المختلفة وإنه لا يجوز لها أن تكون طرفاً من أطراف الصراع الاجتماعي بأشكاله المختلفة، وإنما هي مظلة يستظل بها جميع أفراد المجتمع مهما تناقضت هوياتهم، وقد عبَّر عن شيء من هذا المبدأ الإمام محمد بن عبد الله النفس الزكية(ت145هـ) حيث: أوجب على من قام بهذا لأمر الدعاء لجميع الديانين، وقطع الألقاب التي يدعى بها فرق المصلين، وغلق الأبواب التي في فتح مثلها يكون عليهم التلف، والامساك عمَّا شتت الكلمة، وفرَّق الجماعة، وأغرى بين الناس فيما اختلفوا فيه وصاروا به أحزاباً، والدعاء لطبقات الناس من حيث يعقلون إلى السبيل الذي لا ينكرون وبه يؤلفون، فيتولى بعضهم بعضاً، ويدينون بذلك، فإن اجتماعهم عليه إثبات للحق وإزالة للباطل. الخامس: إن القيادة في الدولة قيادة سياسية، وليست زعامة دينية. فالقيادة السياسية هي التي يراد منها أساساً رعاية مصالح العباد. والزعامة الدينية هي تلك التي تملك حقاً زائداً أو حصرياً في أن تتكلم وتمثل الدين. فمع أن قيام الدولة مما يجب أمام الله تعالى، ومع أنه يجب طاعة الدولة فيما تأمر به، إلا أنها مع ذلك قيادة سياسية وليست زعامة دينية. فليس لها ولاية على الدين، ولا يعتبر رأيها في الأمور الدينية ملزماً للجميع. وتنحصر ولايتها في ما يحقق غرض وجودها وهو تحقيق العدل والأمن بين الناس. هذا لا يمنع من اشتراط مؤهلات دينية وعلمية وخلقية لمن يتولى أمورها. كما لا يمنع أن يكون للقيادات فيها مواقف دينية تتميز عن غيرهم، ولكنها لا تلزم إلا من اقتنع برأيهم. أيضاً لا يتعارض هذا مع اعتبار أن طاعة القيادة فيها ثواب من الله، وأن معصيتها عليها إثمٌ، لأن ذلك يعود إلى أنه يترتب على الطاعة والمعصية مصالح ومفاسد للأمة. أخيراً قد يكون من الأمة من هو أكثر ديناً ممن في رأسها، ولكن لما كانت العبرة بالقدرة على القيادة لم يمتنع هذا الأمر. هذه الأفكار تمثل أبرز مرتكزات المشرع السياسي الزيدي. ما سواها من

عناصر فرع عليها، وأغلبها ــ إن لم يكن جميعهاـ إنما يتناول آلية الوصول إلى الحكم، كما يتناول آلية انتقال الحكم وطريقة حل النزاعات المحتملة حين انتقال الحكم، وهي قضايا على أهميتها لا تعدو أن تكون إجرائية ونسبية بخلاف تلك الأمور التي تحدد دوافع الحركة وأهدافها وشكلها العام، وهذه الأفكار ــ كما هو واضح ــ أساس أي مشروع سياسي معاصر يهدف إلى إقامة العدل، وإلى إبقاء الإسلام في الحياة العامة.

الاجتهاد عند الزيدية

من أبرز ما تميز به الزيدية في فقههم هو الاجتهاد. هذه الميزة جعلت مذهبهم (( أكثر المذاهب الإسلامية نماءً وقدرة على مسايرة العصور)) على حد تعبير الشيخ محمد أبو زهرة. الاجتهاد مَلَكة علمية ونفسية تُمكن صاحبها من استنباط الأحكام الشرعية من مظانها، والثقة بنتائج ذلك الاستنباط بقطع النظر عن مخالفة أو موافقة السابقين من العلماء. وعندما نقول: إنها ملكة، نؤكد أنها ليست مجرد تحصيل مجموعة من العلوم، فقد يجمعها واحد، ولكن لا يستطيع أن يستنبط حكماً واحداً. وعندما نشير إلى أنها علمية ونفسية، نشير إلى أنه لا يكفي امتلاك الملكة العلمية، إذ أن صاحبها قد يستطيع عندها أن يستنبط أحكاماً، ولكن ما لم تكن لديه الجرأة والشجاعة على العمل بما أداه إليه بحثه وتأمله، فإن وجود تلك الملكة لن يفيد كثيراً. والقول بأنها ملكة لا يعني أنها غير مكتسبة بل يمكن اكتسابها بالجهد والمثابرة. والتعريف الشائع للاجتهاد بأنه استفراغ الفقيه الوسع في تحصيل ظنٍّ بحكم شرعي. إنما يشير إلى ما يعمله المجتهد، ولكنه لا يبين جوهر الاجتهاد، أو منطلقه الأساسي التي هي امتلاك الملكة المشار إليها. أصعب ما في الاجتهاد امتلاك الملكة النفسية. فقد يستطيع طالب علم مجد في تحصيله أن يمتلك الملكة العلمية، ولكن الأمر ليس كذلك بالنسبة للملكة النفسية. والسبب يعود إلى ثلاثة أمور: أولها: إن زيادة العلم تولد التواضع، وغالباً لا يحصل المرء على الملكة العلمية إلا بعد تحصيل علمي معمق، يتولد معه تواضع شديد، وشعور هائل بالجهل. هذا يتنافى مع ما تتطلبه الملكة النفسية من الثقة بالنفس، وبنتيجة البحث العلمي. ثانيها: إن الاجتهاد يعني في نهاية الأمر الافتاء، وكل من يخشى الله يهاب من تحمل نتائج الفتوى، ويفضل أن يتحمل غيره ذلك. ثالثها: إن طبيعة العلاقة بين طالب العلم والرموز العلمية الذين استفاد منهم تولد شعوراً بالدونية أمامهم بحيث لايجروُ على ممارسة التفكير

مستقلاً عن رأيهم وتوجههم. يقابل الاجتهاد التقليد، وهو أساساً غياب الملكة النفسية أولاً، ثم الملكة العلمية. وعملياً هي العمل وفق قول الغير. وذكر الدليل لا يغير من واقع التقليد، فكل من ليس لديه الملكة مقلد ضرورة، سواء عرف دليل القول أم لم يعرفه. لأنه إن كان فاقداً للملكة العلمية فإن معرفته بالدليل لن تنفعه حيث إنه لا يملك قدرة على تقييم ذلك الدليل. وإن كان لديه الملكة العلمية وفاقداً للملكة النفسية فإنه لن يتبع القول بسبب الدليل، وإنما بسبب المصدر القائل. وقد حرصت المدرسة الزيدية على إبقاء تلك الملكة النفسية بين علمائها، وكانت وسيلة ذلك أن حرمت على من امتلك الملكة العلمية ممارسة التقليد، وأوجبت عليه اتباع رأيه دون رأي غيره. كان هذا لتقديرهم للاستقلال الفكري والعلمي. أما من لم يمتلك تلك الملكة العلمية، فلم تطلب منه أن يمارس الاجتهاد بل أجازت له أن يقلد أهل العلم. فميزت بين تقليد مذموم وممنوع وبين تقليد واجب. فالمذموم الممنوع هو التقليد من قبل أهل الملكات الاجتهادية، وأما الواجب فهو التقليد ممن فقدها. وقد حرصت من هذا أن لا يتوقف أهل الاجتهاد عن ممارسته، كما حرصت أيضاً على أن لا تخلق فوضى علمية في الساحة بأن توهم الناس بأنه يكفي للخروج من التقليد معرفة الدليل من كتاب أو سنة، بحيث يصير كل من قرأ كتاباً في الحديث ظاناً نفسه مجتهداً. وقد نجحت في هذا. من الانجازات الأخرى التي حرص عليها الزيدية، وهي تأتي في موازاة الانجاز السابق هو إيجاد التوازن بين أمرين: أحدهما: الحاجة إلى استقرار المجتمع على رأي فقهي موحد خصوصاً في القضايا العامة، يمنع من بلبلة فقهية بين الناس، حيث يكون لكل جماعة رأيها الفقهي الخاص بها. ثانيهما: المحافظة على حق الاجتهاد الذي قد يفضي إلى استنباط آراء تخالف الآراء السائدة قطعاً.

وقد نجحت من خلال أمرين: أولهما: ما اشترطته أصلاً من أن يكون الإمام مجتهداً، فبذلك منحت الدولة حقاً شرعياً في ممارسة الاجتهاد.
ثانيهما: بأن قسمت مجال الاجتهاد على دوائر مختلفة:
1. دائرة الحقوق المتعدية: وهي تلك التي يكون الحكم فيها مؤثراً على العلاقات بين الناس مثل أحكام الزواج والتجارة. فأي حكم لصالح طرف من الأطراف هنا، يؤثر على حقوق أطراف أخرى بشكل مباشر. فلو حكم ببطلان نكاح رجل، أثر هذا تلقائياً على نكاح زوجته أيضاً، وربما غيرها. هذا بخلاف الأحكام التي تأثيرها لا يتعدى الفرد، مثل الأحكام العبادية. فلو حكم ببطلان وضوء على شكل ما، فإن من توضأ بتلك الكيفية لن يؤثر بطلان وضوئه على غيره من الأشخاص، بل سيخصه هو وحده.
2. دائرة الحلقات العلمية: وهي دائرة العلماء، وطلبة العلم.

3. دائرة الحقوق الفردية: وقد سبق تعريفها. فدائرة الحقوق العامة جعلت صلاحية الاجتهاد في أمورها. ولأن الدولة قادرة على الاجتهاد واختيار الأحكام الملائمة، فلم يجد أهل العلم مشكلة في هذا الأمر. ودائرة الحلقات العلمية جعل الاجتهاد فيها مفتوحاً لكل من كانت له الملكة. فوجدنا مجموعة كبيرة من العلماء عبر العصور ممن كانت له آراء جريئة خالفت السائد والسابق وبمنهجية علمية عميقة وأصيلة. وقد كانت هذه الحلقات من خلال مؤلفاتها وآراء علمائها بمثابة الروافد التي تغذي حاجة الدولة بالآراء الأصيلة التي تنتقد ما هو سائد، وتقترح بدائل عنه. ولهذا السبب لم يمكن القول: إن للزيدية مذهباً فقهياً محدداً، بل كان فيه مدارس فقهية متعددة، بتعدد المجتهدين اجتهاداً مطلقاً. ونجد كلمة "مذهب" في كثير من المصادر الفقهية الزيدية بعد القرن الثاني عشر، فقد يقال: المذهب هو كذا وكذا، وليس المقصود بتلك الكلمة أن مذهب الزيدية الفقهي هو كذلك، فكما سبق لا يوجد مذهب فقهي للزيدية. وتشير الكلمة إلى اصطلاح تبلور مع القاضي زيد بن علي الأكوع، ثم تابعه القاضي حسن بن أحمد الشبيبي (1169هـ)، في تعليقاتهما على كتاب شرح الأزهار، فقد وضعا اصطلاح (مذهب) عند الاختيارات الفقهية التي رأيا وفق اجتهادهما أنها أكثر ملائمة للمنهج الفقهي لبعض أعلام أهل البيت الذين هم: الإمام القاسم بن إبراهيم، والإمام محمد بن القاسم بن إبراهيم، والإمام الهادي يحيى بن الحسين، والإمام محمد بن الإمام الهادي، والإمام أحمد ابن الإمام الهادي. وقد اعتبر رأيهم في تحديد ما الـ "مذهب"؟ هو المعتمد بين الزيدية على مستوى الدولة، وعلى مستوى الحقوق الفردية. وأما دائرة الحقوق الفردية، فقد اعتبر فيها أن الأصل هو مجموعة من الآراء التي تمثل في الأغلب رأي الإمام الهادي يحيى بن الحسين في مرحلة أو رأي "المذهب" في مرحلة أخرى. فكانت تلك الآراء هي المعتمدة عند تعليم الناس أمور

دينهم. ولكن في الوقت نفسه احتفظ المجتهدون بحق الافتاء بخلاف تلك الآراء في القضايا الفردية، أو في القضايا العامة التي لا يريد أصحابها أن يوصلوها إلى الدولة. كما احتفظ المقلدون بحق أن يقلدوا علماء في آرائهم التي تخالف الآراء المعتمدة. وقد شاع رأي بين الزيدية يسمح للمقلد أن يأخذ الحكم الشرعي من غير الفقهاء من الزيدية. وذلك على أساس ((أن الاجتهاد لا مذهب له)). ولا يُطلب من المجتهد المستفتَى في تلك الحالة إلا أمراً واحداً: وهو أن لا يكون الحكم مرتكزاً في ثبوته على قاعدة أصولية تخالف قاعدة المستفتِي. وهذا المطلب يكاد يكون نظرياً لندرة نحو تلك الأحكام. لعل أول من صرح بهذا الرأي الإمام أحمد بن يحيى بن المرتضى ت840هـ. كما سمحوا للمقلد أن يقلد أكثر من مجتهد في وقت واحد في أوقات مختلفة وذلك على أساس أن الأدلة الفقهية ظنية الدلالة، وأن أي اجتهاد من مجتهد معتبر غالباً يكون حكمه ضمن دلالات الأدلة الظنية. بهذه الطرق استطاع الزيدية أن يحافظوا على كل من: ملكة الاجتهاد في حلقاتهم العلمية وما تثمره من تطوير في الفقه، وعلى استقرار الأحكام على مستوى الدولة وطرق التعليم، وعلى حق الاجتهاد والتنوع في القضايا الفردية. ولأن وجود الاجتهاد سيؤدي إلى تعدد في الآراء في مسائل بعينها. إزاء هذا يرى كثير من الزيدية أن كل مجتهد مصيب، فلا يصح وفق هذا أن يتنازع الناس لاختلاف الاجتهادات التي يتبعونها في القضايا الفردية. وأما القضايا العامة، فمع أن كل مجتهد فيها مصيب أيضاً، إلا أنه من حق الدولة أن تفرض على الناس اختيارها في القضايا لكي تحقق الاستقرار اللازم. ومعنى كل مجتهد مصيب أحد أمرين: أولها: إن الاجتهادات لا تتناقض: فلا يعني القول بصواب اجتهاد ما في مسألة محددة خطأ من خالفها باجتهاده. لأن الاجتهاد إنما يكون في فهم وتفسير النصوص العملية والتي تدعو إلى عمل شيء أو نهي عنه. والنصوص العملية لا توصف بالصدق أو

الكذب فجملة: اذهب إلى البيت. لا توصف بأنها صادقة أو كاذبة، لأنها جملة إنشائية، والوصف بالصدق والكذب يتعلق بالجمل الخبرية نحو: الشمس مشرقة. والنصوص الإنشائية يمكن أن يفهم منها أكثر من معنى، بغير أن ينفي أحدها الآخر. حيث إن النفي يستلزم أن تكون ذات معيار صدق أو كذب، وهو أمر غير متحقق فيها. فلو فهم أحد من النص معنى غير الذي فهمه آخر، لأمكن تطبيق المعنيين من دون مشكلة لأن الأعمال لا تتناقض، فيمكن أن لكل من العملين أن يصدرا عن كلا الطرفين بغير أن يتناقضا. وهذا بخلاف الاختلاف في تفسير نص خبري، حيث إن كل معنى ينفي المعنى الآخر. ثانيها: البعض يرى أن لله تعالى حكماً محدداً واحداً في كل نص إنشائي: وبالتالي فإنه لا يصح إلا معنى واحد من المعاني المتعددة؛ ولكن المخطئ معذور. والبعض يرى أن المطلوب إعمال النص في الحياة، وبالتالي فإن التعدد في التفسير ممكن، وكل مجتهد مصيب من حيث إنه قد قام بما طلبه الله منه. ملاحظة: عندما يشار إلى سمة الاجتهاد بين الزيدية، فإن بعض الكُتَّاب المعاصرين يحاولون أن يحصروا وجود هذه السمة بين عدد محدود من أعلام الزيدية وهم محمد بن إبراهيم الوزير (840هـ)، والحسن الجلال (1084هـ)، وصالح المقبلي(1108هـ)، ومحمد بن إسماعيل الأمير( 1182هـ)، ومحمد بن علي الشوكاني (1250هـ). وكأنه لم يكن قبلهم من كان ذا استقلال في التفكير، أو نزعة للاجتهاد المطلق. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هؤلاء يختلفون فيما بينهم اختلافاً بيناً، إلا أنهم اشتركوا في قضيتين: أ. الهجوم اللاذع على رجال الزيدية في عصرهم، واتهامهم بالجمود والتقليد. ب. عدم قدرتهم على التمييز بين الدوائر المختلفة لممارسة الاجتهاد والتقليد بحيث لا توجد فوضى علمية، ولا يكثر مدعي العلم والمعرفة. ثم بعد ذلك نجد أنهم اختلفوا بعض الشيء فنجد ما تميز به:

1. الشوكاني: الميل إلى مذهب أهل الحديث في القضايا المنهجية والأصولية. فمنهجياً كان يدعو إلى إقصاء العقل تماماً، وعدم الاعتماد عليه لا في عقيدة ولا في فقه ولا تفسير. وعقائدياً كان يقول بالتجسيم والتشبيه، ويؤمن بالجبر، ويقول بالإرجاء، كما يؤمن بوجوب طاعة الظلمة. وكان الاجتهاد لديه يتلخص أساساً في أمرين:
أ. التوسع في علوم تصحيح وتضعيف الأحاديث والجرح والتعديل. وهي أضعف مراتب الاجتهاد، فعند استنباط الأحكام نحن بحاجة إلى معرفة النصوص الصحيحة، وأصعب منه استنباط الأحكام منها. وكل من اطلع على علم التصحيح والتضعيف الذي كان يدعو إليه الشوكاني يرى أنه لا يقدم علماً أكثر مما كان فعلاً موجوداً بين الزيدية، ولكن يستهلك وقتاً أكثر، ويدخل العالم في متاهات وتفاصيل لا طائل تحتها. وسنجد أن الأحاديث التي صححها الزيدية معتمدين على مراسيل أئمتهم قد أغنتهم عن التقصي في الأسانيد، وفي الوقت نفسه لن نجد أن في الأحاديث المسندة ما يقدم كثيراً بحيث يستحق الأمر كل تلك الجلبة التي خلقها الشوكاني وخلفه.
ب. الدعوة إلى نَبْذِ المؤلفات الفقهية واعتماد نصوص الكتاب والسنة بشكل عام، بحيث يفتي المفتي مستدلاً على فتواه بنص من الكتاب أو السنة. وهذا الأمر يؤدي إلى فوضى علمية هائلة في المجتمع، ويحرم المجتمع من الاستفادة من تجارب فقهية لمئات السنين. كما أنه لا يقدم شيئاً حيث إن طالب الفتوى لن يستفيد من معرفة النصوص شيئا ما لم يملك ملكة الاجتهاد. كما أنه يؤدي إلى خلق أنصاف العلماء الذين يظنون أنهم بمجرد اطلاعهم على صحيح البخاري أو مثله صاروا من أهل الاجتهاد والافتاء.
2. ابن الوزير وابن الأمير والجلال: التقليل من شأن العقل، دون إلغائه، مع التشدد في الدعوة إلى اعتماد روايات المحدثين في أصول الدين، وانتقاد الزيدية لعدم الاعتداد بتلك الروايات.

3. الاقتصار على النقد اللاذع لواقع عصره، مع الحفاظ على المرتكزات الأساسية للأصول الفكرية والسياسية وهذا ما كان عليه المقبلي.
إن اعتبار هؤلاء ممثلي الحرية الفكرية والاجتهاد فيه حيف كبير، ويدل إما على عدم اطلاع على الحركة العلمية بين الزيدية حيث وجد عشرات العلماء ممن كان يعمل بالاجتهاد، وإما على أغراض أخرى غير الغرض العلمي المحض. ثم إن من نظر إلى كتابات ابن الوزير وابن الأمير والشوكاني قطع بأنهم كانوا أقرب إلى التقليد منهم إلى الاجتهاد، ولكن ذهب تقليدهم صوب علماء آخرين.

8 / 15
ع
En
A+
A-