاً لشروطها الخَلقِية، والإكتسابية.
[الصحابة]
وأنه يجب تولي الصَّحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وأنه ليس منهم المنافقون ولا الفسَّاق، وفي الحديث: أنهم ليسوا بأصحاب لما أحدثوه (1).
[الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان على كل مكلف، وأن المعاصي محبطات.. رفع الصوت فوق صوت النبي من المعاصي، إلى أكبرها الذي هو الشرك و{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}[الزمر: 65].
[الاجتماع في الدين]
وأن الله يريد الإجتماع في الدين والاعتصام بحبل الله المتين والاستمساك بعروته الوثقى التي هي كلمة التقوى، ونَهْي النفس عن الهوى، واتّباع الأدلة، وترك التقليد في أصول الدين، إلا مع وضوح الحجة.
[الموالاة والمعاداة]
وأن موالاة المؤمنين واجبة، ومعاداة الفاسقين لازمة، وأنه لا يحل لمؤمن يرى الله يعصى فيطرف حتى يغير أو ينتقل مهاجراً {وَمَنْ يُهَاجِرْ فِيْ سَبِيْلِ اللَّهِ يَجِدْ فِيْ الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيْراً وَسَعَهً}[النساء: 100].
وأنه لا يحل للذين أوتوا الكتاب كتمه، ولا رد الحجة إلى المذهب ومقالة الأصحاب، ولكن رَدّ الخلاف إلى صحيح السُّنَّة ومحكم الكتاب، فرض لازم، وحتم واجب على جميع أولى الألباب.
__________
(1) ـ أخرج البخاري 8/ 214 عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( أنا فرطكم على الحوض وليرفعن معي رجال منكم ثم ليختلجن دوني فأقول: يارب أصحابي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك )) ؟
وصلى الله على محمد وآله وسلم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والحمدالله رب العالمين.