أخرج البخاري(1) في قصة الحديبية فقال عمر: فأتيت نبي اللهً فقلت: ألست نبي الله حقاً؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قلت: فَلِمَ نعطي الدنيّة في ديننا إذاً؟ قال: إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري، قلت: أوليس كنت تحدثنا: أنا سنأتي البيت فنطوف به؟ قال: بلى فأخبرتك: أنا نأتيه العام؟ قال: قلت: لا، قال: فإنك آتيه ومطوّف به.
قال: فأتيت أبا بكر فقلت: يا أبا بكر، أليس هذا نبي الله حقاً؟ قال: بلى، قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى، قلت: فَلِمَ نعطي الدنيّة في ديننا إذاً؟ قال: أيها الرجل، إنه لرسول اللهً وليس يعصي ربه وهو ناصره، فاستمسك بغرزه، فوالله إنه على الحق، قلت: أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا، قال: فإنك آتيه ومطوّف به.
قال الزهري: قال عمر: فعملت لذلك أعمالاً. انتهى المراد.
وهذا، لكونه من طريق الزهري مظنة أن يكون قد خاف منه الزهري أن ينتقص به عمر؛ لأن لجاج عمر في الجدال وعدم اكتفائه بالجواب الذي رواه عن رسول اللهً حتى ذهب يجادل أبا بكر.
وفي الجواب الأول: ((إني رسول الله)) بإن المؤكدة للخبر، وفي الجواب الثاني: (إنه لرسول الله) بإن واللام لزيادة التأكيد، ثم قوله: فوالله إنه على الحق، لإتمام التأكيد بالقسم، وقوله: الزم غرزه، فذلك كله يشير إلى أن ظاهر عمر في تلك الحال هو الشك والارتياب، وذلك مما يهم الزهري، فكان مظنة محاولة تقرير أن عروض الشك لا بأس به؛ لأنه بزعم روايته، يعرض للأنبياءٍ.
ويحتجّ الزهري لذلك بروايته: نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى}[البقرة:260].
هذا وقد قيل فيه تأويل بأن المراد نحن أحق بالشك من إبراهيم لو شكّ! فيكون المراد أن إبراهيم لم يشك، ويكون الكلام خارجاً مخرج التنزيه.
__________
(1) صحيح البخاري ج3 ص182.
والجواب: أنه بعيد؛ لأن عبارة التنزيه أن يقول: (لم يشكّ إبراهيم أو يقول: هو أبعد منا عن الشكّ)؛ لأن التنزيه أن ينفي عنه الشك أو يأتي بعبارة تفيد نفيه، ولا يفيد نفيه إلا أن يقول: (هو أبعد عن الشك) مثلاً فأما أن يقول: ((نحن أحق بالشك)) فليس نفياً للشك، بل هو تقريب لوقوعه.
نعم لو قال: (نحن احق بالشك من إبراهيم لو شكّ) لصحّ ذلك نفياً للشك من أجل زيادة (لو شك) لأنها تدل على امتناع الشك، فأما مع عدم هذه الزيادة فليس في الكلام نفي للشك.
والفرق بين قوله: ((نحن أحق بالشك)) من دون زيادة (لو شك) وبين قولك: (نحن أحق بالشك لو شك) بزيادة (لو شك) كالفرق بين قولك: (أنا صديقك) وقولك: أنا صديقك لو أحسنت إليَّ) فإن الفرق واضح.
فالتأويل الذي ذكروه تعسّف.
وقد جعلوه من التواضع!
وهذه شرّ من الأولى؛ لأن رسول اللهً لا يكذب للتواضع، فكيف يقول -كما زعمتم-: إنه أحق بالشك، مع أنه أبعد عنه، ولكنه قاله تواضعاً؟! فهل هذا إلا تكذيب للرسولً؟
مع أنه يجعل العبارة قاصرة لا تليق بمن هو أفصح العرب وأبلغها، وذلك لأن الكلام إذا كان مسوقاً لنفي الشك عن إبراهيم عليه السلام فإن مقتضى الحال ذكر ما يفيد النفي؛ لأنه محط الفائدة الذي سيق له الكلام، وذلك طريقة حسن البيان، فأما أن يذكر ما يوهم عدم البراءة من الشك، ويحذف ما يفهم البراءة الذي هو كلمة (لو شك) مثلاً فليس ذلك من حسن البيان، بل هو قصور في العبارة، ومخالفة لطريقة حسن البيان، وذلك لا يليق نسبته إلى رسول اللهً؛ لأنه لا يليق به إنما هو شأن أهل العجز والعيّ كقول الشاعر:
والعيش خير في ظلال النو ... كِ ممّن عاش كداً
بل أضعف منه وأبعد عن حسن البيان من هذا البيت الذي أراد صاحبه أن العيش الناعم في ظلال النوك -أي الحمق- خير ممن عاش كدّا في ظلال العقل.
مع أن روايتهم هذه تفيد أن إبراهيم عليه السلام أرسخ في الإيمان وأعلم بالله من محمدً ومقتضى ذلك أن يكون إبراهيم أخشى لله لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر:28] وذلك يستلزم أن يكون إبراهيم أفضل من محمد صلى الله عليهما وآلهما! وذلك ينافي رواية العامة في حديث الشفاعة الطويل الذي التمس الناس فيه الشفاعة من آدم ثم نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى وكلهم عجز عنها ولم يصلح لها إلا محمدً.
فكيف يكون مع هذه الرواية أحق بالشك من ابرهيم عليهم الصلاة والسلام أجمعين.
الفائدة الرابعة عشرة
أخرج البخاري(1) عن عبيدة بن عمير سمعت عائشة تزعم أن النبيً كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلاً، فتواصيت أنا وحفصة أن أيّتنا دخل عليها النبيً فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير، أكلت مغافير، فدخل على إحداهما فقالت ذلك له فقال: لا بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش، ولن أعود له، فنزلت: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ الله لَكَ -إلى قوله:- إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ}[التحريم:1-4] لعائشة وحفصة. انتهى المراد.
وروى البخاري أيضاً هذه القصة(2) بزيادة (وقد حلفت) وفي الأولى زيادة ذكر نزول الآية.
الفائدة الخامسة عشرة
في مجموع زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليه السلام أنه سأل عثمان بن عفان أن يحجر على -عبد الله بن جعفر (رضي الله عنهما) وذلك أنه بلغه أنه اشترى شيئاً فغبن فيه بأمر مفرط.
وفي تهذيب التهذيب في ترجمته قال الزبير: (وكان عبد الله بن جعفر جواداً ممدّحاً).
قال ابن حجر في تهذيب التهذيب: (وأخباره في الكرم شهيرة).
وقال ابن حبان: كان يقال له: قطب السخا.
__________
(1) صحيح البخاري ج7 ص232.
(2) صحيح البخاري ج6 ص68.
قال ابن حجر: وروى ابن عساكر في تاريخه عن عبد الملك بن مروان قال: سمعت أبي قال: سمعت معاوية يقول: (رجل بني هاشم عبدالله بن جعفر، وهو أهل لكل شرف، لا والله ما سابقه أحد إلى شرف إلا وسبقه).
وقال يعقوب بن سفيان: أمّره علي في صفّين. انتهى.
... ... ... والفضل ما شهدت به الأعداء
هذا، وكلما وجدت فضيلة لبني هاشم، وأمكن القوم أن يسرقوها لغيرهم، فإنهم مظنة أن يفعلوا، فلا تكاد ترى فضيلة إلا وقد سرقوها لغيرهم، كما يعرف ذلك بالاستقراء، حتى رووا سدّ الأبواب إلا باب أبي بكر، وروى بعضهم: أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى، وغير ذلك كثير.
ولا يبعد عندي أن رواية الزهري في سخاء عائشة من هذا القبيل، انظر روايته في البخاري(1) حيث روى عن ابن الزبير أنه قال: لتنتهينّ عائشة أو لأحجرنّ عليها.
الفائدة السادسة عشرة
روى الزمخشري في كشافه قصة نذر علي وفاطمة عليها السلام وجاريتهم فضّة بالصوم ووفائهم بالنذر وإطعامهم المسكين واليتيم والأسير -إلى قوله-: فلما أصبحوا أخذ علي بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلى رسول اللهً وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع -إلى قوله-: فنزل جبريل فقال: خذها يا محمد في أهل بيتك، فأقرأه السورة.
قال ابن حجر في تخريجه: أخرجه الثعلبي من رواية القاسم بن بهرام عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عباس. انتهى المراد.
وقد أشار بعد هذا إلى الرواية المشتملة على الشعر، وذكر من تكلم فيها وحكم بوضعها وحده، أما بقية الرواية فتشهد لها الرواية الخالية عن الشعر.
وقد رواها الهادي عليه السلام في أوائل الأحكام وابن المغازلي في المناقب(2).
قال صاحب حاشية المناقب: أخرجه أرباب التفسير -إلى قوله-: وأخرجه ابن الأثير في أسد الغابة(3) وقال: أخرجه أبو موسى.
__________
(1) صحيح البخاري ج7 ص90.
(2) مناقب المغازلي ص272.
(3) أسد الغابة ج5 ص530.
وهكذا أخرجه ابن حجر في الإصابة(1) -إلى قوله-: وأخرجه الكنجي -إلى أن قال-: ورواه الحاكم أبو عبد الله في مناقب فاطمة عليها السلام ورواه ابن جرير أطول من هذا. انتهى.
قلت: لم أجده في تفسيره فينظر!.
وفي الدر المنثور للسيوطي(2): وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ}[الإنسان:8]الآية، قال: نزلت هذه الآية في علي بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول اللهً. انتهى.
وأخرجه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل بإسناده عن علي عليه السلام وابن عباس وزيد بن أرقم، وحقق هناك أن السورة مدنيّة، وذكر في أول الكتاب أنها سبب تأليفه، والكتاب مرتّب على ترتيب سور القرآن.
الفائدة السابعة عشرة: متعلّقة بحديث الشورى
إن فضل علي لا إشكال فيه ولا خفاء، هذا عند الإنصاف في عهد الشورى قبل أن تلد أكاذيب العثمانية.
أما علي عليه السلام فيكفي في الدلالة عليه حديث الغدير، وحديث المنزلة، فضلاً عما لا يخفى من كماله وسبقه إلى الإسلام وتفوقه في الجهاد وفي العلم وفي العدالة، فإن تفوقه في هذه الخِلال مما لا يخفى عند من أنصف.
والباب يستدعي كتأبا مستقلاً لتحقيق ذلك على طريقة التفصيل، وفي كتب الفضائل تمام البحث، فراجع كتب الفضائل الخاصة بعلي عليه السلام وأهل البيتٍ تجد أنه لا يقاس بعلي عليه السلام أحد من أهل الشورى.
ومما يدل على ذلك لمن حقق وأنصف ما أخرجه البخاري في صحيحه(3) أن رسول اللهً قال لعلي: ((أنت مني وأنا منك)) في حديث تنازع جعفر وزيد بن حارثة وعلي عليه السلام في بنت حمزة.
__________
(1) الإصابة في معرفة الصحابة ج4 ص376.
(2) الدر المنثور ج6 ص299.
(3) صحيح البخاري ج3 ص168، وج5 ص185.
ففي الحديث دلالة على فضل عظيم لعلي عليه السلام فإن قوله: ((أنت مني وأنا منك)) خصوصية وفضيلة لعلي عليه السلام خصّه بها دون جعفر وزيد، كما جعل لكل منهما خصوصية، فدلّ على أنه هو ورسول اللهً كالشيء الواحد وأن علياً عليه السلام بمنزلة بعض رسول اللهً على الإطلاق، إلا فيما لا يخفى اختصاصه به كالنبوة المستثناة في حديث المنزلة.
وذلك يدل على عموم الفضائل وكمالها، ويؤكد ذلك ويوضحه قوله: ((وأنا منك)) فإنه لا يجعل نفسه الشريفة كالجزء من علي إلا وهما متشابهان في الكمال، وإلا كان الكلام تنزيلاً للرسولً وذلك لا يقوله رسول اللهً الذي لا ينطق عن الهوى.
فإن قيل: ليس المراد تشبيه كل منهما ببعض الآخر في جميع الفضائل وكمالها، وإنما المراد أن قوة الولاية بينهما والاتصال المعنوي والائتلاف الروحي صيّرهما كالشيء الواحد، وصيَّر كل واحد كالجزء من الآخر بهذا المعنى، أي إنه في اتصاله به بالغ نهاية الاتصال، حتى كأنه جزء منه، وهذا كافٍ لإثبات خصوصية له تخصه دون جعفر وزيد؛ لأنه يدل على أنهما ليسا في الاتصال برسول اللهً إلى هذا الحدّ، وإن كان يحبهما ولهما به صلة وثيقة ليست لغيرهما من كبار الصحابة، كما تدل على ذلك الروايات فيهما.
قلنا: فهذا دليل على أنه لا يقاس بعلي عليه السلام أحد من الصحابة.
وعلى أي التفسيرين حمل قولهً: ((أنت مني وأنا منك)) فهو دليل واضح على ما ذكرناه من أن علياً عليه السلام لا يقاس به أحد من أهل الشورى مع أن الفرق بين التفسيرين إنما هو اعتباري ومرجعهما واحد.
هذا، وقد أخرج الحديث أحمد بن حنبل في مسنده(1) وأخرجه أيضاً(2) بلفظ: ((أما أنت يا جعفر فأشبهت خلقي وخُلقي، وأما أنت يا علي فمني وأنا منك، وأما أنت يا زيد فأخونا ومولانا)).
__________
(1) مسند أحمد ج1 ص115.
(2) مسند أحمد ج1 ص98.
وأخرجه أيضاً(1) عن علي عليه السلام قال: أتيت النبيً وجعفر وزيد فقال لزيد: ((أنت مولاي)) فحجل، وقال لجعفر: ((أنت أشبهت خلقي وخُلُقي)) قال: فحجل وراء زيد، قال: وقال لي: ((أنت مني وأنا منك)) قال: فحجلت وراء جعفر.
قلت: هذه الحجلة تعبّر عن الفرح الحادث بحدوث العلم بهذه الفضيلة، وذلك يدل على صحة التفسير لهذا الحديث بما ذكرناه.
وأخرجه الحاكم في المستدرك(2) وصححه وأقرّه الذهبي، وأفاد الحاكم أنه أخرجه البخاري ومسلم عن البراء مختصراً.
وقد نقلته من البخاري فأما مسلم فلم أجده فيه، وأخرجه الترمذي في جامعه(3).
وأخرج أحمد في مسنده(4) عن أبي بكر: أن النبيً بعثه ببراءة لأهل مكة إلى قوله: ثم قال لعلي (رضي الله تعالى عنه): الحقه، فردّ عليّ أبا بكر وبلّغها أنت، قال: ففعل.
قال: فلما قدم على النبيً أبو بكر بكى قال: يا رسول الله حدث فيّ شيء؟! قال: ((ما حدث فيك إلا خير، ولكن أمرت أن لا يبلغه إلا أنا أو رجل مني)).
وأخرج أحمد في المسند أيضاً(5) والحاكم في المستدرك(6) نحوه عن ابن عباس بلفظ: ((ثم بعث فلاناً بسورة التوبة فبعث علياً خلفه فأخذها منه قال: لا يذهب بها إلا رجل مني وأنا منه)).
وأخرجه أحمد في المسند أيضاً(7) عن علي عليه السلام مثل رواية أبي بكر بلفظ: ورجع أبو بكر إلى النبيً فقال: يا رسول الله نزل فيّ شيء؟ قال: ((لا، ولكن جبريل جاءني فقال: لن يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك)).
__________
(1) مسند أحمد ج1 ص108.
(2) مستدرك الحاكم ج3 ص120.
(3) الجامع الصحيح للترمذي ج5 ص635.
(4) مسند أحمد ج1 ص3.
(5) مسند أحمد ج1 ص331.
(6) مستدرك الحاكم ج3 ص133.
(7) مسند أحمد ج1 ص151 .
وأخرج أحمد في المسند(1) قال: حدثنا يحيى بن آدم وابن أبي بكير قالا: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن حبشي بن جنادة قال يحيى بن آدم السلولي (أي حبشي بن جنادة السلولي) وكان قد شهد يوم حجة الوداع قال: قال رسول اللهً: ((علي مني وأنا منه ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي)).
وقال ابن بكير: ((لا يقضي عني ديني إلا أنا أو علي)) وأخرج أيضاً(2) قال: حدثنا الزبيري أي أبو أحمد محمد بن عبد الله الزبيري حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن حبشي بن جنادة مثله.
وأخرج هنالك أيضاً: ثنا أسود بن عامر أنبأنا شريك عن أبي إسحاق عن حبشي بن جنادة السلولي قال: سمعت رسول اللهً يقول: ((علي مني وأنا منه ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي)).
وأخرجه هناك أيضاً حدثنا يحيى بن آدم حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن حبشي بن جنادة السلولي قال: سمعت رسول اللهً يقول: ((علي مني ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي)).
وأخرجه هناك أيضاً حدثنا أبو أحمد حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن حبشي بن جنادة السلولي وكان قد شهد حجة الوداع قال: قال رسول اللهً: ((علي مني وأنا منه ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي)). انتهى.
وهذا السند صحيح على أصل البخاري ومسلم: فأحمد بن حنبل وأبو أحمد الزبيري وإسرائيل وأبو إسحاق كل هؤلاء من رجالهما، ومن مشاهير أئمة المحدثين:
فأما حبشي بن جنادة، فذكر في تهذيب التهذيب أنه صحأبي وأنه شهد حجة الوداع.
قلت: وكذلك رواه أحمد بن حنبل في مسنده كما قدّمنا عن يحيى بن آدم وهو من كبار علماء الحديث وعدّه أحمد بن حنبل من الصحابة حيث جعل له في المسند مسنداً خاصاً به كسائر الصحابة، وترجم له بلفظ: (مسند حبشي بن جنادة السلولي رضي الله عنه). انتهى.
__________
(1) مسند أحمد ج4 ص164.
(2) مسند أحمد ج4 ص165.
ولم يذكر في تهذيب التهذيب خلافاً في كونه صحابياً، مع كون صحبته مذكورة في مسند أحمد، والسند إليه صحيح على شرط الشيخين، وفي بعض الروايات عنه التصريح بسماعه من رسول اللهً وذلك مما يدعو المخالفين إلى الخلاف في صحبته لو ساغ الخلاف عندهم.
قال في تهذيب التهذيب: وأخرج أبو ذر الهروي حديثه -أي حديث حبشي- في المستدرك المستخرج على الإلزامات. انتهى.
أي إن ذلك صحيح على شرط الشيخين لازم لهما تصحيحه؛ لكونه صحابياً على أصلهما.
وأخرج الحديث هذا الترمذي في جامعه(1) وقال السيد عبدالله بن الهادي في حاشية كرامة الأولياء في هذا الحديث: أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة. انتهى، ومثل ذلك ذكره في الجامع الصغير للسيوطي.
وأخرج أحمد في مسنده أيضاً(2) بسنده عن عمران بن حصين قال: بعث رسول اللهً سرية وأمّر عليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأحدث شيئاً في سفره -إلى قوله-: فقام رجل فقال: يا رسول الله إن علياً فعل كذا وكذا، فأعرض عنه، ثم قام الثاني فقال: يا رسول الله إن علياً فعل كذا وكذا، فأعرض عنه، ثم قام الثالث فقال: يا رسول الله إن علياً فعل كذا وكذا، فأعرض عنه، ثم قام الرابع فقال: يا رسول الله إن علياً فعل كذا وكذا.
قال: فأقبل رسول اللهً على الرابع وقد تغيّر وجهه، فقال: ((دعوا علياً دعوا علياً، إن عليا مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي)).
وسند هذا الحديث قال فيه السيد العلامة عبد الله بن الهادي في حاشية كرمة الأولياء: صحيح على شرط مسلم.
قلت: وأخرجه الترمذي في جامعه(3) وأخرجه الحاكم في المستدرك(4) بلفظ: ((ما تريدون من علي؟! إن علياً مني وأنا منه، وولي كل مؤمن)).
__________
(1) الجامع الصحيح للترمذي ج5 ص636.
(2) مسند أحمد ج4 ص437.
(3) الجامع الصحيح للترمذي ج5 ص632.
(4) مستدرك الحاكم ج3 ص111.
هكذا بإسقاط كلمة ((هو)) وكلمة ((بعدي)) ولعله من تغيير النساخ، فإن فرض أنه صحيح بالحذف المذكور أي بدون كلمة ((هو)) وبدون كلمة ((بعدي)) فهو مؤكد لما قلنا وأشرنا إليه من أن نزول علي عليه السلام بمنزلة بعض النبيً والنبيً بمنزلة بعض علي، يستلزم ثبوت الولاية لعلي عليه السلام وأنه أحق بها من سائر أهل الشورى؛ لأن قوله: ((وولي كل مؤمن)) يكون على ذلك الفرض خارجاً مخرج الاحتجاج لإصابة علي عليه السلام وخطئهم في الشكوى منه بأنه كالبعض من رسول اللهً مع أن رسول اللهً ولي كل مؤمن، أي فلعلي ولاية يصحّ بها تصرّفه فيما فعل، وأنه يجب احترامه والرضا بحكمه كما يجب للرسولً ويحرم بغضه والشكاية منه كما يحرم بغض الرسولً والاعتراض عليه في حكمه، فدل ذلك على أنه يثبت له ما يثبت للرسولً إلا ما خصّه دليل.
فدل ذلك على أنه في كماله فوق الأمة كلها أهل الشورى وغيرهم، بعد رسول اللهً.
هذا، وحديث المستدرك هذا صحّحه الحاكم على شرط مسلم، ولم يعترضه الذهبي في تلخيصه.
وفي الدر المنثور للسيوطي(1) عند ذكر قول الله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ}[هود:17] أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (ما من رجل من قريش إلا نزل فيه طائفة من القرآن فقال له رجل: ما نزل فيك؟ قال: أما تقرأ سورة هود {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ}[هود:17] رسول اللهً على بينة من ربه، وأنا شاهد منه).
وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن علي رضي الله عنه في الآية قال: (رسول الله على بينة من ربه، وأنا شاهد منه).
وأخرج ابن مردويه من وجه آخر عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول اللهً: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} أنا.
{وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} قال: علي.
__________
(1) الدر المنثور ج3 ص324.