البراءة. ثم أضاف مسوغ الخروج على بني أمية دون الخليفتين:((إن هؤلاء ظالمون لنا ولكم))، فبيَّن أنه في حالة ما يكون الظلم على الإمام فقط، بمعنى أن الإمامة معقودة لغيره، في تلك الحالة فإن الإمام لا يتعين عليه القيام، أما في حالة أن يتعدَّى الظلم، ويصبح على الأمة بأسرها، فإن القيام واجب. ثم إن مواقف الأئمة العملية دلت على هذا، فلم نرَ إماماً ممن يحتج بإمامته قام في وجه حاكم عادل، لمجرد أن ذلك الحاكم ليس من أهل البيت، بل دلت نصوصهم كلها على أن دعوتهم إنما كانت للإصلاح وإعادة العدل في الأمة. هذا الإمام الحسين صلوات الله عليه يقول لنا: ((ألا ترون أن الحق لا يعمل به، وأن الباطل لا ينهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه، فإني لا أرى الموت إلا سعادة، والحياة مع الظالمين إلا شقاوة)) والإمام زيد% نجد أن دعوته كانت إلى : الكتاب، والسنة، ودفع الظالمين، ونصرة المظلومين، وقسم الفيء بين أهله بالسوية. وأما دعوة الإمام الحسين بن علي الفخي صلوات الله عليه فكانت:((أبايعكم على كتاب الله وسنة نبيه، والعدل في الرعية والقسم بالسوية، نُحِلُّ ما أحلَّ القرآن والسنة العادلة، ونُحَرَّم ما حرم القرآن والسنة العادلة، ونكون على ذلك أعواناً بجهدنا وطاقتنا، وتجاهدوا عدونا وتفلحوا معنا فإنْ وفينا لكم وفيتم لنا وإنْ خالفنا فلا طاعة لنا عليكم، وعليكم عهد الله أن تجاهدونا فيمن جاهدنا إن نحن خالفنا، ثم قال: اللهم، اشهد)) والإمام إدريس%نجده في دعوته يشدد على الدعوة إلى الكتاب والسنة والعدل والقسم بالسوية ودفع المظالم والأخذ بيد المظلوم، ويشير إلى الأرامل والأيتام الذين افتقروا وتركوا. ثم نجد الإمام محمد بن إبراهيم لما رأى عجوزاً فقيرة تَتبَّع أحمال الرُّطَبِ لتأكل ما سقط منها فقال لها: ((أنت والله وأشباهك يخرجوني غداً حتى يسفك دمي...)) وهكذا نجد في أقوال غيرهم من الأئمة أن الدعوة ليست إلى إمامتهم، وإنما إلى العدل

والشرع. وما نجده في بعض الدعوات من طلب رفع الظلم عن أهل البيت، فبسبب ما كان يقع عليهم من الظلم المخصص، وقد سبقت الإشارة إلى بعض ما كان يقع عليهم. وقد لخص تلك الحال الإمام المؤيد بالله أحمد ابن الحسين (411هـ) في قوله: ((ووجدت أهل بيت النبي" مقموعين مقهورين مظلومين، لا يُؤهّلون لولاية ولا شورى، ولا يتركون ليكونوا مع الناس فوضى، بل منعوهم حقهم، وصرفوا عنهم فيئَهم، فَهُم يحسبون الكف عن دمائهم إحساناً إليهم، والانقباض عن حبْسهم وأسرهم إنعاماً عليهم)). خلاصة القول إن الزيدية إذ تؤمن بحصر الإمامة في أهل البيت، فإنما تؤمن بذلك لأدلة ترجَّحت لديها، ولكنها لا تفرض هذا الإيمان على أحد، ولا تعادي من خالفها فيه، ولا تُفَسِّقه، ولا تُضَلِّله، وترى أنه يتعين عليها أن تقبل القيادة الصالحة التي ترتضيها الغالبية من الأمة. بل إن الزيدية لم يعرف عنها أنها تفسق من يخالف في إمامة الإمام علي بن أبي طالب%، فضلاً عن تفسيقها من لا يرى إمامة أهل البيت.
تبعاً لهذا ألحقت أمرين: أولهما: الصفات التي ترى الزيدية أنها يجب أن تكون فيمن ترشحه للأمر من أهل البيت"، وذلك ليعلم أن الأمر ليس مجرد اختيار من أسرة ما، وإنما اختيار لمن تميَّز في الأمة؛ وثانيهما: بعض من الدعوات السياسية التي كان أئمة أهل البيت يدعون من خلالها إلى إقامة الحق. وقد اخترت ثلاثة مقاطع لثلاثة أئمة من ثلاثة مناطق مختلفة.

صفات الإمام الذي تجب طاعته
قال الإمام الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم (ت 298هـ) في وصفه للإمام المفترضة طاعته من أهل البيت: ((الإمام الذي تجب طاعته هو أن يكون من ولد الحسن أو الحسين× ويكون ورعاً، تقياً، صحيحاً، نقياً، وفي أمر الله عز وجل جاهداً، وفي حطام الدنيا زاهداً، فَهِماً بما يحتاج إليه، عالماً بملتبس ما يَرِدُ عليه، شجاعاً، كمياً، بذولاً، سخياً، رؤوفاً بالرعية، رحيماً، متعطفاً متحنناً، حليماً، مواسياً لهم بنفسه، مشاركاً لهم في أمره، غير مستأثر عليهم، ولا حاكم بغير حكم الله فيهم، رصين العقل، بعيد الجهل، آخذاً لأموال الله من مواضعها، راداً لها في سبلها، مفرقاً لها في وجوهها التي جعلها الله لها، مقيماً لأحكام الله وحدوده، آخذاً لها ممن وجبت عليه ووقعت بحكم الله فيه، من قريب أو بعيد شريف أو دني، لا تأخذه في الله لومة لائم، قائماً بحقه، شاهراً لسيفه، داعياً إلى ربه، مجتهداً في دعوته، رافعاً لرايته، مفرقاً للدعاة في البلاد، غير مقصِّر في تأليف العباد، مخيفاً للظالمين، مؤمِّناً للمؤمنين، لا يأمن الفاسقين ولا يأمنونه، بل يطلبهم ويطلبونه، قد باينهم وباينوه، وناصبهم وناصبوه، فهم له خائفون، وعلى هلاكه جاهدون، يبغيهم الغوائل، ويدعو إلى جهادهم القبائل، متشرداً عنهم، خائفاً منهم، لا تردعه ولا تهوله الأخواف، ولا يمنعه عن الاجتهاد عليهم كثرة الإرجاف، شمري مشمر، مجتهد غير مقصِّر. فمن كان كذلك من ذرية السبطين الحسن والحسين× فهو الإمام المفترضة طاعته الواجبة على الأمة نصرته)). تلك الشروط قد يرى البعض أنها صعبة، بل ذكر عبدالصمد الدامغاني (ق 6هـ) أن مما نقم على الزيدية هو شروط الإمام الصعبة لديهم... فنعم ما نقموا به.

دعوات الأئمة
طلباً للاختصار فقد اقتصرت على المقاطع التي تتعلق بما نحن فيه بشكل مباشر، وهي التي تبين دوافع الدعوة. وآمل أن يأتي يوم تجمع فيه جميع دعوات الأئمة هذه وتدرس دراسة وافية باعتبارها تمثل البيان الأول والأساس للمشروع السياسي الذي كان يطمح إليه أئمة أهل البيت". إن هذا المشروع نجد خلاصته في دعوة الإمام زيد الصغيرة في حجمها، الكبيرة في معانيها، ومطالبها: ((إنا ندعوكم أيها الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه÷، والى جهاد الظالمين، والدفع عن المستضعفين وإعطاء المحرومين، وقسم الفيء بين أهله، ورد المظالم، ونصرنا أهل البيت على من نصب لنا الحرب، أتبايعونا على هذا؟)) . هذه المعاني الكبيرة نجدها في خطبة إدريس بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب" لما طلب البيعة لنفسه: ((أما بعد: فإني أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه÷ وإلى العدل في الرعية، والقسم بالسوية، ورفع المظالم، والأخذ بيد المظلوم، وإحياء السنة، وإماتة البدعة، وإنفاذ حكم الكتاب والسنة على القريب والبعيد، واذكروا الله في ملوك تجبّروا، وفي الأمانات خفروا، وعهود الله وميثاقه نقضوا، وولد نبيه÷ قتلوا، وأذكركم الله في أرامل افتقرت، ويتامى ضُيِّعَتْ، وحدود عُطّلت، وفي دماء بغير حق سُفِكَتْ، فقد نبذ الكتاب والإسلام، فلم يبق من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه، واعلموا عباد الله أن مما أوجب الله سبحانه على أهل طاعته المجاهدة لأهل عداوته ومعصيته باليد واللسان، فباللسان الدعاء إلى الله بالموعظة الحسنة والنصيحة والتذكرة والحض على طاعة الله تعالى، والتوبة عن الذنوب، والإنابة والإقلاع والنزوع عما يكره الله، والتواصي بالحق والصدق والصبر والرحمة والرفق، والتناهي عن معاصي الله كلها، والتعليم والتقويم لمن استجاب لله ولرسوله حتى تنفذ بصائرهم، وتكمل نحلتهم، وتجتمع كلمتهم، وتنتظم ألفتهم، فإذا اجتمع منهم من يكون للفساد دافعاً، وللظالمين مقاوماً،

وعلى البغي والعدوان قاهراً، أظهروا دعوتهم، وندبوا العباد إلى طاعة ربهم، ودافعوا أهل الجور عن ارتكاب ما حرم الله عليهم، وحالوا بين أهل المعاصي وبين العمل بها، فإن في معصية الله تلفاً لمن ارتكبها، وهلاكاً لمن عمل بها، ولا يثنيكم من علو الحق وإظهاره قلة أنصاره، فإن فيما بدئ به من وحدة النبي÷ والأنبياء الداعين إلى الله قبله، وتكثيره إياهم بعد القلة،وإعزازهم بعد الذلة، دليلاً بيناً وبرهاناً واضحاً، قال الله عزَّ وجلّ:{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ الله بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ}[آل عمران:123]، وقال تعالى: {وَلَيَنصُرَنَّ الله مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج:40]، فنصر الله نبيه÷، وكثّر جنده، وأظهر حزبه، وأنجز وعده، جزاء من الله سبحانه، وثواباً لفعله وصبره وإيثاره طاعة ربه، ورأفته بعباده ورحمته، وحسن قيامه بالعدل والقسط في بريّته، ومجاهدة أعدائه وزهده فيما زهّده فيه، ورغبته فيما ندبه إليه، ومواساته أصحابه، وسعة أخلاقه، كما أدبه الله وأمره، وأمر العباد باتباعه وسلوك سبيله والاقتداء بهديه واقتفاء أثره، فإذا فعلوا ذلك أنجز لهم ما وعدهم كما قال عزَّ وجلّ: {إِنْ تَنصُرُوا الله يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد:7]، وقال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة:2]، وقال تعالى: {إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ}[النحل:90]، وكما مدحهم وأثنى عليهم إذ يقول: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[آل عمران:110]، وقال عزَّ وجلّ: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[التوبة:71]، وفرض الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي

عن المنكر، وأضافه إلى الإيمان والإقرار بمعرفته، وأمر بالجهاد عليه والدعاء إليه، قال عزَّ وجلّ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ الله وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ}[التوبة:29]، وفرض قتال المعاندين عن الحق والباغين عليه ممن آمن به وصدّق بكتابه حتى يعود إليه ويفيء، كما فرض قتال من كفر به وصدَّ عنه، حتى يؤمن بالله ويعترف بدينه وشرائعه، فقال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}[الحجرات:9]، فهذا عهد الله إليكم وميثاقه عليكم بالتعاون على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، فرضاً من الله واجباً وحكماً لازماً، فأين عن الله تذهبون؟ وأنّى تؤفكون؟ وقد جابت الجبابرة في الآفاق شرقاً وغرباً، وأظهروا الفساد وامتلأت الأرض ظلماً وجوراً، فليس للناس ملجأ، ولا لهم عند أعدائهم حسن رجاء، فعسى أن تكونوا معاشر إخواننا من البربر اليد الحاصدة للجور والظلم، وأنصار الكتاب والسنة، القائمين بحق المظلومين من ذرية النبيئين وآل النبيئين، فكونوا رحمكم الله عند الله بمنزلة من جاهد مع المرسلين، ونصر مع النبيئين... واعلموا معاشر البربر أنكم آويتم. وأنا المظلوم الملهوف، الطريد الشريد، الخائف الموتور، الذي كثر واتروه، وقلّ ناصروه، وقُتِل إخوته وأبوه وجده وأهلوه، فأجيبوا داعي الله فقد دعاكم إلى الله، قال الله تعالى: {وَمَنْ لاَ يُجِبْ دَاعِي الله فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُوْلَئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ}[الأحقاف:32]، أعاذنا الله وإياكم من الضلال، وهدانا وإياكم إلى سبيل الرشاد. وأنا إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي

طالب". رسول الله÷ وعلي بن أبي طالب% جدَّاي، وحمزة سيد الشهداء وجعفر الطيار في الجنة عمَّاي، وخديجة الصديقة وفاطمة ابنة أسد الشفيقة برسول الله÷ جدّتاي، وفاطمة ابنة رسول الله صلوات الله وسلامه عليهما سيدة نساء العالمين وفاطمة ابنة الحسين سيدة بنات ذراري النبيئين أمّاي، والحسن والحسين ابنا رسول الله÷ أبواي، ومحمد وإبراهيم ابنا عبد الله المهدي والزاكي أخواي، فهذه دعوتي العادلة غير الجائرة، فمن أجابني فله ما لي وعليه ما عليَّ، ومن أبى فحظه أخطأ، وسيرى ذلك عالم الغيب والشهادة أني لم أسفك له دماً، ولا استحللت له محرماً ولا مالاً، واستشهدك يا أكبر الشاهدين شهادة، واستشهد جبريل وميكائيل أني أول من أجاب وأناب، فلبيك اللهم لبيك، مزجي السحاب، وهازم الأحزاب، مصير الجبال سراباً بعد أن كانت صمّا صلاباً، أسألك النصر لولد نبيك إنك على ذلك قادر)).

كما نجد تلك المعاني تتكرر لدى الإمام الهادي يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب" في كتاب دعوة وجه بها إلى أحمد بن يحيى بن زيد؛ فبعد أن تكلم في وجوب الجهاد وفضله، وشروط القائمين به ووجوب إجابة دعوتهم قال:((فإني أدعوك إلى كتاب الله وسنة نبيئه÷، وإلى ما أمرني الله أن أدعوك إليه، وأخذ به علي العهد والميثاق، من الأمر بالمعروف الأكبر، والنهي عن التظالم والمنكر، وإلى أن نُحِلَّ نحن وأنت ما أحل لنا الكتاب، ونحرم نحن وأنت ما حرمه علينا، وإلى الاقتداء بالكتاب والسنة، فما جاءا به اتبعناه، وما نهيا عنه رفضناه، وإلى أن نأمر نحن وأنت بالمعروف في كل أمرنا ونفعله، وننهى عن المنكر جاهدين ونتركه، وإلى مجاهدة الظالمين من بعد الدعاء إلى الحق لهم، والإيضاح بالكتاب والسنة بالحجج عليهم، فإن أجابوا فلهم ما للمسلمين وعليهم ما على المؤمنين، وإن خالفوا الحق وتعلقوا بالفسق حاكمناهم إلى الله سبحانه، وحكمنا فيهم بحكمه، فإنه يقول سبحانه: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إلا عَلَى الظَّالِمِينَ}[البقرة:193]، والعدوان هنا فهو: الجهاد والعدو على من ظهر منه الاجتراء على الله والاعتداء. ألا والدعوة مني لك، يرحمك الله، إلى ما تقدم ذكره من الكتاب والسنة، وأشرط لك ولمن معك على نفسي أربعاً: 1
. الحكم بكتاب الله وسنة رسوله جاهداً ما استطعت.
2. والأثرة لكم على نفسي فيما جعله الله بيني وبينكم.
3. وأن أؤثركم ولا أفضل عليكم بالتقدمة عند العطاء الذي جعله حظاً في أمواله لكم ولنا قبل نفسي وخاصتي.
4. والرابعة: أن أكون قدامكم عند لقاء عدوكم وعدوي. وأشترط لنفسي عليكم اثنتين أنتم شركائي فيهما:
1. النصيحة لله في السر والعلانية.

2. والطاعة في كل أحوالكم لأمري، ما أطعت الله، فإن خالفت طاعة الله فلا حجة لي عليكم. {هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى الله عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ الله وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}))[يوسف:108]. ثم نجدها لدى الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين بن هارون بن الحسين بن محمد بن هارون بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب"، وهو من أئمة الجيل والديلم، وقد توفي في 411هـ: ((عباد الله، إني قد رأيت أسباب الحق قد مَرجَت، وقلوب الأولياء به قد حُرجت، وأهل الدين مستضعفين في الأرض يخافون أن يتخطفهم الناس، ورأيت الأموال تؤخذ من غير حلِّها، وتوضع في غير أهلها، ووجدتُ الحدود قد عُطِّلت، والحقوق قد أبطلت، وسنن رسول الله÷ قد بُدِّلت وغيّرت، ورسوم الفراعنة قد جُدّدت وآسْتُعْمِلتْ، والآمرين بالمعروف قد قلَّوا، والناهين عن المنكر قد وهنوا فذلَّوا، ووجدت أهل بيت النبي" مقموعين مقهورين مظلومين، لا يُؤهّلون لولاية ولا شورى، ولا يُتْرَكُوْنَ ليكونوا مع الناس فوضى، بل منعوهم حقهم، وصرفوا عنهم فيئَهم، فَهُم يحسبون الكفَّ عن دمائهم إحساناً إليهم، والانقباض عن حبْسهم وأسرهم إنعاماً عليهم، يطلبون عليهم العثرات ويَرْقُبُوْنَ فيهم الزلاّت، ووجدتُهم في كل واد من الظلم يهيمون، وفي كل مرعى من الضلال يسيمون، (ووجدت أملاك المسلمين) تُغْصَبُ غصباً، وأموالهم تُنْهَبُ نهباً،{لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ}[التوبة:10]، {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً}[النساء:10]، ووجدت الفواحش قد أقيمت أسواقها وأديم نفاقها، لا خوف الله يَزَع، ولا حياء الناس يمنع، بل يتفاخرون بالمعاصي، ويتنابزون ويتباهون بالإثم، قد نسوا الحساب، وأعرضوا عن

ذكر المآب والعقاب، فلم أجد لنفسي عذراً إن قعدت ملتزماً أحكامهم، متوسطاً أيامهم، أؤنسهم ويؤنسونني، وأسالمهم ويسالمونني، فخرجت أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتَّبعني، وسبحان الله وما أنا من المشركين. أيها الناس؛أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيئه والرضا من آل محمد ومجاهدة الظالمين ومنابذة الفاسقين، وإني كأحدكم لي ما لكم وعليَّ ما عليكم إلا ما خصني الله به من ولاية الأمر {يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِي الله وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[الأحقاف:31]،{اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ مَرَدَّ لَهُ مِنَ الله مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِير}[الشورى:47]،{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة:2]. أيها الناس سارعوا إلى بيعتي، وبادروا إلى نصرتي، وازحفوا زحفاً إلى دار هجرتي،{انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ الله ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}[التوبة:41]، ولا تركنوا إلى هذه الدنيا وبهجتها، فإنها ظل زائل وسحاب حائل، ينقضي نعيمها ويَظْعُنُ مقيمها، والآخرة خير وأبقى أفلا تعقلون،{وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُون}[العنكبوت:64]،{تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[القصص:83]. أيها الناس مهما اشتبه عليكم فلا يشتبه عليكم أمري، أنا الذي عرفتموني صغيراً وكبيراً، ورحمتموني طفلاً وناشئاً وكهلاً. قد صحبت النُّسّاك حتى نُسبت إليهم، وخالطت العباد حتى عُرفت فيهم، وكاثرت العلماء وحاضرت الفقهاء، فلم أَخْلُ عن مورد ورده عالم بارع، ومشرع شرع

12 / 15
ع
En
A+
A-