وأخرج أحمد في المسند(1) بإسناده عن الشعبي أن عليّاً عليه السلام قال لشراحة: لعلّك استكرهت، لعلّ زوجك أتاك، لعلّك، لعلّك، قالت: لا، فلما وضعت ما في بطنها جلدها ثم رجمها فقيل له: جلدتها ثم رجمتها، قال: جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسول اللهً.
وأخرجه في المسند(2) بنحو هذا بسند آخر عن الشعبي وكذا في المسند(3) بسند آخر عن الشعبي.
وأخرجه الحاكم في المستدرك(4) عن عبدالله وصححه ولعلّه عبدالله بن نجي -بالنون ثم الجيم- وأخرجه في المستدرك أيضاً(5) من رواية الشعبي وصححه، وأقرّه الذهبي على تصحيحه في تلخيصه.
هذا، وأخرج البخاري(6) بسنده عن الشعبي عن علي رضي الله عنه حين رجم المرأة يوم الجمعة، وقال: قد رجمتها بسنة رسول اللهً.
قلت: سند البخاري هكذا: حدّثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا سلمة بن كهيل قال: سمعت الشعبي يحدث عن علي رضي الله عنه...إلى آخره فرواية البخاري مختصرة.
ويظهر أن ذلك من قبيل تصرّف القوم في الروايات لموافقة أغراضهم واعتقادهم المصلحة في التصرف.
نعم، فظاهر هذه الروايا أن الرجم بالسنة، لا بالكتاب، فلما قال عمر ما قال من أنه ثابت في كتاب الله، مع ما ذكرنا كان الزهري مظنّة النصرة له برواية قصّة العسيف فهو متهم بها.
ولنقتصر على هذا القدر من الروايات المتعلّقة بعمر ففيه تنبيه على غيره مما هو ثابت في الصحيحين، وقد كنت كتبت بعضه في المسوّدة ثم رجّحت الاختصار.
__________
(1) مسند أحمد ج1 ص141.
(2) مسند أحمد ج1 ص140.
(3) مسند أحمد ج1 ص153.
(4) مستدرك الحاكم ج4 ص364.
(5) مستدرك الحاكم ج4 ص365.
(6) صحيح البخاري ج8 ص21.
فصل
فأما روايات الزهري في أبي بكر.
فقد مرّ ما يتعلق بميراث بنت رسول اللهً وتبليغ براءة.
وأخرج البخاري(1) ومسلم(2) من طريق الزهري عن أنس أن أبا بكر كان يصلي بهم في وجع النبيً الذي توفي فيه حتى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة كشف النبيً ستر الحجرة ينظر إلينا وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف، ثم تبسم يضحك -إلى قوله-: فأشار إلينا النبيً: أتموا صلاتكم، وأرخى الستر، فتوفّي من يومه.
النكارة
إن في رواية الزهري مبالغة ليست في غيرها، كزيادة التبسم ليدلّ على السرور بصلاتهم خلف أبي بكر، وكون ذلك في اليوم الذي توفي فيهً ليدلّ على شدة عنايته بذلك.
ووجه التهمة للزهري كونه يريد العناية بتفضيل أبي بكر، وسوق الأدلة على ذلك بأساليب مختلفة شبه ما سبق له في حديث الحديبية، وفي حديث براءة، لتمكين ذلك في النفوس فهو متّهم في ذلك.
فصل
ومما يتهم به الزهري.
ما أخرجه البخاري(3) ومسلم(4) من طريق الزهري عن أبي هريرة قال: لما توفي رسول اللهً واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول اللهً: ((أمرت أن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قال لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله))؟ فقال: والله لأُقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول اللهً لقاتلتهم على منعه.
وأخرجه النسائي في سننه(5) من طريق الزهري عن أنس بن مالك، قال: لما توفي رسول اللهً ارتدّت العرب، فقال عمر: يا أبا بكر، كيف تقاتل العرب؟ فقال أبو بكر: إنما قال رسول اللهً: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله -إلى قوله-: والله لو منعوني عناقاً...إلى آخره.
وأخرجه من طريق الزهري عن أبي هريرة كما في البخاري ومسلم.
__________
(1) صحيح البخاري ج1 ص165.
(2) صحيح مسلم ج4 ص142.
(3) صحيح البخاري ج8 ص140.
(4) صحيح مسلم ج1 ص200.
(5) سنن النسائي ج7 ص76.
النكارة على ذلك
هي دعوى الردة على الذين قاتلهم أبو بكر من أجل منعهم الزكاة مع الاعتراف بأنهم يشهدون الشهادتين، ومع أن ليس في جواب أبي بكر ما يثبت ردّتهم غير منع الزكاة، ولا أنهم ارتدّوا بنفي شرعية الزكاة، بل في الرواية: لو منعوني عقالاً أو عناقاً مما كانوا يؤدونه إلى رسول اللهً لقاتلتهم.
فدلّ على أن القتال لأجل المنع نفسه، وأنه نَزَّل نفسه منزلة الرسولً وعلى أنه لا ردّة منهم صريحة.
وحينئذ فلا نسلّم الردة منهم؛ لأن امتناعهم من تسليم الزكاة إلى أبي بكر ليس ردّة، ولا دليل على أنهم جحدوا شرعية الزكاة.
التهمة للزهري في هذه الرواية
إنه أراد تبرير قتال أبي بكر للذين امتنعوا من تسليم الزكاة فهو متهم بقصده نصرة أبي بكر بتنزيهه عن قتال المسلمين بغير حق شرعي، وجعله قتال القوم فضيلة ونصرة للإسلام وحماية للدين اكتسب ذلك الفضل وتلك النصرة للإسلام والحماية أبو بكر، بزعم الزهري.
هذا، وقد بقيت روايات مما يتهم فيه الزهري نترك تفصيلها اكتفاء بما قد فصلناه وذلك:
كروايته: اللهم، أمض لأصحأبي هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم.
وروايته لحديث سبيعة بلفظ: قد حللت حين وضعت، دون مجرد الإذن لها بالتزوج، حين شكت إليهً ليدلّ على تعليق الحلّ على الوضع، لا على الشكوى إلى رسول اللهً.
وروايته في جلود الميتة، إنما حرم أكلها، بهذا اللفظ.
أما روايته في حديث سبيعة فأخرجها البخاري معلقاً(1) ومسلم(2) وروايته في جلد الميتة في البخاري(3) ومسلم(4).
وكروايته التي أخرجها مسلم(5) عن الزهري عن عروة عن عائشة: أن النبيً كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح عنه بيده رجاء بركتها. انتهى.
__________
(1) صحيح البخاري ج5 ص13.
(2) صحيح مسلم ج10 ص108.
(3) صحيح البخاري ج6 ص231.
(4) صحيح مسلم ج4 ص51 وص52.
(5) صحيح مسلم ج14 ص182.
وقد روى مسلم هذه الرواية عن عروة من غير طريق الزهري بلفظ: لما مرض مرضه الذي مات فيه، جعلت أنفث عليه وأمسحه بيد نفسه.
وهذا لا يدل على التكرار كرواية الزهري، بل يدل على الشروع في العمل والأخذ فيه.
ومثلها رواية البخاري عن الزهري عن عروة بلفظ: طفقت أنفث، ليس فيها دلالة على التكرار، بل هي تحتمل مجرد الشروع مرة كما يشعر به ما رواه مسلم(1) من غير طريق عروة ولا الزهري، بل عن مسروق عن عائشة قالت: كان رسول اللهً إذا اشتكى منا إنسان مسحه بيمينه، ثم قال: ((أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً)) فلما مرض رسول اللهً وثقل أخذت بيده لأصنع به نحو ما كان يصنع فانتزع يده من يدي ثم قال: ((اللهم اغفر لي واجعلني مع الرفيق الأعلى)) قالت: فذهبت أنظر فإذا هو قد قضى.
ففي هذا دلالة على أن المحاولة كانت مرة محاولة يائسة، فضلاً عن وقوع ذلك مرة، فضلاً عن تكراره.
فالزهري متّهم في رواية التكرار، وتحقيق الوقوع، وذلك بحبه تفضيل عائشة كما يصنع في أبي بكر وعمر.
وبهذا يتم الفصل الأول الذي جعلناه لذكر روايات يتّهم فيها الزهري، ويليه الفصل الثاني في الزهري مع بني أمية.
__________
(1) صحيح مسلم ج14 ص180.
الفصل الثاني في سيرة الزهري مع بني أمية
قال ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة الأعمش(1) ما لفظه: وحكى الحاكم عن ابن معين أنه قال: أجود الأسانيد الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبدالله، فقال له إنسان: الأعمش مثل الزهري؟
فقال: برئت من الأعمش أن يكون مثل الزهري، الزهري يرى العرض الإجازة، ويعمل لبني أمية، والأعمش فقير صبور مجانب للسلطان ورع عالم بالقرآن. انتهى.
ولا يخفى ما في آخر الكلام من التعريض بأن الزهري ليس ممن يوصف بالورع.
ويؤكده أنه لم يثبت عن أحد من علماء الجرح والتعديل وصفه بالورع، مع حرص جمهور القوم على رفع شأنه، فلو كان من أهل الورع لوصفوه به، ولأكثروا في ذلك.
وقال علامة العصر عمّي الحسن بن الحسين الحوثي رحمه الله في تعليق الشافي حاكياً عن الإقبال للسيد المهدي ما لفظه: وحكى الذهبي أي عن الزهري أنه قال: نشأت وأنا غلام، فاتّصلت بعبد الملك بن مروان، ثم توفي عبدالملك فلزمت ولده الوليد، ثم سليمان، ثم عبدالعزيز، ثم لزمت هشام بن عبدالملك. انتهى المراد، ولعله في ميزان الذهبي.
__________
(1) تهذيب التهذيب ج4 ص225.
وقال الذهبي في الميزان، في ترجمة خارجة بن مصعب(1) قال أحمد بن عبدربه المروزي: سمعت خارجة بن مصعب يقول: قدمت على الزهري وهو صاحب شرط بني أمية، فرأيته يركب، وفي يده حربة، وبين يديه الناس في أيديهم الكابركوبات! فقلت: قبّح الله ذا مِن عالم...إلى آخره.
قوله: (الكابركوبات) لعلّه مولّد من الكِبَار والكوبات أي الطبول والبرابط، والبرابط جمع بربط وهو العود، كما في القاموس.
وفي تذكرة الحفّاظ للذهبي(2) في ترجمة الزهري: قال الليث: كان من أسخى الناس، وقال غيره: كان جنديّاً! جليلاً!!.
وقال الزمخشري في الكشاف في تفسير قوله تعالى: {وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}[هود:113]الآية في أواخر سورة هود ما لفظه: ولما خالط الزهري السلاطين كتب إليه أخ له في الدين:
عافانا الله وإياك أبا بكر من الفتن، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يدعو لك ويرحمك أصبحت شيخاً كبيراً وقد أثقلتك نعم الله بما فهّمك الله من كتابه وعلّمك من سنة نبيه، وليس كذلك أخذ الله الميثاق على العلماء، قال الله سبحانه: {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ}[آل عمران:187].
__________
(1) الميزان للذهبي ج1 ص315.
(2) تذكرة الحفاظ ج1 ص103.
واعلم أن أيسر ما ارتكبت، وأخفّ ما احتملت أنك آنست وحشة الظالم، وسهّلت سبيل الغي بدنوِّك ممن لم يؤد حقاً ولم يترك باطلاً حين أدناك، اتخذوك قطباً تدور عليك رحى باطلهم، وجسراً يعبرون عليك إلى بلائهم، وسلماً يصعدون فيك إلى ضلالهم، يُدخلون بك الشك على العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهلاء.
فما أيسر ما عمّروا لك في جنب ما خرّبوا عليك، وما أكثر ما أخذوا منك في جنب ما أفسدوا عليك من دينك.
فما يؤمنك أن تكون ممن قال الله فيهم: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}[مريم:59].
فإنك تعامل من لا يجهل ويحفظ عليك من لا يغفل، فداوِ دينك فقد دخله سقم، وهيئ زادك فقد حضر السفر البعيد، وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء، والسلام.
وقد روى هذا قبل الزمخشري الإمام الموفق بالله أحد أئمة الزيدية في كتاب الاعتبار وسلوة العارفين، في باب مداناة العلماء من الأمراء ومخالطتهم باختلاف يسير.
وفي كتاب الإمامة والسياسة المعروف بتاريخ الخلفاء لابن قتيبة(1) حكاية كلام أبي حازم لسليمان بن عبدالملك، وساق ذكر المحاورة بينهما حتى قال(2) قال الزهري: إنه لجاري منذ ثلاثين سنة ما كلّمته قطّ.
قال أبو حازم: صدقت لأنك نسيت الله ونسيتني، ولو ذكرت الله لذكرتني.
قال الزهري: أتشتمني؟
قال له سليمان: بل أنت شتمت نفسك، أما علمت أن للجار حقاً.
قال أبو حازم: إن بني إسرائيل لما كانوا على الصواب كانت الأمراء تحتاج إلى العلماء وكانت العلماء تفر بدينها من الأمراء، فلما رُئي قوم من أراذل الناس تعلموا العلم وأتوا به الأمراء استغنت الأمراء عن العلماء واجتمع القوم على المعصية فسقطوا وهلكوا، ولو كان علماؤنا هؤلاء يصونون علمهم لكانت الأمراء تهابهم وتعظّمهم.
فقال الزهري: كأنك إيّاي تريد، وبي تعرّض.
__________
(1) تاريخ الخلفاء ج2 ص88.
(2) تاريخ الخلفاء ج2 ص90.
قال: هو ما تسمع. انتهى المراد.
وفي ترجمة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام من تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر(1) أنبأنا جعفر بن إبراهيم الجعفري قال: كنت عند الزهري أسمع منه، فإذا عجوز قد وقفت عليه فقالت: يا جعفري، لا تكتب عنه، فإنه مال إلى بني أميّة، وأخذ جوائزهم.
فقلت: مَن هذه؟ قال: أختي رقيّة، خرفت!
قالت: [بل] خرفت أنت، كتمت فضائل آل محمد... إلى آخره.
وقال الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة عليه السلام في الشافي، في بحث رواية صلاة أبي بكر بالناس، في مرض رسول اللهً: والزهري، وهو لسان بني أمية والخاصة لهشام بن عبدالملك الجبّار العنيد.
وقال عليه السلام بعد ذلك الكلام بقليل: وابن شهاب مائل إلى الدنيا، أعان الظلمة من بني أميّة على ملكهم بعلمه، وأصاب من دنياهم نصيباً وافراً. انتهى.
وهذا جرح من هذا الإمام العظيم بصيغة الجزم، ومحقّق لسبب الجرح صحيح.
وأخرج ابن المغازلي في المناقب(2) بسنده عن معمر عن الزهري حديثاً في فضل علي عليه السلام ثم قال معمر: حدّثني الزهري -وقد حدثني في مرضة مرضها، ولم أسمعه يحدّث عن عكرمة قبلها أحسبه: ولا بعدها- فلما بلّ من مرضه ندم، فقال: يا يماني، اكتم هذا الحديث واطوه، فإن هؤلاء -يعني بني أمية- لا يعذرون أحداً في تقريظ علي وذكره.
قلت: فما بالك أوعبت مع القوم يا أبا بكر، وقد سمعت الذي سمعت؟
قال: حسبك يا هذا، إنهم شركونا لي لهائِهم فانحططنا في أهوائهم. انتهى.
قال في القاموس في تفسير: (اللّهوة) بالضم والفتح: ما ألقيته في فمّ الرحى والعطية أو أفضل العطايا وأجزلها، كاللهية، والحفنة من المال أو الألف من الدنانير والدراهم لا غير.
ثم أفاد في القاموس: إنه يجمع على لَهاءٍ ولِهاءٍ بفتح اللام وكسرها.
__________
(1) تاريخ دمشق، ترجمة الإمام علي عليه السلام ج2 ص73.
(2) المناقب للمغازلي ص141.
وهذا الذي نقلته من مناقب ابن المغازلي نقلته من النسخة المطبوعة، وقد رواه السيد العلامة عبدالله بن الهادي القاسمي في كتابه حاشية كرامة الأولياء عن ابن المغازلي بلفظ: (حسبك، إنهم شركونا في إمارتهم فانحططنا لهم في أهوائهم). انتهى، وأظنه نقله من نسخة خطيّة.
وفي مجموع الهادي والقاسم عليهما السلام عن القاسم بن إبراهيم عليه السلام ما لفظه: وليس [يصح] ما في أيدي هذه العامة من تفسير هذه الآية المحكمة عن ابن شهاب، ولا من كان من لفيفه وأصحابه، الذين كانوا لا يعدلون بطاعة بني أمية وما أشركوهم فيه من دنياهم الدنيّة، فلم يبالوا(1) مع ما سلم لهم منها ما حاطوا به ودفعوا به عنها من تلبيس لتنزيل، أو تحريف لتأويل، وابن شهاب لما كان [من] كثرة وفادته إليهم معروف، وبما كان له من كثرة الضياع والغلّة، بهم موصوف. انتهى.
ورواه عن القاسم عليه السلام الشرفي في تفسير آل محمد المسمى المصابيح، عند قول الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ}[المائدة:33].
قلت: يقرّب إلى هذا أمران:
الأول: أن ابن حجر قال في مقدمة فتح الباري(2) في ترجمة عكرمة: وأما قبوله لجوائز الأمراء فليس ذلك بمانع من قبول روايته، وهذا الزهري قد كان في ذلك أشهر من عكرمة.
__________
(1) في الأم: (فلم ينالوا) بالنون، وأظن النقط من غلط النساخ، وأن الصواب (يبالوا) بالموحدة من أسفل.
(2) فتح الباري ص427.
الأمر الثاني: الروايات عن الزهري العديدة الدالة بمجموعها على مخالطته لأمراء الأموية، وهي مفرّقة مع روايات تجرّ إلى ذكر ذلك نحو ما أخرجه البخاري(1) من النسخة المجردة عن الشروح بسنده إلى الزهري قال: قال لي الوليد بن عبدالملك: أَبلغك أن علياً كان في من قذف عائشة؟ قلت: لا، ولكن قد أخبرني رجلان من قومك أبو سلمة بن عبدالرحمن، وأبو بكر بن عبدالرحمن بن الحارث: أن عائشة (رض) قالت لهما: كان علي مسلِّماً في شأنها. انتهى.
وهذا دليل على انحراف الزهري وميله، وأنه أراد التقرب إلى الوليد بهذه الرواية التي لم يُسأل عنها، إنما سئل عن القذف، وقد كان يكفيه أن يقول: لا، لم يبلغني.
وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة الزهري(2): وروى عنبسة عن يونس عن ابن شهاب قال: وفدت إلى مروان، وأنا محتلم.
وفي ترجمته أيضاً(3): وقال سعيد بن عبدالعزيز، سأل هشام بن عبدالملك الزهري أن يملي على بعض ولده فدعا بكاتب فأملى عليه أربعمائة حديث، ثم إن هشاماً قال: إن ذلك الكتاب قد ضاع فدعا الكاتب فأملاها عليه...إلى آخره.
والغرض الإشارة إلى ما هو من هذا القبيل من الروايات الدالة على مخالطة الزهري للأموية فأما ترجمته في تهذيب التهذيب وغيره ففيها مدح كثير بالحفظ أو بالعلم وكثرة الحديث.
فأما المدح بالزهد أو الورع فلم نجد له شيئاً.
وقد وقعت كلمة مصحّفة في خلاصة تهذيب الكمال وهي للخزرجي ففيها عن مالك أنه قال في الزهري: كان من أسخى الناس وتقياً، ما له في الناس نظير. انتهى.
__________
(1) صحيح البخاري ج5 ص60.
(2) تهذيب التهذيب ج9 ص451.
(3) تهذيب التهذيب ج9 ص449.