الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد(ت260هـ)، والإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين(ت298هـ)، والإمام الناصر الأطروش الحسن بن علي(ت304هـ). واقتصرت على ذكر أولئك؛ لأن المرحلة التي عاشوها تعتبر المرحلة الأساسية في صياغة الفكر الأصولي والسياسي للزيدية، وفيها تجلت رؤية أهل البيت لتلك القضايا. ويتفاوت أولئك الأئمة من حيث انتشار فكرهم واشتهار مؤلفاتهم. فأشهر أولئك من هذا الاعتبار هم: الإمام الهادي يحيى بن الحسين، والإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، والإمام الناصر الأطروش، والإمام زيد بن علي، والإمام الحسن بن يحيى بن الحسين، والإمام أحمد بن عيسى بن زيد. والترتيب بينهم بحسب شهرة وكثرة ما تدوالته الزيدية عنهم. وأما من سواهم، فتوجد عنهم روايات كثيرة، ولكنها لا تبلغ حد ما روي عن أولئك. سبب المكانة العالية لأهل البيت أمران: أولهما: ما كان لأهل البيت" من دور بارز في المحافظة على روح الإسلام متمثلة في الأصلين البارزين: الإيمان بالله وضرورة قيام إمامة عادلة. الثاني: مجموعة من الأدلة القرآنية والنبوية. من أبرزها قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[الأحزاب:33]، والصلاة الإبراهيمية، وحديث الثقلين الذي فيه: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)). وفي آخر أحد ألفاظه: ((فانظروا كيف تخلفوني فيهما)). والحديث لا يتعارض مع الحديث الآخر الذي ضعفه الألباني وورد بلفظ: ((كتاب الله وسنتي))، بل يكملان عضهما البعض. أما الآية، فقد أشارت إلى أنه تعالى سيطهر أهل البيت عن الرجس، وأفادت ذلك بصيغ تأكيدٍ قوية جداً. فـ"إنما" تفيد التأكيد،وتقديم "عنكم" يفيد التأكيد، و"يطهركم" هو تأكيد لمعنى "يذهب الرجس"، و"تطهيرا" أيضاً تفيد التوكيد. إن مجرد ذكر

أهل البيت في هذه الآية الكريمة، بالصيغة هذه، تدعو إلى التأمل العميق.
وأما الصلاة الإبراهيمية: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم... فإنها قابلت بين أهل البيت وبين آل إبراهيم، هذه المقابلة التي تفيد أن لهم المكانة العامة في هذه الأمة التي كانت لآل إبراهيم في أمتهم. كما أنها تدل على فضلهم من وجه آخر، حيث إن الأمة مأمورة بالصلاة عليهم كلما صلت على محمد المصطفى. إضافة إلى كل هذا فإن جعلها في الصلاة، بحيث يتم الصلاة عليهم ليلاً نهاراً إلى قيام الساعة لا يخلو من معنى لكل ذي بصيرة. أما حديث الثقلين فأشار إلى أمور منها:
1. أن النبي ترك فينا القرآن وعترته أهل بيته. وهذا وحده يدعو المؤمن إلى الوقوف والتأمل.
2. أن النبي صلى الله عليه وآله، قرن القرآن بالعترة، وجعل كلاً منهما ثقلاً، والثقل هو الأمر العظيم الشأن.
3. أن التمسك بالعترة عصمة من الضلال.

4. أن النبي÷ سوف يسألنا عن موقفنا من العترة. تلك النصوص، إضافة إلى غيرها، سبب تلك المكانة المشار إليها. ومهما اختلفنا حول دلالة تلك النصوص، فلن نختلف في أن أقل ما تدل عليه هو أن لأهل البيت شأناً عند الله، شأناً يوجب على الأمة أن تبحث عن أخبارهم، وتُنَقِّب عن أحوالهم، وتتبع علومهم، وتنظر في كتبهم، وتتعلم من أعلامهم، وتترك أعداءهم. ولكن وللأسف فأكثر الناس نحو أئمة أهل البيت إما غافل، وإما جاهل، وإما حاسد. والناظر في كتب التاريخ يجد عجباً حين يرى أن أهل البيت قوبلوا بكثير من الجفاء تارة، والإغماط تارة، والقدح تارة أخرى. هذا فضلاً عن قتلهم، وتشريدهم، هم وكل من انتسب إليهم. فقد قتل أمير المؤمنين و سُمَّ الحسن% سراً، وقُتِل الحسين هو وأهل بيته وخيرة أصحابه جهراً، وسم الحسن بن الحسن وعلي بن الحسين زين العابدين، وصُلِب زيد بن علي عرياناًُ في كناسة الكوفة، وقُطع رأسه ونصب أمام قبر جده المصطفى صلى الله عليه وآله، كما قتل ولده يحيى%، وقتل عبد الله بن الحسن بن الحسن كامل أهل البيت مع خيرةٍ من أهل بيته نحو إبراهيم الشبه بن الحسن بن الحسن، وعلي العابد بن الحسن بن الحسن بن الحسن " في حبس أبي جعفر الدوانيقي، وبُني على محمد بن إبراهيم بن عبدالله بن الحسن%، وقُتل محمد وإبراهيم ابنا عبدالله بن الحسن، وقتل موسى بن جعفر شهيداً في حبس هارون العباسي، وسمم هارون إدريس بن عبدالله، وقتل أخاه يحيى بن عبدالله، وسُم علي بن موسى الرضا على يدي المأمون(ت218) وهذا فضلاً عمن شُردِّ وطُرِدَ نحو الإمام عيسى بن زيد، وابنه الإمام أحمد بن عيسى، والإمام علي بن جعفر العريضي، والإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، وقد وصف الإمام يحيى بن عبدالله أحوال من شُرِّد من أهل البيت ضمن رسالة وجهها إلى هارون العباسي حيث قال: (فلما أهلكه الله ـ أي أبو جعفر الدوانيقي ــ قابلتنا أنت وأخوك الجبَّار الفظ الغليظ العنيد ــ يعني موسى

الملقب بالهادي ـ بأضعاف فتنته واحتذاء سيرته قتلاً وعذاباً وتشريداً وتطريداً، فأكلتمانا أكل الرُبا حتى لفظتنا الأرض خوفاً منكما, وتأبَّدنا بالفلوات هرباً عنكما، فأنست بنا الوحوش، وأنسنا بها وألفتنا البهائم وألفناها). وإضافة لكل ما سبق فقد كان الإمام علي يُلْعَنُ ويُشْتَمُ بعد كل صلاة جمعة وفي الخطبة، في كل قطر من أقطار ديار الإسلام في العصر الأموي. والكلام فيما تعرض له أهل البيت ومن انتسب إليهم يطول، وما ذكرته غيض من فيض، والغرض الإشارة. في مقابل ذلك فإننا نجد أن من سَفَكَ دماء أهل البيت، وانْتَهَكَ حرماتهم، ولم يُرَاع مكانتهم ومنزلتهم من رسول الله، قد تم الثناء عليه وقبوله والرضا عنه. ولو اقتصر ذلك على الساسة ورجال الدولة، لكان الأمر مقبولاً إلى حد ما، ولكن الأمر امتد إلى رجال الحديث من أهل السنة حيث صارت القاعدة لديهم كما قال ابن حجر العسقلاني: "توثيقهم الناصبي غالبا وتوهينهم الشيعة مطلقا..." ؛ فقد أثنوا على مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي، وهو رأس الفتنة أيام عثمان بن عفان، وقاتل طلحة يوم الجمل، والمشير بقتل الحسين بن علي، وكان يسبه وأخاه وأباهما. وزهير بن معاوية بن خديج الجعفي الكوفي أثني عليه خيراً، ولم يعب عليه إلا أنه كان ممن يحرس خشبة زيد بن علي لما صلب. وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني الدمشقي المشهور ببغضه للإمام علي. ومدح حريز بن عثمان وهو ممن كان يلعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب جهراً، وعمر بن سعد بن أبي وقاص قاتل الحسين بن علي، وأبو لبيد لمازة البصري الملقب بأسد السنة والمعروف بعداوته لأهل البيت، وعمران بن حطان السدوسي المادح لقاتل الإمام علي بن أبي طالب، وغيرهم عشرات ممن مدحوا وأثني عليهم. نعم، قد كان في أهل البيت الفاسق والفاجر، ولكن الله تعالى إنما مدح جملتهم، كما قال جل وعلا: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا

النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}[الحديد:26]، فالله تعالى لما جعل النبوة والكتاب في ذرية نوح وإبراهيم لم يعن أنه جعلها فيهم جميعاً، وإنما في فئة مخصوصة منهم. ويعلم كل منصف، أن لا علاقة بين الكلام في شأن أهل البيت وبين العنصرية والسلالية والعرقية ونحوها. المسألة لا تتجاوز الكلام في ابتلائين: ابتلاء الله تعالى لأهل البيت، وابتلاء الله تعالى للأمة. لقد ابتلى الله أهل البيت بأن جعلهم: الثقل الأصغر، وسفينة نوح، وباب حطة، ونجوم أهل الأرض، وورثة الكتاب، والمطهرين من الرجس، والمصطفين بين الأمم. فكان ابتلاء الله لهم هو بأن منحهم ذلك المقام، وجعل لهم تلك المنْزلة. فمن سعى منهم لأن يكون كما أراد الله له، فله الحسنى عند الله تعالى، ومن قصَّر سقط. وبذلك كان في أهل البيت السابق المجاهد المؤمن، والمقتصد والعابد والمقصر، والظالم لنفسه بأن لم يسع لنفسه ما جعل الله له، أو بأن تعدى ذلك وفسق وتجبر في الأرض {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ،ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ} كما ابتلى الله تعالى أمة محمد بأهل البيت، فأمرها بالاقتداء بهم، وبالأخذ عنهم، وبمحبتهم؛ وبالجملة أمرهم أن ينْزلوهم حيث أنزلهم الله تعالى، وأن يجعلوا لهم ما جعله الله تعالى لهم. فمن أطاع وخضع لله تعالى فله الثواب العظيم، والأجر الوفير، والمغفرة، وكان فعله كفعل بني أسرائيل إذ دخلوا باب حطة. والتشبيه بباب حطة يدل على أن الأمر يتطلب تواضعاً، وخضوعا لله تعالى. وأما من نصب العداوة لأهل البيت حسداً لما

جعله الله لهم، وذلك بغمط فضائلهم، أو القدح فيهم، أو بصرف الناس عنهم، أو بسفك دمائهم وانتهاك حرماتهم فقد خالف ما أُمِر به، وحسابه على الله. {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا}. جعلنا الله تعالى ممن يأتمر بأمره، ويخضع لقوله، وحشرنا مع الأنبياء والمرسلين.

العصمة
من القضايا التي تتعلق بأهل البيت ما يتعلق بمفهوم العصمة. وموضوع العصمة ليس من مهمات الدين، والقول به أو عدمه لا يضر كثيراً. ثم إنه من المفاهيم التي يختلف تفسيرها بين المذاهب. عند الزيدية العصمة هي تأييد إلهي يساعد العبد على ترك المعاصي، ولكن لا تجبره على ذلك، ولذلك هي لا تتنافى مع الاختيار. كما إنها لا تتعلق بالخطأ، أو السهو، أو النسيان، فلا تنافي بين العصمة وكل ذلك. كما إنها أمر اكتسابي يمكن لأي عبد صالح أن يحصل عليه، سواء كان من أهل البيت أم من غيرهم، إلا أن الزيدية ترى وفقاً لقوله تعالى:{إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}، أن لأهل البيت اختصاصاً في رحمة الله ، بحيث يكون الصالح منهم أقرب إلى استحقاق التأييد من غيرهم. والمشهور بين الزيدية أن العصمة لأهل الكساء تعييناً، ولم يعين الله سواهم. وعصمتهم لا تعني أنهم لا يخطئون فيما لا معصية فيه. وأما في الفتيا أو المواقف السياسية والاجتماعية، فالقول بعصمتهم لا يعني قطعاً وجوب اتباع كل شيء عنهم. بل قد نص الإمام عبدالله بن حمزة على جواز مخالفة اجتهادات الإمام علي نفسه، فقال ما نصه: ((إن تعبدنا باجتهادنا في الشرعيات دون اجتهاده ولا يسعنا إلا ذلك)). والذي أفهمه أنَّ مخالفة الاجتهاد لا تعني ضرورة التخطئة له، باعتبار أن ذلك الاجتهاد إنما صدر ضمن ظروف موضوعية محددة، وقد تصح الفتيا باعتبار تلك الظروف، ولكن يجوز لغيره من المجتهدين مخالفتها إذا ظهرت لهم اعتبارات موضوعية تدعو إلى ذلك. وأما وجوب اتباع الإمام علي% فهي في منهجه وسيرته الإجمالية التي لم تحد عن الحق قال الإمام عبدالله بن حمزة: ((إن متابعة علي% واجبة، ومخالفته غير صائبة فذلك حق عندنا في اتباعه في الدعاء إلى الحق، والدلالة على الرشد، وإقامة الحدود، واستيفاء الحقوق، وسد الثغور، وسياسة الجمهور....)). نعم، هناك من رأى أنه

تجب متابعة الإمام علي% مطلقاً باعتبار أن الأحاديث التي وردت فيه ودلت على أنه على الحق، وأن الحق معه توجب ذلك.
المهدي عند الزيدية
من اللافت للانتباه أنه لو بُحث في قديم مؤلفات الزيدية لن يجد الباحث الكثير عن المهدي، بل لعله لن يجد عنه أكثر من بضع صفحات. وأما ما روي عنه في فترات متأخرة فمأخوذ من كتب الحديث التي رواها غير أهل البيت، بل غير الزيدية عموماً. والظاهر من النصوص أن أهل البيت يقولون بأن هناك مهدياً مخصوصاً، هذا يظهر من موقفهم من محمد بن عبدالله النفس الزكية، فقد اُعْتُقِدَ فيه أنه هو المهدي، فلعل أمر المهدي مما كان يتناقل بينهم معرفة، وليس رواية. كما تكلم فيه الإمام القاسم بن إبراهيم، وأشار إليه وإلى كريم أوصافه الإمام الهادي يحيى بن الحسين. ولكن أيضاً نجد أن الزيدية لم تكثر من وضع المؤلفات عنه وعن أحواله. ولعل السبب يعود إلى رؤية الزيدية لمفهوم المهدية. هذه الرؤية نجد أصلها في كلام إبراهيم بن عبدالله بن الحسن(ت145هـ) لما سئل عن أخيه، أهو المهدي؟ فقال%: المهدي عدة من الله لنبيه وعده أن يجعل من أهله مهدياً لم يسمه بعينه ولم يوقت زمانه، وقد قام أخي بفريضته عليه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن أراد أن يجعله الله المهدي الذي يذكر فهو فضل الله يَمُنُّ به على من يشاء من عباده، وإلا فلم يترك أخي فريضة الله عليه لانتظار ميعاد لم يؤمر بانتظاره. يدل النص على أن موضوع المهدي ليس إلا فضلاً من الله يسعد به من جاءه، ولكنه ليس الأمل الوحيد المعقود عليه في إحداث التغيير ، وبالتالي فإن حضوره في الثقافة الزيدية لم يتجاوز كونه فضلاً من الله يؤتيه من يشاء. بخلاف المهدي عند الفرق الأخرى التي أصبح هو الأمل المنشود والوحيد للتغيير في المجتمع المسلم. إن الحق يمكن أن يعود، والعدل يمكن أن يقام بغياب المهدي. توجب الزيدية السعي إلى أن يكون لكل عصر مَهْدِيُّهُ الذي يملأ زمانه عدلاً وقسطاً.

الإمامة
سبق أن أشرت إلى مكانة الإمامة لدى الزيدية. هذه المكانة صارت سبباً للنقد من كثير من الناس، وذلك لأن الذي شاع في الثقافة الإسلامية العامة عدم الاعتداد بأمرها، واعتبارها من الفروع والقضايا الثانوية. وقد سبق ما يبين سبب علو مكانتها لدى الزيدية. أيضاً مما أخذ على الزيدية في أمر الإمامة قولهم بأن الإمامة محصورة في أهل البيت"، وأنه ما دام هناك الكفؤ لها من أهل البيت فلا يصح اختيار أحد من سواهم. ولعل هذا الأمر كان السبب في أكثر النقد الموجَّه إليهم، هذا النقد الذي توجه إليهم من بعض الزيدية فضلاً عن غيرهم. بل لعله سبب لكثير من التضييق الذي عانوه عبر السنين. وقد نجد في عبارة ((الزيدية في معتقل الإمامة)) كثيراً من المعاني التي تنعكس عن واقع الزيدية والإمامة اليوم. ولكن السبب لا يعود إلى الإمامة، إنما يعود إلى مفهوم الناس عن الإمامة، وإلى الطريقة التي يتم بها عرض المذهب في الآونة الأخيرة. وقد سبق أن بيَّنْت أن حصر الإمامة في أهل البيت إنما هو من آليات الوصول إلى الحكم، ولا يُمَثِّل جوهر أو روح النظرية في الإمامة، وبالتالي فهو من فروع نظرية الإمامة العامة، وليس هو الإمامة. ولكن الأمر يعرض وكأن الإمامة عند الزيدية ليست إلا التأكيد على الحق الفريد لأهل البيت فيها. ولعل هذا يعود إلى كونها من القضايا التي كثر الاختلاف حولها، فكثرت الكتابات فيها، مما قد يوحي للكثير، زيدية وغيرهم، أن موضوع الحصر هو الأساس. والأمر أوضح في الفترة الأخيرة، حيث إن خصوم الزيدية في هجومهم عليها شددوا على قضية الهاشمية، وعلى قضية العنصرية، وعلى قضية الحصر وهكذا. هذا التشديد دفع كثيراً من الزيدية الى تكريس جهودهم ودعوتهم الى قضايا التشيُّع، وولاية أهل البيت، حتى كأنها صارت هي المميز الرئيس لفكر الزيدية، وحتى صار التوحيد والعدل وكأنهما تابعان لمفهوم التشيع وليس العكس. وقد سبقت الإشارة إلى أن الزيدية

ترى أن لا بد للقائم بأمر الإمامة من إذن شرعي يسمح له بممارسة الأمر والنهي على غيره من الناس. وترى الزيدية أن الله تعالى قد جعل هذا الإذن للأكفأ، والأفضل من أهل البيت، ولذلك فإنّ الزيدي عندما يرشح قيادةً فإنما يرشح الأكفأ من أهل البيت. فإذا قَبِلَتْ الأمة القيادة التي رشَّحها الزيدي فذلك حق للأمة. أما إذا رفضت الأمة القيادة التي رشَّحها الزيدي فليس أمامه، وليس أمام قيادته إلا أن ينزلا عند رغبة الأمة، ويضعا يدهما في يدها، ويعملا معها لخدمة الصالح العام. وإن الزيدية عندما تمنع منعاً قاطعاً من قيام أي حركة معارضة لمجرد كون القيادة خارجة عن آل البيت، وإن إصرارها على أن المعارضة لا تكون إلا للظلم، يدلان على أن موضوع الحصر لا يتجاوز كونه آلية، وأنه فرعي على النظرية العامة. وهذا لا يمنع من أن تخطِّيء من لا يختار من رشحته إماماً، ولا يمنع التبرم منه، ولا يمنع أن تدَّعي أن الناس إذ تقوم بذاك فإنها تحرم نفسها من بركات كبيرة، فيحق لها أن تُصِرَّ على ما تراه صواباً، كما يحق لغيرها على أن يُصِرَّ على رفض رؤيتها. وتدل السيرة العملية، والنصوص الصريحة لأئمة أهل البيت على هذا الأمر. فهذا الإمام علي صلوات الله عليه لما رأى أن الأمر قد صار في أيدي غيره، لم يعمل ما يضر مصلحة الأمة ليسترده، وإنما قال: ((لأسالمنَّ ما سَلِمَتْ أمور المسلمين، ولم يكن الجور إلا عليَّ خاصة))، هذا مع أن النص فيه أوضح وأصرح وأشهر من النص على عموم أهل البيت. أيضاً قوله: ((لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر)) يدل على أنه لن يقوم للأمر إلا إذا رضيت الأمة، ونصرته كقيادة، وإلا فإنه سيبقى مكانه. وكذلك موقف الإمام الحسن بن علي× من معاوية لما رأى أنه فقد الناصر. ثم الإمام زيد بن علي× لما سألوه عن سبب قيامه على بني أمية، والبراءة منهم، وعدم البراءة من أبي بكر وعمر، فقد بيَّن الإمام بهذا أن خلافهم لم يوجب ما يترتب عليه

11 / 15
ع
En
A+
A-